منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By صالح سعد
#67739
عندما وصل الإنجليز إلى بغداد واحتلوها 11 مارس 1917 شرعوا في إحصاء السكان في كل العراق ونشروا هذا الإحصاء سنة 1919 وهو موجود في ملفات الخارجية البريطانية وقد رأيته ونشرته في
كتابي: [دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث] دار النهار – بيروت – 1973 .
ورقم الوثيقة في مكتبة السجل العام البريطاني ( Public Record Office F.O.371ـ5228)، وكشف الإحصاء ي الحقائق التالية:عدد العرب الشيعة مليون و492 ألف نسمة.
عدد العرب السنة نصف مليون و20 ألف نسمة.
عدد الأكراد السنة 496 ألف نسمة.
عدد اليهود 86 ألف نسمة.
عدد النصارى 87 ألف نسمة.
عدد الطوائف الأخرى 42 ألف نسمة.
هكذا نلاحظ أن الشيعة يشكلون 55% من سكان العراق، ولو فرزنا العرب عن الأكراد سنلاحظ أن العرب السنة يشكلون 19% وأن الأكراد السنة يشكلون 18% وأن اليهود والنصارى والطوائف الأخرى (اليزيدية والشبك والصابئة) يشكلون 8%، أضف إلى ذلك أن هناك عددا غير قليل من القبائل السنية كانت عندما تنزح إلى العراق تعتنق المذهب الشيعي لأسباب موضوعية، ومنها السبب الاقتصادي والمعيشي، ومن هذه القبائل الخزاعل وزبيد وكعب وربيعه وألبومحمد وبني عمير والخزرج وشمّر طوجه والدفافعه وبني لام وآل أقرع والبدير وعفك والجبور والشليحات وغيرهم كثيرون (أنظر كتاب النفيسي المشار إليه)، فيصّب ذلك كله في الوعاء السكاني الشيعي في العراق. أضف إلى ذلك عاملا ثانيا وهو أن نسبة التوالد لدى الشيعة في العراق أكثر من غيرهم وذلك بسبب الوجود الجماهيري الكثيف للشيعة في الريف العراقي، وخاصة في مناطق الفرات الأوسط حيث الماء والزرع ونلاحظ كما يلاحظ عدد غير قليل من الحبراء في شئون الشيعة والتشيع، أن الشيعة دائما يرغبون في استيطان المناطق التي يكثر فيها الماء والزروع: البحرين والإحساء والقطيف والهفوف والطائف وحتى في اليمن نلاحظ أن الشيعة تتركز في الشمال حيث الماء والزرع، بينما الجنوب الصحراوي (حضرموت) نلاحظ أن وجود الشيعة نادر. وفي عام 1947 أجرت الحكومة العراقية إحصاء رسميا تبين من خلاله أن الشيعة يشكلون أغلبية واضحة (أنظر تفاصيل هذا الموضوع في كتاب د.حنا بطاطو الموسوم: “الطبقات الاجتماعية في العراق” ود.بطاطو من أبرز الاختصاصيين في الشؤون العراقية وكنت أحد تلاميذه الكثر في الجامعة الأمريكية في بيروت 1963 ـ 1967 قبل أن يذهب ويعمل في جامعة برنستون الأمريكية ذائعة الصّيت)
على ضوء هذه الحقيقة (كون الشيعة الأغلبية في العراق) نلاحظ التالي في خصوص الاصطفاف السياسي للشيعة في ظل الاحتلال الأنجلو أمريكي للعراق:
أولا: نلاحظ أن الشيعة أكثر الطوائف والفئات حماسا لفكرة الانتخابات ولنقل السلطة، إلا أن هذا الحماس تضبطه وتحدد عياره المرجعية الشيعية الممثلة بالسيستاني في النجف.
ثانيا: مرجعية السيستاني تتمتع بثقة جماهير الشيعة وتحتل المرجعية لدى الشيعة – في العراق وغيره – مكانة عظيمة في الذاكرة التاريخية للشيعة وحركتها – زمانا ومكانا- غير منفكة عن نبض الجمهور الشيعي الذي يدعمها بالخمس، فالعلاقة بين المرجعية الشيعية والجمهور الشيعي تتحرك وفق معادلة التناضح العكسي.
ثالثا: مهما اختلفت التنظيمات السياسية الشيعية: حزب الدعوة ومنظمة العمل الإسلامي وحركة الجماهير المسلمة في العراق وجماعة العلماء المجاهدين وحركة المجاهدين وغيرها، فإن المرجعية في النهاية تمثل السقف أو الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه. هذا الضبط الحركي الذي تمثله المرجعية يعزز من وحدة الشيعة ويعطيها لدى سلطة الاحتلال (بريمر بالذات) هيبة سياسية ملحوظة.
رابعا: لأن الشيعة لهم مرجعية واضحة وظاهرة ولها عنوان (النجف) ولأن هذه المرجعية تتمتع بثقة جمهورها تضطر سلطة الاحتلال إلى التصالح معها أو على الأقل الحرص على عدم الاصطدام بها ولذلك نلاحظ أن سلطة الاحتلال تتشاور مع مرجعية الشيعة.
خامسا: نلاحظ كذلك أن السيستاني الذي يمثل التيار الغالب لدى الشيعة ليس في عجلة من أمره وهو يحارب وينافح ويعارض الاحتلال من خلال لعبة الاحتلال (الديموقراطية التعددية وما يسمى بالعراق الجديد)
سادسا: من الواضح أن لدى السيستاني حسبة استراتيجية تؤجل الاصطدام بالأمريكان ربما لأن (الأزمة الثورية) حسب التعبير الماركسي لم تنضج بعد في العراق، لكن فور أن تنضج (ربما هذا الصيف القادم) سيحين موسم القطاف الشيعي في العراق.

الدكتور/ عبدالله النفيسي.