صفحة 1 من 1

الإسلاميون والثقافة

مرسل: الأربعاء ديسمبر 04, 2013 7:24 pm
بواسطة صالح سعد
الخميس 03 صفر 1433 هـ - 29 ديسمبر 2011 - 12:40 صباحا
د. عبد الله فهد النفيسي

من المؤسف أن قضية الثقافة والفكر لم تأخذ نصيبها المفترض من الإهتمام في أطُر العمل الإسلامي، ففي زحمة التحديات والأخطار التي تحيط بالمسلين عموماً، يرى البعضُ أنه ليس بمستساغٍ أن نجلس في البعد الخامس من الوجود كيما نتجاذب الأحاديث في النظرية الإسلامية والثقافة والفكر والتحولات التاريخية.
وفي رأيي، أن هذا البعض يسيئ فهم قضية الثقافة والفكر من أساسها، فهي ليست مطارحات نظرية من الممكن الإستعاضة عنها أو تجاهلها، فالقضية أخطر من ذلك بكثير، لأن لها إنعكاسات خطيرة وسلبية على مسار العمل الإسلامي واتجاهاته.
ولا أبالغ إذا قلت بأن معظم الثغرات الخطيرة التي يعاني منها العمل الإسلامي مربوطة بالواقع الثقافي والفكري لإطارات العمل الإسلامي، ولا أبالغ إذا قلت بأن نقطة البداية الصحيحة لمعالجة تلك الثغرات تكمن في معالجة قضية التخلف الثقافي والفكري في إطارات العمل الإسلامي.
إن الحركة الإسلامية المعاصرة – كغيرها من الحركات المعاصرة – لا تنطلق من فراغ ثقافي وفكري، فالفكر لا ينشأ من فراغ ولا يؤدي إلى فراغ، ولذا فإن المضمون الثقافي والفكري ( المفاهيم والرؤية ) ينعكس مباشرة على الأداء والتحرك، وكثيراً ما يؤدي ضباب الرؤية وعدم الوضوح الفكري إلى معارك جانبية تهدر فيها كثير من الأوقات والطاقات.
إذن فمطلوب صقل إطارات العمل الإسلامي ثقافياً وفكرياً، لكي تتوفر لها الرؤية الموضوعية والواقعية للأوضاع والأشياء والتي بناء عليها تترتب الأولويات لكل مرحلة من مراحل العمل لمساندة ونصرة قضية الإسلام في هذا العالم الذي يضجّ بالحركة والحياة.
هل من الضروري أن تكون الثقافة الإسلامية – أو ثقافة المسلم المعاصر تحديداً – ثقافة عقائدية وأحادية وموجّهة؟ وهل تقوى هذه الثقافة العقائدية الموجهة أن تحصن المسلم المعاصر - أو بالأحرى - تحقق له شيئاً من الأمن الثقافي؟ وبالتالي هل تقوى هذه الثقافة العقائدية الموجهة أن تحافظ على تماسك التيار الإسلامي نفسه وعلى حيوية تفاعله مع المجتمعات التي نشأ فيها؟
أرى – والله أعلم – أن المسلم المعاصر في حاجة – إضافة لثقافته العقائدية الموجهة – إلى ثقافة موضوعية تتسم بالتفتح على معطيات العصر الإيجابية الفكرية والمادية، فالثقافة العقائدية الموجهة باتت – في إطار الغياب الكامل للثقافة الموضوعية – تعزل المسلم المعاصر عن مجرى الحياة، وتسهم في صناعة عقلية الحصار لديه، وهي عقلية مثيراً ما تؤدي إلى الغلو في الدين ، والتشرذم الإجتماعي، ويخطئ من يظن بأن الثقافة العقائدية الموجهة وحدها تحقق للمسلم المعاصر الأمن الثقافي الذي يحتاجه في هذا العصر الذي تتلاطم فيه موجات الثقافات المتنافرة والمتباينة، فهو بحاجة لثقافة موضوعية وعصرية تعينه على فهم وتمثّل هذا العصر بقضاياه وتياراته ورؤاه، ولا أعتقد بأن الثقافة العقائدية الموجهة تقوى على رص التيار الإسلامي ونقله إلى حالة الفعالية الإجتماعية، وإنما الذي يقدر على ذلك، الثقافة الموضوعية المشتغلة بقضايا العصر ومجتمعات العصر.
إن فهم القوانين التي تحكم حركة المجتمع والمشاكل التي تواجهه لا يمكن أن نصل إليه من خلال الثقافة العقائدية الموجهة، بل من خلال الثقافة الموضوعية الحرة غير المقيدة وهي ثقافة أجد أن المسلم المعاصر يفتقر إليها في مواجهاته مع الحركات اللادينية، وهذه ثغرة في التكتيك الإسلامي المضاد يجب ردمها.