النزاع بين قطر والبحرين
مرسل: الثلاثاء ديسمبر 03, 2013 10:43 pm
لا ينفصل نزاع الحدود بين قطر والبحرين عن بقية نزاعات الحدود فى المنطقة العربية، من زاوية طرح نفس المزاعم والمبررات التى تثبت حق كل طرف، والتى يستند فيها بالأساس إلى ما يسميه بالحقوق التاريخية، ويتركز هذا النزاع فى ثلاث جزر رئيسية غنية بالبترول والمياه العذبة والموقع الهام، هى، فشت الديبل وحوار وجرادة، بالإضافة إلى منطقة الزبارة وكاد هذا النزاع أن يتسبب فى مواجهة عسكرية كبيرة بين البلدين، كما أدت تطوراته، وصعوبة التوصل إلى تسوية حقيقية إلى عرضه أمام محكمة العدل الدولية وهو يعد أول خلاف حدودى فى منطقة الخليج، يعرض أمام هذه المحكمة، حيث اعتادت هذه الدول حل خلافاتها بنوع من الدبلوماسية التى تحاط غالبا بالكتمان، منطلقة فى ذلك من علاقاتها التاريخية وروابطها القبلية، التى تتوافق مع قدرات وتوازنات كل دولة تتلخص وجهة النظر القطرية فى:
1 ـ ضرورة فرض سيادتها على مجموعة الجزر الثلاث فشت الديبل وحوار وجرادة التابعة للبحرين الآن.
2 ـ أن خط التقسيم بين البلدين يجب أن يسير فى الوسط بين أراضيها والبحرين، حتى نقطة التقاطع مع خط عرض جزر حوار.
3 ـ تطالب أن يكون موضوع التحكيم أمام محكمة العدل الدولية حول الجزر المتنازع عليها فقط أما البحرين فيمكن عرض وجهة نظرها فيما يلى:
1 ـ رفض كل مطالب قطر بالنسبة للجزر وموقعها الجغرافى القريب منها، على اعتبار أن ثمة جزر قريبة من بلد وتخضع سيادة بلد آخر، منها جزر قريبة من تركيا وتتبع اليونان.
2 ـ المطالبة بتبعية منطقة ـ الزبارة ـ القطرية لها.
3 ـ أن بريطانيا قننت الأمر الواقع بالنسبة للحدود، وهو ما تم اعتماده فى كل دول الخليج، مما يعنى ملكيتها الفعلية لمجموعة الجزر الثلاث.
4 ـ ضرورة أن ينصب عرض الموضوع أمام محكمه العدل، على الخط المائى بين البلدين والحدود البحرية، مع الأخذ فى الاعتبار الوجود التاريخى للبحرين فى منطقة الزبارة بهذه الحجج التى يطرحها كل طرف، نرى من الصعوبة بمكان تناول هذا الموضوع بدون توضيح جذوره وعوامل تطوره.
الجذور والتطورات:
تعود جذور هذا النزاع إلى ما قبل الاستقلال، عندما كانت قطر جزءا من البحرين، ثم انفصلت عنها فى إدارة مستقلة عام 1868 مما أدى إلى خلاف حول الحدود بينهما؟ أهمها الخلاف حول الزبارة الذى يرجع إلى عام 1895 عندما انسحب رجال من قبيلة آل بن على بزعامة سلطان بن سلامة، من البحرين إلى قطر، وحولوا ولاءهم من آل خليفة إلى آل ثانى الذى منحهم قرية الزبارة وساند الأتراك هذا التصرف وتدخلت إنجلترا لتهدئة الموقف، والحيلولة دون مهاجمة تلك القبيلة للبحرين فى نفس الوقت الذى رفضت فيه البحرين هذا التصرف الذى يمس سيادتها فتوترت العلاقات وتدخلت إنجلترا ـ ذات السيادة فى المنطقة ـ مرة أخرى للحيلولة دون نشوب صراع يمكن أن يهدد مصالحها، إلا أنها أظهرت تعاطفا مع قطر، ورأت أن حاكم البحرين منذ 1873 ليست له حقوق واضحة أو هامة فى قطر ولذا يجب منعه كلما أمكن من إثارة تعقيدات فى المسألة من هذا المنطلق وحرصا منها على ذلك، نصحت حكام البحرين بالتخلى عن دعوى المطالبة بالزبارة لكنهم لم يستجيبوا لنصحها، ثم أدخلت فى الاتفاقية الإنجليزية التركية لعام 1913 نصا يقضى: بأنها لن تسمح بأن يتدخل شيخ البحرين فى الشئون الداخلية لقطر أو يسعى إلى ضمها إليه وكمحاولة من جانبها ـ إنجلترا ـ لإرضاء البحرين، قضت بتبعية جزيرة حوار لها، التى تدعى قطر ملكيتها وضرورة سيادتها عليها، ففى الخامس من إبريل 1938 طلبت شركة بتروليوم كونسيشن من شيخ البحرين، معرفة ما إذا كانت حوار وفشت الديبل تخص البحرين أم لا كما قام المقيم البريطانى بكتابة رسالة إلى شيخ قطر يبلغه فيها ضرورة النظر إلى مسألة ملكية حوار وفشت الديبل، بموجب الحجج المتوافرة حاليا، على أن يتم الرد على الحكومة البريطانية، ثم عقب بقوله من وجهة النظر السياسية، فإنه من الملزم تماما أن تعطى جزر حوار للبحرين حيث أن هذا سيعادل ويوازى القرار السابق بإعطاء الزيارة إلى قطر ومع بدايات عام 1947 شكت قبيلة آل النعيم ـ التى حولت ولاءها للبحرين بعد انفصال قطر عنها ـ إلى حاكم البحرين محاولة شيخ قطر إقامة مركز جمارك فى الزيارة، الذى اعتبر ذلك بمثابة تدخل سافر فى شئون شعبه ورتبت بريطانيا عقد مفاوضات بين البحرين وقطر، ولعدم نجاح هذه المفاوضات، بعث المعتمد البريطانى فى البحرين فى 23 ديسمبر 1947 برسالة إلى كل من حاكم قطر والبحرين جاء فيها:
أ ـ تحديد الخط الفاصل بين قطر والبحرين على أنه سيمر من عند جزء حوار باعتبارها تابعه للبحرين.
ب ـ تحديد منطقة جزر حوار التابعة للبحرين فى رأى الحكومة البريطانية.
ج ـ تقرير تبعية فشت الدبيل وجرادة للبحرين، مع بيان أنهما ليستا جزيرتين بل هما ضحضاحان ليست لهما مياه إقليمية فيما بعد استمر الوضع بين مد وجذر حتى حصول البلدين على الاستقلال حيث بدأت مرحلة جديدة تسودها الروح الودية لإيجاد وسيلة لحل الخلاف بشأن هذه الجزر، الذى أصبح سمة عامة فى المنطقة ومن مخلفات الميراث الاستعمارى فعرضت قطر عل البحرين بأن تتكفل بإنشاء جزيرة فى المياه الإقليمية البحرينية، مقابل جزيرة حوار الموجودة فى مياه قطر الإقليمية، كما عرضت أن تبرم معها اتفاقية تعاون اقتصادى فى مجال التنقيب عن البترول، داخل المناطق المختلف عليها، مع احتفاظ كل من البلدين بموقفه بالنسبة لحق السيادة، إلى حين الاتفاق على تسوية ترضى الطرفين، مبنية على أسس القانون الدولى كما تقدمت قطر أيضا للبحرين بمشروع إنشاء جسر يصل بينهما رغبة فى فض الخلاف بالطرق الودية مع ذلك تمسكت البحرين بالقرار البريطانى وحق سيادتها عل الجزر محل النزاع، إلا أن محاولات حثيثة بذلت من الجانبين، توصل على أثرها الطرفان فى عام 1978، إلى اتفاق بعدم القيام بأى تصرف، يؤدى إلى تعزيز مركز الطرف الآخر فى الجزر، أو يؤدى إلى تغيير أوضاعها الراهنة، حتى يتم الاتفاق على تسوية ببن الطرفين، وفقا لأحكام القانون الدولى وما لبث النزاع أن تجدد مرة أخرى فى مارس 1982، بعد قيام رئيس وزراء البحرين بتدشين سفينة حربية بحرينية، سميت حوار، ثم إجراء مناورات عسكرية فى منطقة فشت الديبل فاعتبرت قطر هذه التصرفات بمثابة عمل استفزازى، وانتهاكا لكل جهود الوساطة، واحتجت رسميا على ذلك، ثم قرر المجلس الوزارى لمجلس التعاون الخليجى بحث الخلاف وتهدئة الأوضاع، بعد وساطة من السعودية إلى أن أعلنت البحرين رسميا فى أكتوبر ـ 1984 عزمها على إجراء دراسات مع خبراء عالميين، بشأن تنفيذ مشروع ضخم يهدف إلى ردم جزء من منطقة فشت الدبيل التى يدخل معظمها فى نطاق الجرف القارى لقطر، بقصد إنشاء مدينة عليها، ومد جسر يربط بين البلدين، يغطى حوالى ثلاثة أرباع المساحة البحرية التى تفصل بين البلدين وازدادت الأمور سوءا، عندما أصدرت البحرين قرارا فى ديسمبر1985، يقضى بإقامة منطقة للتدريب العسكرى، محظورة بصفة دائمة فى المجال الجوى شمال غرب قطر تشمل جزر حوار، وجزءا كبيرا من الجرف القارى القطرى، بل وتمتد داخل مياهها الإقليمية فى بعض الأماكن، وإزاء هذه المواقف المتكررة من جانب البحرين، احتجت قطر رسميا بمذكرة شديدة اللهجة وطالبت البحرين بسحب قرارها الأخير فى نفس الوقت الذى أبلغت فيه قطر احتجاجها إلى المنظمة الدولية للطيران المدنى، التى طالبت البحرين بعدم خرق المجال الجوى فوق الأراضى والمياه الإقليمية لدول أخرى ذات سيادة وكانت أخطر مراحل تفجر النزاع بين البلدين، والتى كادت أن تعصف بكل جهود الوساطة وتؤدى إلى مواجهة عسكرية فى 26 إبريل ـ 1986، عندما هاجمت أربع طائرات هليوكوبتر تابعة لسلاح الجو القطرى جزيرة فشت الديبل حيث كان يجرى إنشاء مقر تابع لقوات الدفاع البحرانية، مما أسفر عن سقوط بعض الجرحى من بين الفنيين وعمال الشوكة الهولندية المكلفة بهذه الإنشاءات، كما أسرت القوات القطرية 30 فردا منهم وتبع ذلك حشد لقوات البلدين على الحدود، وقطع الاتصالات بين الدوحة والمنامة، وقامت قطر بإبرار عدة مدرعات فى جزيرة فشت الديبل، ورفعت العلم القطرى عليها، ونشطت زوارقها البحرية فى القيام بأعمال دورية فى المنطقة، عززتها بقطع من المدفعية والصواريخ كما قامت بتدعيم الجزيرتين الأخيرتين المتنازع عليها ـ حوار وجرادة ـ وأعلنت قطر أن الجزيرة منطقة محظورة بعد ساعة من قيام قواتها بالإغارة عليها، ومن جانبها قامت البحرين بحشد بعض قواتها فى جزيرة حوار وعبرت فى بيان عن أسفها لقيام قوه عسكرية قطرية بعمل عسكرى ضد أراضيها واحتجاز عمال مدنيين عزل واعتبرت هذا العمل خارجا عن مبادئ حسن الجوار، مؤكدة استعدادها للاستجابة التامة لمساعى الوساطة وانتهت هذه الأزمة بالعودة مرة أخرى إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل نشوبها.
جهود الوساطة:
شكلت أزمة الحدود بين قطر والبحرين تحديا كبيرا أمام مجلس التعاون الخليجى، خاصة وأنها أثيرت بقوة فى بداية تكوين المجلس فى بداية عقد الثمانينات وحاول المجلس تسوية هذا النزاع، إلا أن جهوده كمجلس جماعى لم تحقق نجاحات، قد يكون ذلك لحساسية قضايا الحدود فى المنطقة، وصعوبة معالجتها بشكل جماعى وكان أن قامت السعودية بدور الوساطة بين طرفى النزاع كما وجه رؤساء الدول الأعضاء فى المجلس رسائل إلى أميرى الدولتين، واتصل رؤساء دول عربية أخرى غير خليجية، لتهدئة الموقف على الجانبين لكن الملاحظ أن السعودية لعبت دورا هاما فى مساعى الوساطة نظرا لما تحظى به من قبول كبير من جانب دول المجلس وحاولت الدبلوماسية السعودية احتواء الأزمة خلال كل فترات تصاعدها، إلا أن هذه الجهود واجهت معوقات عدة، ولم تؤد إلى إنهاء النزاع عند اندلاع أزمة الحدود بين قطر والبحرين فى عام 1982 والخاص بجزر حوار، عبر مجلس التعاون الخليجى عن أسفه، وأبدى قلقه من شأن تأثير هذا الحادث على المنطقة، وأصدر المجلس الوزارى لدوله فى دورته الثالثة التى عقدت بالرياض فى مارس من نفس العام بيانا اتخذ فيه القرارات التالية:
أولا ـ طلب المجلس الوزارى من السعودية بذل المساعى الحميدة فورا لإنهاء الخلاف بين البلدين.
ثانيا ـ يسجل فى الأمانة العامة للمجلس الاتفاق الذى تم بين قطر والبحرين فيما يتعلق بالتزام الطرفين بتجميد الوضع، وعدم اتخاذ ما يسبب تصعيد الخلاف.
ثالثا ـ وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين البلدين وعدم اللجوء إلى الإثارة، رابعا ـ تأكيد استمرار العلاقات الأخوية بين البلدين، وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاوكان من نتائج هذا الاجتماع أن قامت السعودية بدور نشط للوساطة، وتوصلت بالفعل إلى مجموعة من المبادئ لمعالجة الأزمة الحدودية، والتى قبلها الطرفان وتضمنت ما يلى.
ا ـ يتعهد الطرفان بعدم القيام بأى تصرف من شأنه أن يعزز مركزه القانونى أو يضعف المركز القانونى للطرف الآخر أو يغير الوضع الراهن لمواضيع الخلاف.
ب ـ يتعهد الطرفان بالامتناع عن ممارسة أى نشاط إعلامى ضد الطرف الآخر، سواء تعلق ذلك بالخلاف أو غيره لحين التوصل إلى حل نهائى.
ج ـ يتعهد الطرفان بالامتناع عن القيام بأى تصرف يعوق سير المفاوضات، أو يعكر الجو الأخوى اللازم لتحقيق أهدافها.
د ـ يتعهد الطرفان بالامتناع عن عرض الخلاف على أية منظمة دولية وعقب التوتر الذى ساد العلاقات بين قطر والبحرين بعد حادث إبريل 1986 حاول مجلس التعاون الخليجى احتواءه ومنع تفاقمه، وقامت السعودية بدور نشط لوضع تسوية ملائمة وتهدئة الأوضاع واستطاعت أن تجمع بين وزيرى خارجية قطر والبحرين فى الرياض، للتفاوض بشأن، الأزمة الحدودية الأخيرة وتقدمت السعودية، مايو من نفس العام بخطة عمل تمثلت فى الآتى:
1 ـ إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 26 إبريل 1986.
2 ـ التعهد بعدم العودة للاستخدام القوة العسكرية، مادامت المساعى مبذولة للتوصل إلى حل يرضى الجميع.
3 ـ تشكيل هيئة للإشراف والرقابة العسكرية لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
4 ـ يتم النظر فى كافة الخلاقات الحدودية بين الطرفين، فى إطار قانونى وتاريخى، يقدم من خلاله البلدان ما يملكانه من وثائق وإثباتات للمناطق محل النزاع على أثر هذه الخطة، انسحبت القوات من الجانبين فى 15 يونيو 1986، إلى مواقعها السابقة وتم الاتفاق بين طرفى الأزمة، على ألا يدخل جزيرة فشت الديبل وجزر حوار سوى صيادى البحرين ورجال خفر سواحلها فقط كذلك ألا يقوم أى من طرفى النزاع بتغيير الوضع فى الجزر الواضح أن جهود الوساطة لم تتوقف، فى نفس الوقت الذى استمرت فيه العلاقات القطرية البحرينية خلال حرب الخليج الثانية يسودها نوع من التوتر حيث ظل كل طرف يصر على أحقيته فى مجموعة الجزر محل النزاع، فتدخلت السعودية للتوفيق بين البلدين واستطاعت أن تجمع بين وزيرى خارجيتهما والاتفاق فى 25 ديسمبر 1990 على ثلاثة بنود رئيسية تأكيدا للجهود والمساعى السابقة:
أولا ـ استمرار مساعى الملك فهد بن عبد العزيز حتى مايو 1991، ويجوز بعدها أن يتقدم الطرفان بطرح الموضوع على محكمة العدل، بناء على الصيغة البحرينية التى قبلتها قطر، والإجراءات المترتبة عليها، مع استمرار المساعى الحميدة للسعودية، أثناء فترة عرض الموضوع على التحكيم.
ثانيا ـ التأكيد على ما تم الاتفاق عليه سابقا.
ثالثا ـ إذا ما تم التوصل إلى حل أخوى مقبول للطرفين، يتم سحب القضية من التحكيم اللجوء إلى محكمة العدل الدولية: بعد أن تعثرت جهود الوساطة، اتخذت قطر قرار أدى إلى تصعيد حدة نزاعها مع البحرين مرة أخرى حيث قدمت طلبا فى 8 يوليو 1991 إلى محكمة العدل الدولية، بشأن السيادة على المناطق المتنازع عليها، ولاقى هذا الطلب المنفرد، اعتراضا من جانب البحرين، وتأكيدها كل ضرورة تقديم طلب مشترك من الدولتين واللافت للنظر أنه عندما اقترح طرفا الأزمة فى عام 1987، إمكانية الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية، بعد تأييد المجلس الأعلى لدول التعاون هذا الاقتراح فى قمته الثامنة بالرياض كان تبرير هذه الخطوة من جانب المجلس، كما أوضح وزير الخارجية السعودى، أن قبول كل من الطرفين التحاكم أمام محكمة العدل الدولية، ليس صدى إيجابيا فحسب، بل أمرا مريحا لمستقبل العلاقات بين دول المجلس، واللجوء لمحكمة العدل الدولية أمر طبيعى فدول المجلس إضافة إلى كونها أعضاء مجلس التعاون والجامعة العربية أعضاء فى هيئة الأمم المتحدة، التى ترتكز سياسة دول المجلس، على المصادقة على ميثاقها الذى يشكل هذا الجهاز القانونى وسيلة لحسم النزاعات والواضح أن ثمة اتجاه للجوء إلى محكمة العدل الدولية، أكدته فيما بعد المبادئ المكونة لإطار الحل، التى سبق الاتفاق عليها فى ديسمبر 1990 بين الدولتين، وبوجه خاص ما نص عليه المبدأ التالى:
تتعهد حكومتا الطرفين بالتشاور مع حكومة السعودية لتحديد أفضل سبل للبت فى تلك المسألة أو المسائل على أساس من أحكام القانون الدولى، ويكون قرار الجهة التى يتم الاتفاق عليها لهذا الغرض نهائيا وملزما للظرفين وعليه تم الاتفاق بين الطرفين على تشكيل لجنة تضم ممثلين عن دولة البحرين ودولة قطر وممثلين عن السعودية، لغرض الاتصال بمحكمة العدل الدولية، واستكمال المتطلبات اللازمة لرفع موضوع الخلاف إليها طبقا لأنظمة المحكمة وتعليماتها وتأكيدا للرفض السابق من جانب البحرين لطلب قطر المنفرد لمحكمة العدل، طرحت حكومة البحرين فى يوليو 1992 مبادرة لحل النزاع الحدودى، عن طريق الوسائل القضائية، وتقديم طلب مشترك للمحكمة، وإبرام اتفاقية بينهما، تشمل جميع أمور النزاع، وتمكين المحكمة من النظر والبت فى كل أمور الخلاف التى ترغب الدولتان فى عرضها عليها، ويرفض تركيز الخلاف فى الجزر الثلاث فقط، وقد أوضحت المذكرة القطرية لمحكمة العدل والتى قدمت فى سبتمبر 1992 هذه المعانى مرة أخرى.
خاتمة:
من الملاحظ أنه بداية من إبريل 1991 بدأت مجموعة من التداعيات تمثلت فى خطوة قطر بقرارها الخاص بتحديد عرض المياه الإقليمية لقطر والمنطقة، المتاخمة لها، فرفضته البحرين على اعتبار أن هذا التحديد يؤثر على حدود دولة البحرين الإقليمية وفى سبتمبر من نفس العام أعلنت الخارجية القطرية احتجاجها لدى البحرين، عن اختراق زورق بحرينى حربى مياه قطر الإقليمية وقيامه بإطلاق النار على زورق قطرى، وقبل يومين هذا الحادث اعتدت قوات بحرية بحرينية، تعاونها طائرة هليوكوبتر حربية، على زورق من مدنى تابع لدولة قطر، كان يقوم بأعمال مسح بحرى فى المنطقة لكن دولة البحرين نفت صحة هذه الادعاءات وجاء التصعيد الأخير لمشكلة الحدود القطرية السعودية وتزامنه مع التوتر الإقليمى الخاص بالوضع الإيرانى فى أبو موسى ليضع دول مجلس التعاون والأمانة العامة للمجلس، أمام مصاعب كبيرة من جراء تزايد احتمالات تطور المشكلات الحدودية بين أعضاء المجلس، مما يعطى الفرصة لأطراف إقليمية باستغلال هذه الأوضاع من هذا المنطلق وحرصا على المصالح العربية من الضرورى التوصل إلى حل توفيقى بين البلدين يجنبهما عواقب تفاقمه، لأن الحلول الأخرى التى تعتمد على الحق التاريخى لن نجد كثيرا فى هذه المنطقة بالذات، لأن معظمها إمارات حديثة النشأة، والاعتماد على هذا الحق يزيد الأوضاع توترا كما أن عرض هذا النزاع أمام محكمة العدل، فضلا عن عدم تراضى الطرفين، يمكن أن يمثل مأزقا أخر بعد صدور حكمها، طالما لا توجد قناعة مشتركة بهذا العرض ووضع القضية فى المسار الصحيح، يمكن فى طرح جميع نقاط الخلاف أمام لجنة مشتركة من الجانبين، تبت فى نزاعات البلدين بصورة كلية تقوم على التوازن والتراضى ومن المفضل أن تنطلق أعمال هذه اللجنة، داخل مجلس التعاون الخليجى، لإمكانية الرجوع إليه فى حال نشوب أية خلاف، فى الوقت الذى من المنتظر أن يظهر فيه المجلس اهتماما أكبر لحل مثل هذه النزاعات فى المستقبل وتسويتها بصورة شاملة.
1 ـ ضرورة فرض سيادتها على مجموعة الجزر الثلاث فشت الديبل وحوار وجرادة التابعة للبحرين الآن.
2 ـ أن خط التقسيم بين البلدين يجب أن يسير فى الوسط بين أراضيها والبحرين، حتى نقطة التقاطع مع خط عرض جزر حوار.
3 ـ تطالب أن يكون موضوع التحكيم أمام محكمة العدل الدولية حول الجزر المتنازع عليها فقط أما البحرين فيمكن عرض وجهة نظرها فيما يلى:
1 ـ رفض كل مطالب قطر بالنسبة للجزر وموقعها الجغرافى القريب منها، على اعتبار أن ثمة جزر قريبة من بلد وتخضع سيادة بلد آخر، منها جزر قريبة من تركيا وتتبع اليونان.
2 ـ المطالبة بتبعية منطقة ـ الزبارة ـ القطرية لها.
3 ـ أن بريطانيا قننت الأمر الواقع بالنسبة للحدود، وهو ما تم اعتماده فى كل دول الخليج، مما يعنى ملكيتها الفعلية لمجموعة الجزر الثلاث.
4 ـ ضرورة أن ينصب عرض الموضوع أمام محكمه العدل، على الخط المائى بين البلدين والحدود البحرية، مع الأخذ فى الاعتبار الوجود التاريخى للبحرين فى منطقة الزبارة بهذه الحجج التى يطرحها كل طرف، نرى من الصعوبة بمكان تناول هذا الموضوع بدون توضيح جذوره وعوامل تطوره.
الجذور والتطورات:
تعود جذور هذا النزاع إلى ما قبل الاستقلال، عندما كانت قطر جزءا من البحرين، ثم انفصلت عنها فى إدارة مستقلة عام 1868 مما أدى إلى خلاف حول الحدود بينهما؟ أهمها الخلاف حول الزبارة الذى يرجع إلى عام 1895 عندما انسحب رجال من قبيلة آل بن على بزعامة سلطان بن سلامة، من البحرين إلى قطر، وحولوا ولاءهم من آل خليفة إلى آل ثانى الذى منحهم قرية الزبارة وساند الأتراك هذا التصرف وتدخلت إنجلترا لتهدئة الموقف، والحيلولة دون مهاجمة تلك القبيلة للبحرين فى نفس الوقت الذى رفضت فيه البحرين هذا التصرف الذى يمس سيادتها فتوترت العلاقات وتدخلت إنجلترا ـ ذات السيادة فى المنطقة ـ مرة أخرى للحيلولة دون نشوب صراع يمكن أن يهدد مصالحها، إلا أنها أظهرت تعاطفا مع قطر، ورأت أن حاكم البحرين منذ 1873 ليست له حقوق واضحة أو هامة فى قطر ولذا يجب منعه كلما أمكن من إثارة تعقيدات فى المسألة من هذا المنطلق وحرصا منها على ذلك، نصحت حكام البحرين بالتخلى عن دعوى المطالبة بالزبارة لكنهم لم يستجيبوا لنصحها، ثم أدخلت فى الاتفاقية الإنجليزية التركية لعام 1913 نصا يقضى: بأنها لن تسمح بأن يتدخل شيخ البحرين فى الشئون الداخلية لقطر أو يسعى إلى ضمها إليه وكمحاولة من جانبها ـ إنجلترا ـ لإرضاء البحرين، قضت بتبعية جزيرة حوار لها، التى تدعى قطر ملكيتها وضرورة سيادتها عليها، ففى الخامس من إبريل 1938 طلبت شركة بتروليوم كونسيشن من شيخ البحرين، معرفة ما إذا كانت حوار وفشت الديبل تخص البحرين أم لا كما قام المقيم البريطانى بكتابة رسالة إلى شيخ قطر يبلغه فيها ضرورة النظر إلى مسألة ملكية حوار وفشت الديبل، بموجب الحجج المتوافرة حاليا، على أن يتم الرد على الحكومة البريطانية، ثم عقب بقوله من وجهة النظر السياسية، فإنه من الملزم تماما أن تعطى جزر حوار للبحرين حيث أن هذا سيعادل ويوازى القرار السابق بإعطاء الزيارة إلى قطر ومع بدايات عام 1947 شكت قبيلة آل النعيم ـ التى حولت ولاءها للبحرين بعد انفصال قطر عنها ـ إلى حاكم البحرين محاولة شيخ قطر إقامة مركز جمارك فى الزيارة، الذى اعتبر ذلك بمثابة تدخل سافر فى شئون شعبه ورتبت بريطانيا عقد مفاوضات بين البحرين وقطر، ولعدم نجاح هذه المفاوضات، بعث المعتمد البريطانى فى البحرين فى 23 ديسمبر 1947 برسالة إلى كل من حاكم قطر والبحرين جاء فيها:
أ ـ تحديد الخط الفاصل بين قطر والبحرين على أنه سيمر من عند جزء حوار باعتبارها تابعه للبحرين.
ب ـ تحديد منطقة جزر حوار التابعة للبحرين فى رأى الحكومة البريطانية.
ج ـ تقرير تبعية فشت الدبيل وجرادة للبحرين، مع بيان أنهما ليستا جزيرتين بل هما ضحضاحان ليست لهما مياه إقليمية فيما بعد استمر الوضع بين مد وجذر حتى حصول البلدين على الاستقلال حيث بدأت مرحلة جديدة تسودها الروح الودية لإيجاد وسيلة لحل الخلاف بشأن هذه الجزر، الذى أصبح سمة عامة فى المنطقة ومن مخلفات الميراث الاستعمارى فعرضت قطر عل البحرين بأن تتكفل بإنشاء جزيرة فى المياه الإقليمية البحرينية، مقابل جزيرة حوار الموجودة فى مياه قطر الإقليمية، كما عرضت أن تبرم معها اتفاقية تعاون اقتصادى فى مجال التنقيب عن البترول، داخل المناطق المختلف عليها، مع احتفاظ كل من البلدين بموقفه بالنسبة لحق السيادة، إلى حين الاتفاق على تسوية ترضى الطرفين، مبنية على أسس القانون الدولى كما تقدمت قطر أيضا للبحرين بمشروع إنشاء جسر يصل بينهما رغبة فى فض الخلاف بالطرق الودية مع ذلك تمسكت البحرين بالقرار البريطانى وحق سيادتها عل الجزر محل النزاع، إلا أن محاولات حثيثة بذلت من الجانبين، توصل على أثرها الطرفان فى عام 1978، إلى اتفاق بعدم القيام بأى تصرف، يؤدى إلى تعزيز مركز الطرف الآخر فى الجزر، أو يؤدى إلى تغيير أوضاعها الراهنة، حتى يتم الاتفاق على تسوية ببن الطرفين، وفقا لأحكام القانون الدولى وما لبث النزاع أن تجدد مرة أخرى فى مارس 1982، بعد قيام رئيس وزراء البحرين بتدشين سفينة حربية بحرينية، سميت حوار، ثم إجراء مناورات عسكرية فى منطقة فشت الديبل فاعتبرت قطر هذه التصرفات بمثابة عمل استفزازى، وانتهاكا لكل جهود الوساطة، واحتجت رسميا على ذلك، ثم قرر المجلس الوزارى لمجلس التعاون الخليجى بحث الخلاف وتهدئة الأوضاع، بعد وساطة من السعودية إلى أن أعلنت البحرين رسميا فى أكتوبر ـ 1984 عزمها على إجراء دراسات مع خبراء عالميين، بشأن تنفيذ مشروع ضخم يهدف إلى ردم جزء من منطقة فشت الدبيل التى يدخل معظمها فى نطاق الجرف القارى لقطر، بقصد إنشاء مدينة عليها، ومد جسر يربط بين البلدين، يغطى حوالى ثلاثة أرباع المساحة البحرية التى تفصل بين البلدين وازدادت الأمور سوءا، عندما أصدرت البحرين قرارا فى ديسمبر1985، يقضى بإقامة منطقة للتدريب العسكرى، محظورة بصفة دائمة فى المجال الجوى شمال غرب قطر تشمل جزر حوار، وجزءا كبيرا من الجرف القارى القطرى، بل وتمتد داخل مياهها الإقليمية فى بعض الأماكن، وإزاء هذه المواقف المتكررة من جانب البحرين، احتجت قطر رسميا بمذكرة شديدة اللهجة وطالبت البحرين بسحب قرارها الأخير فى نفس الوقت الذى أبلغت فيه قطر احتجاجها إلى المنظمة الدولية للطيران المدنى، التى طالبت البحرين بعدم خرق المجال الجوى فوق الأراضى والمياه الإقليمية لدول أخرى ذات سيادة وكانت أخطر مراحل تفجر النزاع بين البلدين، والتى كادت أن تعصف بكل جهود الوساطة وتؤدى إلى مواجهة عسكرية فى 26 إبريل ـ 1986، عندما هاجمت أربع طائرات هليوكوبتر تابعة لسلاح الجو القطرى جزيرة فشت الديبل حيث كان يجرى إنشاء مقر تابع لقوات الدفاع البحرانية، مما أسفر عن سقوط بعض الجرحى من بين الفنيين وعمال الشوكة الهولندية المكلفة بهذه الإنشاءات، كما أسرت القوات القطرية 30 فردا منهم وتبع ذلك حشد لقوات البلدين على الحدود، وقطع الاتصالات بين الدوحة والمنامة، وقامت قطر بإبرار عدة مدرعات فى جزيرة فشت الديبل، ورفعت العلم القطرى عليها، ونشطت زوارقها البحرية فى القيام بأعمال دورية فى المنطقة، عززتها بقطع من المدفعية والصواريخ كما قامت بتدعيم الجزيرتين الأخيرتين المتنازع عليها ـ حوار وجرادة ـ وأعلنت قطر أن الجزيرة منطقة محظورة بعد ساعة من قيام قواتها بالإغارة عليها، ومن جانبها قامت البحرين بحشد بعض قواتها فى جزيرة حوار وعبرت فى بيان عن أسفها لقيام قوه عسكرية قطرية بعمل عسكرى ضد أراضيها واحتجاز عمال مدنيين عزل واعتبرت هذا العمل خارجا عن مبادئ حسن الجوار، مؤكدة استعدادها للاستجابة التامة لمساعى الوساطة وانتهت هذه الأزمة بالعودة مرة أخرى إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل نشوبها.
جهود الوساطة:
شكلت أزمة الحدود بين قطر والبحرين تحديا كبيرا أمام مجلس التعاون الخليجى، خاصة وأنها أثيرت بقوة فى بداية تكوين المجلس فى بداية عقد الثمانينات وحاول المجلس تسوية هذا النزاع، إلا أن جهوده كمجلس جماعى لم تحقق نجاحات، قد يكون ذلك لحساسية قضايا الحدود فى المنطقة، وصعوبة معالجتها بشكل جماعى وكان أن قامت السعودية بدور الوساطة بين طرفى النزاع كما وجه رؤساء الدول الأعضاء فى المجلس رسائل إلى أميرى الدولتين، واتصل رؤساء دول عربية أخرى غير خليجية، لتهدئة الموقف على الجانبين لكن الملاحظ أن السعودية لعبت دورا هاما فى مساعى الوساطة نظرا لما تحظى به من قبول كبير من جانب دول المجلس وحاولت الدبلوماسية السعودية احتواء الأزمة خلال كل فترات تصاعدها، إلا أن هذه الجهود واجهت معوقات عدة، ولم تؤد إلى إنهاء النزاع عند اندلاع أزمة الحدود بين قطر والبحرين فى عام 1982 والخاص بجزر حوار، عبر مجلس التعاون الخليجى عن أسفه، وأبدى قلقه من شأن تأثير هذا الحادث على المنطقة، وأصدر المجلس الوزارى لدوله فى دورته الثالثة التى عقدت بالرياض فى مارس من نفس العام بيانا اتخذ فيه القرارات التالية:
أولا ـ طلب المجلس الوزارى من السعودية بذل المساعى الحميدة فورا لإنهاء الخلاف بين البلدين.
ثانيا ـ يسجل فى الأمانة العامة للمجلس الاتفاق الذى تم بين قطر والبحرين فيما يتعلق بالتزام الطرفين بتجميد الوضع، وعدم اتخاذ ما يسبب تصعيد الخلاف.
ثالثا ـ وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين البلدين وعدم اللجوء إلى الإثارة، رابعا ـ تأكيد استمرار العلاقات الأخوية بين البلدين، وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاوكان من نتائج هذا الاجتماع أن قامت السعودية بدور نشط للوساطة، وتوصلت بالفعل إلى مجموعة من المبادئ لمعالجة الأزمة الحدودية، والتى قبلها الطرفان وتضمنت ما يلى.
ا ـ يتعهد الطرفان بعدم القيام بأى تصرف من شأنه أن يعزز مركزه القانونى أو يضعف المركز القانونى للطرف الآخر أو يغير الوضع الراهن لمواضيع الخلاف.
ب ـ يتعهد الطرفان بالامتناع عن ممارسة أى نشاط إعلامى ضد الطرف الآخر، سواء تعلق ذلك بالخلاف أو غيره لحين التوصل إلى حل نهائى.
ج ـ يتعهد الطرفان بالامتناع عن القيام بأى تصرف يعوق سير المفاوضات، أو يعكر الجو الأخوى اللازم لتحقيق أهدافها.
د ـ يتعهد الطرفان بالامتناع عن عرض الخلاف على أية منظمة دولية وعقب التوتر الذى ساد العلاقات بين قطر والبحرين بعد حادث إبريل 1986 حاول مجلس التعاون الخليجى احتواءه ومنع تفاقمه، وقامت السعودية بدور نشط لوضع تسوية ملائمة وتهدئة الأوضاع واستطاعت أن تجمع بين وزيرى خارجية قطر والبحرين فى الرياض، للتفاوض بشأن، الأزمة الحدودية الأخيرة وتقدمت السعودية، مايو من نفس العام بخطة عمل تمثلت فى الآتى:
1 ـ إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 26 إبريل 1986.
2 ـ التعهد بعدم العودة للاستخدام القوة العسكرية، مادامت المساعى مبذولة للتوصل إلى حل يرضى الجميع.
3 ـ تشكيل هيئة للإشراف والرقابة العسكرية لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
4 ـ يتم النظر فى كافة الخلاقات الحدودية بين الطرفين، فى إطار قانونى وتاريخى، يقدم من خلاله البلدان ما يملكانه من وثائق وإثباتات للمناطق محل النزاع على أثر هذه الخطة، انسحبت القوات من الجانبين فى 15 يونيو 1986، إلى مواقعها السابقة وتم الاتفاق بين طرفى الأزمة، على ألا يدخل جزيرة فشت الديبل وجزر حوار سوى صيادى البحرين ورجال خفر سواحلها فقط كذلك ألا يقوم أى من طرفى النزاع بتغيير الوضع فى الجزر الواضح أن جهود الوساطة لم تتوقف، فى نفس الوقت الذى استمرت فيه العلاقات القطرية البحرينية خلال حرب الخليج الثانية يسودها نوع من التوتر حيث ظل كل طرف يصر على أحقيته فى مجموعة الجزر محل النزاع، فتدخلت السعودية للتوفيق بين البلدين واستطاعت أن تجمع بين وزيرى خارجيتهما والاتفاق فى 25 ديسمبر 1990 على ثلاثة بنود رئيسية تأكيدا للجهود والمساعى السابقة:
أولا ـ استمرار مساعى الملك فهد بن عبد العزيز حتى مايو 1991، ويجوز بعدها أن يتقدم الطرفان بطرح الموضوع على محكمة العدل، بناء على الصيغة البحرينية التى قبلتها قطر، والإجراءات المترتبة عليها، مع استمرار المساعى الحميدة للسعودية، أثناء فترة عرض الموضوع على التحكيم.
ثانيا ـ التأكيد على ما تم الاتفاق عليه سابقا.
ثالثا ـ إذا ما تم التوصل إلى حل أخوى مقبول للطرفين، يتم سحب القضية من التحكيم اللجوء إلى محكمة العدل الدولية: بعد أن تعثرت جهود الوساطة، اتخذت قطر قرار أدى إلى تصعيد حدة نزاعها مع البحرين مرة أخرى حيث قدمت طلبا فى 8 يوليو 1991 إلى محكمة العدل الدولية، بشأن السيادة على المناطق المتنازع عليها، ولاقى هذا الطلب المنفرد، اعتراضا من جانب البحرين، وتأكيدها كل ضرورة تقديم طلب مشترك من الدولتين واللافت للنظر أنه عندما اقترح طرفا الأزمة فى عام 1987، إمكانية الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية، بعد تأييد المجلس الأعلى لدول التعاون هذا الاقتراح فى قمته الثامنة بالرياض كان تبرير هذه الخطوة من جانب المجلس، كما أوضح وزير الخارجية السعودى، أن قبول كل من الطرفين التحاكم أمام محكمة العدل الدولية، ليس صدى إيجابيا فحسب، بل أمرا مريحا لمستقبل العلاقات بين دول المجلس، واللجوء لمحكمة العدل الدولية أمر طبيعى فدول المجلس إضافة إلى كونها أعضاء مجلس التعاون والجامعة العربية أعضاء فى هيئة الأمم المتحدة، التى ترتكز سياسة دول المجلس، على المصادقة على ميثاقها الذى يشكل هذا الجهاز القانونى وسيلة لحسم النزاعات والواضح أن ثمة اتجاه للجوء إلى محكمة العدل الدولية، أكدته فيما بعد المبادئ المكونة لإطار الحل، التى سبق الاتفاق عليها فى ديسمبر 1990 بين الدولتين، وبوجه خاص ما نص عليه المبدأ التالى:
تتعهد حكومتا الطرفين بالتشاور مع حكومة السعودية لتحديد أفضل سبل للبت فى تلك المسألة أو المسائل على أساس من أحكام القانون الدولى، ويكون قرار الجهة التى يتم الاتفاق عليها لهذا الغرض نهائيا وملزما للظرفين وعليه تم الاتفاق بين الطرفين على تشكيل لجنة تضم ممثلين عن دولة البحرين ودولة قطر وممثلين عن السعودية، لغرض الاتصال بمحكمة العدل الدولية، واستكمال المتطلبات اللازمة لرفع موضوع الخلاف إليها طبقا لأنظمة المحكمة وتعليماتها وتأكيدا للرفض السابق من جانب البحرين لطلب قطر المنفرد لمحكمة العدل، طرحت حكومة البحرين فى يوليو 1992 مبادرة لحل النزاع الحدودى، عن طريق الوسائل القضائية، وتقديم طلب مشترك للمحكمة، وإبرام اتفاقية بينهما، تشمل جميع أمور النزاع، وتمكين المحكمة من النظر والبت فى كل أمور الخلاف التى ترغب الدولتان فى عرضها عليها، ويرفض تركيز الخلاف فى الجزر الثلاث فقط، وقد أوضحت المذكرة القطرية لمحكمة العدل والتى قدمت فى سبتمبر 1992 هذه المعانى مرة أخرى.
خاتمة:
من الملاحظ أنه بداية من إبريل 1991 بدأت مجموعة من التداعيات تمثلت فى خطوة قطر بقرارها الخاص بتحديد عرض المياه الإقليمية لقطر والمنطقة، المتاخمة لها، فرفضته البحرين على اعتبار أن هذا التحديد يؤثر على حدود دولة البحرين الإقليمية وفى سبتمبر من نفس العام أعلنت الخارجية القطرية احتجاجها لدى البحرين، عن اختراق زورق بحرينى حربى مياه قطر الإقليمية وقيامه بإطلاق النار على زورق قطرى، وقبل يومين هذا الحادث اعتدت قوات بحرية بحرينية، تعاونها طائرة هليوكوبتر حربية، على زورق من مدنى تابع لدولة قطر، كان يقوم بأعمال مسح بحرى فى المنطقة لكن دولة البحرين نفت صحة هذه الادعاءات وجاء التصعيد الأخير لمشكلة الحدود القطرية السعودية وتزامنه مع التوتر الإقليمى الخاص بالوضع الإيرانى فى أبو موسى ليضع دول مجلس التعاون والأمانة العامة للمجلس، أمام مصاعب كبيرة من جراء تزايد احتمالات تطور المشكلات الحدودية بين أعضاء المجلس، مما يعطى الفرصة لأطراف إقليمية باستغلال هذه الأوضاع من هذا المنطلق وحرصا على المصالح العربية من الضرورى التوصل إلى حل توفيقى بين البلدين يجنبهما عواقب تفاقمه، لأن الحلول الأخرى التى تعتمد على الحق التاريخى لن نجد كثيرا فى هذه المنطقة بالذات، لأن معظمها إمارات حديثة النشأة، والاعتماد على هذا الحق يزيد الأوضاع توترا كما أن عرض هذا النزاع أمام محكمة العدل، فضلا عن عدم تراضى الطرفين، يمكن أن يمثل مأزقا أخر بعد صدور حكمها، طالما لا توجد قناعة مشتركة بهذا العرض ووضع القضية فى المسار الصحيح، يمكن فى طرح جميع نقاط الخلاف أمام لجنة مشتركة من الجانبين، تبت فى نزاعات البلدين بصورة كلية تقوم على التوازن والتراضى ومن المفضل أن تنطلق أعمال هذه اللجنة، داخل مجلس التعاون الخليجى، لإمكانية الرجوع إليه فى حال نشوب أية خلاف، فى الوقت الذى من المنتظر أن يظهر فيه المجلس اهتماما أكبر لحل مثل هذه النزاعات فى المستقبل وتسويتها بصورة شاملة.