- الأربعاء ديسمبر 04, 2013 7:24 pm
#67755
الدُّوَلُ تقوم على أكتاف الرجال، والسياسة المتميزة الناجحة صنعة يحترفها المفكرون والمتميزون والمبدعون منهم، وعلى الرغم من استمرار سرية الدعوة، والمسلمون مختبئون في دار الأرقم رضي الله عنه، فإن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ينظر إلى المستقبل وإلى رجال المستقبل. كان يحيط برسول الله صلى الله عليه وسلم أنواع فريدة من الرجال، ولكن رغم كل ذلك فإنه كان يطمع برجال آخرين بمواصفات خاصة جداً، وعلى درجة عالية من التميز، وخاصة وهو صلى الله عليه وسلم على وشك أن يعلن دعوته، ومن المتوقع أن تشرأب أعناق الأعداء ويكشرون عن أنيابهم لحرب متنوعة القضايا، وربما كانت طويلة الأمد عميقة الجراح.
لقد كانت عين رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجال من أمثال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل كانت عينه صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه تحديداً، فهو ذلك النوع المطلوب والمرغوب فيه، هو رجل من العيار الثقيل، لا غنى لدولة المستقبل عنه رضي الله عنه. وحسب دراسة تاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل الإسلام، فمن المتوقع إن حدثَ وأسلم رضي الله عنه فأنه سيقدم لدولة الإسلام الشيء الكثير، وتحدث علي يديه إنجازات إبداعية غير مسبوقة. فإن كان من دعوة يتوجه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله سبحانه وتعالى ليعز الإسلام برجل، فليس غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: «اللهم أعزَّ الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة» [1].
فما الذي كان يراه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، كقائد للمسيرة، بنظره الثاقب وبصيرته الحاضرة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟
وسنبحث في التحليل السياسي للحديث فيما كان في عمر رضي الله عنه، من مواصفات خاصة فنتوصل إلى ما يأتي:
1- قوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحق وعدم المجاملة على حسابه، وعدم تردده في اتخاذ قرارات استراتيجية كبيرة ومصيرية، ولقد اتضح ذلك من أول ما أسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه، فلم يَدُم الأمر كثيراً حتى صار عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطالب النبي صلى الله عليه وسلم أن يجهروا بالدعوة لأنهم على الحق وعدوهم على باطل. ثم إنه رضي الله عنه "قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني لا أدع مجلساً جلسته في الكفر إلا أعلنت فيه الإسلام، فأتى المسجد وفيه بطون قريش متحلقة، فجعل يعلن الإسلام ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فثار المشركون فجعلوا يضربونه ويضربهم، فلما تكاثروا خلصه رجل" [2]، ففي ذلك دلالة على قوته في الحق.
2- رجاحة عقله وأفكاره الإبداعية الخلاقة التي لا تنتهي، وفي كل المجالات، السياسية والحربية والتنموية والقضائية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية، مما سيساهم مستقبلاً في دعم أسس البناء والتنمية والتطوير في الدولة الإسلامية، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن النبيصلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: «قد كان يكون في الأمم قبلكم محدَّثون [3]، فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم» [4]، كما كان عمر رضي الله عنه قوي الفراسة صادق الحدس.
3- سمو روحه وعزة نفسه رضي الله عنه وعزوفها عن الدنيا وما فيها، فيقول خادمه يسار بن نمير: "والله ما نخلت لعمر الدقيق قط إلا وأنا له عاصٍ" [5]. وهذا الزهد سيجعله لا يأبه بالأموال فلا يفكر في استغلال موارد الدولة ومقدراتها لمصالحه الشخصية أو مصالح أفراد عائلته.
4- هو من الذين لهم صيت ومكانة في قريش، بل كان من سفرائها، لأنه من عَدي وقد كانت السفارة فيهم، فإسلامه يغيض الأعداء من قريش وغيرها ويشتت تفكيرهم ويخذلهم ويشغلهم به عن الضعفاء.
5- منح أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوة إضافية وفرصة لمزيد من الثقة بأنفسهم، فضلاً عن مراجعة أنفسهم وسعيهم ليكونوا كعمر بن الخطاب رضي الله عنه، كنموذج فريد من نوعه.
6- تقديم درس للأمة القادمة من أجل أن تعتمد في سياستها أن تكسب رجالاً أفذاذاً من طراز عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
هذه هي الدواعي الرئيسية لدعوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتغيير مسار الصراع. فهل كانت الرؤية السياسية لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيحة؟ الإجابة عن هذا التساؤل في معرفة ما قدمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه للإسلام.
إنجازات عمر بن الخطاب رضي الله عنه لترسيخ مفهوم الدولة:
1- مَنَحَ إسلام عمر رضي الله عنه للمسلمين مباشرة دعماً وعوناً وقوة، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "مازلنا أعزةً منذ أسلم عمر" [6]، بل وأكثر من ذلك، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "والله ما استطعنا أن نصلي عند الكعبة ظاهرين حتى أسلم عمر" [7]. ويكمل الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الموضوع بقوله: "إن إسلام عمر كان فتحاً، وإن هجرته كانت نصراً، وإن إمارته كانت رحمةً، ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه" [8].
2- كان رضي الله عنه مستشاراً أميناً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم منذ إسلامه وحتى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم استمر الحال كمستشار أمين لخليفة الرسول صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقدم استشارات عظيمة وقيمة، منها ما غير تجاه التفكير السياسي في بعض الإجراءات، ومن ذلك:
- ما حصل في موضوع أسرى غزوة بدر حين كان توجه ورغبة رسول محمد صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر الصديق تجاه فداء الأسرى، وقد حصل ذلك، في حين كان عمر رضي الله عنه يرى قتلهم، فجاء القرآن الكريم مؤيداً لرأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67].
- تقديم المشورة لأمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لإجراء عملية توثيق لدستور المسلمين (القرآن الكريم)، وهو ما يُعرف بقضية جمع القرآن، بعد إن كان يحفظ في قلوب الرجال، وهذا الإنجاز يعتبر من أعظم الإنجازات التي تحققت في مراحل بناء الدولة الإسلامية على مر التاريخ، وربما على مستوى تاريخ العالم السياسي، وهو يحسب لعمر بن الخطابرضي الله عنه.
"عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه -وكان ممن يكتب الوحي- قال: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يُراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر، قال زيد بن ثاب: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف، والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر" [9].
- ومن عمله كمستشار لأبي بكر الصديق رضي الله عنه أُقر ما قال به عمر بن الخطاب رضي الله عنه باعتبار رئيس الدولة موظف فيها، وعليه القيام بواجباته على أتم وجه، وأن يترك أمور التجارة أو أي عمل آخر يشغله عن أداء واجبات هذه الوظيفة، و يُخصص له راتب مجزٍ من بيت المال مقابل ذلك. عن محمد بن سيرين رحمه الله قال: "توفي أبو بكر الصديق وعليه ستة آلاف كان أخذها من بيت المال، فلما حضرته الوفاة قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف درهم، وإن حائطي الذي بمكان كذا وكذا فيها، فلما توفي ذكر ذلك لعمر فقال: يرحم الله أبا بكر، لقد أحب أن لا يدع لأحد بعده مقالاً، وأنا والي الأمر من بعده، وقد رددتها عليكم" [10]. نعم لقد أعاد أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما أخذ من رواتب من بيت المال قبل وفاته، إلا أنه كسياق عمل إداري أقر وعمل به فيما بعد. ثم يشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أمير المؤمنين، ويتولى عمر رضي الله عنه زمام قيادة ورئاسة الدولة الإسلامية، فلم يتوانَ في الاستمرار في ترسيخ قواعد وأسس بناء الدولة على نهج النبوة، فمن إنجازاته:
1- إنجازات سياسية: فمن المعروف أن أحد مقومات قيام الدول هي الأرض، وتزداد هيبة الدولة وقوتها وقيمتها باتساع الأراضي التي تكون تحت سيطرتها. ولقد كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه الدور الأكبر في ذلك، فقد اتسعت رقعت الأرض التي تحت سلطان الدولة الإسلامية، بما تحقق من فتوحات عظيمة في عهده رضي الله عنه ومنها:
- فتح العراق.
- فتح مصر.
- فتح الشام بما فيها فتح فلسطين وتحرير بيت المقدس.
وكان هذا الإنجاز إنجازاً سياسياً متميزاً وكبيراً، كما أن هذه الفتوحات جاءت نتيجة معارك ضارية وشرسة استطاع المسلمون الانتصار فيها، وبطبيعة الحال فإن الفضل في ذلك بعد الله سبحانه وتعالى ينسب للقيادة الحكيمة التي على هرم السلطة.
2- إنجازات إدارية: فقد نظم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، العمل الإداري في الدولة الإسلامية بالاتجاه المؤسساتي، فمن تلك الإنجازات:
- إنشاء الدواوين: حيث عمل ديواناً للجند، وديواناً للمال، وديواناً لحفظ الوثائق، وعين عليها موظفين دائميين يحدثونها ويراقبونها باستمرار، يقول الماوردي رحمه الله: "وأول من وضع الديوان في الإسلام عمر بن الخطاب" [11].
- تشريع بعض القوانين الخاصة بالجند: متمثلة بتفرغهم للعمل العسكري وخاصة أولئك الذين في الثغور، ووضع الأساليب الإدارية اللازمة لتنظيم إجازاتهم وعودتهم لأهليهم، حيث [أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج ليلة يحرس الناس، فمر بامرأة وهي في بيتها وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه *** وطالَ عليَّ أن لا خليلَ ألاعبُه
فوالله لولا خشية الله وحده *** لحرك من هذا السرير جوانبُه
فلما أصبح عمر رضي الله عنه أرسل إلى المرأة، فسأل عنها، فقيل: هذه فلانة بنت فلان، وزوجها غازٍ في سبيل الله، فأرسل إليها امرأة، فقال: كوني معها حتى يأتي زوجها، وكتب إلى زوجها، فأقفله، ثم ذهب إلى حفصة بنته، فقال لها: يا بنية، كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت له: يا أبه، يغفر الله لك أمثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال لها: إنه لولا أنه شيء أريد أن أنظر فيه للرعية، ما سألتك عن هذا، قالت: أربعة أشهر، أو خمسة أشهر، أو ستة أشهر، فقال عمر: يغزو الناس يسيرون شهراً ذاهبين ويكونون في غزوهم أربعة أشهر، ويقفلون شهراً، فوقَّت ذلك للناس من سنتهم في غزوهم] [12].
3- إنجازات اجتماعية؛ ومن ذلك:
- الأمر بقانون الضمان الاجتماعي، وجعله يسري على جميع الرعايا داخل حدود الدولة الإسلامية وليس للمسلمين فحسب، فقد كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى بعض عماله كتباً جاء فيه: "أما بعد، فإن الله سبحانه وتعالى إنما أمر أن تؤخذ الجزية ممن رغب عن الإسلام واختار الكفر عتياً وخسرانا مبيناً، فوضع الجزية على من أطاق حملها وخل بينهم وبين عمارة الأرض، فإن في ذلك صلاحاً لمعاش المسلمين وقوة على عدوهم، وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فلو أن رجلاً من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق، وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك، قال: ثم أجري عليه من بيت المال ما يصلحه" [13].
- استثمار طاقات المرأة في بعض المهام والتكاليف؛ لأن الإسلام قد أعاد لها اعتبارها، ووضعها في مكانها الأمثل، فهي في نظر السياسة في الإسلام جزء مهم من مكونات المجتمع ولا بد من أن تشارك في بناء الدولة من خلال ما تكلف به من أعمال. وقد ولّى عمر رضي الله عنه الشفاء بنت عبد الله [14] رضي الله عنها أمر السوق ومراقبته وتقديم الرأي والمشورة لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
- العمل بنظام الرقابة (الحسبة)، بشقيها الوقائي والعلاجي، وعلى مستوى الأفراد والمؤسسات، ويتشدد في ذلك من أجل المصلحة العامة، وكان رضي الله عنه يباشر هذا النوع من العمل بنفسه ويكلف الآخرين به.
4- إنجازات قضائية: فلقد اهتم عمر رضي الله عنه بالقضاء لأن فيه حياة الناس ورأى أن تداخل القضاء مع الإدارة السياسية والرئاسة أمر قد يجر البلد إلى ما لا يُحمد عقابه. ومن أجل لا تتداخل الوظائف، ولا يُسخَّر القضاء ليكون مطية للسياسة، كان تحقيق مبدأ فصل السلطات القضائية عن السلطات التنفيذية، فقد جعل عمر رضي الله عنه (القاضي غير الوالي)، [جعل عمر رضي الله عنه القاضي غير الوالي في بعض الولايات؛ لظروف وأحوال معينة، فكان أول من دفعه من الوالي إلى غيره وفوضه فيه، فولى أبا الدرداء معه بالمدينة قاضياً، وولى شريحاً وقيل: كعب بن سورة قضاء البصرة، وكان واليها أبا موسى الأشعري، وولى أبا موسى الأشعري وقيل: شريحاً قضاء الكوفة، وكان واليها المغيرة بن شعبة، وكانت أحكام هؤلاء القضاة ملزمة ونهائية، وواجبة التنفيذ من قبل الولاة، مما يؤكد استقلالية القضاء في تلك البلدان، ولم يكن الفصل للسلطة القضائية شاملاً لجميع الولايات؛ لأن فصل السلطة القضائية عن التنفيذية لم يكن معروفاً بعد لعدم بروز الحاجة إليه، وعندما رأى عمر رضي الله عنه الحاجة في بعض الولايات لذلك جعل القاضي غير الوالي، ويعتبر ذلك بداية لفصل السلطة القضائية عن التنفيذية في الدولة الإسلامية] [15].
5- إنجازات تنموية؛ ومن ذلك:
- أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببناء العديد من المدن الجديدة في بعض أرجاء الدولة الإسلامية ومن هذه المدن:
* البصرة والكوفة في العراق.
* الفسطاط في مصر.
ومعلوم مدى فائدة بناء المدن الجديدة في تثبيت أركان الدولة، وما يتبعها من إنشاء لمشاريع الخدمات من أجل تقدم البلد، وكذلك فإن ذلك سيضمن توفير فرص العمل وتشغيل الأيدي العاملة، وما يتبعها من البناء الاجتماعي النموذجي السليم، وما يتبع ذلك من تقليل مستويات الجريمة في المجتمع.
- [في عمرته سنة سبع عشرة من الهجرة كلمه أهل المياه في الطريق أن يبنوا بيوتاً فيما بين مكة والمدينة لم تكن قبل ذلك، فأذن لهم واشترط عليهم أن ابن السبيل أحق بالماء والظل] [16].
- حث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس على استثمار أموال اليتامى، وفي ذلك العديد من الفوائد التنموية كتشغيل الأيدي العاملة، وتحريك رؤوس الأموال، وتنمية الأموال الخاصة باليتامى كونها أمانة، حيث يقول عمر رضي الله عنه: "ابتغوا في أموال اليتامى قبل أن تأكلها الزكاة " [17].
لقد كان عمر رضي الله عنه رجل يعدل أمة، رجل دولة من طراز فريد، وفارس لا يشق له غبار، ومفكر ينطق بالحكمة والحق، فعن أبي ذر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به» [18].
لقد كانت عين رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجال من أمثال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل كانت عينه صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه تحديداً، فهو ذلك النوع المطلوب والمرغوب فيه، هو رجل من العيار الثقيل، لا غنى لدولة المستقبل عنه رضي الله عنه. وحسب دراسة تاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل الإسلام، فمن المتوقع إن حدثَ وأسلم رضي الله عنه فأنه سيقدم لدولة الإسلام الشيء الكثير، وتحدث علي يديه إنجازات إبداعية غير مسبوقة. فإن كان من دعوة يتوجه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله سبحانه وتعالى ليعز الإسلام برجل، فليس غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: «اللهم أعزَّ الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة» [1].
فما الذي كان يراه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، كقائد للمسيرة، بنظره الثاقب وبصيرته الحاضرة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟
وسنبحث في التحليل السياسي للحديث فيما كان في عمر رضي الله عنه، من مواصفات خاصة فنتوصل إلى ما يأتي:
1- قوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحق وعدم المجاملة على حسابه، وعدم تردده في اتخاذ قرارات استراتيجية كبيرة ومصيرية، ولقد اتضح ذلك من أول ما أسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه، فلم يَدُم الأمر كثيراً حتى صار عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطالب النبي صلى الله عليه وسلم أن يجهروا بالدعوة لأنهم على الحق وعدوهم على باطل. ثم إنه رضي الله عنه "قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني لا أدع مجلساً جلسته في الكفر إلا أعلنت فيه الإسلام، فأتى المسجد وفيه بطون قريش متحلقة، فجعل يعلن الإسلام ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فثار المشركون فجعلوا يضربونه ويضربهم، فلما تكاثروا خلصه رجل" [2]، ففي ذلك دلالة على قوته في الحق.
2- رجاحة عقله وأفكاره الإبداعية الخلاقة التي لا تنتهي، وفي كل المجالات، السياسية والحربية والتنموية والقضائية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية، مما سيساهم مستقبلاً في دعم أسس البناء والتنمية والتطوير في الدولة الإسلامية، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن النبيصلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: «قد كان يكون في الأمم قبلكم محدَّثون [3]، فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم» [4]، كما كان عمر رضي الله عنه قوي الفراسة صادق الحدس.
3- سمو روحه وعزة نفسه رضي الله عنه وعزوفها عن الدنيا وما فيها، فيقول خادمه يسار بن نمير: "والله ما نخلت لعمر الدقيق قط إلا وأنا له عاصٍ" [5]. وهذا الزهد سيجعله لا يأبه بالأموال فلا يفكر في استغلال موارد الدولة ومقدراتها لمصالحه الشخصية أو مصالح أفراد عائلته.
4- هو من الذين لهم صيت ومكانة في قريش، بل كان من سفرائها، لأنه من عَدي وقد كانت السفارة فيهم، فإسلامه يغيض الأعداء من قريش وغيرها ويشتت تفكيرهم ويخذلهم ويشغلهم به عن الضعفاء.
5- منح أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوة إضافية وفرصة لمزيد من الثقة بأنفسهم، فضلاً عن مراجعة أنفسهم وسعيهم ليكونوا كعمر بن الخطاب رضي الله عنه، كنموذج فريد من نوعه.
6- تقديم درس للأمة القادمة من أجل أن تعتمد في سياستها أن تكسب رجالاً أفذاذاً من طراز عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
هذه هي الدواعي الرئيسية لدعوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتغيير مسار الصراع. فهل كانت الرؤية السياسية لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيحة؟ الإجابة عن هذا التساؤل في معرفة ما قدمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه للإسلام.
إنجازات عمر بن الخطاب رضي الله عنه لترسيخ مفهوم الدولة:
1- مَنَحَ إسلام عمر رضي الله عنه للمسلمين مباشرة دعماً وعوناً وقوة، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "مازلنا أعزةً منذ أسلم عمر" [6]، بل وأكثر من ذلك، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "والله ما استطعنا أن نصلي عند الكعبة ظاهرين حتى أسلم عمر" [7]. ويكمل الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الموضوع بقوله: "إن إسلام عمر كان فتحاً، وإن هجرته كانت نصراً، وإن إمارته كانت رحمةً، ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه" [8].
2- كان رضي الله عنه مستشاراً أميناً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم منذ إسلامه وحتى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم استمر الحال كمستشار أمين لخليفة الرسول صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقدم استشارات عظيمة وقيمة، منها ما غير تجاه التفكير السياسي في بعض الإجراءات، ومن ذلك:
- ما حصل في موضوع أسرى غزوة بدر حين كان توجه ورغبة رسول محمد صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر الصديق تجاه فداء الأسرى، وقد حصل ذلك، في حين كان عمر رضي الله عنه يرى قتلهم، فجاء القرآن الكريم مؤيداً لرأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67].
- تقديم المشورة لأمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لإجراء عملية توثيق لدستور المسلمين (القرآن الكريم)، وهو ما يُعرف بقضية جمع القرآن، بعد إن كان يحفظ في قلوب الرجال، وهذا الإنجاز يعتبر من أعظم الإنجازات التي تحققت في مراحل بناء الدولة الإسلامية على مر التاريخ، وربما على مستوى تاريخ العالم السياسي، وهو يحسب لعمر بن الخطابرضي الله عنه.
"عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه -وكان ممن يكتب الوحي- قال: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يُراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر، قال زيد بن ثاب: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف، والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر" [9].
- ومن عمله كمستشار لأبي بكر الصديق رضي الله عنه أُقر ما قال به عمر بن الخطاب رضي الله عنه باعتبار رئيس الدولة موظف فيها، وعليه القيام بواجباته على أتم وجه، وأن يترك أمور التجارة أو أي عمل آخر يشغله عن أداء واجبات هذه الوظيفة، و يُخصص له راتب مجزٍ من بيت المال مقابل ذلك. عن محمد بن سيرين رحمه الله قال: "توفي أبو بكر الصديق وعليه ستة آلاف كان أخذها من بيت المال، فلما حضرته الوفاة قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف درهم، وإن حائطي الذي بمكان كذا وكذا فيها، فلما توفي ذكر ذلك لعمر فقال: يرحم الله أبا بكر، لقد أحب أن لا يدع لأحد بعده مقالاً، وأنا والي الأمر من بعده، وقد رددتها عليكم" [10]. نعم لقد أعاد أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما أخذ من رواتب من بيت المال قبل وفاته، إلا أنه كسياق عمل إداري أقر وعمل به فيما بعد. ثم يشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أمير المؤمنين، ويتولى عمر رضي الله عنه زمام قيادة ورئاسة الدولة الإسلامية، فلم يتوانَ في الاستمرار في ترسيخ قواعد وأسس بناء الدولة على نهج النبوة، فمن إنجازاته:
1- إنجازات سياسية: فمن المعروف أن أحد مقومات قيام الدول هي الأرض، وتزداد هيبة الدولة وقوتها وقيمتها باتساع الأراضي التي تكون تحت سيطرتها. ولقد كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه الدور الأكبر في ذلك، فقد اتسعت رقعت الأرض التي تحت سلطان الدولة الإسلامية، بما تحقق من فتوحات عظيمة في عهده رضي الله عنه ومنها:
- فتح العراق.
- فتح مصر.
- فتح الشام بما فيها فتح فلسطين وتحرير بيت المقدس.
وكان هذا الإنجاز إنجازاً سياسياً متميزاً وكبيراً، كما أن هذه الفتوحات جاءت نتيجة معارك ضارية وشرسة استطاع المسلمون الانتصار فيها، وبطبيعة الحال فإن الفضل في ذلك بعد الله سبحانه وتعالى ينسب للقيادة الحكيمة التي على هرم السلطة.
2- إنجازات إدارية: فقد نظم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، العمل الإداري في الدولة الإسلامية بالاتجاه المؤسساتي، فمن تلك الإنجازات:
- إنشاء الدواوين: حيث عمل ديواناً للجند، وديواناً للمال، وديواناً لحفظ الوثائق، وعين عليها موظفين دائميين يحدثونها ويراقبونها باستمرار، يقول الماوردي رحمه الله: "وأول من وضع الديوان في الإسلام عمر بن الخطاب" [11].
- تشريع بعض القوانين الخاصة بالجند: متمثلة بتفرغهم للعمل العسكري وخاصة أولئك الذين في الثغور، ووضع الأساليب الإدارية اللازمة لتنظيم إجازاتهم وعودتهم لأهليهم، حيث [أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج ليلة يحرس الناس، فمر بامرأة وهي في بيتها وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه *** وطالَ عليَّ أن لا خليلَ ألاعبُه
فوالله لولا خشية الله وحده *** لحرك من هذا السرير جوانبُه
فلما أصبح عمر رضي الله عنه أرسل إلى المرأة، فسأل عنها، فقيل: هذه فلانة بنت فلان، وزوجها غازٍ في سبيل الله، فأرسل إليها امرأة، فقال: كوني معها حتى يأتي زوجها، وكتب إلى زوجها، فأقفله، ثم ذهب إلى حفصة بنته، فقال لها: يا بنية، كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت له: يا أبه، يغفر الله لك أمثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال لها: إنه لولا أنه شيء أريد أن أنظر فيه للرعية، ما سألتك عن هذا، قالت: أربعة أشهر، أو خمسة أشهر، أو ستة أشهر، فقال عمر: يغزو الناس يسيرون شهراً ذاهبين ويكونون في غزوهم أربعة أشهر، ويقفلون شهراً، فوقَّت ذلك للناس من سنتهم في غزوهم] [12].
3- إنجازات اجتماعية؛ ومن ذلك:
- الأمر بقانون الضمان الاجتماعي، وجعله يسري على جميع الرعايا داخل حدود الدولة الإسلامية وليس للمسلمين فحسب، فقد كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى بعض عماله كتباً جاء فيه: "أما بعد، فإن الله سبحانه وتعالى إنما أمر أن تؤخذ الجزية ممن رغب عن الإسلام واختار الكفر عتياً وخسرانا مبيناً، فوضع الجزية على من أطاق حملها وخل بينهم وبين عمارة الأرض، فإن في ذلك صلاحاً لمعاش المسلمين وقوة على عدوهم، وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فلو أن رجلاً من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق، وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك، قال: ثم أجري عليه من بيت المال ما يصلحه" [13].
- استثمار طاقات المرأة في بعض المهام والتكاليف؛ لأن الإسلام قد أعاد لها اعتبارها، ووضعها في مكانها الأمثل، فهي في نظر السياسة في الإسلام جزء مهم من مكونات المجتمع ولا بد من أن تشارك في بناء الدولة من خلال ما تكلف به من أعمال. وقد ولّى عمر رضي الله عنه الشفاء بنت عبد الله [14] رضي الله عنها أمر السوق ومراقبته وتقديم الرأي والمشورة لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
- العمل بنظام الرقابة (الحسبة)، بشقيها الوقائي والعلاجي، وعلى مستوى الأفراد والمؤسسات، ويتشدد في ذلك من أجل المصلحة العامة، وكان رضي الله عنه يباشر هذا النوع من العمل بنفسه ويكلف الآخرين به.
4- إنجازات قضائية: فلقد اهتم عمر رضي الله عنه بالقضاء لأن فيه حياة الناس ورأى أن تداخل القضاء مع الإدارة السياسية والرئاسة أمر قد يجر البلد إلى ما لا يُحمد عقابه. ومن أجل لا تتداخل الوظائف، ولا يُسخَّر القضاء ليكون مطية للسياسة، كان تحقيق مبدأ فصل السلطات القضائية عن السلطات التنفيذية، فقد جعل عمر رضي الله عنه (القاضي غير الوالي)، [جعل عمر رضي الله عنه القاضي غير الوالي في بعض الولايات؛ لظروف وأحوال معينة، فكان أول من دفعه من الوالي إلى غيره وفوضه فيه، فولى أبا الدرداء معه بالمدينة قاضياً، وولى شريحاً وقيل: كعب بن سورة قضاء البصرة، وكان واليها أبا موسى الأشعري، وولى أبا موسى الأشعري وقيل: شريحاً قضاء الكوفة، وكان واليها المغيرة بن شعبة، وكانت أحكام هؤلاء القضاة ملزمة ونهائية، وواجبة التنفيذ من قبل الولاة، مما يؤكد استقلالية القضاء في تلك البلدان، ولم يكن الفصل للسلطة القضائية شاملاً لجميع الولايات؛ لأن فصل السلطة القضائية عن التنفيذية لم يكن معروفاً بعد لعدم بروز الحاجة إليه، وعندما رأى عمر رضي الله عنه الحاجة في بعض الولايات لذلك جعل القاضي غير الوالي، ويعتبر ذلك بداية لفصل السلطة القضائية عن التنفيذية في الدولة الإسلامية] [15].
5- إنجازات تنموية؛ ومن ذلك:
- أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببناء العديد من المدن الجديدة في بعض أرجاء الدولة الإسلامية ومن هذه المدن:
* البصرة والكوفة في العراق.
* الفسطاط في مصر.
ومعلوم مدى فائدة بناء المدن الجديدة في تثبيت أركان الدولة، وما يتبعها من إنشاء لمشاريع الخدمات من أجل تقدم البلد، وكذلك فإن ذلك سيضمن توفير فرص العمل وتشغيل الأيدي العاملة، وما يتبعها من البناء الاجتماعي النموذجي السليم، وما يتبع ذلك من تقليل مستويات الجريمة في المجتمع.
- [في عمرته سنة سبع عشرة من الهجرة كلمه أهل المياه في الطريق أن يبنوا بيوتاً فيما بين مكة والمدينة لم تكن قبل ذلك، فأذن لهم واشترط عليهم أن ابن السبيل أحق بالماء والظل] [16].
- حث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس على استثمار أموال اليتامى، وفي ذلك العديد من الفوائد التنموية كتشغيل الأيدي العاملة، وتحريك رؤوس الأموال، وتنمية الأموال الخاصة باليتامى كونها أمانة، حيث يقول عمر رضي الله عنه: "ابتغوا في أموال اليتامى قبل أن تأكلها الزكاة " [17].
لقد كان عمر رضي الله عنه رجل يعدل أمة، رجل دولة من طراز فريد، وفارس لا يشق له غبار، ومفكر ينطق بالحكمة والحق، فعن أبي ذر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به» [18].