عدي بن حاتم الطائي
مرسل: الأربعاء ديسمبر 04, 2013 6:22 pm
نسبه
عَدِيّ بن حاتِم الطائيّ بن عبدالله... بن يَعرُب بن قحطان. يُكنّى بـ « أبي طَريف » و « أبي وَهب » .
ولادته
بناءً على أنّ عمره حين وفاته 120 سنة، تكون ولادته ما بين سنة 51 ـ 54 قبل الهجرة النبويّة المباركة.
نشأته
نشأ عَدِيّ بن حاتِم منذ طفولته في الجاهليّة وسط بيت يشخص فيه والده المعروف بالكرم؛ فقد كان أحد الثلاثة الذين ضُرب بهم المثَل في الجود زمن الجاهليّة. تزوّج حاتم امرأة تُدعى النَّوار، كانت تلومه على كرمه، فتزوّج ماويّة بنت عفزر من بنات ملوك اليمن وكانت تحبّ الكرم وتوقّر الكرماء، فأنجبت له عَدِيّاً.
وقد ورث عَدِيٌّ تلك الخصال الحميدة عن أبيه.. الذي روى فيه الإمامُ الرضا عليه السّلام أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعديّ: رُفع عن أبيك العذاب بسخاوة نفسِه.
ونشأ على تلك المكارم حتّى هذّبها له الإسلام، فانتهت إليه رئاسة طيّء بعد أبيه.. وفي ذلك يقول الشاعر:
شابَهَ حاتِماً عَدِيٌّ في الكَرَمْ ومَن يُشابِهْ أبَهُ فما ظلَمْ
ومن أخبار جُود عَدِيّ أنّه سمع رجلاً من الأعراب يقول: يا قوم، تصدّقوا على شيخٍ مُعيل، وعابرِ سبيل، شَهِد له ظاهرُه، وسمع شكواه خالقُه.. بدنُه مطلوب، وثوبُه مسلوب.
فقال له عديّ: مَن أنت ؟ قال: رجلٌ من بني سعد في ديةٍ لَزِمَتْني. قال: فكم هي ؟ قال: مائة بعير، قال عديّ: دوَنكَها في بطن الوادي.
وأرسل الأشعث بن قيس إلى عَديّ يستعير منه قُدورَ حاتم أبيه، فأمر بها عديّ فمُلِئت، وحملها الرجال إلى الأشعث، فأرسل الأشعث إليه: إنّما أردناها فارغة، فأرسل إليه عديّ: إنّا لا نُعيرها فارغة.
ومن هنا وصفه ابن عبد البَرّ بأنّه: كان سيّداً شريفاً في قومه، فاضلاً كريماً، خطيباً حاضر الجواب.
وقال فيه ابن كثير: كان حاتم جواداً مُمدَّحاً في الجاهليّة، وكذلك ابنُه في الإسلام.
وقال ابن حجر العسقلانيّ يعرّفه: وَلَد الجواد المشهور، أبو طَريف، وكان جواداً.
وقال ابن الأثير: وكان جواداً شريفاً في قومه، معظَّماً عندهم وعند غيرهم.
وقال الزركليّ يتابع: عديّ بن حاتم.. أمير صحابيّ من الأجواد العقلاء، كان رئيس طيّء في الجاهليّة والإسلام.
صفته
كان عديّ بن حاتم رجلاً جسيماً، أعور.. ولم يكن العَوَر خِلقةً فيه، بل طرأ عليه أثناء حروبه إلى جانب أمير المؤمنين عليه السّلام، فشهد واقعة الجمل وفيها ذهبت إحدى عينيه، وشهد وقعة صِفِّين فذهبت فيها الأُخرى.
ويبدو أنّ ذهاب العين لم يكن كاملاً، لأن عديّاً اشترك في معركة النهروان وعاصر ما بعدها من الأحداث، لكنّ العرب يعبّرون عن انقلاب الجفن وما شابهه من العيوب التي تُصيب العين ولا تذهب بالبصر كلّه بـ « العَوَر ».
قصّة إسلامه
كان عديّ قبل البعثة على دين النصرانيّة أو الركوسيّة ( وهو دين بين النصرانيّة والصابئيّة )، ولم يكن وثنيّاً، وكانت له زعامة قومه ورئاستهم.. وقد حاول أن يحتفظ بمنصبه في طيّء وبين قبائل العرب، لكنّ الخلُقّ النبويّ جعله يدخل الإسلام ويعتنقه ويعتقده اعتقاد قلبٍ وجَنان.
إيمانه وولاؤه
كان عديّ بن حاتم على جانب عظيم من الوثاقة، ومن خُلَّص أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام، ومن بعده وَلدِه الإمام الحسن عليه السّلام. وكانت له مواقف مشرّفة وكلمات صادقة تحكي مدى إيمانه بالله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله، وشدّة انشداده إلى أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.
ويُعلم جلالته وثباته في نصرة الدين.. أنّه لمّا خطب الإمام الحسن عليه السّلام ودعا الناس إلى الخروج إلى الجهاد ضدّ معاوية، ما تكلّم أحد منهم ولا أجابه بحرف، فلمّا رأى عديّ ذلك قام فقال: أنا ابن حاتم، سبحان الله ما أقبح هذا المقام!... ثمّ خرج إلى « النُّخَيلة »، فكان أوّلَ الناس عسكراً. ثمّ قام: قيس بن سعد بن عُبادة الأنصاريّ، ومَعقِل بن قيس الرياحيّ، وزياد بن حفصة التميميّ، فأنَّبوا الناسَ ولاموهم وحَرّضوهم، وكلّموا الإمام الحسن عليه السّلام بمثل كلام عديٍّ، فقال لهم الإمام عليه السّلام: صَدَقتُم رحمكمُ الله، ما زلتُ أعرفكم بصدق النيّة والوفاء والقبول والمودّة الصحيحة، فجزاكمُ اللهُ خيرا.
وكان يومَ الجمل مع أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، وفُقِئت عينُه وقُتل ولده محمّد. وشهد صِفّين مع أمير المؤمنين عليه السّلام أيضاً، وله فيها مواقف شكرها له مولاه سلام الله عليه، وكانت راية قُضاعة وطَيّء معه وهو الأمير عليهم. وصحِب بعده الإمامَ الحسن عليه السّلام وقام معه للحرب، ولازمه إلى زمان الصلح.
وكان عديّ بن حاتم الطائيّ ممن اعتقدوا ورَوَوا أنّ الأئمّة بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله اثنا عشر إماماً، كلّهم من قريش. وفي مناشدة أمير المؤمنين عليه السّلام حين قال: أُنشد اللهَ مَن شَهِد يومَ غدير خُمّ إلاّ قام، ولا يقوم رجل يقول نُبّئتُ أو بلغني، إلاّ رجلٌ سمِعت أُذُناه ووعاه قلبه. فقام سبعة عشر رجلاً منهم: عَدِيّ بن حاتم.. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: هاتوا ما سمعتم. فنقلوا واقعة الغدير حتّى انتهَوا إلى القول: ثمّ أخذ صلّى الله عليه وآله بيدك يا أمير المؤمنين، فرفعها وقال: مَن كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه. فقال عليٌّ عليه السّلام: صدقتُم، وأنا على ذلك من الشاهدين.
شجاعته
كان عدِيّ بن حاتم ذا إقدام قتاليّ وخبرة بشؤون الحرب وممارسة قديمة في المواجهات في عهد الجاهليّة.. لكنّ الأدوار المتميّزة والوقائع العظيمة كانت له أيّام حروب أمير المؤمنين عليه السّلام ضدّ المارقين والقاسطين والناكثين. فتولّى مناصبَ حسّاسةً ومواقع مهمّة في المعارك.
فحين رأى أميرُ المؤمنين عليه السّلام أنّ القتال حول الجمَل قد اشتدّ.. جمع إليه حُماةَ أصحابه وقال لهم: اعقُروا الجمَل. فخرج مالك الأشتر وعدِيّ بن حاتم وعمّار بن ياسر وعمرو بن الحَمِق.. في عدد من أصحابهم فشدّوا على الجمل، وقاتلَ عديّ حتّى فُقِئت إحدى عينيه.
وحين استشار أميرُ المؤمنين عليه السّلام الناسَ في المسير إلى معاوية.. أشاروا عليه بعدم المسير، سوى نفرٍ من خاصّته.. منهم عديّ بن حاتم الطائيّ.
ولمّا كانت واقعة صِفّين.. أقلقت بطولات عديٍّ وأمثاله معاويةَ بن أبي سفيان، فقال لأصحابه حين تعاظمت عليه الأُمور: إنّه قد غَمّني رجال من أصحاب عليّ، منهم: سعيد بن قيس في هَمْدان، والأشتر في قومه، والمِرقال وعَديّ بن حاتم وقيس بن سعد في الأنصار.
ولمّا استُشهد عمّار بن ياسر نادى أمير المؤمنين عليه السّلام: أيّها الناس، مَن يَشْرِ نفسَه لله يَربَح.. هذا يوم له ما بعده، إنّ عدوّكم قد مَسّه القَرح كما مسّكم. فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفاً، قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم وتقدّمهم الإمام عليّ عليه السّلام منقطعاً على بغلة رسول الله... وتبعه عديّ بن حاتم بلوائه... وتقدّم الأشتر... وحمل الناس حملةً واحدةً فلم يبق لأهل الشام صفٌّ إلاّ انتقض، وأهمدوا ما أتوا عليه حتّى أفضى الأمر إلى مضرب معاوية... فدعا معاوية بفرسه لينجوَ عليه.
وحين كُتب كتاب الصلح بين أمير المؤمنين عليه السّلام ومعاوية، وضُرب فيه أجل محدود ومدّة معلومة، قال أيمن بن خُريم مخوِّفاً أهلَ الشام بأنّ لعليٍّ عليه السّلام وأصحابه وثبةً لا ينجو منها معاوية ولا أصحابه، فهدّدهم بأبطال العراق: الأشتر وعديّ بن حاتم وأشباههما من حُماة أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام قائلاً:
أما والذي أرسى ثَبيراً مكانَهُ وأنزلَ ذا الفُرقانَ في ليلةِ القَدْرِ
لَئن عَطَفت خيلُ العراق عليكمُ وللهِ لا للناسِ عاقبةُ الأمرِ
تَقحّمها قُدْماً عَدِيُّ بن حاتِمٍ والاشترُ يَهدي الخيلَ في وضَحِ الفجرِ
.. إلى آخر أبياته، فلما سمع القوم كَفّوا عن الحرب.
وقائع وأدوار
كان لعديّ بن حاتم أدوار مهمّة وركائز عديدة ساهمت في تغيير وجه الأحداث، منها:
ثباته هو وقومه وقبيلته طيّء على الإسلام ولم يرتدّوا بعد وفاة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم في بعض من ارتدّ.
شهوده فتحَ العراق ووقعة القادسيّة ووقعة مِهران، ويوم الجِسر.. وكان له فيه بلاءٌ حَسَن.
وثوبه على الوليد بن عُقْبة حين شرب الخمر وأساء السيرة، فشارك في عزله عن ولاية الكوفة.
كان من المعارضين للسياسة الخاطئة التي سَرَت أيام عثمان.
كان من المسارعين لبيعة أمير المؤمنين عليه السّلام والمناصرين له والمؤازرين، وكان له الباع الأطول في تحشيد القوات من طيّء وتسييرها لأمير المؤمنين عليه السّلام.
في معركة الجمَل.. أناط به أمير المؤمنين عليه السّلام مواقع مهمّة، فجعله ومحمّدَ بن أبي بكر على القلب، محمّداً على الخيل وعديّاً على رجّالتها. كما جعله في موقع آخر على خيل قُضاعة ورجّالتها ، ثمّ اشترك في عَقر الجمَل هو والحمُاة حتّى عَرقَبوه.
وفي صِفّين.. أمّره الإمام عليّ عليه السّلام على طيّء. حتّى إذا كان التوادع إلى أن ينسلخ المحرّم، أرسل أمير المؤمنين عليه السّلام عديّاً في جماعة ليدعوَ معاوية إلى الطاعة. فقام عديّ مقاماً مشكوراً أثنى فيه على أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام، وهدّد معاويّةَ بأمرِّ القتال وأشدّه.
ثمّ قاد الجيش العلويّ وجحافلَه ضدّ الجيش الأُموي بقيادة عبدالرحمن بن خالد بن الوليد يوم 8 صفر سنة 37 هجريّة، وقد حشّد معاوية أشدّاءَ رِجاله، فكان النصر حليف عديّ، وفرّ عبدالرحمن وتوارى في العَجاج وعاد إلى معاوية مقهوراً.
وكان من بلائه الحسَن أن أردى المُقاتلَ الشاميّ المشجّع بن بِشر الجُذاميّ، وكان يحاول قتلَ أمير المؤمنين عليه السّلام، فطعنه عديّ في لَبّته فجدّله قتيلاً. وضرب همّامَ بن قُبيصة النُّميريّ ـ وكان من أشتم الناس للإمام عليّ عليه السّلام ـ وكان معه لواء هَوازِن، فسلب لواءه.
ولمّا كان الصلح.. وبّخ عديٌّ الحكَمَين واتّهمهما لمّا أبطأ أمرهما، ولمّا فُرغ من الكتاب كان عديّ أحد شهوده؛ امتثالاً لأمر إمامه.
ولمّا عزم الإمام عليّ عليه السّلام المعاودة إلى صفّين وقتال الشاميّين.. دعا الناسَ لذلك، فكان عديّ في أوائل مَن أجابوه، حيث رفعوا له أربعين ألف مقاتل وسبعة عشر ألفاً من الأبناء وثمانية آلاف من عبيدهم ومَواليهم.
وعندما بايع الناسُ الإمام الحسن عليه السّلام.. خطب الناسَ ودعاهم إلى قتال معاوية فتخاذلوا، فقام عديّ بن حاتم فخطبهم ووبّخهم، ثمّ كان أوّل من سمح بطاعته وأبدى استعداده، حيث مضى إلى النُّخيلة فكان أوّل الناس عسكراً.
كان عديّ من المؤيّدين لثورة حُجْر بن عَديّ الكنديّ وأصحابه، فتوسّط ودافع عنه عند زياد بن أبيه دون جدوى، ثمّ تعاطف بعد مقتله مع عبدالله بن خليفة الطائي ـ أحد أصحاب حجر ـ تعاطفاً شديداً وأبى أن يسلّمه لابن زياد.
وفاته
تراوح المؤرّخون في تحديد وفاة عديّ بن حاتم بين أربع سنين: من 66 ـ 69 هجريّة، وبعضهم لم يحدّد السنة وإنّما اكتفى بأنّه تُوفّي في أيّام المختار الثقفيّ، علماً أنّ المختار كانت حكومته على الكوفة ثمانية عشر شهراً: من ربيع الأوّل سنة 66 إلى النصف من شهر رمضان سنة 67 هجرية.
عَدِيّ بن حاتِم الطائيّ بن عبدالله... بن يَعرُب بن قحطان. يُكنّى بـ « أبي طَريف » و « أبي وَهب » .
ولادته
بناءً على أنّ عمره حين وفاته 120 سنة، تكون ولادته ما بين سنة 51 ـ 54 قبل الهجرة النبويّة المباركة.
نشأته
نشأ عَدِيّ بن حاتِم منذ طفولته في الجاهليّة وسط بيت يشخص فيه والده المعروف بالكرم؛ فقد كان أحد الثلاثة الذين ضُرب بهم المثَل في الجود زمن الجاهليّة. تزوّج حاتم امرأة تُدعى النَّوار، كانت تلومه على كرمه، فتزوّج ماويّة بنت عفزر من بنات ملوك اليمن وكانت تحبّ الكرم وتوقّر الكرماء، فأنجبت له عَدِيّاً.
وقد ورث عَدِيٌّ تلك الخصال الحميدة عن أبيه.. الذي روى فيه الإمامُ الرضا عليه السّلام أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعديّ: رُفع عن أبيك العذاب بسخاوة نفسِه.
ونشأ على تلك المكارم حتّى هذّبها له الإسلام، فانتهت إليه رئاسة طيّء بعد أبيه.. وفي ذلك يقول الشاعر:
شابَهَ حاتِماً عَدِيٌّ في الكَرَمْ ومَن يُشابِهْ أبَهُ فما ظلَمْ
ومن أخبار جُود عَدِيّ أنّه سمع رجلاً من الأعراب يقول: يا قوم، تصدّقوا على شيخٍ مُعيل، وعابرِ سبيل، شَهِد له ظاهرُه، وسمع شكواه خالقُه.. بدنُه مطلوب، وثوبُه مسلوب.
فقال له عديّ: مَن أنت ؟ قال: رجلٌ من بني سعد في ديةٍ لَزِمَتْني. قال: فكم هي ؟ قال: مائة بعير، قال عديّ: دوَنكَها في بطن الوادي.
وأرسل الأشعث بن قيس إلى عَديّ يستعير منه قُدورَ حاتم أبيه، فأمر بها عديّ فمُلِئت، وحملها الرجال إلى الأشعث، فأرسل الأشعث إليه: إنّما أردناها فارغة، فأرسل إليه عديّ: إنّا لا نُعيرها فارغة.
ومن هنا وصفه ابن عبد البَرّ بأنّه: كان سيّداً شريفاً في قومه، فاضلاً كريماً، خطيباً حاضر الجواب.
وقال فيه ابن كثير: كان حاتم جواداً مُمدَّحاً في الجاهليّة، وكذلك ابنُه في الإسلام.
وقال ابن حجر العسقلانيّ يعرّفه: وَلَد الجواد المشهور، أبو طَريف، وكان جواداً.
وقال ابن الأثير: وكان جواداً شريفاً في قومه، معظَّماً عندهم وعند غيرهم.
وقال الزركليّ يتابع: عديّ بن حاتم.. أمير صحابيّ من الأجواد العقلاء، كان رئيس طيّء في الجاهليّة والإسلام.
صفته
كان عديّ بن حاتم رجلاً جسيماً، أعور.. ولم يكن العَوَر خِلقةً فيه، بل طرأ عليه أثناء حروبه إلى جانب أمير المؤمنين عليه السّلام، فشهد واقعة الجمل وفيها ذهبت إحدى عينيه، وشهد وقعة صِفِّين فذهبت فيها الأُخرى.
ويبدو أنّ ذهاب العين لم يكن كاملاً، لأن عديّاً اشترك في معركة النهروان وعاصر ما بعدها من الأحداث، لكنّ العرب يعبّرون عن انقلاب الجفن وما شابهه من العيوب التي تُصيب العين ولا تذهب بالبصر كلّه بـ « العَوَر ».
قصّة إسلامه
كان عديّ قبل البعثة على دين النصرانيّة أو الركوسيّة ( وهو دين بين النصرانيّة والصابئيّة )، ولم يكن وثنيّاً، وكانت له زعامة قومه ورئاستهم.. وقد حاول أن يحتفظ بمنصبه في طيّء وبين قبائل العرب، لكنّ الخلُقّ النبويّ جعله يدخل الإسلام ويعتنقه ويعتقده اعتقاد قلبٍ وجَنان.
إيمانه وولاؤه
كان عديّ بن حاتم على جانب عظيم من الوثاقة، ومن خُلَّص أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام، ومن بعده وَلدِه الإمام الحسن عليه السّلام. وكانت له مواقف مشرّفة وكلمات صادقة تحكي مدى إيمانه بالله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله، وشدّة انشداده إلى أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.
ويُعلم جلالته وثباته في نصرة الدين.. أنّه لمّا خطب الإمام الحسن عليه السّلام ودعا الناس إلى الخروج إلى الجهاد ضدّ معاوية، ما تكلّم أحد منهم ولا أجابه بحرف، فلمّا رأى عديّ ذلك قام فقال: أنا ابن حاتم، سبحان الله ما أقبح هذا المقام!... ثمّ خرج إلى « النُّخَيلة »، فكان أوّلَ الناس عسكراً. ثمّ قام: قيس بن سعد بن عُبادة الأنصاريّ، ومَعقِل بن قيس الرياحيّ، وزياد بن حفصة التميميّ، فأنَّبوا الناسَ ولاموهم وحَرّضوهم، وكلّموا الإمام الحسن عليه السّلام بمثل كلام عديٍّ، فقال لهم الإمام عليه السّلام: صَدَقتُم رحمكمُ الله، ما زلتُ أعرفكم بصدق النيّة والوفاء والقبول والمودّة الصحيحة، فجزاكمُ اللهُ خيرا.
وكان يومَ الجمل مع أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، وفُقِئت عينُه وقُتل ولده محمّد. وشهد صِفّين مع أمير المؤمنين عليه السّلام أيضاً، وله فيها مواقف شكرها له مولاه سلام الله عليه، وكانت راية قُضاعة وطَيّء معه وهو الأمير عليهم. وصحِب بعده الإمامَ الحسن عليه السّلام وقام معه للحرب، ولازمه إلى زمان الصلح.
وكان عديّ بن حاتم الطائيّ ممن اعتقدوا ورَوَوا أنّ الأئمّة بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله اثنا عشر إماماً، كلّهم من قريش. وفي مناشدة أمير المؤمنين عليه السّلام حين قال: أُنشد اللهَ مَن شَهِد يومَ غدير خُمّ إلاّ قام، ولا يقوم رجل يقول نُبّئتُ أو بلغني، إلاّ رجلٌ سمِعت أُذُناه ووعاه قلبه. فقام سبعة عشر رجلاً منهم: عَدِيّ بن حاتم.. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: هاتوا ما سمعتم. فنقلوا واقعة الغدير حتّى انتهَوا إلى القول: ثمّ أخذ صلّى الله عليه وآله بيدك يا أمير المؤمنين، فرفعها وقال: مَن كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه. فقال عليٌّ عليه السّلام: صدقتُم، وأنا على ذلك من الشاهدين.
شجاعته
كان عدِيّ بن حاتم ذا إقدام قتاليّ وخبرة بشؤون الحرب وممارسة قديمة في المواجهات في عهد الجاهليّة.. لكنّ الأدوار المتميّزة والوقائع العظيمة كانت له أيّام حروب أمير المؤمنين عليه السّلام ضدّ المارقين والقاسطين والناكثين. فتولّى مناصبَ حسّاسةً ومواقع مهمّة في المعارك.
فحين رأى أميرُ المؤمنين عليه السّلام أنّ القتال حول الجمَل قد اشتدّ.. جمع إليه حُماةَ أصحابه وقال لهم: اعقُروا الجمَل. فخرج مالك الأشتر وعدِيّ بن حاتم وعمّار بن ياسر وعمرو بن الحَمِق.. في عدد من أصحابهم فشدّوا على الجمل، وقاتلَ عديّ حتّى فُقِئت إحدى عينيه.
وحين استشار أميرُ المؤمنين عليه السّلام الناسَ في المسير إلى معاوية.. أشاروا عليه بعدم المسير، سوى نفرٍ من خاصّته.. منهم عديّ بن حاتم الطائيّ.
ولمّا كانت واقعة صِفّين.. أقلقت بطولات عديٍّ وأمثاله معاويةَ بن أبي سفيان، فقال لأصحابه حين تعاظمت عليه الأُمور: إنّه قد غَمّني رجال من أصحاب عليّ، منهم: سعيد بن قيس في هَمْدان، والأشتر في قومه، والمِرقال وعَديّ بن حاتم وقيس بن سعد في الأنصار.
ولمّا استُشهد عمّار بن ياسر نادى أمير المؤمنين عليه السّلام: أيّها الناس، مَن يَشْرِ نفسَه لله يَربَح.. هذا يوم له ما بعده، إنّ عدوّكم قد مَسّه القَرح كما مسّكم. فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفاً، قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم وتقدّمهم الإمام عليّ عليه السّلام منقطعاً على بغلة رسول الله... وتبعه عديّ بن حاتم بلوائه... وتقدّم الأشتر... وحمل الناس حملةً واحدةً فلم يبق لأهل الشام صفٌّ إلاّ انتقض، وأهمدوا ما أتوا عليه حتّى أفضى الأمر إلى مضرب معاوية... فدعا معاوية بفرسه لينجوَ عليه.
وحين كُتب كتاب الصلح بين أمير المؤمنين عليه السّلام ومعاوية، وضُرب فيه أجل محدود ومدّة معلومة، قال أيمن بن خُريم مخوِّفاً أهلَ الشام بأنّ لعليٍّ عليه السّلام وأصحابه وثبةً لا ينجو منها معاوية ولا أصحابه، فهدّدهم بأبطال العراق: الأشتر وعديّ بن حاتم وأشباههما من حُماة أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام قائلاً:
أما والذي أرسى ثَبيراً مكانَهُ وأنزلَ ذا الفُرقانَ في ليلةِ القَدْرِ
لَئن عَطَفت خيلُ العراق عليكمُ وللهِ لا للناسِ عاقبةُ الأمرِ
تَقحّمها قُدْماً عَدِيُّ بن حاتِمٍ والاشترُ يَهدي الخيلَ في وضَحِ الفجرِ
.. إلى آخر أبياته، فلما سمع القوم كَفّوا عن الحرب.
وقائع وأدوار
كان لعديّ بن حاتم أدوار مهمّة وركائز عديدة ساهمت في تغيير وجه الأحداث، منها:
ثباته هو وقومه وقبيلته طيّء على الإسلام ولم يرتدّوا بعد وفاة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم في بعض من ارتدّ.
شهوده فتحَ العراق ووقعة القادسيّة ووقعة مِهران، ويوم الجِسر.. وكان له فيه بلاءٌ حَسَن.
وثوبه على الوليد بن عُقْبة حين شرب الخمر وأساء السيرة، فشارك في عزله عن ولاية الكوفة.
كان من المعارضين للسياسة الخاطئة التي سَرَت أيام عثمان.
كان من المسارعين لبيعة أمير المؤمنين عليه السّلام والمناصرين له والمؤازرين، وكان له الباع الأطول في تحشيد القوات من طيّء وتسييرها لأمير المؤمنين عليه السّلام.
في معركة الجمَل.. أناط به أمير المؤمنين عليه السّلام مواقع مهمّة، فجعله ومحمّدَ بن أبي بكر على القلب، محمّداً على الخيل وعديّاً على رجّالتها. كما جعله في موقع آخر على خيل قُضاعة ورجّالتها ، ثمّ اشترك في عَقر الجمَل هو والحمُاة حتّى عَرقَبوه.
وفي صِفّين.. أمّره الإمام عليّ عليه السّلام على طيّء. حتّى إذا كان التوادع إلى أن ينسلخ المحرّم، أرسل أمير المؤمنين عليه السّلام عديّاً في جماعة ليدعوَ معاوية إلى الطاعة. فقام عديّ مقاماً مشكوراً أثنى فيه على أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام، وهدّد معاويّةَ بأمرِّ القتال وأشدّه.
ثمّ قاد الجيش العلويّ وجحافلَه ضدّ الجيش الأُموي بقيادة عبدالرحمن بن خالد بن الوليد يوم 8 صفر سنة 37 هجريّة، وقد حشّد معاوية أشدّاءَ رِجاله، فكان النصر حليف عديّ، وفرّ عبدالرحمن وتوارى في العَجاج وعاد إلى معاوية مقهوراً.
وكان من بلائه الحسَن أن أردى المُقاتلَ الشاميّ المشجّع بن بِشر الجُذاميّ، وكان يحاول قتلَ أمير المؤمنين عليه السّلام، فطعنه عديّ في لَبّته فجدّله قتيلاً. وضرب همّامَ بن قُبيصة النُّميريّ ـ وكان من أشتم الناس للإمام عليّ عليه السّلام ـ وكان معه لواء هَوازِن، فسلب لواءه.
ولمّا كان الصلح.. وبّخ عديٌّ الحكَمَين واتّهمهما لمّا أبطأ أمرهما، ولمّا فُرغ من الكتاب كان عديّ أحد شهوده؛ امتثالاً لأمر إمامه.
ولمّا عزم الإمام عليّ عليه السّلام المعاودة إلى صفّين وقتال الشاميّين.. دعا الناسَ لذلك، فكان عديّ في أوائل مَن أجابوه، حيث رفعوا له أربعين ألف مقاتل وسبعة عشر ألفاً من الأبناء وثمانية آلاف من عبيدهم ومَواليهم.
وعندما بايع الناسُ الإمام الحسن عليه السّلام.. خطب الناسَ ودعاهم إلى قتال معاوية فتخاذلوا، فقام عديّ بن حاتم فخطبهم ووبّخهم، ثمّ كان أوّل من سمح بطاعته وأبدى استعداده، حيث مضى إلى النُّخيلة فكان أوّل الناس عسكراً.
كان عديّ من المؤيّدين لثورة حُجْر بن عَديّ الكنديّ وأصحابه، فتوسّط ودافع عنه عند زياد بن أبيه دون جدوى، ثمّ تعاطف بعد مقتله مع عبدالله بن خليفة الطائي ـ أحد أصحاب حجر ـ تعاطفاً شديداً وأبى أن يسلّمه لابن زياد.
وفاته
تراوح المؤرّخون في تحديد وفاة عديّ بن حاتم بين أربع سنين: من 66 ـ 69 هجريّة، وبعضهم لم يحدّد السنة وإنّما اكتفى بأنّه تُوفّي في أيّام المختار الثقفيّ، علماً أنّ المختار كانت حكومته على الكوفة ثمانية عشر شهراً: من ربيع الأوّل سنة 66 إلى النصف من شهر رمضان سنة 67 هجرية.