منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By نواف العنقري333
#67150
حكى لنا القرآن الكريم عن قوم نصرهم الله على عدوهم ثم طغوا ولم يشكروا الله على نصره فغضب عليهم وأحل عليهم لعنته إلى يوم الدين فمن هم؟

يقول الله تعالى في كتابه العزيز عنهم: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْ‌عَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّ‌بِّكُمْ عَظِيمٌ} [٤٩] وَإِذْ فَرَ‌قْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ‌ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَ‌قْنَا آلَ فِرْ‌عَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُ‌ونَ [٥٠] وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْ‌بَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ [٥١] ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُ‌ونَ [٥٢] وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْ‌قَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [٥٣] وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِ‌ئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ عِندَ بَارِ‌ئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّ‌حِيمُ ﴿٥٤﴾ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَ‌ى اللَّـهَ جَهْرَ‌ةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُ‌ونَ [٥٥] ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُ‌ونَ [٥٦] وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَ‌زَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [٥٧] [البقرة:49 – 57].

هم قوم سيدنا موسى عليه السلام الذين نجاهم الله من آل فرعون وكرّمهم ولكنهم كفروا بنعمة الله التي أنعم بها عليهم فباءوا بغضب منه.. نجحت ثورتهم على فرعون وظلمه ولكنهم لم يغيروا ما بأنفسهم فلم يغير الله ما بهم وخسف بهم الأرض وأخذتهم الصاعقة وانطبق عليهم قول الله-قبل نزوله-{إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11].

أما قوم محمد صلى الله عليه وسلم فقد هاجروا وطردوا من ديارهم في سبيل الله لثورتهم على ظلم وكفر قريش.. واجتمعت عليهم الأحزاب يوم غزوة الخندق وخانهم اليهود وحاصرهم الكفار ولكن كان الفرق بينهم وبين قوم موسى كما يقص الله لنا في كتابه العزيز: {وَلَمَّا رَ‌أَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَ‌سُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَ‌سُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:22]. عندما رأوا الصعاب والشدائد عرفوا أن هذا ما وعدهم الله ورسوله وصدق هذا الوعد، فقد وُعدوا بأن يجدوا مشاق تعترض طريقهم وطريق دعوتهم للحق،فلما رأوا المشاق في يوم الأحزاب اطمأنوا وثبتوا وزادوا إيمانا وتسليما لأن هذا ما وعدهم الله ورسوله وصدقهم الله الوعد فكانت أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس بصبر رجالها وثباتهم على الحق وهذا هو الفرق بيننا وبين قوم موسى أو اليهود.. هم ونحن ثرنا على ظلم وجور وكفر، لكننا ثرنا ثورتين: ثورة على الجور والظلم والكفر وأخرى على الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء أما هم فثاروا الأولى فقط إلا من رحم ربى منهم، فأهلكهم الله ولعنهم وجعلهم أكثر الناس عداوة للذين آمنوا، وكرمنا الله نحن المسلمين بثورتنا على الشيطان بأن جعلنا خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

وهنا يتجلى المفهوم الإسلامي في الثورة.. وهى الثورة على النفس.. سئل الحسن البصري: ما أعظم الجهاد؟ فقال: جهادك هواك. وهذه هي الثورة التي أُمِرْنا بها حقا حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الرعد:11]، ووصانا بكُره الفساد عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم من ولاتكم شيئًا تكرهونه فاكرهوا عمله"[1] وهذا ما ينطبق على زماننا هذا.

رغم الحث الإلهي والنبوي والديني على فعل الخير فإن الإسلام أيضًا كان له السبق والثورة في إقامة دولة القانون.. ولا عجب أن يظهر من المسلمين أول من وضع دستورًا كاملاً حديثًا لبلاده وهو السلطان سليمان المعروف بـ"سليمان القانوني" والذي يعتبر من أشهر سانّي القوانين في التاريخ وأقدمهم.. والقانون الإسلامي هو أعدل القوانين التي عرفتها البشرية، فقد أنزله الله العدل نفسه في كتابه العزيز ليحق الحق ويبطل الباطل في الأرض، وأُثر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، وهنا نتطرق لمفاهيم دولة الثورة، دولة القانون في الإسلام والحدود وأهميتها.

أولاً: حد السرقة
قال الله تعالى: {وَالسَّارِ‌قُ وَالسَّارِ‌قَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[المائدة:38] وهنا يضع الإسلام-بعدله-شروطًا لتطبيق حد السرقة وهي: كفاية الناس أي أن السارق لا ينفذ عليه الحد إذا كان لا يجد ما يسد رمقه وجوعه، ولنا في عصر الفاروق عمر مثال، ففي عام الرمادة الذي حل فيه جفاف شديد على المسلمين حتى قيل إنه سمي بالرمادة لاسوداد الأرض من قلة المطر حتى عاد لونها شبيها بالرماد، أو لأن الريح كانت تسفي ترابا كالرماد، أو لأن ألوان الناس أضحت مثل الرماد، وقد يكون العام سُمِّي بهذا الاسم لتلك الأسباب مجتمعة وهنا أوقف عمر حد السرقة لشدة ما حلّ بالناس من الجوع حتى أن عمر نفسه اسودّ لونه من قلة الطعام، فكان يأكل الخل والزيت ولا يشبع بدلا من أن كان يأكل التمر واللبن، ولم تنته المحنة إلا بفضل الله عندما صلى عمر صلاة الاستسقاء واستسقى بعم النبي صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب حتى أمطر الله السماء، وقيل أيضًا إنه من شدة البلاء في عام الرمادة والجوع والفقر يحاصر المسلمين كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى عمرو ابن العاص في مصر "واغوثاه ..واغوثاه .. واغوثاه" فقال عمرو بن العاص: "والله لأرسلن له قافلة من الأرزاق أولها في المدينة وآخرها عندي في مصر" وأرسل له بألف بعير تحمل دقيقًا.. المهم أنه تم تعطيل الحدود حتى زال الكرب ولنا في هذا الموقف أسوة وقدوة في تطبيق الحد عند كفاية الناس.

ثانيًا: حد الزنى
إذا كان الزاني متزوجا فإنه يرجم حتى الموت وكذلك الزانية، أما إذا كان غير متزوج فإنه يُعمَل بالآية: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَ‌أْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}[النور:2] أي أن العقوبة الجلد مائة جلدة مع التغريب لمدة عام.

ثالثًا: حد اللواط
أجمع الفقهاء على أن الذي يمارس اللواط يعاقب نفس عقاب الزاني استنادًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان"[2]. وقد ذهب أبو حنيفة إلى أن "اللوطي يعزّر فقط ولا يحدّ"، من منطلق أنه لا اختلاط للأنساب بالمثلية، ولا يترتب عليه حدوث مناعات تؤدي إلى القتل، ولا يتعلق به المهر، فليس هو زنى كما يرى". إلا أن أبا محمد وأبا يوسف من الحنفية أفتيا بأن الحد في اللواطة كالزنى، "وفي حالة تكرار اللّواط يقتل حسبما أفتى معظم الحنفيّة".

رابعًا: حد الحرابة
المحاربة أو الحرابة وتسمى أيضا قطع الطريق هي خروج جماعة مسلحة لإحداث فوضى، وسفك الدماء وسرقة الأموال متحدية الدين والقانون والأخلاق. وتعد المحاربة من كبريات الجرائم في الإسلام. يقول الله تعالى في القرآن الكريم {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِ‌بُونَ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْ‌ضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْ‌جُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْ‌ضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَ‌ةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[المائدة:33]، وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلمفي أنه قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا"[3].

خامسًا: حد الردة
يحكم على المرتد بالقتل لقوله صلى الله عليه وسلم : "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَلاَ تُعَذِّبُوهُ بِعَذَابِ اللَّهِ" [4]، ولقوله أيضًا: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفْسُ بالنَّفْسِ، والتَّارِكُ لدِينِهِ المُفَارِقُ للجَمَاعَةِ" [5].

سادسًا: حد السكر
السكر الذي يترتب عليه الحد هو عند الحنفية الذي يجعل صاحبه لا يعلم الأرض من السماء، أما المالكية فيرون أنه الذي يغيّب العقل دون الحواس مع نشوة وطرب. وعند الشافعية هو الذي به يختلط كلامه المنظوم، ويفشي سره المكتوم، وأما عند الحنابلة فهو الذي يجعل صاحبه يخلط في كلامه ولا يعرف ثوبه من ثوب غيره.
وحد السكر هو أربعين جلدة.

سابعًا: حد القذف
يحرم الإسلام القذف تحريما قاطعا، ويجعله كبيرة من كبائر الإثم والفواحش ويوجب على القاذف الحد وهو الجلد ثمانين جلدة ومنع قبول شهادته إلا إذا ثبت صحة قوله بالأدلة وهو شهادة أربعة شهداء بأن المقذوف تورط في الزنا لقول الله {وَالَّذِينَ يَرْ‌مُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْ‌بَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:4].

وهنا نجد أن القوانين الإسلامية لا تمس الحريات العامة بل تحفظها لأن الحرية هي ليست فقط فعل ما يحلو لك بلا حدود،ولكنْ لها حدود هي حدود الآداب العامة وحدود حرية الآخر، والحدود الإسلامية تحفظ وتصون هذا، تصون حريتك في الحركة في الشارع وأنت آمن على نفسك لأن أصحاب النفوس الضعيفة لن تسول لهم أنفسهم أن يقتربوا منك أو يقوموا بسرقتك أو قتلك كما نرى الآن لأنهم يعلمون أثر فعلتهم في الدنيا، كما أن لها أثرا في الآخرة عظيما، تخيل أنك ترى رجلاً تقطع يده ورجله في ميدان عام وعلى رءوس الأشهاد فهل يفكر رجل نفسه ضعيفة أن يفعل مثل فعلته فيلقى جزاءه،أما عن حد الزنى فهو أهم الحدود للحفاظ على المجتمع،الدول الغربية بها نسب كبيرة جدا من المشردين نتيجة أطفال الزنى حتى قيل إن في سويسرا لوحظ انخفاض مفاجئ في مستوى الجريمة فقاموا بعمل أبحاث لمعرفة سبب ذلك، فوجدوا أن ذلك سببه قانون قد صدر قلب 15 عامًا يقنن الإجهاض فأصبحت كل واحدة تحمل طفلاً غير شرعي تقوم بقتله، ولذلك قل معدل أطفال الزنى وقلت الجريمة وهذا دليل على خطورة أطفال الزنى على المجتمع، وهم عالجوا الجريمة في بلادهم بجريمة أخرى عالجوا جريمة السرقة بجريمة الإجهاض،أما نحن فعندنا الحل المنزل والعادل كل العدل فلِمَ المماطلة في تنفيذ الحدود؟! وكذلك باقي الحدود كالإفساد في الأرض،فلو علم قاطع الطريق أنه سيقتل أو يصلب أكان قطع الطريق؟؟ ثم حد السكر والذي فيه الخطر كل الخطر حيث إن الشارب السكران يمكنه ارتكاب كل الفواحش، وأتذكر قصة الرجل الذي كان مسجونًا وقيل له أيما تفضل: تشرب الخمر أم تقتل الطفل أم تزني بالمرأة؟ فاختار شرب الخمر لأنه هو الأخف وطأة ومعصية، فسكر وقتل الطفل وزنى بالمرأة.
ويعتبر حد السكر بالذات فيه إرساء لمبادئ الحرية حيث إنه ينفذ الحرية كاملة،إن حريتك تتوقف عند حدود حرية غيرك، وحد حرية غيرك ألا يمشى بجواره سكران غير مأمون الجانب في الشارع، ثم حد القذف والذي يمنع الفتن وسب الناس بغير الحق فهو مكمل للحرية أيضًا.. كل هذه الحدود هي العدل كل العدل المنزل من الله الذي اتصف بالعدل {فَلَا وَرَ‌بِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ‌ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَ‌جًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65] .. {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُ‌ونَ}[المائدة:44]، {وَمَا رَ‌بُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}[فصلت:46] .