منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#67734
تعنيني أيها الأخوة ونحن نعالج موضوع بهذا الاتساع قضية المنهج، وقضية المرجعية، أي المسطرة الفكرية، والمعيار، أو البناء المنطقي للنقاش. دون ذلك تصبح المناقشة منفلتة، غير مضبوطة، غير محكومة منطقياً. وعندما تتحول المناقشة إلى مناقشة طليقة، غير محكومة منهجياً ومنطقياً ومرجعياً، عندما يحدث ذلك، قد نتفق في النهاية حتى على الخيانة، خيانة القضية نفسها، خيانة الأمانة التاريخية، لأنه عندما تصبح المناقشة طليقة وغير مضبوطة ولا تستند وترتكز إلى مرجعية، فإن الأمر يعتمد في نهايته على لحن الحجّة لا مشروعية الحجّة. وهناك فرق كبير بين لحن الحجّة ومشروعية الحجّة. ولذلك من المهم أن أنبّه إلى أهمية هذه النقطة، نقطة المنهج المرجعية، المسطرة، البوصلة، البناء المنطقي.
النقطة الثانية التي أود أن أنبّه إخواني إليها هي أننا لسنا كورسيكا، بحيث ننضم إلى فرنسا أو لا ننضم، ولسنا إقليم الباسك بحيث ننضم إلى إسبانيا أو ننفصل عن إسبانيا، نحن لسنا نبتة وحشية في البرية، نحن أمة ممتدة ما بين نواكشوط وسينغ يانغ في الصين، أمة إسلامية، أمة عربية، لها مرجعية ولها تاريخ وفعل وتأثير وإسهامات في بناء هذه الحضارة الغربية. ولذلك ينبغي أن نستحضر هذه المعاني ونحن نناقش دلالات المواجهة مع المشروع الصهيوني. نحن أمة لها دليل نظري ومرشد نظري، وبيان تاريخي يتمثل في القرآن الكريم، والقرآن الكريم لا أنظر إليه فقط من حيث هو كتاب تعاليم، حلال وحرام، لو كان القرآن كتاب تعاليم حلال وحرام فقط لكان فيه سورتين سورة للحلال، وسورة للحرام. ولكن القرآن يشتمل على مئة وأربع عشرة سورة، ويشتمل على أكثر من ستة آلاف آية، فيه حديث عن التاريخ، والأمم، وعن الصراع، وعن الحرب، وعن السلم، وعن التجارة، وعن المال، وعن السلاح، وصناعة السلاح. إذاً هذا الكتاب في تصوري والذي يشكل مرجعية لنا، كتاب حركة تاريخية. ومن حيث هو كتاب حركة تاريخية يجب أيضاً أن نُقحمه في هذا الموضوع، ونستلهمه، ونأخذ منه العبرة والدرس والدليل النظري. أما أن نقول: قال جابوتنسكي، وقال إيجال آلون، وقال ديان، وقال حاييم وايزمن، وفعل هرتزل، وفعل بن غوريون، ولا ننتبه إلى ماذا قال القرآن الكريم، وماذا فعل رسول الله e . إذا فعلنا ذلك ولم نستلهم هذه المعاني فنحن إذاً أمة منبتة، أمة مفككة، أمة فعلاً نبتة شيطانية، ويحق للإسرائيليين أن يفعلوا بنا ما يشاؤون، إنما نحن لسنا كذلك.
كلامي سينقسم إلى قسمين ملتزماً بالمنهج وملتزماً بالبناء المنطقي. قسم يتصل بالتأصيل السياسي لهذا الموضوع وقسم يتصل بالتأصيل الشرعي له. نحن كأمة عربية وإسلامية كان بيننا وبين الإمبريالية العالمية صراع طويل ومرير متمثلاً بالاستعمار البريطاني أولاً والفرنسي والهولندي الذي وصل جاكرتا، ثم حالياً الاستعمار الجديد المتمثل بالولايات المتحدة الأميركية. هذا الصراع القائم بين الأمة والإمبريالية العالمية ما بين نواكشوط وسينغ يانغ في الصين، كشف عدة سمات وعدة محاور ينبغي أن نتوقف عندها. ماذا فعلت بنا هذه القوى الإمبريالية؟ وينبغي أن نضع هذا الموضوع في سياقه الذي يتصل بجوهر الصراع التاريخي الدائر بيننا وبين الإمبريالية العالمية.
- lأول سمة لهذا الصراع هي سمة السيطرة بالعنف على الأمة الإسلامية والعربية. العنف وإدامة العنف، لم تسيطر القوى الإمبريالية علينا بالكلام، ولا بمنظمات حقوق الإنسان، ولا بالإقناع، ولا بالفكر، ولا بالجامعات، ولا بالاستفتاءات إطلاقاً. اكتساح عسكري عنيف استمر لعدة قرون. مسحوا الأخضر واليابس إلى أن حققوا السيطرة الكاملة علينا.
العنف العسكري كان شرطاً فنياً وموضوعياً لسيطرتهم علينا. هذه نقطة أساسية، ولذلك لا ينبغي لنا أن نفكر بإزالة هذه السيطرة إذا حيّدنا هذه الفكرة وقلنا من الممكن أن نتخلص من السيطرة بدون عنف، لا.. أبداً. لابد أن يكون خيارنا العنف لكي نلغي هذه الخاصية التايخية التي التزم بها التحالف الإمبريالي الدولي العالمي التاريخي المستمر الآن من خلال التحالف الصهيو ـ أميركي في هذه الحقبة. السيطرة بالعنف وإدامة العنف هذه هي السمة الأولى التي كشف عنها صراعنا مع هؤلاء.
- النقطة الثانية هي التجزئة وإقامة الكيانات التجزيئية. نحن نتحدث اليوم عن قضية كبيرة ولكننا أسرى الفكر التجزيئي. فاللبناني يتحدث عن لبنان وكأنه محور العالم، والكويتي يتحدث عن الكويت وكأن الكويت محور العالم، والسعودي كذلك، والمصري والسوري. وهذه جهالة وقعنا فيها شئنا أم أبينا يجب أن نكون مخلصين في الاعتراف بها، ولا سبيل للنجاة من الصهيونية ومن اليهودية العالمية ومن الإمبريالية العاليمة طالما نحن أسرى هذا التشوه الفكري الذي أصابنا جميعاً. الدولة القطرية، الجزء، أصبحت ديناً. وكل دولة صغيرة لا تساوي شيئاً في الميزان العسكري الاستراتيجي أو السياسي الدولي، لها عَلَم ولها نشيد ولها عصبيات. والكويتيون يتحدثون عن الفكر الكويتي والأدب الكويتي وغيره، واللبنانيون كذلك، والقطريون وغيرهم، وهذا لا يجوز. هذا أمر يزيدنا ضعفاً، ولذلك هذه الدولة التجزيئية هي من أسباب معوقات النصر وستظل هكذا طالما نحن أسرى لها، أسرى لقوانينها وأسرى لجنسيتها وأسرى لوصفتها المحلية.
- السمة الثالثة في جوهرصراعنا مع الإمبريالية العالمية هي سمة محاربة الإسلام ونشر التغريب الفكري والحضاري. نعم محاربة الإسلام كدين، ومحاربة اللغة العربية. في الجزائر صدرت قوانين أثناء الاستعمار الفرنسي سنة 1937 تحرِّم وتجرِّم استعمال اللغة العربية في المكاتبات والمراسلات الرسمية بين الجزائريين أنفسهم. كانوا يريدون أن يقطعوا الصلة بيننا وبين ديننا وتاريخنا ولغتنا وهويتنا. ولذلك كانت هجمة التغريب واهتمام الإمبريالية بفرض التغريب علينا زياً، ومعناً، ولغةً، وحياةً، وأمزجةً وأذواقاً. نحن نعيش هذه المرحلة ولا زلنا نقتات عليها. ولذلك نحن مهتمون أن يتعلم أولادنا اللغة الإنجليزية والفرنسية أكثر من أن يعرفوا شيئاً عن اللغة العربية، ومهتمون جداً أن نرسل أولادنا للتعليم إلى الخارج ويتعلموا هناك في أميركا بالذات، وكأن العلم وكأن التخصص كعبته الولايات المتحدة بينما هناك مراكز ومرابع ثقافية وعلمية في آسيا تبزّ في كثير من الأقطار ما هو موجود في العالم الغربي. محاربة الإسلام، والتخلي عن الإسلام، والميوعة الثقافية، هذه كلها طالما أصبحت لصيقة بنا سوف لن نتمكن من مواجهة الصهاينة.
- النقطة الرابعة هي تحطيم المقومات الاقتصادية العربية والإسلامية وبناء الاقتصاد التابع. ولذلك لو تقرأ التاريخ الاقتصادي لمصر مثلاً تجد كيف أن الإنجليز قضوا على المقومات الاقتصادية لمصر وحولوا الإنتاج الزراعي إلى محصول واحد استراتيجي لمصر هو القطن ونفوا المقومات الاقتصادية الأخرى.
ولو درسنا تعامل الفرنسيون في الجزائر مع الكروم والعنب، وكيف كان الجزائريون ينتجون الكثير من المحاصيل والكثير من السلع، لكن الاقتصاد الفرنسي كان يتطلب أن ينتج الجزائريون العنب لصناعة النبيذ الذي يسوق إلى العالم على أنه نبيذ فرنسي.
l النتيجة الخامسة التي تلت هذه السمات الأربع هي إقامة دولة إسرائيل ; وتكريسها لكي تكون مشرفة على هذه المسألة التاريخية. ليس صدفة وعد بلفور، وليس صدفة إقامة الكيان ، وليس صدفة استمرار هذا الكيان لكي يقوم بالسيطرة، ولكي يقوم بالتجزئة، ولكي يقوم بمحاربة الإسلام ونشر التغريب الفكري والحضاري، ولكي يحطم مقوماتنا الاقتصادية، ويبني الاقتصاد التابع. إن التأمل العميق لهذه السمات الخمس يجب أن يقودنا إلى منهج معين في التعامل مع هذه المسألة.
أما التأصيل الشرعي، فنحن أمة محكومة بالأحكام الشرعية الثابتة. هذه إذا كنا مسلمين، فإذا كنا مسلمين وملتزمين بالأحكام الشرعية الثابتة، فهناك صلة بين الأحكام الشرعية الثابتة وبين هذا الموضوع. هذا الموضوع لا يجب أن يخضع للنقاش الطليق، ما يراه الفلسطينيون أو ما لا يراه. هل تستطيع المقاومة الإسلامية أن تستمر أو لا تستمر؟ أن تستمر المقاومة الإسلامية أو لا تستمر، ثمة أحكام شرعية ثابتة يجب التقيد بها.
الحكم الشرعي الثابت والحقيقة الأولى كمهتدين بالقرآن الكريم هي:
إن فلسطين جزء من البلاد الإسلامية فتحها المسلمون فتحاً. وأرضها أرض خراجية، ملكية رقبة هذه الأرض هي لبيت مال المسلمين إلى قيام الساعة، والأفراد لا يمكلون إلا منفعة هذه الأرض دون رقبتها. هذا هو حكم الشرع إذا كنا نحفل بالشرع.
الحقيقة الثانية: إن اليهود اغتصبوا فلسطين غصباً، والغصب لا يغير من الأمر شيئاً، وقد حكم الشرع في هذا الأمر وينبغي التأكد والتقيّد بحكم الشرع. إذا كنا نستطيع استردادها الآن حباً وكرامةً، لا نستطيع الآن. نعدُّ لكي نستطيع.
الحقيقة الثالثة: إذا كان يجوز للمسلم أن يتنازل عن بعض أمواله أو أرضه بيعاً أو هبةً، فإنه لا يجوز له أن يتنازل عن أرضٍ إسلامية لدولة أو سلطة أو كيان كافر كـدولة إسرائيل، فكيف إذا كان لا يملك رقبتها التي هي ملك لبيت مال المسلمين. وهذا أيضاً من الأحكام الشرعية الثابتة.
الحقيقة الرابعة: هي أن القدس بالذات، وأرض فلسطين بالذات، لها مكانتها في الشرع الإسلامي تزيد من مكانتها عن الأرض الخراجية التي رقبتها ملك لبيت مال المسلمين وتزيد عن مكانة كثير من الدول الإسلامية لذلك ينبغي التقيد بهذه الحقيقة.
الحقيقة الخامسة: إذا كان صاحب الحق ضعيفاً أو غير قادر على استرجاع ما غُصب منه وكان من النوع القادر على فرض هذا الغصب فالعلاج واحد في الشريعة الإسلامية، واحد لا غير، وهو أن عليه أن يستعد لاسترداد حقه دون أن يستسلم تحت أي مبرر من المبررات.
الحقيقة السادسة: أن مسؤولية استرجاع الأقصى وفلسطين هي مسؤولية المسلمين جميعاً وليست مسؤولية أهل فلسطين وحدهم. وهذه ليست مسؤولية خاصة بالقدس وبفلسطين أو جنوب لبنان أو الجولان، بل هي حكم شرعي في كل أرض إسلامية اغتصبها الكفار، ولكن الأمر بخصوص القدس وفلسطين هو أشد وجوباً على ما لها من مكانة. والقاعدة في توضيح المسؤولية في هذا الأمر هي على الأقرب فالأقرب، أي الوجوب يقع فعلاً على الأقرب، فإن لم يكن، فعلى الذين يلونهم وهكذا.
الحقيقة السابعة: إن التجزئة والتقسيمات والحدود بين بلاد المسلمين والعرب لا يُقرها الإسلام. حتى وإن كنا لا نستطيع أن نغير هذا الأمر، ينبغي أن نعتقد بهذا الحكم، وإن هذه الحدود حدود غير مشروعة ولا يقرها الشرع، وينبغي العمل على هدم الروح القطرية لا تأجيجها ولا رعايتها كما هو حاصل حتى في الأوساط الملتزمة إسلامياً.
الحقيقة الثامنة: أن اليهود بلفظ القرآن هم أعدى أعداء الأمة العربية الإسلامية، وهم أهل مكر وخبث، والاستشهاد بالآية الكريمة ]وإن جنحوا للسلم فاجنح لها[ باطل بطلاناً مبيناً. لأن اليهود لم يجنحوا للسلم بدليل اغتصابهم أجزاء عزيزة من أرض الإسلام، فلسطين وغيرها، وما يتبعه من تشريد لأهلها، وتدنيسهم للمقدسات الإسلامية، والحفريات حول المسجد الأقصى لإقامة المعبد اليهودي، وإقامة المستوطنات الإسرائيلية المسلحة، وانتزاع الأراضي الزراعية من أيدي أصحابها وإلحاقها بأموال اليهود، فكيف يُستشهد بهذه الآية في بلاد عربية إسلامية بالقول: فإن جنحوا للسلم فاجنح لها، وماذا نفعل بمجازر صبرا وشاتيلا، وماذا نفعل بغزو لبنان، وماذا نفعل بقانا، وبالقنيطرة؟ كيف يقولون جنحوا للسلم، وكيف يريدوننا أن نجنح للسلم مع اليهود؟
الحقيقة التاسعة: لقد أخبرنا رسول الله e وهو قائدنا ومعلمنا وقدوتنا وزعيمنا وتاج رأسنا ونحن نفتخر بذلك، أخبرنا رسول الله e في نصوص صحيحة وموثقة بأن النصر سيكون للمؤمنين على اليهود ونحن نؤمن بحتمية ذلك.
الحقيقة العاشرة: وهذه من الأحكام الشرعية الثابتة، أن كل مَن يساعد الصهاينة ويثبّت أقدامهم في فلسطين فهو عدو للأمة وطرف في عداوتنا مع اليهود. وعلى رأس كل ذلك تقف الولايات المتحدة الأميركية الحليف الاستراتيجي التاريخي للصهاينة منذ نصف قرن، ومن الغفلة والسفه التعامل معهم معاملة الصديق.
الحقيقة الحادية عشر: أن كل تصرف يخالف الشرع فهو باطل. والتنازلات التي قدمتها منظمة التحرير الفلسطينية وبعض الدول العربية لليهود في شأن فلسطين كلها باطلة سواءً أخذت موافقة المجلس الوطني الفلسطيني، أو موافقة الجامعة العربية، أو موافقة مجلس الأمن. فما جعله الله بالنسبة لنا نحن كمسلمين حراماً لا يمكن لأي جهة في الأرض أن تجعله حلالاً، فالحرام حرام بالنسبة إلينا إلى يوم القيامة ونقولها بفخر، والحلال حلال إلى يوم القيامة ونقولها بفخر أيضاً.
الحقيقة الثانية عشر: أنه حتى لو سلمنا جدلاً بأن الصلح مع إسرائيل مُباح من حيث المبدأ، فإن الصلح يحرُم هنا في هذه الحالة الخاصة لما يترتب عليه من محرمات وأضرار، وفق القاعدة الشرعية الوسيلة إلى الحرام حرام ولذلك نعتقد أن واجبنا تجاه ما يدور في جنوب لبنان، وما يدور في كل فلسطين، وما يدور في الجولان السليب، وما يدور في الضفة الغربية السليبة، رأينا أنه يجب على كل عربي ومسلم أن يساند بالظِفر والناب والمال والنفس والدم، كل مبادرة للمقاومة، حسبك في جنوب لبنان. كما أنه يترتب علينا أن نفي بكثير من الواجبات تجاه هذه المعاهدات سواء وقّعتها منظمة التحرير أو مصر أو الأردن أو كل الدول العربية. يجب أن نعتقد كأفراد أن علينا واجبات تاريخية تجاه هذه المعاهدات:
الواجب الأول: علينا اعتقاد وجوب بُطلانها لأن المسلم لا يجوز أن يُشارط الكفار على ترك الجهاد وإسقاط فرضه وعلى ترك عداوة اليهود فإن هذا مُخرج من الملّة.
الواجب الثاني: أن يعتقد المسلم أن هذه المعاهدات لا تُلزمه ولا يجوز له تنفيذ شيء من محتواها.
الواجب الثالث: هو العمل على إسقاط كل معاهدات من هذا النوع شأنها شأن كل مُنْكر وُجد على أرض الإسلام.
الواجب الرابع: اعتقاد أنه يجب محاربة اليهود ومقاومتهم ما ظلوا على تمسكهم بسلوكهم العدواني.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم.



الدكتور/ عدبالله النفيسي.