- الأحد ديسمبر 01, 2013 7:24 pm
#66948
هل ينجح روحاني في اجتياز فترة الاختبار؟
سليم نصار *
السبت ٣٠ نوفمبر ٢٠١٣
عندما شعر رئيس وزراء اسرائيل، بنيامين نتنياهو، بأن محادثات النووي في جنيف قد تتبلور عن اتفاق مع ايران، فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة خاطفة استمرت ساعتين ونصف الساعة. وبسبب أهمية اللقاء، اصطحب معه معاونه العسكري إيال زمير ومستشار الأمن القومي يوسي كوهين. وقد حرص على إبلاغ سفيره في واشنطن بأن الولايات المتحدة لم تعد وحدها المرجعية المفضلة، والحليفة التي تعتمد اسرائيل على مواقفها الصلبة.
ورأت صحيفة «معاريف» أن خيبة الأمل التي أصيب بها نتانياهو، جراء الدور المحوري الذي لعبه الوزير الاميركي جون كيري في المفاوضات، كانت الحافز الذي شجعه على زيارة موسكو. وفي تصوره أنه سيجد لدى بوتين مرارة الخاسر بسبب فقدان حظوة الاستثناء التي تمتعت بها روسيا لدى ايران مدة تزيد على العشر سنوات. لذلك باشر حديثه في الكرملين باحتمال تخلي طهران عن روسيا بعد زوال خطر العزلة والمقاطعة الاقتصادية، مُذكراً بما حدث في آخر عهد ميلوسوفيتش يوغسلافيا وآخر عهد قذافي ليبيا.
الأنباء التي رشحت عن المحادثات ركزت على إظهار الدور الهادئ الذي قابل به بوتين انفعال نتانياهو وقلقه الواضح على مصير العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة. خصوصاً بعدما تجاوز في حديثه المحاذير السابقة، وأخبر بوتين أن في نيته إقامة تعاون اقتصادي-تجاري، مع الاستعداد الكامل لإرسال شركات استثمار اسرائيلية الى روسيا.
ويتذكر المستشار يوسي كوهين أن بوتين علق على مقترحاته بالعبرية، وبلهجة روسية ثقيلة، قائلاً: «تودا رابا،» والتي معناها «شكراً جزيلاً».
ولما بلغ حديثهما الموضوع المركزي – أي السلاح النووي – عرض بوتين وجهة نظره بصراحة، مؤكداً أن الاتفاق الموقت يفترض أن تجمد ايران مشروعها النووي مقابل التخفيف من العقوبات.
عندها أبدى نتانياهو اعتراضه على الإخراج المبهم الذي صاغته وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي، كاثرين آشتون، حول سلمية البرنامج النووي. وردّ عليه بوتين بلهجة المستغرب قائلاً: لا داعي لأن نوهم أنفسنا. فالايرانيون لن يفجروا أجهزة الطرد المركزي التي اشتروها ببلايين الريالات... ولن يدفنوا المفاعلات... ولن يفككوا قواعد الصواريخ. ولكن طالما أبعد اتفاق جنيف ايران عن القدرة العسكرية النووية، فلا أرى هناك ما هو أفضل. وقال نتانياهو في مؤتمره الصحافي، أن الأفضل في نظره كان تكرار تجربة إصرار روسيا على نزع كامل للسلاح الكيماوي في سورية.
ولاحظ الصحافيون، الذين انتظروا ثلاث ساعات في أروقة الكرملين، أن رئيس الحكومة الاسرائيلية امتنع عن ذكر أي دور للولايات المتحدة، كمؤشر على البديل الذي يمكن أن تمثله روسيا في المستقبل. وقبل أن يغادر موسكو، وجّه رسالة شكر وتقدير الى بوتين لأنه أطلعه على أسرار الصفقة التي تشغل باله.
في هذا الوقت، وصلته أنباء الجالية اليهودية في ايران، وأن حشداً كبيراً من أعضائها تظاهر أمام مكاتب الأمم المتحدة في طهران للإعراب عن تأييده لموقف الوزير محمد جواد ظريف. وألقى بالمناسبة عضو البرلمان الايراني اليهودي، سيامك مورا، خطاباً قال فيه: نحن هنا كي ننتقد الوقحين ومروجي الحروب مثل نتانياهو، ونحذرهم من التدخل في شؤوننا الداخلية.
السؤال المطروح بعد إعلان الاتفاق يتعلق بفترة اختبار النيّات، وما إذا كانت ايران ستلتزم بما وقعته مع الدول الست، أم أن الأشهر الستة المقبلة ستبدل الموقف الرسمي بواسطة «الحرس الثوري» المعارض.
يقول الباحث الاميركي انتوني كوردسمان إن المصالحة التاريخية التي أعلنتها واشنطن وطهران، تحتاج الى أكثر من نصف سنة لمحو آثار خلافات عميقة نشأت عقب انقلاب مصدق سنة 1953. ثم ازدادت تعقيداً وخطورة بعد ثورة الخميني ومحاصرة السفارة الاميركية في طهران طوال 444 يوماً. وبسبب موقف واشنطن المنحاز للعراق في حرب 1984، اتسعت شروخ العداوة بين شعبي الدولتين وحلفائهما.
ويرى المشككون أن باستطاعة ايران قبض سبعة بلايين دولار العائدة من رفع العقوبات، على أن تستأنف عملية صنع قنبلة نووية بعد انقضاء مهلة الستة أشهر!
ويستبعد جون كيري حدوث هذا الاحتمال، لأن ايران تكون قد خسرت صدقيتها وتعهداتها الدولية، الأمر الذي يبرر للموقعين معها فرصة ضرب المفاعلات وتدميرها.
على صعيد آخر، انشغل رجال الادارة الاميركية في محاولة إقناع أعضاء الكونغرس بعدم فرض عقوبات جديدة على ايران بهدف إعطاء فرصة للاتصالات الجارية بين الوفود في جنيف. واستقبل الرئيس باراك اوباما في الوقت ذاته وفداً يضم أعضاء الحزبين من لجان الخارجية والمالية والأمن. وأوضح لهم «ان الوصول الى حل سلمي يمنع ايران من تحقيق سلاح نووي. وللمرة الأولى منذ عشر سنوات ستؤدي التسوية المرحلية الى وقف برنامج التخصيب. ومثل هذا الاتفاق المرحلي يصب في المصلحة الأمنية الاميركية».
يُجمع المراقبون على القول إن وصول الشيخ حسن روحاني الى رئاسة الجمهورية في ايران كان بمثابة الانتقال من مرحلة التصلب والعزلة والعنف... الى مرحلة الانفراج السياسي والاعتدال العقائدي والانفتاح الخارجي. خصوصاً أنه حظي بدعم المرشد علي خامنئي والاصلاحيين المطالبين بإنهاء أسلوب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
وبما أن الاتفاق الجيد هو الذي يتقبّله الشعب ويؤيده، فإن المسافة الزمنية المحددة بستة أشهر ستكون بمثابة جسر التكيّف مع المتغيرات الجديدة. أي مزج عناصر رفض الآخر، وإعادة بناء الثقة بين مجتمع «الشيطان الأكبر» ومجتمع زعيمة دول «محور الشر»!
وكما تحولت صين ماوتسي تونغ الثورية الى دولة معتدلة، براغماتية، في عهد دنغ شياو بينغ سنة 1978... هكذا تتحول ايران تدريجاً من دولة مصدِّرة للقلاقل والاضطرابات الى دولة مرتبطة بقواعد النظام الدولي.
ومن المؤكد أن الانخراط في هذا النظام سيولّد لدى ايران ديناميكية جديدة بحيث ان رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون وظفها على عجل، واتصل بالرئيس حسن روحاني واتفقا على تحسين العلاقات بين الدولتين.
بقي السؤال المتعلق بالعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على ايران... وما إذا كان انخراطها في محادثات جنيف يهدف أساساً الى إزالة الحظر المفروض على مؤسساتها وشخصياتها.
مطلع هذا الأسبوع أكد الرئيس حسن روحاني أن بلاده تريد إعادة إطلاق التجارة الاقليمية مع شركائها في منظمة التعاون الاقتصادي، أي المنظمة التي تضم سبع دول في آسيا وأوراسيا. وبما أنها أظهرت بعض اللين في المفاوضات النووية، فهي تتوقع الانضمام الى منظمة شانغهاي للتعاون. وهي منظمة بالغة الأهمية من الناحيتين الاقتصادية والتجارية.
إضافة الى هذه المكاسب، فإن المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي عززت مكانتها السياسية، وهيأت لها فرص المساهمة في رسم مستقبل بعض دول المنطقة، خصوصاً بعدما أدى موقف روسيا المتصلب بشأن الأزمة السورية، الى إعادة خلط الأوراق بين موسكو وطهران. وهكذا وجدت الدول الغربية نفسها مضطرة الى التعاون مع ايران لحلحلة العقد التي رسمها التحالف الديني-الجيوسياسي الممتد من موسكو الى طهران وبغداد ودمشق وصولاً الى «حزب الله» في لبنان. وعلى ضوء هذا الواقع، طلبت موسكو مشاركة ايران في مؤتمر «جنيف-2». وعلى الفور، أعلن وزير الخارجية محمد جواد ظريف استعداد بلاده لحضور المؤتمر من دون شروط مسبقة. وقال في تعليقه على رفض رئيس «الائتلاف» أحمد الجربا مشاركة ايران: إن إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط يقتضي الإقرار بمكانة كل لاعب اقليمي. ولا تحتاج المنطقة الى مؤتمر جنيف-2 لإنهاء النزاع في سورية فحسب، بل الى مؤتمر أوسع يذلل كل النزاعات القائمة.
وحول اعتراض أحد زعماء المعارضة السورية على إشراك ايران في حوار جنيف-2، كتب فرانسوا جيريه، رئيس المعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي، في صحيفة «الموند» يقول: «الدعوة الى إبقاء ايران خارج هذا الحوار، ترتكبه سذاجة متغطرسة. ومن الملائم إعطاء مقعد في المفاوضات الى جميع الأطراف المنخرطة مباشرة، أو غير مباشرة، في الصراع».
ردود الفعل العربية حول الاتفاق النووي تراوحت بين التحفظ والترقب. وقد أصدر وزير الثقافة والإعلام السعودي عبدالعزيز خوجة، بياناً عن وقائع مجلس الوزراء الأخير قال فيه: إن ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز تمنى استتباع المزيد من الخطوات المؤدية الى ضمان حق كل دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وقال أيضاً: إن الاتفاق يمكن أن يشكل خطوة أولى في مسار الحل الشامل للبرنامج النووي الايراني، إذا توافرت النيات الحسنة.
أما يوسف بن علوي، وزير الدولة للشؤون الخارجية في سلطنة عُمان، فقد اكتفى بالقول: إن الاختبار الحقيقي للاتفاق يظهر في مرحلة التنفيذ. وبما أن الايرانيين هم جيران، فإن لدول الخليج مصلحة استراتيجية في استقرار الأوضاع.
وفي ردّ مسبق على هذا التطور كتب وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف رسالة نشرتها الصحف قال فيها: «على الرغم مما يجري الترويج له بتسليط الضوء على علاقاتنا مع الغرب، فإن الحقيقة المغيّبة هي أن الأولوية تبقى لسياستنا الخارجية في المنطقة. والسبب أن هذه السياسة تتعامل مع الثوابت كالجغرافيا وشعوب الدول المجاورة. ولأن مصيرنا متشابك، فإن أكبر وهم نقع فيه هو الاعتقاد بأنه يمكن أحدنا أن يحقق مصالحه من دون الأخذ في الاعتبار مصالح الآخرين.» ومن المؤكد أن كلام الوزير ظريف مستوحى من السياسة العامة التي رسمها الرئيس حسن روحاني، والتي تولي الواقع الجغرافي أهمية قصوى.
وفي البرنامج الانتخابي الذي أعلنه أثناء ترشحه للرئاسة، أجاب عن سؤال حول منح دول الجوار أهمية استثنائية. وقال في ذلك: «إن ايران تشترك مع 15 بلداً في حدودها البرية والبحرية. ويمكن أن تلعب مع المملكة العربية السعودية دوراً ايجابياً في التعامل مع القضايا الاقليمية».
ويُستفاد من هذا الكلام أن روحاني مستعد لإزالة أجواء الخصومة التي نشرتها الثورة الايرانية في منطقة الشرق الأوسط، تماماً مثلما أزال غورباتشيف أجواء الحرب الباردة بين بلاده والولايات المتحدة. وهو يرى أن تنازله عن الطموح النووي قد يهيئ بلاده للعب دور سياسي في سورية ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن. وأكثر ما فعلته هذه الثورة المخملية في ايران أنها حجبت الجانب العسكري الاستفزازي، وقدّمت الجانب الأمني السياسي الذي تريده منسجماً مع معادلة التعاون القائمة على احترام مصالح الجيران. كذلك أوحت طروحات روحاني أنه مستعد لكبح النزعات التوسعية التي تميزت بها الجمهورية الاسلامية.
وفي مطلق الأحوال، تبدو أشهر الاختبار الستة وكأنها فترة قصيرة من عمر الثورة، منحها المرشد علي خامنئي لصديقه القديم، لعله ينجح في إنقاذ النظام من المؤامرات التي يتعرض لها...
المصدر : الحياة
سليم نصار *
السبت ٣٠ نوفمبر ٢٠١٣
عندما شعر رئيس وزراء اسرائيل، بنيامين نتنياهو، بأن محادثات النووي في جنيف قد تتبلور عن اتفاق مع ايران، فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة خاطفة استمرت ساعتين ونصف الساعة. وبسبب أهمية اللقاء، اصطحب معه معاونه العسكري إيال زمير ومستشار الأمن القومي يوسي كوهين. وقد حرص على إبلاغ سفيره في واشنطن بأن الولايات المتحدة لم تعد وحدها المرجعية المفضلة، والحليفة التي تعتمد اسرائيل على مواقفها الصلبة.
ورأت صحيفة «معاريف» أن خيبة الأمل التي أصيب بها نتانياهو، جراء الدور المحوري الذي لعبه الوزير الاميركي جون كيري في المفاوضات، كانت الحافز الذي شجعه على زيارة موسكو. وفي تصوره أنه سيجد لدى بوتين مرارة الخاسر بسبب فقدان حظوة الاستثناء التي تمتعت بها روسيا لدى ايران مدة تزيد على العشر سنوات. لذلك باشر حديثه في الكرملين باحتمال تخلي طهران عن روسيا بعد زوال خطر العزلة والمقاطعة الاقتصادية، مُذكراً بما حدث في آخر عهد ميلوسوفيتش يوغسلافيا وآخر عهد قذافي ليبيا.
الأنباء التي رشحت عن المحادثات ركزت على إظهار الدور الهادئ الذي قابل به بوتين انفعال نتانياهو وقلقه الواضح على مصير العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة. خصوصاً بعدما تجاوز في حديثه المحاذير السابقة، وأخبر بوتين أن في نيته إقامة تعاون اقتصادي-تجاري، مع الاستعداد الكامل لإرسال شركات استثمار اسرائيلية الى روسيا.
ويتذكر المستشار يوسي كوهين أن بوتين علق على مقترحاته بالعبرية، وبلهجة روسية ثقيلة، قائلاً: «تودا رابا،» والتي معناها «شكراً جزيلاً».
ولما بلغ حديثهما الموضوع المركزي – أي السلاح النووي – عرض بوتين وجهة نظره بصراحة، مؤكداً أن الاتفاق الموقت يفترض أن تجمد ايران مشروعها النووي مقابل التخفيف من العقوبات.
عندها أبدى نتانياهو اعتراضه على الإخراج المبهم الذي صاغته وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي، كاثرين آشتون، حول سلمية البرنامج النووي. وردّ عليه بوتين بلهجة المستغرب قائلاً: لا داعي لأن نوهم أنفسنا. فالايرانيون لن يفجروا أجهزة الطرد المركزي التي اشتروها ببلايين الريالات... ولن يدفنوا المفاعلات... ولن يفككوا قواعد الصواريخ. ولكن طالما أبعد اتفاق جنيف ايران عن القدرة العسكرية النووية، فلا أرى هناك ما هو أفضل. وقال نتانياهو في مؤتمره الصحافي، أن الأفضل في نظره كان تكرار تجربة إصرار روسيا على نزع كامل للسلاح الكيماوي في سورية.
ولاحظ الصحافيون، الذين انتظروا ثلاث ساعات في أروقة الكرملين، أن رئيس الحكومة الاسرائيلية امتنع عن ذكر أي دور للولايات المتحدة، كمؤشر على البديل الذي يمكن أن تمثله روسيا في المستقبل. وقبل أن يغادر موسكو، وجّه رسالة شكر وتقدير الى بوتين لأنه أطلعه على أسرار الصفقة التي تشغل باله.
في هذا الوقت، وصلته أنباء الجالية اليهودية في ايران، وأن حشداً كبيراً من أعضائها تظاهر أمام مكاتب الأمم المتحدة في طهران للإعراب عن تأييده لموقف الوزير محمد جواد ظريف. وألقى بالمناسبة عضو البرلمان الايراني اليهودي، سيامك مورا، خطاباً قال فيه: نحن هنا كي ننتقد الوقحين ومروجي الحروب مثل نتانياهو، ونحذرهم من التدخل في شؤوننا الداخلية.
السؤال المطروح بعد إعلان الاتفاق يتعلق بفترة اختبار النيّات، وما إذا كانت ايران ستلتزم بما وقعته مع الدول الست، أم أن الأشهر الستة المقبلة ستبدل الموقف الرسمي بواسطة «الحرس الثوري» المعارض.
يقول الباحث الاميركي انتوني كوردسمان إن المصالحة التاريخية التي أعلنتها واشنطن وطهران، تحتاج الى أكثر من نصف سنة لمحو آثار خلافات عميقة نشأت عقب انقلاب مصدق سنة 1953. ثم ازدادت تعقيداً وخطورة بعد ثورة الخميني ومحاصرة السفارة الاميركية في طهران طوال 444 يوماً. وبسبب موقف واشنطن المنحاز للعراق في حرب 1984، اتسعت شروخ العداوة بين شعبي الدولتين وحلفائهما.
ويرى المشككون أن باستطاعة ايران قبض سبعة بلايين دولار العائدة من رفع العقوبات، على أن تستأنف عملية صنع قنبلة نووية بعد انقضاء مهلة الستة أشهر!
ويستبعد جون كيري حدوث هذا الاحتمال، لأن ايران تكون قد خسرت صدقيتها وتعهداتها الدولية، الأمر الذي يبرر للموقعين معها فرصة ضرب المفاعلات وتدميرها.
على صعيد آخر، انشغل رجال الادارة الاميركية في محاولة إقناع أعضاء الكونغرس بعدم فرض عقوبات جديدة على ايران بهدف إعطاء فرصة للاتصالات الجارية بين الوفود في جنيف. واستقبل الرئيس باراك اوباما في الوقت ذاته وفداً يضم أعضاء الحزبين من لجان الخارجية والمالية والأمن. وأوضح لهم «ان الوصول الى حل سلمي يمنع ايران من تحقيق سلاح نووي. وللمرة الأولى منذ عشر سنوات ستؤدي التسوية المرحلية الى وقف برنامج التخصيب. ومثل هذا الاتفاق المرحلي يصب في المصلحة الأمنية الاميركية».
يُجمع المراقبون على القول إن وصول الشيخ حسن روحاني الى رئاسة الجمهورية في ايران كان بمثابة الانتقال من مرحلة التصلب والعزلة والعنف... الى مرحلة الانفراج السياسي والاعتدال العقائدي والانفتاح الخارجي. خصوصاً أنه حظي بدعم المرشد علي خامنئي والاصلاحيين المطالبين بإنهاء أسلوب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
وبما أن الاتفاق الجيد هو الذي يتقبّله الشعب ويؤيده، فإن المسافة الزمنية المحددة بستة أشهر ستكون بمثابة جسر التكيّف مع المتغيرات الجديدة. أي مزج عناصر رفض الآخر، وإعادة بناء الثقة بين مجتمع «الشيطان الأكبر» ومجتمع زعيمة دول «محور الشر»!
وكما تحولت صين ماوتسي تونغ الثورية الى دولة معتدلة، براغماتية، في عهد دنغ شياو بينغ سنة 1978... هكذا تتحول ايران تدريجاً من دولة مصدِّرة للقلاقل والاضطرابات الى دولة مرتبطة بقواعد النظام الدولي.
ومن المؤكد أن الانخراط في هذا النظام سيولّد لدى ايران ديناميكية جديدة بحيث ان رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون وظفها على عجل، واتصل بالرئيس حسن روحاني واتفقا على تحسين العلاقات بين الدولتين.
بقي السؤال المتعلق بالعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على ايران... وما إذا كان انخراطها في محادثات جنيف يهدف أساساً الى إزالة الحظر المفروض على مؤسساتها وشخصياتها.
مطلع هذا الأسبوع أكد الرئيس حسن روحاني أن بلاده تريد إعادة إطلاق التجارة الاقليمية مع شركائها في منظمة التعاون الاقتصادي، أي المنظمة التي تضم سبع دول في آسيا وأوراسيا. وبما أنها أظهرت بعض اللين في المفاوضات النووية، فهي تتوقع الانضمام الى منظمة شانغهاي للتعاون. وهي منظمة بالغة الأهمية من الناحيتين الاقتصادية والتجارية.
إضافة الى هذه المكاسب، فإن المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي عززت مكانتها السياسية، وهيأت لها فرص المساهمة في رسم مستقبل بعض دول المنطقة، خصوصاً بعدما أدى موقف روسيا المتصلب بشأن الأزمة السورية، الى إعادة خلط الأوراق بين موسكو وطهران. وهكذا وجدت الدول الغربية نفسها مضطرة الى التعاون مع ايران لحلحلة العقد التي رسمها التحالف الديني-الجيوسياسي الممتد من موسكو الى طهران وبغداد ودمشق وصولاً الى «حزب الله» في لبنان. وعلى ضوء هذا الواقع، طلبت موسكو مشاركة ايران في مؤتمر «جنيف-2». وعلى الفور، أعلن وزير الخارجية محمد جواد ظريف استعداد بلاده لحضور المؤتمر من دون شروط مسبقة. وقال في تعليقه على رفض رئيس «الائتلاف» أحمد الجربا مشاركة ايران: إن إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط يقتضي الإقرار بمكانة كل لاعب اقليمي. ولا تحتاج المنطقة الى مؤتمر جنيف-2 لإنهاء النزاع في سورية فحسب، بل الى مؤتمر أوسع يذلل كل النزاعات القائمة.
وحول اعتراض أحد زعماء المعارضة السورية على إشراك ايران في حوار جنيف-2، كتب فرانسوا جيريه، رئيس المعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي، في صحيفة «الموند» يقول: «الدعوة الى إبقاء ايران خارج هذا الحوار، ترتكبه سذاجة متغطرسة. ومن الملائم إعطاء مقعد في المفاوضات الى جميع الأطراف المنخرطة مباشرة، أو غير مباشرة، في الصراع».
ردود الفعل العربية حول الاتفاق النووي تراوحت بين التحفظ والترقب. وقد أصدر وزير الثقافة والإعلام السعودي عبدالعزيز خوجة، بياناً عن وقائع مجلس الوزراء الأخير قال فيه: إن ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز تمنى استتباع المزيد من الخطوات المؤدية الى ضمان حق كل دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وقال أيضاً: إن الاتفاق يمكن أن يشكل خطوة أولى في مسار الحل الشامل للبرنامج النووي الايراني، إذا توافرت النيات الحسنة.
أما يوسف بن علوي، وزير الدولة للشؤون الخارجية في سلطنة عُمان، فقد اكتفى بالقول: إن الاختبار الحقيقي للاتفاق يظهر في مرحلة التنفيذ. وبما أن الايرانيين هم جيران، فإن لدول الخليج مصلحة استراتيجية في استقرار الأوضاع.
وفي ردّ مسبق على هذا التطور كتب وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف رسالة نشرتها الصحف قال فيها: «على الرغم مما يجري الترويج له بتسليط الضوء على علاقاتنا مع الغرب، فإن الحقيقة المغيّبة هي أن الأولوية تبقى لسياستنا الخارجية في المنطقة. والسبب أن هذه السياسة تتعامل مع الثوابت كالجغرافيا وشعوب الدول المجاورة. ولأن مصيرنا متشابك، فإن أكبر وهم نقع فيه هو الاعتقاد بأنه يمكن أحدنا أن يحقق مصالحه من دون الأخذ في الاعتبار مصالح الآخرين.» ومن المؤكد أن كلام الوزير ظريف مستوحى من السياسة العامة التي رسمها الرئيس حسن روحاني، والتي تولي الواقع الجغرافي أهمية قصوى.
وفي البرنامج الانتخابي الذي أعلنه أثناء ترشحه للرئاسة، أجاب عن سؤال حول منح دول الجوار أهمية استثنائية. وقال في ذلك: «إن ايران تشترك مع 15 بلداً في حدودها البرية والبحرية. ويمكن أن تلعب مع المملكة العربية السعودية دوراً ايجابياً في التعامل مع القضايا الاقليمية».
ويُستفاد من هذا الكلام أن روحاني مستعد لإزالة أجواء الخصومة التي نشرتها الثورة الايرانية في منطقة الشرق الأوسط، تماماً مثلما أزال غورباتشيف أجواء الحرب الباردة بين بلاده والولايات المتحدة. وهو يرى أن تنازله عن الطموح النووي قد يهيئ بلاده للعب دور سياسي في سورية ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن. وأكثر ما فعلته هذه الثورة المخملية في ايران أنها حجبت الجانب العسكري الاستفزازي، وقدّمت الجانب الأمني السياسي الذي تريده منسجماً مع معادلة التعاون القائمة على احترام مصالح الجيران. كذلك أوحت طروحات روحاني أنه مستعد لكبح النزعات التوسعية التي تميزت بها الجمهورية الاسلامية.
وفي مطلق الأحوال، تبدو أشهر الاختبار الستة وكأنها فترة قصيرة من عمر الثورة، منحها المرشد علي خامنئي لصديقه القديم، لعله ينجح في إنقاذ النظام من المؤامرات التي يتعرض لها...
المصدر : الحياة