منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#66756
أثر الاتفاق الودي لسنة 1904 م

على مستقبل المغرب ومصر السياسي



كان لموقع بلاد المغرب ومصر الاستراتيجي على خريطة السياسة العالمية أكبر الأثر في زيادة الأطماع الأجنبية على كل من الدولتين. فالمغرب يُعد مدخل القارة الأفريقية من الشمال الغربي؛ كما أن سواحله تمتد على البحر المتوسط من ناحية والمحيط الأطلسي من ناحية أخرى، وتشرف على جبل طارق. ومصر تعد مدخل القارة الأفريقية من الشمال الشرقي، وبها قناة السويس شريان الملاحة العالمية. ومن هنا وضعتهما القوى الاستعمارية في سلة واحدة وتسابقت على السيطرة عليهما. فبعد احتلال أنجلترا لمصر في عام 1882 وإشرافها على الطرق الموصلة إلى الهند، شعرت فرنسا بتخلخل التوازن الدولي وبدأت في إثارة العراقيل ضد أنجلترا. ونتيجة لعدم تمكنها من إجبار أنجلترا على الجلاء عن مصر أو تدويل المسألة المصرية، رأت مساومة الحكومة البريطانية على حل وسط وهو أن تتغاضى فرنسا عن احتلالها لمصر في مقابل أن تترك أنجلترا لفرنسا حرية الحركة حتى تتمكن من الاستيلاء على المغرب الذي كانت تتطلع إلى احتلاله، خاصة بعد احتلالها للجزائر وتونس. ولما كانت أنجلترا ترى أن من مصلحتها الخاصة التقارب مع الحكومة الفرنسية، خاصة بعد ظهور ألمانيا على مسرح الأحداث قوَّةً عظمى، ورغبتها في التنافس على المستعمرات، واعتبار ذلك من المسائل الحيوية لأمنها واقتصادها القومي، وكان المغرب في مقدمة المناطق التي تضعها ألمانيا ضمن اهتماماتها، وتعارض زيادة أي نفوذ أنجليزي أو فرنسي فيها.

ونتيجة لذلك، حاولت كل من الحكومتين الأنجليزية والفرنسية تسوية المسائل المختلف عليها بينهما لمواجهة الخطر الألماني المشترك. فقام الملك إدوارد السابع ملك بريطانيا بزيارة باريس في مايو 1903، وتبعتها زيارة المسيو لوبيه رئيس جمهورية فرنسا لبريطانيا في يوليو من نفس العام واصطحابه لوزير مستعمراته المسيو دلكاسيه (Delcassé) رغبة منه في بحث كافة المسائل السياسية العالقة بين الدولتين، خاصة وأن دلكاسيه كان يميل إلى تسوية علاقات بلاده مع أنجلترا؛ كما أنه كان يظهر اهتماماً كبيراً ببسط نفوذ فرنسا على المغرب.

وعندما بدأت المفاوضات بين الدولتين في صيف 1903، طرحت مسألة ضرورة التفاهم حول المغرب، وإدخال المسألة المصرية في المباحثات بغرض مقايضتها بالمسألة المغربية. ولما كان اللورد كرومر (Cromer) المعتمد البريطاني في مصر شديد الرغبة في استرضاء فرنسا حتى تتوقف عن إثارة العراقيل أمام أنجلترا في مصر ودعوتها المستمرة للجلاء عنها واتخاذها موقف المعارضة من الاحتلال، فقد قام بدور كبير في محادثات الوفاق الودي بين البلدين. وخلال ذلك، طرح على بساط البحث مسألة تسهيل فرنسا لمهمة أنجلترا في مصر وعدم مطالبتها بالجلاء عنها في نظير قيام أنجلترا بتسهيل مهمة فرنسا في المغرب.

وقبل الخوض في تفاصيل الاتفاق، يطرح سؤال نفسه وهو إلى أي حد ارتبطت مصالح كل من الدولتين بالسيطرة على المغرب ومصر؟

الواضح من محاضر الجلسة التي عقدت بين وزيري خارجية الدولتين في 7 يوليو 1903 مدى أهمية موقع كل من المغرب ومصر لأنجلترا وفرنسا ورغبة كل منهما في عدم التفريط عن أي منهما. فعلى سبيل المثال، عندما طالب وزير الخارجية الفرنسي بأن تترك بريطانيا لبلاده حرية العمل في المغرب، اعترف في الوقت نفسه بأهمية الساحل المغربي المطل على البحر المتوسط لبريطانيا، وبالذات طنجة والساحل المجاور لها، وبأهمية الاتفاق على تقسيم النفوذ على مياه هذا القسم من الساحل. وعندما حدث لقاء بين السفير الفرنسي ووزير الخارجية البريطانية في لندن في أكتوبر 1903 وتناقشا في المسألة المصرية، لم تنكر بريطانيا شعور الحكومة الفرنسية بأهمية مصالحها في مصر، وتأكيد المبادئ الخاصة بضمان حرية الملاحة في قناة السويس طبقاً لمعاهدة القسطنطينية، وبدورها الحضاري فيها. ونظراً لأن ألمانيا لم تكن تسمح بسهولة أن يكون المغرب لقمة سائغة في يد الفرنسيِّين، خاصة وأنها كانت تسعى لامتلاك مستعمرات جديدة وتطمح إلى أن يكون المغرب ضمن دائرة نفوذها، فقد واجهت أنجلترا وفرنسا هذا الخطر الزاحف بالمساومة على عقد الصفقة المغربية المصرية، وبدأت كل منهما تخطو خطواتها السريعة نحو ذلك. وعلى الرغم من أنه كان لدى بريطانيا بعض التحفظات حول سيطرة فرنسا على المغرب، خاصة وأن اهتمامها بالساحل المغربي المحيط بطنجة كان يؤرقها، فإنها نفت أي رغبة لديها في التدخل في شؤون المغرب. يضاف إلى ذلك أنها أعربت عن رغبتها في ألا يؤثر أي اتفاق مع فرنسا على مصالحها التجارية أو مشروعاتها الاستعمارية أو على علاقاتها مع إسبانيا، حيث رأت ضرورة عدم انفراد فرنسا بالمغرب، بل يتم تقسيمه إلى منطقتي نفوذ إسبانية وفرنسية، إحداها في الشمال والثانية في الجنوب، وأن تتولى إسبانيا شؤون المنطقة الشمالية حتى لا تهدد منها فرنسا جبل طارق الذي تعتبره أنجلترا من مناطقها الاستراتيجية.

ونتيجة لذلك، عمل الطرفان على الحصول على تنازلات متبادلة. فقبلت فرنسا ربط المسألة المصرية بمسألة استعمارها للمغرب، موضحة أنه إذا كان التفاهم حول مركز أنجلترا في مصر من الأمور الأساسية، فإن التفاهم حول المغرب في نظر الفرنسيين يعتبر أساساً أيضاً. ولم يعترض الأنجليز على ذلك، بالرغم من أن مصر كانت بأيديهم، وأن احتلال فرنسا للمغرب سيشكل كسباً جديداً لها، خاصة وأن الظروف الدولية كانت تحتم وقف معارضة فرنسا للاحتلال الأنجليزي لمصر. واعترافها أن بقاء هذا الاحتلال مرتبط برأي حكومة صاحبة الجلالة، وأنها لم تعارض في وجود صندوق الدين أو إدارة السكك الحديدية في مصر أو غير ذلك من الأمور التي تراها بريطانيا في صالحها.

ونتيجة لذلك، توصل الطرفان لإبرام الاتفاق الودي في أبريل 1904. وكانت أهم نصوصه ما يلي:



1 - إعلان أنجلترا عزمها على عدم تغيير مركز مصر السياسي وتكفلها بالمحافظة على امتيازات فرنسا التقليدية في مصر، وإعلان فرنسا عدم عرقلتها لأعمال أنجلترا في مصر أو مطالبتها بتحديد أجل احتلالها لها، بمعنى الاتفاق على توطيد مركز أنجلترا في مصر وانفرادها بإدارة شؤونها المالية وغيرها في نظير إطلاق يد فرنسا في المغرب، على أن يقع على عاتقها حفظ النظام فيه وتقديم المساعدات التي تتطلبها نواحي الإصلاح المختلفة دون القيام بتغيير الوضع السياسي بها.

2 - يؤكد الاتفاق على مبدإ الباب المفتوح للتجارة في المغرب ومصر لمدة ثلاثين عاماً، وبألا تعوق فرنسا عمليات السفن الأنجليزية لنقل التجارة بين موانئ المغرب.

3 - عدم إغفال المصالح الإسبانية في المغرب، وأن تقوم فرنسا بالتفاهم مع إسبانيا حول هذا الموضوع. وإلى جانب هذه النصوص العلنية، فقد كانت هناك اتفاقات سرية بين الدولتين بشأن المغرب ومصر. ففي المادة الثانية من البنود السرية اتفاقية خاصة بالنظام القضائي والتشريعي والمالي يحق لأنجلترا فيها إجراء تغييرات في مصر دون الرجوع إلى أي جهة أخرى. كما تقوم فرنسا بإدخال إصلاحات مماثلة في المغرب دون أن تعترض أنجلترا على ذلك.



وفي المادة الثالثة من البنود السرية، اتفقت الحكومتان على دخول بعض المناطق المجاورة لمنطقة سبتة ومليلة ضمن دائرة النفوذ الإسباني.

وهكذا لم يعترف هذا الاتفاق بمصالح فرنسا وحدها في المغرب، بل اعترف بمصالح إسبانيا أيضاً في محاولة لتمزيق وحدة المغرب. ولقد ترتب على هذا الاتفاق نتائج خطيرة في ما يتعلق بمركز المغرب ومصر. فقد دخلت المغرب كما دخلت مصر في دائرة التقسيمة الاستعمارية في أفريقيا، وأخذ الأنجليز يوطدون مركزهم في مصر لدرجة أن أصبحت المسألة المصرية - كما ذكر كرومر - ذات طابع داخلي؛ كما أخذ الفرنسيون في توطيد مركزهم في المغرب، مما حقق لفرنسا وأنجلترا مكسباً مهماً وهو تصفية النزاع في ما بينهما وزيادة أواصر التحالف بين كل منهما، مما عزز مركزهما أمام ألمانيا المتطلعة للمنافسة البحرية والتجارية، وحرر السياسة الفرنسية من عقدة الخوف التي لازمتها منذ الحرب السبعينية مع ألمانيا؛ كما أن أنجلترا اطمأنت بهذا الاتفاق على مركزها في مصر، وعلى مستقبل مضيق جبل طارق، وبدأت في فتح صفحة جديدة من الصداقة والتآلف على حساب شعبي من المغرب ومصر، مما كان له آثاره السلبية على الحركة الوطنية في كل من البلدين. ورغبة من فرنسا في عدم معارضة إيطاليا لنفوذها في المغرب ووقوفها بجانبها ضد ألمانيا، وعدتها بعدم معارضة غزوها ليبيا. وهكذا شهد العالم العربي في ذلك الوقت هجوماً مستمراً على بلدانه الواحد بعد الآخر من الدول الاستعمارية، خاصة أنجلترا وفرنسا.

وفي أعقاب إتمام الاتفاق الودي بين أنجلترا وفرنسا، تفاوض وزير خارجية فرنسا مع الحكومة الإسبانية بشأن تقسيم المغربي بينهما. فاتفق على أن تحصل إسبانيا على منطقة الريف التي تشمل الشريط الساحلي من المغرب المقابل للساحل الإسباني عند جبل طارق، بينما تحصل فرنسا على ما تبقى من المغرب.

وقد تركزت خطة فرنسا في الاستيلاء على المغرب في أن تقوم الحكومة الفرنسية، ممثلة في وزير خارجيتها، بتقديم العديد من المقترحات إلى سلطان المغرب بشأن الإصلاحات الداخلية في بلاده حتى إذا رفضها يكون في ذلك ذريعة لتدخل فرنسا عسكرياً لفرضها بالقوة. كل ذلك أزعج سلطان المغرب الذي لم يجد بدّاً من الاستنجاد بألمانيا بصفتها الدولة الأوربية الوحيدة التي أبدت معارضتها للسياسة الفرنسية في بلاده؛ كما أزعج الألمان، وجعلهم يقومون باتصالات مباشرة مع سلطان المغرب يعربون فيها عن عدم ارتياحهم لما جاء في الاتفاق الودي ويحرضونه على رفض مقترحات الحكومة الفرنسية تجاه بلاده. وأعقب ذلك قيام الإمبراطور الألماني وليم الثاني (William II) بزيارة لميناء طنجة في 28 مارس 1905 في محاولة منه لإفساد ما حدث من اتفاق بين الأنجليز والفرنسيين بشأن المغرب وتحويل المسألة المغربية إلى مسألة دولية. فألقى خطاباً درامياً أوضح فيه تأييد ألمانيا لاستقلال المغرب؛ كما أنها تعتبر سلطان المغرب كامل السيادة والاستقلال. ودعا الإمبراطور الألماني إلى تمسك المغرب بالمحافظة على استقلاله، وطالب سلطانه باتباع سياسة الباب المفتوح لجميع الدول على السواء، وأن يتم فتح بلاده للمنافسة التجارية السلمية الحرة، بحيث لا يكون فيها لدولة امتياز على الأخرى، وأن يسير المغرب مع جميع الدول على مبدإ المساواة المطلقة؛ فلا احتكار ولا استعمار لأحد، خاصة وأن ألمانيا مصممة على حماية مصالحها في هذه البلاد.

واقترح الإمبراطور الألماني عقد مؤتمر دولي لبحث هذه المسألة. وعلى الرغم من أن هذه الزيارة عززت موقف السلطان وشجعته على رفض المشروعات الفرنسية، فقد أدت إلى استفزاز فرنسا استفزازاً شديداً وانزعاج الأوساط الاستعمارية داخل فرنسا وخارجها. فقد رفض وزير خارجيتها هذا الاقتراح، وتأزم الموقف الدولي، خاصة بعد أن أرسلت الحكومة البريطانية برسالة إلى الحكومة الألمانية تنذرها باشتراك أنجلترا إلى جانب فرنسا في حالة وقوع حرب بشأن المسألة المغربية.

وخشية من تطورات الموقف الذي بدأ ينذر بظهور شبح حرب عالمية بين دول أوربا بشأن المسألة المغربية، اتفق على عقد مؤتمر دولي في أوائل عام 1906 في بلدة الجزيرة الخضراء القريبة من جبل طارق للنظر في إمكان حل المشكلة المغربية والنظر في الإصلاحات التي تدعيها فرنسا في المغرب. وعلى الرغم من اعتراض وزير خارجية فرنسا على عقد هذا المؤتمر في أول الأمر، فإن موافقة الدول على عقد ذلك المؤتمر حققت لألمانيا نصراً دبلوماسيا كبيراً تمكنت به من التغلب على المعارضة الفرنسية. وقد اشترك في هذا المؤتمر اثنتا عشرة دولة بالإضافة إلى المغرب صاحب الشأن. وهذه الدول هي ألمانيا، والنمسا، وبلجيكا، وإسبانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وهولندا، والبرتغال، وروسيا، والسويد. وقد خرج هذا المؤتمر بنتائج كانت في معظمها في غير صالح ألمانيا. ففي حين وقفت الولايات المتحدة والبرتغال وهولندة على الحياد، وقفت معظم الدول الأخرى المشاركة في المؤتمر إلى جانب فرنسا وتركت ألمانيا وحدها، ولم يقف بجانبها سوى النمسا. وبذلك تمكنت فرنسا من زيادة نفوذها في المغرب والحصول على تكليف من الحكومات الأوربية بإصلاح شؤون الأمن فيه عن طريق إنشاء قوة بوليسية من فرنسا وإسبانيا للمحافظة على الأمن والنظام بها، وأن تدير كل منهما شأن الجمارك هناك وتعمل ما تراه مناسباً من الإصلاحات في الإدارة والشؤون الصحية؛ كما تقرر تأسيس بنك تشرف عليه فرنسا وإسبانيا وأنجلترا وألمانيا. ومع أن المؤتمر أصر على ضرورة الاحتفاظ بالأوضاع في المغرب كما هي، فقد كانت قراراته بمثابة توجيه ضربة ثانية لاستقلال المغرب بعد الضربة الأولى المتمثلة في الاتفاق الودي.

ونتيجة لذلك، أخذت فرنسا تبذل أقصى جهودها للسيطرة على المغرب، في حين شعرت ألمانيا بعزلتها الدولية، وخروج دولتي الوفاق (أنجلترا وفرنسا) من المؤتمر أقوى مما كانتا عليه، ثم انضمام بريطانيا إلى دولتي التحالف الثنائي روسيا وفرنسا، مما أدى إلى انقسام أوربا إلى كتلتين تتعارض مصالح كل منهما مع الأخرى: فقد تكونت كتلة من بريطانيا وفرنسا وروسيا، وتكونت الأخرى من ألمانيا والنمسا وإيطاليا، وبدأت كل من الكتلتين تتربص بالأخرى، وتتهيأ للجولة القادمة.

وعلى الرغم من أن قرارات مؤتمر الجزيرة كانت تعد بمثابة خطوة حاسمة في تاريخ المغرب، إذ إنها فتحت الطريق أمام فرنسا للتوغل والسيطرة على البلاد، فقد ظل فتيل الأزمة المغربية بين الدول الأوربية مشتعلاً وجاهزاً للانفجار في أيِّ لحظة، خاصة وأن ألمانيا لم تكن راضية عن قرارات هذا المؤتمر، وإن كان قد أوجد هدنة بينها وبين فرنسا. وقد استغلت ألمانيا القلاقل التي حدثت في المغرب، واستنجاد السلطان مولاي عبد الحفيظ بالفرنسيين للقضاء على الثورة في بلاده، وانتهاز فرنسا لهذه الفرصة وإرسال قواتها البحرية إلى ميناء الدار البيضاء وقيامها بحملة حربية إلى مراكش في ربيع عام 1911 بحجة الاستجابة لرغبات السلطان، وحماية الرعايا الفرنسيين هناك. فأثارت الموقف مرة أخرى بإرسال الطراد الحربي بانثر (Panther) في مظاهرة بحرية إلى سواحل المغرب عند مياه أكَادير في أول يوليو 1911 للاحتجاج على إرسال فرنسا لحملتها الحربية على المغرب، وبحجة حماية مصالحها التجارية هناك. وقد أحدث ذلك ردود فعل عنيفة في باريس ولندن وروما، وبدأت نذر اشتعال حرب أوربية بسبب المسألة المغربية لولا تدارك الأمر، خاصة وأنه يمكن تجنب الحرب بسبب مسألة يمكن التفاهم بشأنها.

ولتهدئة الموقف، حدثت العديد من المساومات بين الطرفين، خاصة وأن ألمانيا أدركت من جانبها أن الزمن يعمل لصالح فرنسا في المغرب، وأنها لا تستطيع منعها من وضع يدها على هذا البلد آجلاً أو عاجلاً. ونتيجة لذلك، تراجع القيصر الألماني عن موقفه، فوقع مع فرنسا اتفاقية في 4 نوفمبر 1911 حصل بمقتضاها على جزء من الكونغو الفرنسية تعويضاً له في مقابل الاعتراف بمكانة فرنسا المتميزة في المغرب، على أن تتبع فرنسا سياسة الباب المفتوح به. وبذلك انتهت الأزمة المغربية الثانية التي كادت تؤدي بالعالم إلى حرب عالمية إلى إعلان فرنسا حمايتها على المغرب في 30 مارس 1912 وتصفية الحركة الوطنية هناك بعد أن كان المغرب يأمل الخير أو بعض الخير من التنافس الدولي حوله، ولكنه في الواقع كان الجائزة التي تتنافس حولها الأطراف المتنازعة، ولم يكن يملك القوة التي تساعده على الإفادة من هذه المنافسات.

وفي أعقاب ذلك، قامت فرنسا بتسوية التفاصيل التي تناولها الاتفاق الودي 1904 بشأن إسبانيا، فعقد بين إسبانيا وفرنسا معاهدة جديدة بخصوص المغرب في نوفمبر 1912 من أجل تحديد المنطقة الإسبانية التي أطلق عليها لفظ منطقة الريف، فأصبح يتولاها حاكم يعينه سلطان المغرب، على أن يخضع لتوجيهات المندوب الإسباني.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن المغاربة لم يتوقفوا عن النضال من أجل استقلال بلادهم. وقد أدَّت شخصية الأمير عبد الكريم الخطابي الدور الرئيس في حركة المقاومة.