منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By محمد الزامل 6,20
#67395
سرية التفاوض و'بناء الثقة'
الاتفاق لم يكن سوى واجهة لتحضيرات جرى الإعداد لها بعناية، وبالتالي فإن التفريط فيها لن يكون مسموحا في القانون الإيراني.
العرب عصام عساف [نُشر في 30/11/2013، العدد: 9395، ص(9)]
يجمع الخبراء والمحللون على التأكيد على أن ما حصل في جنيف في الأسبوعين الماضيين ومهّد للاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى ليس وليد أسابيع أو بفعل زيارة الرئيس حسن روحاني للولايات المتحدة واتصاله بالرئيس الأميركي هاتفيا. فالمعلومات المؤكدة أن هناك اتصالات سرية بدأت منذ عام 2005، على الأقل الذي عرف منها، وهناك اتصالات سابقة لذلك.

أفضت هذه الاتصالات إلى تقارب بين الجانبين، وكان ملفتا أن الرئيس الأميركي يحذر الحديث عن عمل عسكري تجاه إيران، إلا إذا سئل. فاتفاق نووي بين إيران وإسرائيل ودول الغرب لا يمكن بلوغه في يومين أو أسبوعين أو شهرين. فقراءة الشروط التقنية والمواصفات الفنية للمشروع تستلزم أشهرا. فكيف والحال أن هناك آلاف أجهزة الطرد فضلا عن منشآت نووية موزعة على أنحاء مختلفة في إيران؟

المقصود أن اتفاق جنيف هو تتويج لاتصالات سرية شهدتها عـُمان والدوحة ولندن ونيويورك، حيث كان يعمل محمد جواد ظريف كمندوب لإيران في الأمم المتحدة. وكانت رحى هذه الاتصالات تدور حول آلية التلاقي، وعندما بات الأمر جاهزا انتقلت تلك الاتصالات إلى العلن. وهو ما يفسر تصريحات وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف- وقبل انعقاد المفاوضات- بأن الاتفاق ممكن.

وبعدما أصبح الاتفاق علنيا، بات السؤال يتركز حول مدى نجاحه وهل يمكن للفروق والعوامل المتباعدة أن تلقي بظلالها على المفاوضات فتعيق المضي في تطبيق الاتفاق؟

المتابعون لمسيرة إيران في الاتفاق وفي التفاوض يؤكدون أنها امتلكت القدرة على التفاوض على مشارف الهاوية، تصديقا لقول الإمام علي «لوح بالسيف ولا تستخدمه».

فبالصبر والعض على الجرح، تمكنت من إعادة العلاقات الأميركية بشهادة خمس دول غربية أخرى. وستكتشف هذه الدول الخمس أنها في مرحلة لاحقة كانت مجرد جسر عبور وشاهد زور على اتفاق مع الولايات المتحدة وإيران، وأنها لن تجني من فوائد الاتفاق أكثر مما تريد الولايات المتحدة أن تعطيه. فالعنوان المقبل للمفاوضات هو بناء الثقة. ولن تتأخر إيران عن تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة بما يعيدها إلى ما كانت عليه في أيام الشاه مع بعض الفروقات التي تتطلبها ضرورات «الثورة الإيرانية» والمعممون الجدد.

فبعد أقل من أسبوع على الاتفاق، أعلن أبو الفضل حجازي المسؤول في غرفة التجارة الإيرانية أنه سيتم إنشاء غرفة تجارة إيرانية أميركية «خلال أقل من شهر» لتحريك العمليات الاقتصادية بين البلدين، وفق صحيفة إيران دايلي الأربعاء. ومشروع غرفة التجارة الإيرانية- الأميركية يشكل فرصة ملائمة للبلدين لإعادة العلاقات المقطوعة بينهما منذ الثورة الإسلامية في 1979، وقد تم تسجيله في الولايات المتحدة، كما قال.

وأعلن حجازي أيضا أن الحكومة الإيرانية وافقت على إقامة خط جوي مباشر بين إيران والولايات المتحدة. وسيقوم هذا الخط بتسيير رحلة إلى جزيرة كيش (جنوب غرب إيران) انطلاقا من نيويورك، كما أوضح حجازي دون أن يحدد متى ستبدأ هذه الرحلات. هذا يعني أن الاتفاق لم يكن سوى واجهة لتحضيرات جرى الإعداد لها بعناية وتؤدة وحسن إدارة، وبالتالي فإن التفريط فيها لن يكون مسموحا في القانون الإيراني. كما أن المصلحة الأميركية العليا تقضي اللعب على تناقضات المنطقة للاستفادة منها، والعودة إلى الإمساك بعصا التوازنات.

ثمة من يضع اللوم على الولايات المتحدة، والبعض الآخر يوجه الاتهام إلى إيران بعدم المبدئية في خطها السياسي، لكن الأكيد أن المصالح العليا هي لمن يعرف كيف يخط نهجا يحافظ فيه على الدور والموقع والتوجه. ولعل الأنظار تتجه الآن إلى دول مجلس التعاون الخليجي وكيف ستتعاطى مع المعطى الجديد في المنطقة.

أول الغيث، كان البيان الذي صدر عن المملكة العربية السعودية ثم ذلك الصادر عن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، ورهن نجاح الاتفاق النووي بصدق النوايا.ثم الزيارة السريعة لوزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد الذي التقط الفكرة وأحسن القراءة وحط في ديار فارس مباركا للاتفاق، وداعيا إيران إلى الاستفادة من المراحل السابقة والبناء عليها في توثيق العلاقات مع دول المنطقة، فالمثل العربي القديم لا يمكن التنكر له: «جارك القريب ولا أخوك البعيد».

إذا تمكنت إيران من استيعاب دروس الماضي، فلعلها تدرك أن البناء على مستقبل أفضل لشعوب المنطقة لا يكون بتغذية النزاعات الإقليمية التي عفى عليها الزمن ولم تجلب سوى الخراب والقلق لأبناء وشعوب المنطقة، بل بالتعاون وتجاوز الخلافات حتى لو كان ذلك على حسابها.

اعلامي مقيم في لندن