صفحة 1 من 1

السياسة الخارجية بين اعتبارات القوة والأخلاق..

مرسل: السبت نوفمبر 30, 2013 6:52 pm
بواسطة عبدالله الشعلان230




أعادت نهاية الحرب الباردة ذلك النقاش القديم حول دور الأخلاق فى السياسة الخارجية الأمريكية، هل يجب على الولايات المتحدة فيما يتعلق بسياستها العالمية أن تأخذ فى اعتبارها الجانب الإنسانى والقيمى أم أن هذا مقصور فقط على علاقات الأشخاص ببعض البعض بمعنى أن صانعى السياسة الخارجية الأمريكية لا يراعون سوى المصلحة القومية التى تعبر عن ذلك الحد الأدنى الذى تم ارتضاؤه بمقتضى الدستور والثقافة السياسية الأمريكية ولكن هذه المصلحة القومية ألا تشمل مجموعة من القيم والبارئ الأخلاقية؟ آذن كيف يمكن تجنب هذه المفارقة بين اعتبارات العقلانية والإرشادية النى يتحتم الأخذ بها وبين الاعتبارات المثالية والأخلاقية؟
يحاول هذا الكتاب شرح العديد من طرق وأساليب تقييم اختبارات السياسة الخارجية ناقدا كلا الاتجاهين المثالى الساذج والواقعى التقليدى معطيا اهتماما خاصا إلى قيمة التعقل والحذر أو ما يسميه العقلانية التجريبية التى هى قيمة جوهرية فى أية سياسة خارجية ناجحة لقد تحدث الكثيرون منذ أر سطو عن العلاقة بين العقلانية وفن إدارة الحكم، ولكن عندما نتحدث عن السياسة الخارجية والاعتبارات أخلاقية فإن الأمر يثير الكثير من الجدل ما بين مؤيدين ومعارضين للجانب الأخلاقى ولكل من الفريقين حججه القوية أو الضعيفة وأسبابه الجزئية على الأقل أول ما يثار هنا هو: هل الاعتبارات الأخلاقية مما فيه وحدها لتحديد وقيادة السياسة الخارجية؟ هذا السؤال يمكن الإجابة غلبه بطريقتين مختلفتين فإذا كان السؤال يدور حول ما إذا كانت الأخلاق تشمل كل المبادئ والنصائح الضرورية للحكومة لكنى تتصرف على نحو جيد وعقلانى، فإن الإجابة ستكون مؤكدة أما إذا كان السؤال يدور حول ما إذا كان الاعتماد على الأخلاق هو الذى يؤكد أن السياسة الخارجية جيدة وعقلانية، فإن الإجابة ستكون بالنفى فالمعايير ونماذج السلوك ليمض هى المحدد لمدى نجاح أى سياسة خارجية فى بحقوق أهدافها، حيث أن السياسة هى فى الغالب نتاج لمجموعة من الافتراضات الأخلاقية والحلول الوسط أحيانا تكون الاختيارات بين ألباك الأقل سوءا وليمت اكثر نفعا فالسياسة ليست موقفا يسمو فيه العدل والانتصار الأخلاقى فى صورتهما النقيه، فالسياسة هى مدينة البشر وليس مدينة الله وهؤلاء الذين يرفضون هده التفرقة ويخضعون لإغراء اليوتوبيا غالبا ما يفعلون الكثير من الشرود وإذا كان سلوك الإنسان لا يرقى إلى مرتبة الملائكة فإنه لا يجب أن يتشبه بهم مخيفا على نفسه صورة من صور الكمال وإلا فإن سلوكه سوف ينحدر إلى أسوأ درجات الحيوانية وإذا كانت الأخلاق لا تستطيع أن تصنع خبراء فى الهندسة أو الكيمياء فإنها بالضرورة ليعت كافية لكى تنتج رجال سياسة أكفاء.
أن ثمة صعوبة فى ترجمة النوايا الأخلاقية إلى سياسات عامة سوف ترتب حقوقا والتزامات على الأخربن ولقد تحدث الفلاسفة قديما عن أخلاق الحكام التى يعجب أن تكون مثالا فى الكمال باعتبارهم إرادة الله على الأرض أما الآن فإن الأمر مختلف فالإرادة أصبحت للعبث الذى يختار حكامه ويمتلك حق مساءلتهم وإذا كان توماس كوهن قد ميز لى كتابه عن بنية الثورات العلمية بين العلم الأخلاقى والعلم الثورى فإنه يمكن إضافة فئة أخرى هى العلم التنافسى الذى يثير دائما النقاش متى تغيرت الأهداف؟ الطرق والمفاهيم والحقائق المناسبة له لى إذا كانت السياسة الأخلاقية موجهة أساسا إلى الحفاظ على النظام القائم والقيم المرتبطة بهذا النظام، فإن السياسة الأمريكية لا تعتبر سياسة أخلاقية بهذا المعنى كما لا تعتبر سياسة ثورية، وإنما هى أقرب للسياسة التنافسية فهناك قدر كبير من عدم الاتفاق على كثير من القيم السياسية.
وبوجد فقط مجرد اتفاق على قواعد اللعبة السياسية.
إن مفردات الأخلاق والمعايير السلوكية التى يتبناها الأفراد فى تعاملاتهم الخاصة غير كافية لمناقشة أو اختبار السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فالسياسات التى يتم تبنيها هى خليط هن الأخلاقيات والقواعد العامة والشعارات وغيرها معا يمكن تسميته بالمصلحة القومية ويزداد الجدل ببن المؤيدين والمعارضين لاقتحام الأخلاق عالم السياسة فى حالة الحرب أو الأزمات الطاحنة فخلال حرب فيتنام كانت هناك العديد هن الأصوات التى تحذر من عاقبة التدخل الأمريكى فى فيتنام وتصف الساسة الأمريكيين بأنهم غير أخلاقيين ومن ناحية أخرى فإن هذا الاتجاه رفضه آخرون على اعتبار أن هذه السياسة الأخلاقية يمكن أن تؤدى إلى العديد من المخاطر، ذلك أن القيم والأخلاقيات يختلف تقدير ما من شخص لأخر ومن جماعة لأخرى كذلك فإن أتباع صانع السياسة الخارجية لنصائح هذه الفئة أو غيرها أو بناء على توقعاته لما سوف برضى الناس أخلاقيا لن يعفيه من المسئولية التى تقترض قدرا من العقلانية فى صانع السياسة.
ولهذا فإنه يجب أن نأخذ فى الاعتبار أن ثمة فارق بين الطبيعة الأخلاقية لسلوك الأفراد فى تعاملاتهم مع بعضهم البعض وبين الأخلاق فى مجال العمل السياسى ومرد هذا الخلاف إلى تباين طبيعة الأهداف والغايات السياسية المتبعة فى كلتا الفئتين من التعاملات، فالالتزامات الأخلاقية الملقاة على كاهل الدولة أقل من تلك الملقاة على الأفراد ففى مجال السياسة لا تعتبر كل الأخطاء جرائم ولا يحكون أن تعتبر كذلك ومن ناحية؟ نجرى فإن الأهداف والغايات السياسية للدولة تحتوى على نسق سياسى أوسع بتكثيرهن ذلك الذى يستطيع الفرد وحده الفرد يصنعه مثل العدل والنظام المدنى والأمن والرفاهية العامة فالأفراد من حيت قدراتهم السياسية هم مواطنون يمكنهم أن يشاركوا فى تامين هذه الأهداف ولكن شخصا واحدا لا يستطيع بمعزل عن الآخرين أن يضمن ذلك أضف إلى ذلك أن الشخص يستطيع أن يتصرف بنفسه ولنفسه مباشرة ولكن المسئول السياسى لا يتصرف من اجل نفسه فهو مجرد وكيل يعمل لحساب ومصلحة الآخرين ومن ثم فإن اعتباراته الأخلاقية لا بمكن ولا يجب آنى نجعلها تؤثر على مصالح الآخرين والفرد أيضا يستطيع أن يمتلك حياته الخاصة ويتفرد بها عن الآخرين ولكن أفراد الدولة هى أغراض عامة، فالفرد حينما يتصرف بعيدا عن السياسة فإنه يستطيع أن يؤثر على الأفراد الذين يعرفهم بصورة مباشرة وهو قادر على أن يلاحظ مباشرة نتائج تصرفاته التى هو مسئول عنها أما السياسى المتخصص وكذلك المواطن حين يمارس دورا سياسيا فهو يشارك فى عملية سياسية معقدة يصيح فيها من العسير تحديد قيمة وأثر الاعتبارات الخاصة بالغرد ذاته ناهيك عن أن الدولة تمتلك سلطة مركزية تتمتع بالقوة والشرعية وعليها التزام مماثل باستخدام هذه السلطة من أجل تحقيق غايات سياسية محددة سلفا وبينما يستطيع الفرر أن يكون سلبيا أو محايدا إزاء المشكلات العامة، فان الدولة لا تستطيع ذلك فى معظم الأحوال.
وإذ كانت الاعتبارات الشخصية والأخلاقية غير مناسبة لأغراض السياسة الخارجية وعلاقات الدولة مع غبرها من الدول، فول يعنى ذلك أن العلاقات بين الدول خالية من أية قيود أخلاقية سواء كانت هذه القيود ممكنة من الناحية النظرية على الأقل أو مرغوبة لهذا الدولة لكى تتفاعل بكفاءة مع غيرها من الدول، ودون الإشارة إلى الأخلاق؟ والحقيقة أن الأمريكيين لم يسمحوا بذلك طوال العقود الماضية ويتضح ذلك بصورة بارزة فى فترات الأزمات والقرارات المصيرية ومثال ذلك مشروع مارشال الذى تم بمقتضاه تخصيصى الكثير من الموارد الأمريكية لأغراض إعادة أعمار دول أوربا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية ومثل حرب فيتنام ففى هذه المناسبات أصدر العديد من الأمر إحكاما أخلاقية على السياسات التى اتبعها صانعو السياسة الخارجية وغالبا ما كان رد فعل هؤلاء القادة على ذلك أنهم يبررون هذه السياسات على أساس مقتضيات الموقف أو أن هذه السياسات قد تم اتخاذها بناء على توصيات الخبراء المتخصصين ويعد ذلك بمثابة رسالة أخلاقية موجهة إلى الشعب من القائد طاليا منهم المزيد من الثقة كذلك فإن مخاطر استخدام الأسلحة النووية وعدم جدوى تكديس المزيد منها بعد انتهاء التهديد السوفيتى قد أعادت الحديث عن أخلاقية استخدام هذه الأسلحة فى إبادة الإنسان ومن جانب آخر فان السياسة فيما بعد الحرب الباردة لم تعد تقتصر على مفاهيم السيادة والأمن بقدرها تدخلت فيها اعتبارات خاصة بالاعتماد المتبادل وظهرت قضايا جديدة لا يمكن التعامل معها بالقوة العسكرية مثل قضايا البيئة والتصحر والمجاعات التى تعانى منها الكثير من الدول فى أنحاء العالم.
ومن الموضوعات التى أثارت جدلا كبيرا حول السياسة الخارجية الأمريكية موضوع المساعدات اللأنسانية التى تقدمها الولايات المتحدة وغيرها بين الدول إلى الأقطار النامية ولقد لجا البعض إلى القول بان حسن النوايا يقتض وفقا للاعتبارات الإنسانية والأخلاقية أن من يملكون الأكثر يجب أن يعطوا هؤلاء الذين هم فى أمس الحاجة وان ذلك لا ينطبق ولا يجب أن ينطبق فقط على علاقات الأفراد ببعضهم البعض، وإنما أيضا فى مجال العلاقات الدولية فالولايات المتحدة تنتج بانتظام فائضا من المواد الغذائية، بينما تعانى العديد من الدول من المجاعات أو على الأقل من نقمى شديد فى المواد الغذائية ووجهة النظر الأخلاقية تقتضى سواء من الولايات المتحدة وحدها أو بالتعاون مع الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة أن توزع الغذاء الفائض على الدولة المحتاجة، أن خبرة الأمريكيين فى محاولتهم للاستجابة لذلك كانت دائما غبر سعيدة، وذلك بسبب العديد من النتائج غير المتوقعة والمعوق للإنتاج ناهيك عن أن المساعدات الغذائية تودى إلى تحولى نعط الاستهلاك فى الدول المتلقية للمساعدات من نمط الاستهلاك المعتمد على الإنتاج المحلى إلى الاعتماد على الخارج، إلى جانب أن هذه المساعدات تعوق سياسات الإصلاح الزراعى فى تلك الدول وغالبا ما تكون النوايا الحسنة غير كافية لتغيير الواقع، ولعل الوضع الصومال بريئا مثالا لما يمكن أن تصل إليه المأساة إن القرار السليم فى السياسة الخارجية ينبغى أن يقوم على العقلانية والعذر من ناحية، وأن يراعى المصلحة القومية وليس ما يراه صانع القرار أخلاقيا انه حسن وهذه المصلحة القومية بوجد قدر كبير من الاتفاق عليها فى الولايات المتحدة فالمكانة السياسية للمجتمع الأمريكى تمد صانع السياسة الخارجية بمجموعة من المبادئ السياسية والقيم السياسية وقواعد العمل التى ترشده فى مجال عمله، والتى فى إطارها يتم صنع السياسية الخارجية والعقلانية تعنى أن يتصرف صانع السياسة الخارجية مع الموقف المثار عن طريق تحليل المعلومات المتصورة والممكنة واختيار البديل المناسب موضوعيا من بين مجموعة البدائل المتاحة أمامه.
والواقع أن هاك اتجاها عاما فى الولايات المتحدة نحو التقليل من استخدام المصطلحات المعبرة عن الأحكام القيميه فى السياسة الخارجية، ومن ثم فإن الأحكام القيمة والأخلاقية إذا صدرت فأنها تقدم على إنها من قبيل حرية الرأى وليس من قبيل حرية الرأى وليس من قبيل الأخلاق ففى أعقاب حرب فيتنام للى ايجين مكارثى الذى كان معروفا بنزعته الأخلاقية أنه لا يعارض الحرب على أساس اعتبارات سياسية أو أخلاقية وإنما لأنها كانت مكلفة للغاية سواء من الناحية الاقتصادية أو البشرية، ولذا فإنها كانت حربا سيئة للغاية والغريب انه كان لا يدرك انه يرس مبدأ أخلاقيا عن مدى عدالة الخروج وبالمثل فإن الكثير من القادة عندما يحاولون أن يكونوا عقلانيين فانهم فى نفس الوقت يصدرون أحكاما أخلاقية وهذا يذكرنا بنساء موليير اللائى كن يقلن النثر دون أن يكن عالمات بذلك فليس من المهم أن يكن عالمات بالنثر ما دمن يقلنه جيدا كذلك فإنه ليس من المهم أن يدرك صانع السياسة الخارجية أنه يصدر أحكاما قيميه طالما انه يفعل ذلك بعقلانية وعل أية حال فإنه من الأفضل بالنسبة للمرء أن بكون عقلانيا عن أن يكون قادرا على مناقشة الأخلاق علميا.