- الأربعاء ديسمبر 04, 2013 7:27 pm
#67759
الجمعة 13 محرم 1433 هـ - 09 ديسمبر 2011 - 11:21 مساء
د. عبد الله فهد النفيسي
إننا نحيا اليوم عصر الأزمة، أزمة المجتمعات الإستهلاكية المتغربة، فحالة الإختناق التي يشعر بها الفرد داخل هذه المجتمعات، ليست مجرد قلق كما يقولون، أو عجز أمام طوفان السلع المادية، بل إن الإختناق ناشئ من الجدب الخلقي والنفسي، الذي نشأ من خلال ملابسات سياسية وثقافية عديدة، حاصرت ولا تزال تحاصر المواطن العربي المسكين.
حتى في ظروف الإشباع المادي بقي إنسان هذا العصر وهذه المجتمعات هارباً نحو كل أنواع الإدمان، لأن كل مواصفات مجتمع الإستهلاك المتغرب بم تنقذه ولم تخصب جدبه المادي والمعنوي.
من هنا زادت المرارة، وطفح اليأس، وافتقد إنسان هذه المجتمعات الثقة في كل ماحوله من مؤسسات سياسية وثقافية وإدارية. إنها الأزمة وعصر الأزمة.
التيارات المتفاعلة اليوم مع هذه الأزمة في الوطن العربي أربعة: هناك التيار الإسلامي، والتيار الليبرالي، والتيار القومي، والتيار الماركسي، وأعتقد أن العمل السياسي الذي يريد إحداث تغييرات جذرية في النظام الإجتماعي والإقتصادي في مجتمعاتنا المهزومة اليوم، لا يمكن أن يحقق أغراضه إذا لم يوظّف التراث كمادة لثورة ثقافية من جهة، ويقف من قوى الإستعمار والهيمنة وقوى الإستغلال المحلية التابعة للإستعمار موقف الرّفض، من جهة أخرى، لقد أثبتت التجارب في الوطن العربي الإسلامي، أن الليبرالية الغربية والماركسية الدوغماتية والقومية العلمانية والتراثية الحرفية، قد عجزت كلها عن إحداث ديناميكية حقّة أو تغييراً جذرياً، جوهرياً في البنية العربية المعاصرة.
من واقع الإلتزام بالتّيار الإسلاميّ، وإنطلاقاً من مقرّراته العقائدية، أقول بأن الغرب هو التحدّي، ولابد أن نأخذ موقفاً واضحاً من الغرب، أنا مسلمٌ، والغرب-بالنسبة لي- هو التحدي الأعظم، ليس فقط في الأرض والزراعة والصناعة والإقتصاد، لكن في الغزو الثقافي واللغوي والرّوحي والقيمي والمظهري .
إن الغرب يريد أن يجعلني دائماً متعلماً لديه، وأن يوهمني أنّي مهما حاولت اللحاق به، فمعدّل إنتاجه أسرع بكثير من معدّل لحاقي به، وبالتالي تتسع الفجوة بيني وبين الغرب، فأصاب بالصدمة الحضارية، وأجري يائساً وراءه حتى أموت، تلك هي نظرته أو نظريته، هو الأستاذ ونحن التلاميذ.
التيار الإسلامي – كما أفهمه وأحسه – يريد أن يقلب هذه المعادلة، أن ينقل الحضارة الإسلامية الحديثة من مرحلة التتلمذ على الغرب إلى مرحلة الإنفصال والتحدي، ثم الإبداع والإحتواء، فالمسلم اليوم أصبح لا يستطيع أن يتكلم عن الحرية إلا إذا كان "ديكارتيا" ، ولا عن العدالة الإجتماعية إلا إذا كان "ماركسياً" ، فأصبح الغرب هو المعيار والميزان، وهو أمر مؤسف للغاية ولابد أن يحصل عليه تفيير جذري.
إن إلقاء نظرة على الساحة الفكرية للعالم الإسلامي، تبرز إنتشار العديد من التيارات الغربية، وذلك لغياب وعينا الثقافي الأصولي، ومن ثم نشأ بيننا ممثلون للحضارة الغربية، ووكلاء عن المذاهب الفلسفية الغربية، وحين أردنا – بعد معارك الإستقلال السياسي – أن نحلّ مشاكلنا – ولم نجد البديل الإسلامي المتبلور نظرياً وحركياً – لجأنا بالضرورة إلى الماركسية لحل قضية العدالة الإجتماعية، وإلى الليبرالية لحل قضية القمع السياسي، ولكن ، هل وصلنا إلى نتيجة إلى الآن؟ لا أظن .
إنّ القضاء على التغريب - إذن - في كل وجوهه ومظاهره اللغوية والتحليلية والتفكيرية بل وحتى المظهرية، هو في الوقت نفسه حماية للمسلمين من الإستلاب الثقافي، حتى الحجاب الذي ترتديه الفتاة المسلمة، يمكن أن ننظر إليه - بالإضافة للزوميتية الشرعية - على أنه ضرب من ضروب التمرّد والرفض لنموذج المرأة الغربية ، من خلال الحجاب تقول الفتاة المسلمة عملياً ذلك.
ينبغي أن نكتشف النظرية الإبداعية من داخلنا، ومن ذاتيتنا الثقافية، ومن جذورنا، لا ان نستوردها من الخارج كما نستورد التلفاز والسيارة، ذلك هو التحدي المستقبلي .
والتراث – في معركة التحدي مع الغرب هذه – مخزون ثقافي وروحي عظيم الأهمية، لا بل إن التراث في هذه المرحلة ضرورة.
إن تحديات الحاضر تتمثل في التخلص من مربع: التخلف، الإستغلال، الإستبداد، والتبعية. وإن قراءة مستنيرة ونقدية للتراث، وتوظيف موضوعي له في معركة التحدي مع الغرب، كفيلان بأن يقويا جانبنا كثيرا للفكاك من المربع المذكور .
د. عبد الله فهد النفيسي
إننا نحيا اليوم عصر الأزمة، أزمة المجتمعات الإستهلاكية المتغربة، فحالة الإختناق التي يشعر بها الفرد داخل هذه المجتمعات، ليست مجرد قلق كما يقولون، أو عجز أمام طوفان السلع المادية، بل إن الإختناق ناشئ من الجدب الخلقي والنفسي، الذي نشأ من خلال ملابسات سياسية وثقافية عديدة، حاصرت ولا تزال تحاصر المواطن العربي المسكين.
حتى في ظروف الإشباع المادي بقي إنسان هذا العصر وهذه المجتمعات هارباً نحو كل أنواع الإدمان، لأن كل مواصفات مجتمع الإستهلاك المتغرب بم تنقذه ولم تخصب جدبه المادي والمعنوي.
من هنا زادت المرارة، وطفح اليأس، وافتقد إنسان هذه المجتمعات الثقة في كل ماحوله من مؤسسات سياسية وثقافية وإدارية. إنها الأزمة وعصر الأزمة.
التيارات المتفاعلة اليوم مع هذه الأزمة في الوطن العربي أربعة: هناك التيار الإسلامي، والتيار الليبرالي، والتيار القومي، والتيار الماركسي، وأعتقد أن العمل السياسي الذي يريد إحداث تغييرات جذرية في النظام الإجتماعي والإقتصادي في مجتمعاتنا المهزومة اليوم، لا يمكن أن يحقق أغراضه إذا لم يوظّف التراث كمادة لثورة ثقافية من جهة، ويقف من قوى الإستعمار والهيمنة وقوى الإستغلال المحلية التابعة للإستعمار موقف الرّفض، من جهة أخرى، لقد أثبتت التجارب في الوطن العربي الإسلامي، أن الليبرالية الغربية والماركسية الدوغماتية والقومية العلمانية والتراثية الحرفية، قد عجزت كلها عن إحداث ديناميكية حقّة أو تغييراً جذرياً، جوهرياً في البنية العربية المعاصرة.
من واقع الإلتزام بالتّيار الإسلاميّ، وإنطلاقاً من مقرّراته العقائدية، أقول بأن الغرب هو التحدّي، ولابد أن نأخذ موقفاً واضحاً من الغرب، أنا مسلمٌ، والغرب-بالنسبة لي- هو التحدي الأعظم، ليس فقط في الأرض والزراعة والصناعة والإقتصاد، لكن في الغزو الثقافي واللغوي والرّوحي والقيمي والمظهري .
إن الغرب يريد أن يجعلني دائماً متعلماً لديه، وأن يوهمني أنّي مهما حاولت اللحاق به، فمعدّل إنتاجه أسرع بكثير من معدّل لحاقي به، وبالتالي تتسع الفجوة بيني وبين الغرب، فأصاب بالصدمة الحضارية، وأجري يائساً وراءه حتى أموت، تلك هي نظرته أو نظريته، هو الأستاذ ونحن التلاميذ.
التيار الإسلامي – كما أفهمه وأحسه – يريد أن يقلب هذه المعادلة، أن ينقل الحضارة الإسلامية الحديثة من مرحلة التتلمذ على الغرب إلى مرحلة الإنفصال والتحدي، ثم الإبداع والإحتواء، فالمسلم اليوم أصبح لا يستطيع أن يتكلم عن الحرية إلا إذا كان "ديكارتيا" ، ولا عن العدالة الإجتماعية إلا إذا كان "ماركسياً" ، فأصبح الغرب هو المعيار والميزان، وهو أمر مؤسف للغاية ولابد أن يحصل عليه تفيير جذري.
إن إلقاء نظرة على الساحة الفكرية للعالم الإسلامي، تبرز إنتشار العديد من التيارات الغربية، وذلك لغياب وعينا الثقافي الأصولي، ومن ثم نشأ بيننا ممثلون للحضارة الغربية، ووكلاء عن المذاهب الفلسفية الغربية، وحين أردنا – بعد معارك الإستقلال السياسي – أن نحلّ مشاكلنا – ولم نجد البديل الإسلامي المتبلور نظرياً وحركياً – لجأنا بالضرورة إلى الماركسية لحل قضية العدالة الإجتماعية، وإلى الليبرالية لحل قضية القمع السياسي، ولكن ، هل وصلنا إلى نتيجة إلى الآن؟ لا أظن .
إنّ القضاء على التغريب - إذن - في كل وجوهه ومظاهره اللغوية والتحليلية والتفكيرية بل وحتى المظهرية، هو في الوقت نفسه حماية للمسلمين من الإستلاب الثقافي، حتى الحجاب الذي ترتديه الفتاة المسلمة، يمكن أن ننظر إليه - بالإضافة للزوميتية الشرعية - على أنه ضرب من ضروب التمرّد والرفض لنموذج المرأة الغربية ، من خلال الحجاب تقول الفتاة المسلمة عملياً ذلك.
ينبغي أن نكتشف النظرية الإبداعية من داخلنا، ومن ذاتيتنا الثقافية، ومن جذورنا، لا ان نستوردها من الخارج كما نستورد التلفاز والسيارة، ذلك هو التحدي المستقبلي .
والتراث – في معركة التحدي مع الغرب هذه – مخزون ثقافي وروحي عظيم الأهمية، لا بل إن التراث في هذه المرحلة ضرورة.
إن تحديات الحاضر تتمثل في التخلص من مربع: التخلف، الإستغلال، الإستبداد، والتبعية. وإن قراءة مستنيرة ونقدية للتراث، وتوظيف موضوعي له في معركة التحدي مع الغرب، كفيلان بأن يقويا جانبنا كثيرا للفكاك من المربع المذكور .