الثقافه السياسية
مرسل: الأربعاء ديسمبر 04, 2013 12:35 am
أولاً : مفهوم الثقافة السياسية
لكل مجتمع خصوصية تعكسها ثقافته السائدة بين ابنائه، تلك الثقافة التى تطورها مجموعة القيم والمفاهيم والمعارف التى اكتسبها عبر ميراثه التاريخى والحضارى وواقعه الجغرافى والتركيب الاجتماعى وطبيعة النظام السياسى والاقتصادى، فضلاً عن المؤثرات الخارجية التى شكلت خبراته وانتماءاته المختلفة.
والثقافة السياسية هى جزء من الثقافة العامة للمجتمع .. وهى تختلف من بلد لآخر حتى لو كان شعباه ينتهجان نفس الأساليب الحياتية، وينتميان إلى نفس الحضارة، ويتقاسمان الاهتمامات والولاءات.
1 ـ تعريف الثقافة السياسية :
يقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شئون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة.
وتعنى أيضاً منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التى يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم.
ومعنى ذلك أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسى بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسى.
ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءاً من ثقافته العامة، فهى تتكون بدورها من عدة ثقافات فرعية، وتشمل تلك الثقافات الفرعية : ثقافة الشباب، والنخبة الحاكمة ،والعمال، والفلاحين، والمرأة .. الخ.
وبذلك تكون الثقافة السياسية هى مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التى تعطى نظاماً ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التى تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسى، وبذلك فهى تنصب على المثل والمعايير السياسية التى يلتزم بها أعضاء المجتمع السياسى، والتى تحدد الإطار الذى يحدث التصرف السياسى فى نطاقه.
أى أن الثقافة السياسية تدور حول ما يسود المجتمع من قيم ومعتقدات تؤثر فى السلوك السياسى لأعضائه حكاماً ومحكومين.
وعلى ذلك يمكن تحديد عناصر مفهوم الثقافة السياسية على النحو التالى :
• تمثل الثقافة السياسية مجموعة القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية لأفراد المجتمع.
• الثقافة السياسية ثقافة فرعية. فهى جزء من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر فيه وتتأثر به، ولكنها لا تستطيع أن تشذ عن ذلك الإطار العام لثقافة المجتمع.
• تتميز الثقافة السياسية بأنها متغيرة. فهى لا تعرف الثبات المطلق، ويتوقف حجم ومدى التغير على عدة عوامل من بينها : مدى ومعدل التغير فى الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودرجة اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغير الثقافى، وحجم الاهتمام الذى توليه وتخصصه الدولة لإحداث هذا التغيير فى ثقافة المجتمع، ومدى رسوخ هذه القيم فى نفوس الأفراد.
• تختلف الثقافة السياسية بين مجتمع وآخر كما تختلف من فرد لآخر داخل المجتمع. هذا الاختلاف تفرضه عوامل معينة كالأصل ومحل الاقامة والمهنة والمستوى الاقتصادى والحالة التعليمية.
2 ـ مكونات الثقافة السياسية :
يمكن الحديث عن مجموعة من العناصر أو المكونات للثقافة السياسية سواء تلك التىتتبناها الدولة (ثقافة الحكام) أو الثقافة الرسمية وتلك السائدة لدى أفراد المجتمع (المحكومين) والتى تسمى الثقافة غير الرسمية ومن هذه المكونات :
أ ـ المرجعية :
وهى تعنى الإطار الفكرى الفلسفى المتكامل، أو المرجع الأساسى للعمل السياسى، فهو يفسر التاريخ، ويحدد الأهداف والرؤى، ويبرر المواقف والممارسات، ويكسب النظام الشرعية.
وغالباً ما يتحقق الاستقرار بإجماع أعضاء المجتمع على الرضا عن مرجعية الدولة، ووجود قناعات بأهميتها وتعبيرها عن أهدافهم وقيمهم. وعندما يحدث الاختلاف بين عناصر النظام حول المرجعية، تحدث الانقسامات وتبدأ الأزمات التى تهدد شرعية النظام وبقائه واستقراره.
ومن أمثلة المرجعيات الديمقراطية، والاشتراكية، والرأسمالية، والعلمانية .. الخ وأغلب الظن أنه لا يوجد أثر محسوس للاختلاف بين عناصر المجتمع فى الديمقراطيات الغربية، إذ أن هناك اتفاقا عاما على الصيغ المناسبة لشكل النظام السياسى والاجتماعى والاقتصادى، أما فى الدول النامية فالمسائل المتعلقة بشكل نظام الحكم وطبيعة النظام الاقتصادى وحدود العلاقة بين الدين والدولة لم تحسم بعد ولا تزال مثار خلاف وصراع.
ب ـ التوجه نحو العمل العام :
هناك فرق بين التوجه الفردى الذى يميل إلى الاعلاء من شأن الفرد وتغليب مصلحته الشخصية، وبين التوجه العام أو الجماعى الذى يعنى الايمان بأهمية العمل التعاونى المشترك فى المجالين الاجتماعى والسياسى.
والتوجه نحو العمل العام والاحساس بالمسئولية الاجتماعية تجاه المجتمع وقضاياه من أهم مكونات الثقافة السياسية، ذلك أن هذا الشعور بالمسئولية يدفع المواطن إلى الإيجابية فى التعامل مع القضايا والموضوعات فى ظل ثقافة متشابهة مؤداها الاحساس بالولاء للجماعة.
ج ـ التوجه نحو النظام السياسى :
الاتجاه نحو النظام السياسى والايمان بضرورة الولاء له والتعلق به من ضرورات الاحساس بالمواطنة وما ترتبه من حقوق والتزامات. فكل ثقافة سياسية عليها أن تحدد النطاق العام المعقول للعمل السياسى والحدود المشروعة بين الحياة العامة والحياة الخاصة. ويتضمن هذا النطاق تحديد الأفراد المسموح لهم بالمشاركة فى العملية السياسية ووظائف المؤسسات السياسية كل على حدة.
كما تفرض الثقافة السياسية معرفة حدود المشاركة فى هذا النظام مثل السن والجنس والمكانة الاجتماعية والوضع العائلى.
بالاضافة إلى أن بعض الثقافات السياسية تحرص على تحديد الأبنية والوظائف السياسية فى الدولة، وكذلك الأجهزة المنوطة بتحقيق الأهداف التىتحددها الدولة. فالثقافة السياسية هى التى تدعم النظام، وتحدد أطره، وتغذيه بالمعلومات المستمدة من واقع البيئة وخصوصيتها، وتحافظ عليه وتضمن بقاءه.
د ـ الاحساس بالهوية :
يعتبر البعض أن الاحساس بالانتماء من أهم المعتقدات السياسية، ذلك أن شعور الأفراد بالولاء للنظام السياسى يساعد على اضفاء الشرعية على النظام، كما يساعد على بقاء النظام وتخطيه الأزمات والمصاعب التى تواجهه.
فضلاً عن أن الاحساس بالولاء والانتماء للوطن يساعد على بلورة وتنمية الشعور بالواجب الوطنى وتقبل الالتزامات، كما يمكن من فهم الحقوق والمشاركة الفاعلة فى العمليات السياسية من خلال التعاون مع الجهاز الحكومى والمؤسسات السياسية ، وتقبل قرارات السلطة السياسية والايمان بالدور الفاعل لها فى كافة مجالات الحياة.
3 ـ أثر الثقافة السياسية على النظام السياسى :
يحتاج أى نظام سياسى الى وجود ثقافة سياسية تغذيه وتحافظ عليه. فالحكم الفردى توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها فى الخوف من السلطة والإذعان لها، وضعف الميل إلى المشاركة، وفتور الايمان بكرامة وذاتية الانسان، وعدم اتاحة الفرص لظهور المعارضة. أما الحكم الديمقراطى فيتطلب ثقافة تؤمن بحقوق الانسان، وتقتنع بضرورة
حماية الانسان وكرامته فى مواجهة أى اعتداء على هذه الحريات، حتى لو كان من قبل السلطة نفسها، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر شعور متبادل بالثقة بالآخرين فى ظل مناخ اجتماعى وثقافى يعد الانسان لتقبل فكرة وجود الرأى والرأى الآخر، ويسمح بوجود قدر من المعارضة فى إطار قواعد وأطر سياسية موضوعة بدقة لكى تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع السياسى.
وتساهم الثقافة السياسية السائدة فى المجتمع إلى حد كبير فى بلدان كثيرة فى تحديد شكل نظام الحكم، بل انها قد تساهم فى تحديد عناصر القيادة السياسية. فقد تكون القيادة السياسية حكرا على عائلة معينة أو على مجموعة صغيرة ذات وضعية خاصة دينية أو مذهبية أو عرقية أو تعليمية. وحيث يقدر المجتمع كبار السن ويعلى الذكور على الإناث، يغلب أن تجىء القيادة من صفوف المسنين الذكور. وفى كثير من الأنظمة السياسية ينظر إلى فئة معينة على أنها الأجدر بالسيطرة على المستويات العليا للسلطة. هذه الفئة قد تكون رجال الدين أو العسكريين أو المحامين .. الخ. وفى مثل هذه الحالة يتوقع أن تعكس السياسة العامة مصالحهم فى المقام الأول.
وتؤثر الثقافة السياسية كذلك على علاقة الفرد بالعملية السياسية ، فبعض المجتمعات تتميز بقوة الشعور بالولاء الوطنى والمواطنة المسئولة، وهنا يتوقع ان يشارك الفرد فى الحياة العامة، وأن يسهم طواعية فى النهوض بالمجتمع الذى ينتمى إليه. وفى دول أخرى يتسم الافراد باللامبالاة والاغتراب وعدم الشعور بالمسئولية تجاه أى شخص خارج محيط الأسرة. وفى بعض الأحيان ينظر المواطن إلى النظام السياسى على أنه أبوى يتعهده من المهد إلى اللحد ويتولى كل شىء نيابة عنه ويعمل على ضمان رفاهية الجماعة. وفى المقابل قد يتشكك الفرد فى السلطة السياسية ويعتبرها مجرد أداة لتحقيق مصالح القائمين عليها ليس إلا.
لذلك يمكن القول أن الاستقرار السياسى يعتمد على الثقافة السياسية. فالتجانس الثقافى والتوافق بين ثقافة النخبة والجماهير يساعدان على الاستقرار. أما التجزئة الثقافية والاختلاف بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير، فإنه يشكل مصدر تهديد لاستقرار النظام السياسى.
4 ـ مشكلة الهوية :
يمكن القول أن هذه الأزمة هى آخر الأشكال التى وصلت إليها التطورات فى الدول النامية. وهى تعنى فى مضمونها : تخبط الجماعة السياسية فى تعريفها لنفسها وفى تحديد شعورها الجماعى بهويتها الحضارية من منظور التاريخ بمعنى .. هل نحن امتداد للماضى أم ينبغى أن تكون انظارنا مشدودة ومتطلعة إلى المستقبل الذى يتجسد فى الطريق الذى سلكه غيرنا أم أننا أبناء الحاضر وكفى !!
وتتلخص هذه الأزمة فى التخبط عند اختيار النموذج الحضارى الذى تنشده الجماعة السياسية فى التحديث الثقافى والتنمية الشاملة .
وهناك على الساحة نماذج وأفكار مطروحة ومتناقضة ابتداء من النموذج التركى الذى اختار التغريب الكامل وانتهاء - على العكس من ذلك - بإدانة المجتمع العصرى الحالى باعتباره مجتمعاً جاهلياً ينبغى تكفيره وهجره ونبذ اساليب الحياة فيه.
ويمكن طرح قضية الأصالة والمعاصرة على شكل بدائل ثلاث هى : التمسك بالأصالة، أو السير فى طريق المعاصرة، أو القيام بمحاولة توفيقية بالجمع بين الاثنين. غير أن الاكتفاء بهذا الطرح فى تحليل أزمة الهوية يثير إشكاليات تزيد من تعقيد القضية ، ويجعل الوصول إلى رأى حاسم فيها أمر يكاد يكون مستحيلاً.
لذلك اقترح بعض المفكرين صيغة أخرى تقضى على هذا التداخل .. وهى صيغة (الاتباع أم الابداع) بمعنى أن الشكل الحضارى الذى نواجهه هو :هل نظل إلى الأبد مقلدين محاكين (سواء لأجدادنا أو للأجانب) نساير الآخرين ونمسك بذيل تطور لم نصنعه، أم نصبح مبدعين نبتكر حلولنا الخاصة ونقف ندا للآخرين بأفكارنا الخلاقة.
وفى محاولة للبحث عن أصول أزمة الهوية فإنه يمكن القول أن أزمة الهوية تظهر عند الفتى فى سن المراهقة فى شكل أزمة ذاتية .. والذات هى المفهوم الذى يكونه الفرد عن نفسه باعتباره مصدر للتأثير والتاثر فى البيئة المحيطة.
وفى تلك السن يقوم داخل الفرد صراع بين النوعين من القيم : صراع بين الدافع إلى تحقيق صورة للذات مقبولة اجتماعياً،وبين جانب من الذات ثابت ومستقر يتضمن معانى القصور والعجز والضعف، وعدم التكافؤ والفشل وغير ذلك. وبذلك يقع المراهق فى بلبلة وحيرة واضطراب تتدخل فيه عدة عوامل ، فيما يتعلق بتحديد (الذاتية) أى الصفات المميزة التى يرضى المراهق أن تتحدد بها ذاته، فى هذه الحالة تحدث أزمة ذاتية وذلك عندما يعجز الفرد عن أن يحدد تكاملاً ذاتياً بين قيمه وأهدافه وقدراته، أى عند فشله فى تحديد "هويته".
وبالمثل يمكن القول أن الأمم النامية والدول الغنية تقع قبل مرحلة الانتقال أو التطور فريسة لأزمة ذاتية من هذا النوع. وذلك عندما تخفق فى تحديد هويتها الحضارية.
ويذكر علماء النفس أنه فى حالة إخفاق الفرد فى التوافق مع الذات وتأكيدها فإنه يلجأ إلى أسلوب لا توافقى يتراوح بين حالتين هما : الاغتراب أو التطرف. وعادة ما يوجه المغتربون اهتماماتهم على وجه الأخص إلى الداخل، فى حين أن المتطرفين يوجهون اهتماماتهم إلى الخارج، وهو نفس السلوك السياسى لبعض الأقطار الذى يتراوح بين الانغلاق الداخلى أو العزلة وبين التطرف العدوانى. هذا فضلاً عن الاحساس بالقصور والعجز والضعف وعدم التكافؤ وتزايد الاحساس بعدم الثقة فى العالم المحيط.
وتكمن جذور أزمة الهوية فى عدة عوامل من أبرزها السيطرة الأجنبية وما تلاها من تبعية وما يترتب عليها من تشويه اقتصادى واجتماعى حضارى ونفسى وكذلك تعميق التبعية بمعنى كثافة الاعتماد من جانب الحكومات على القوى الخارجية لتحقيق الأهداف الوطنية، وأيضا شدة الاعتماد من جانب الشعوب على حكوماتها لتحقيق الآمال الجماهيرية، فضلا عن النظرة الأحادية للأمور بمعنى أن كافة الأشياء والظواهر والمواقف هى إما ابيض أو أسود ولا وسط مما يضيع نسبية الحقائق والأحكام ويدفع إلى التعصب والتطرف وعدم القبول بالحلول الوسط.
صفوة القول أن أزمة الذاتية تتبلور فى أن المشكلة ليست أزمة معرفة وإنما هى أزمة تقييم، بحيث نعجز عن تقييم موقعنا فى خريطة الأسرة الدولية المعاصرة وتحديد مركزنا على مر الزمن الذى يمتد عبر ثلاث نقاط من الماضى إلى الحاضر فالمستقبل
لكل مجتمع خصوصية تعكسها ثقافته السائدة بين ابنائه، تلك الثقافة التى تطورها مجموعة القيم والمفاهيم والمعارف التى اكتسبها عبر ميراثه التاريخى والحضارى وواقعه الجغرافى والتركيب الاجتماعى وطبيعة النظام السياسى والاقتصادى، فضلاً عن المؤثرات الخارجية التى شكلت خبراته وانتماءاته المختلفة.
والثقافة السياسية هى جزء من الثقافة العامة للمجتمع .. وهى تختلف من بلد لآخر حتى لو كان شعباه ينتهجان نفس الأساليب الحياتية، وينتميان إلى نفس الحضارة، ويتقاسمان الاهتمامات والولاءات.
1 ـ تعريف الثقافة السياسية :
يقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شئون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة.
وتعنى أيضاً منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التى يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم.
ومعنى ذلك أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسى بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسى.
ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءاً من ثقافته العامة، فهى تتكون بدورها من عدة ثقافات فرعية، وتشمل تلك الثقافات الفرعية : ثقافة الشباب، والنخبة الحاكمة ،والعمال، والفلاحين، والمرأة .. الخ.
وبذلك تكون الثقافة السياسية هى مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التى تعطى نظاماً ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التى تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسى، وبذلك فهى تنصب على المثل والمعايير السياسية التى يلتزم بها أعضاء المجتمع السياسى، والتى تحدد الإطار الذى يحدث التصرف السياسى فى نطاقه.
أى أن الثقافة السياسية تدور حول ما يسود المجتمع من قيم ومعتقدات تؤثر فى السلوك السياسى لأعضائه حكاماً ومحكومين.
وعلى ذلك يمكن تحديد عناصر مفهوم الثقافة السياسية على النحو التالى :
• تمثل الثقافة السياسية مجموعة القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية لأفراد المجتمع.
• الثقافة السياسية ثقافة فرعية. فهى جزء من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر فيه وتتأثر به، ولكنها لا تستطيع أن تشذ عن ذلك الإطار العام لثقافة المجتمع.
• تتميز الثقافة السياسية بأنها متغيرة. فهى لا تعرف الثبات المطلق، ويتوقف حجم ومدى التغير على عدة عوامل من بينها : مدى ومعدل التغير فى الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودرجة اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغير الثقافى، وحجم الاهتمام الذى توليه وتخصصه الدولة لإحداث هذا التغيير فى ثقافة المجتمع، ومدى رسوخ هذه القيم فى نفوس الأفراد.
• تختلف الثقافة السياسية بين مجتمع وآخر كما تختلف من فرد لآخر داخل المجتمع. هذا الاختلاف تفرضه عوامل معينة كالأصل ومحل الاقامة والمهنة والمستوى الاقتصادى والحالة التعليمية.
2 ـ مكونات الثقافة السياسية :
يمكن الحديث عن مجموعة من العناصر أو المكونات للثقافة السياسية سواء تلك التىتتبناها الدولة (ثقافة الحكام) أو الثقافة الرسمية وتلك السائدة لدى أفراد المجتمع (المحكومين) والتى تسمى الثقافة غير الرسمية ومن هذه المكونات :
أ ـ المرجعية :
وهى تعنى الإطار الفكرى الفلسفى المتكامل، أو المرجع الأساسى للعمل السياسى، فهو يفسر التاريخ، ويحدد الأهداف والرؤى، ويبرر المواقف والممارسات، ويكسب النظام الشرعية.
وغالباً ما يتحقق الاستقرار بإجماع أعضاء المجتمع على الرضا عن مرجعية الدولة، ووجود قناعات بأهميتها وتعبيرها عن أهدافهم وقيمهم. وعندما يحدث الاختلاف بين عناصر النظام حول المرجعية، تحدث الانقسامات وتبدأ الأزمات التى تهدد شرعية النظام وبقائه واستقراره.
ومن أمثلة المرجعيات الديمقراطية، والاشتراكية، والرأسمالية، والعلمانية .. الخ وأغلب الظن أنه لا يوجد أثر محسوس للاختلاف بين عناصر المجتمع فى الديمقراطيات الغربية، إذ أن هناك اتفاقا عاما على الصيغ المناسبة لشكل النظام السياسى والاجتماعى والاقتصادى، أما فى الدول النامية فالمسائل المتعلقة بشكل نظام الحكم وطبيعة النظام الاقتصادى وحدود العلاقة بين الدين والدولة لم تحسم بعد ولا تزال مثار خلاف وصراع.
ب ـ التوجه نحو العمل العام :
هناك فرق بين التوجه الفردى الذى يميل إلى الاعلاء من شأن الفرد وتغليب مصلحته الشخصية، وبين التوجه العام أو الجماعى الذى يعنى الايمان بأهمية العمل التعاونى المشترك فى المجالين الاجتماعى والسياسى.
والتوجه نحو العمل العام والاحساس بالمسئولية الاجتماعية تجاه المجتمع وقضاياه من أهم مكونات الثقافة السياسية، ذلك أن هذا الشعور بالمسئولية يدفع المواطن إلى الإيجابية فى التعامل مع القضايا والموضوعات فى ظل ثقافة متشابهة مؤداها الاحساس بالولاء للجماعة.
ج ـ التوجه نحو النظام السياسى :
الاتجاه نحو النظام السياسى والايمان بضرورة الولاء له والتعلق به من ضرورات الاحساس بالمواطنة وما ترتبه من حقوق والتزامات. فكل ثقافة سياسية عليها أن تحدد النطاق العام المعقول للعمل السياسى والحدود المشروعة بين الحياة العامة والحياة الخاصة. ويتضمن هذا النطاق تحديد الأفراد المسموح لهم بالمشاركة فى العملية السياسية ووظائف المؤسسات السياسية كل على حدة.
كما تفرض الثقافة السياسية معرفة حدود المشاركة فى هذا النظام مثل السن والجنس والمكانة الاجتماعية والوضع العائلى.
بالاضافة إلى أن بعض الثقافات السياسية تحرص على تحديد الأبنية والوظائف السياسية فى الدولة، وكذلك الأجهزة المنوطة بتحقيق الأهداف التىتحددها الدولة. فالثقافة السياسية هى التى تدعم النظام، وتحدد أطره، وتغذيه بالمعلومات المستمدة من واقع البيئة وخصوصيتها، وتحافظ عليه وتضمن بقاءه.
د ـ الاحساس بالهوية :
يعتبر البعض أن الاحساس بالانتماء من أهم المعتقدات السياسية، ذلك أن شعور الأفراد بالولاء للنظام السياسى يساعد على اضفاء الشرعية على النظام، كما يساعد على بقاء النظام وتخطيه الأزمات والمصاعب التى تواجهه.
فضلاً عن أن الاحساس بالولاء والانتماء للوطن يساعد على بلورة وتنمية الشعور بالواجب الوطنى وتقبل الالتزامات، كما يمكن من فهم الحقوق والمشاركة الفاعلة فى العمليات السياسية من خلال التعاون مع الجهاز الحكومى والمؤسسات السياسية ، وتقبل قرارات السلطة السياسية والايمان بالدور الفاعل لها فى كافة مجالات الحياة.
3 ـ أثر الثقافة السياسية على النظام السياسى :
يحتاج أى نظام سياسى الى وجود ثقافة سياسية تغذيه وتحافظ عليه. فالحكم الفردى توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها فى الخوف من السلطة والإذعان لها، وضعف الميل إلى المشاركة، وفتور الايمان بكرامة وذاتية الانسان، وعدم اتاحة الفرص لظهور المعارضة. أما الحكم الديمقراطى فيتطلب ثقافة تؤمن بحقوق الانسان، وتقتنع بضرورة
حماية الانسان وكرامته فى مواجهة أى اعتداء على هذه الحريات، حتى لو كان من قبل السلطة نفسها، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر شعور متبادل بالثقة بالآخرين فى ظل مناخ اجتماعى وثقافى يعد الانسان لتقبل فكرة وجود الرأى والرأى الآخر، ويسمح بوجود قدر من المعارضة فى إطار قواعد وأطر سياسية موضوعة بدقة لكى تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع السياسى.
وتساهم الثقافة السياسية السائدة فى المجتمع إلى حد كبير فى بلدان كثيرة فى تحديد شكل نظام الحكم، بل انها قد تساهم فى تحديد عناصر القيادة السياسية. فقد تكون القيادة السياسية حكرا على عائلة معينة أو على مجموعة صغيرة ذات وضعية خاصة دينية أو مذهبية أو عرقية أو تعليمية. وحيث يقدر المجتمع كبار السن ويعلى الذكور على الإناث، يغلب أن تجىء القيادة من صفوف المسنين الذكور. وفى كثير من الأنظمة السياسية ينظر إلى فئة معينة على أنها الأجدر بالسيطرة على المستويات العليا للسلطة. هذه الفئة قد تكون رجال الدين أو العسكريين أو المحامين .. الخ. وفى مثل هذه الحالة يتوقع أن تعكس السياسة العامة مصالحهم فى المقام الأول.
وتؤثر الثقافة السياسية كذلك على علاقة الفرد بالعملية السياسية ، فبعض المجتمعات تتميز بقوة الشعور بالولاء الوطنى والمواطنة المسئولة، وهنا يتوقع ان يشارك الفرد فى الحياة العامة، وأن يسهم طواعية فى النهوض بالمجتمع الذى ينتمى إليه. وفى دول أخرى يتسم الافراد باللامبالاة والاغتراب وعدم الشعور بالمسئولية تجاه أى شخص خارج محيط الأسرة. وفى بعض الأحيان ينظر المواطن إلى النظام السياسى على أنه أبوى يتعهده من المهد إلى اللحد ويتولى كل شىء نيابة عنه ويعمل على ضمان رفاهية الجماعة. وفى المقابل قد يتشكك الفرد فى السلطة السياسية ويعتبرها مجرد أداة لتحقيق مصالح القائمين عليها ليس إلا.
لذلك يمكن القول أن الاستقرار السياسى يعتمد على الثقافة السياسية. فالتجانس الثقافى والتوافق بين ثقافة النخبة والجماهير يساعدان على الاستقرار. أما التجزئة الثقافية والاختلاف بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير، فإنه يشكل مصدر تهديد لاستقرار النظام السياسى.
4 ـ مشكلة الهوية :
يمكن القول أن هذه الأزمة هى آخر الأشكال التى وصلت إليها التطورات فى الدول النامية. وهى تعنى فى مضمونها : تخبط الجماعة السياسية فى تعريفها لنفسها وفى تحديد شعورها الجماعى بهويتها الحضارية من منظور التاريخ بمعنى .. هل نحن امتداد للماضى أم ينبغى أن تكون انظارنا مشدودة ومتطلعة إلى المستقبل الذى يتجسد فى الطريق الذى سلكه غيرنا أم أننا أبناء الحاضر وكفى !!
وتتلخص هذه الأزمة فى التخبط عند اختيار النموذج الحضارى الذى تنشده الجماعة السياسية فى التحديث الثقافى والتنمية الشاملة .
وهناك على الساحة نماذج وأفكار مطروحة ومتناقضة ابتداء من النموذج التركى الذى اختار التغريب الكامل وانتهاء - على العكس من ذلك - بإدانة المجتمع العصرى الحالى باعتباره مجتمعاً جاهلياً ينبغى تكفيره وهجره ونبذ اساليب الحياة فيه.
ويمكن طرح قضية الأصالة والمعاصرة على شكل بدائل ثلاث هى : التمسك بالأصالة، أو السير فى طريق المعاصرة، أو القيام بمحاولة توفيقية بالجمع بين الاثنين. غير أن الاكتفاء بهذا الطرح فى تحليل أزمة الهوية يثير إشكاليات تزيد من تعقيد القضية ، ويجعل الوصول إلى رأى حاسم فيها أمر يكاد يكون مستحيلاً.
لذلك اقترح بعض المفكرين صيغة أخرى تقضى على هذا التداخل .. وهى صيغة (الاتباع أم الابداع) بمعنى أن الشكل الحضارى الذى نواجهه هو :هل نظل إلى الأبد مقلدين محاكين (سواء لأجدادنا أو للأجانب) نساير الآخرين ونمسك بذيل تطور لم نصنعه، أم نصبح مبدعين نبتكر حلولنا الخاصة ونقف ندا للآخرين بأفكارنا الخلاقة.
وفى محاولة للبحث عن أصول أزمة الهوية فإنه يمكن القول أن أزمة الهوية تظهر عند الفتى فى سن المراهقة فى شكل أزمة ذاتية .. والذات هى المفهوم الذى يكونه الفرد عن نفسه باعتباره مصدر للتأثير والتاثر فى البيئة المحيطة.
وفى تلك السن يقوم داخل الفرد صراع بين النوعين من القيم : صراع بين الدافع إلى تحقيق صورة للذات مقبولة اجتماعياً،وبين جانب من الذات ثابت ومستقر يتضمن معانى القصور والعجز والضعف، وعدم التكافؤ والفشل وغير ذلك. وبذلك يقع المراهق فى بلبلة وحيرة واضطراب تتدخل فيه عدة عوامل ، فيما يتعلق بتحديد (الذاتية) أى الصفات المميزة التى يرضى المراهق أن تتحدد بها ذاته، فى هذه الحالة تحدث أزمة ذاتية وذلك عندما يعجز الفرد عن أن يحدد تكاملاً ذاتياً بين قيمه وأهدافه وقدراته، أى عند فشله فى تحديد "هويته".
وبالمثل يمكن القول أن الأمم النامية والدول الغنية تقع قبل مرحلة الانتقال أو التطور فريسة لأزمة ذاتية من هذا النوع. وذلك عندما تخفق فى تحديد هويتها الحضارية.
ويذكر علماء النفس أنه فى حالة إخفاق الفرد فى التوافق مع الذات وتأكيدها فإنه يلجأ إلى أسلوب لا توافقى يتراوح بين حالتين هما : الاغتراب أو التطرف. وعادة ما يوجه المغتربون اهتماماتهم على وجه الأخص إلى الداخل، فى حين أن المتطرفين يوجهون اهتماماتهم إلى الخارج، وهو نفس السلوك السياسى لبعض الأقطار الذى يتراوح بين الانغلاق الداخلى أو العزلة وبين التطرف العدوانى. هذا فضلاً عن الاحساس بالقصور والعجز والضعف وعدم التكافؤ وتزايد الاحساس بعدم الثقة فى العالم المحيط.
وتكمن جذور أزمة الهوية فى عدة عوامل من أبرزها السيطرة الأجنبية وما تلاها من تبعية وما يترتب عليها من تشويه اقتصادى واجتماعى حضارى ونفسى وكذلك تعميق التبعية بمعنى كثافة الاعتماد من جانب الحكومات على القوى الخارجية لتحقيق الأهداف الوطنية، وأيضا شدة الاعتماد من جانب الشعوب على حكوماتها لتحقيق الآمال الجماهيرية، فضلا عن النظرة الأحادية للأمور بمعنى أن كافة الأشياء والظواهر والمواقف هى إما ابيض أو أسود ولا وسط مما يضيع نسبية الحقائق والأحكام ويدفع إلى التعصب والتطرف وعدم القبول بالحلول الوسط.
صفوة القول أن أزمة الذاتية تتبلور فى أن المشكلة ليست أزمة معرفة وإنما هى أزمة تقييم، بحيث نعجز عن تقييم موقعنا فى خريطة الأسرة الدولية المعاصرة وتحديد مركزنا على مر الزمن الذى يمتد عبر ثلاث نقاط من الماضى إلى الحاضر فالمستقبل