صفحة 1 من 1

المعاهدات بين المسلمين وغير المسلمين

مرسل: الأربعاء ديسمبر 04, 2013 7:41 pm
بواسطة ناصر العبداللطيف336
من منطلق السلم والسلام كانت معاهداتُ المسلمين مع غيرهم، والَّتي بها ومن خلالها يصير الفريقان -المسلمون مع غيرهم - في مرحلة سلمٍ، أو مهادنة وموادعة.

«وإذا كان الأصل في العَلاقة هو السلم، فالمعاهدات تكون إمَّا لإنهاء حربٍ عارضة والعود إلى حال السلم الدائم، أو أنها تقريرٌ للسلم وتثبيت لدعائمه، لكيلا يكون من بعد ذلك العهد احتمال اعتداء، إلاَّ أنْ يكونَ نقضًا للعهد» (1).

وعبر عصور طويلة مارست الدول الإسلامية توقيعَ الاتفاقيات والمعاهدات مع الدول غير الإسلامية، وتضمنت تلك الاتفاقيات التزامات وقواعدَ وشروطًا ومبادئ عديدة، بشكل يُمَثِّلُ تَطَوُّرًا في القانون الدَّولي الإسلاميِّ.


تعريف المعاهدات والاتفاقيات

المعاهدات هي تلك الاتفاقات أو العهود أو المواثيق الَّتي تعقدها الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول في حالتي السلم والحرب، وتُسَمَّى المعاهدة في الحالة الأخيرة موادعة أو مصالحة أو مسالمة، ويُقَرَّرُ بمقتضاها الصلحُ على تَرْكِ الحرب، لقوله تعالى: { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْـمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} [الأنفال:61]


نماذج من المعاهدات الإسلامية

معاهدةُ النبي مع يهود المدينة
ومن المعاهدات الَّتي وُقِّعَتْ بين الدول الإسلامية وغيرها ما عاهد عليه رسول الله يهود المدينة عند قُدُومِهِ إليها، وجاء في هذا العهد: «إن اليهود يُنْفِقُون مع المؤمنين، ما داموا محاربين، وإنَّ يهودَ بني عوف أُمَّة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلاَّ مَنْ ظَلَمَ وأَثِمَ، فإنه لا يُوتِغُ (2) إلاَّ نفسَه وأهلَ بيته، وإن ليهود بني النجار، وبني الحارث، وبني ساعدة، وبني جشم، وبني الأوس، وبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف، وإنَّ بطانة يَهُودَ كأنفسهم، وإنَّ على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على مَنْ حارب هذه الصحيفة، وإنَّ بينهم النصح والنصيحة والبِرُّ دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإنَّ النَّصْرَ للمظلوم، وإنَّ الجارَ كالنفس غير مضارٍّ ولا آثم، وإنَّ اللهَ على أتْقَى ما في هذه الصحيفة وأَبَرّه، وإنَّ بينهم النصر على مَنْ دَهَمَ يثرب، وإذا دُعُوا إلى صلحٍ فإنهم يُصَالِحون، وإذا دُعُوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلاَّ مَنْ حارب في الدين على كل أناس حِصَّتَهم من جانبهم الَّذي قِبَلَهُمْ، وإنَّه لا يَحُولُ هذا الكتابُ دون ظالمٍ أو آثمٍ، وإنَّ اللهَ جارٌ لمَنْ بَرَّ واتَّقَى » (3).

ويتبين من هذا العهد أنَّه كان لتقرير حالة السِّلْمِ بين اليهود والمسلمين، كما أنَّه أمانٌ بينهم لضمان عدم وقوع الحروب، كما يظهر من هذه المعاهدة أنها كانت «لحُسْنِ الجِوَارِ، ولتثبيت دعائم العدل، ويلاحظ أنَّ فيها نصًّا صريحًا على نصر المظلوم، فهو عهد عادل لإقامة السلم وتثبيته بالعدل ونصر الضَّعيفِ» (4).

معاهدة النبي مع نصارى نجران

وقد أوردت كتبُ السيرة كنوزًا عِدَّةً من أمثال هذه المعاهدات، وكان منها على سبيل المثال المعاهدة الَّتي عقدها رسول الله مع نصارى نجران، والَّتي جاء فيها: «وَلِنَجْرَانَ وَحَاشِيَتِهَا جِوَارُ اللهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَأَرْضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَغَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ وَتَبَعِهِمْ... وَكُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ..» (5).

معاهدة النبي مع بني ضمرة

وكذلك معاهدته مع بني ضَمُرَة (6)، وكان على رأسهم آنذاك مخشي بن عمرو الضمري، وأيضًا عاهد رسول الله بني مدلج، الَّذين يعيشون في منطقة ينبع، وذلك في جُمَادى الأُولَى من السنة الثانية من الهجرة (انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 3/143)، وفعل نفس الشيء أيضًا مع قبائل جهينة، وهي قبائل كبيرة تسكن في الشمال الغربي للمدينة المنورة (ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/272)

العهدة العمرية

ومن المعاهدات الإسلامية أيضًا عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل إيلياء (بيت المقدس) (7)، والَّتي سُمِّيَتْ بالعهدة العمرية.

وبالنظر إلى هذه المعاهدات وغيرها نجد أنَّ المسلمين إنما يحاولون العيشَ في جَوٍّ هادئٍ مسالِمٍ مع مَنْ يجاورونهم، وأنهم لم يَسْعَوْا لقتالٍ قَطُّ، بل كانوا دائمًا مؤْثِرين السلم على الحرب، والوفاق على الشقاق.


ضوابط وشروط المعاهدات في الإسلام

هذا، وقد أنشأ الإسلام ضوابطَ وشروطًا للمعاهدات تَضْمَنُ لها أنْ تكونَ مُوافِقَةً للشَّريعةِ, وللهدفِ الَّذي مِنْ أَجْلِهِ أُجِيزَت.

يقول الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت (8) رحمه الله: والإسلام حينما يترك للمسلمين الحقَّ في إنشاءِ المعاهدات - لِمَا يَرَوْنَ من أغراض - يشترط في صحَّة المعاهدة ثلاثة شروط:


أوَّلاً: ألاَّ تمسَّ قانونه الأساسي وشريعته العامَّة، الَّتي بها قِوَامُ الشخصية الإسلامية، وقد جاء في ذلك قوله: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» (9) ومعناه أنَّ كتابَ الله يرفضه ويأباه.

ومن خلال هذا الشرط لا يَعْتَرِفُ الإسلامُ بشرعية معاهدةٍ تُسْتَبَاحُ بها الشخصية الإسلامية، وتفتحُ للأعداء بابًا يُمَكِّنُهم من الإغارةِ على جهات إسلامية، أو يُضْعِف من شأن المسلمين، بتفريقِ صفوفِهم، وتمزيقِ وَحْدَتهم.


ثانيًا: أنْ تكونَ مبنيةً على التَّراضي من الجانبين، ومن هنا لا يرى الإسلام قيمة لمعاهدة تنشأ على أساسٍ من القهر والغلبة وأزيز (النفاثات)، وهذا شرط تُمْلِيهِ طبيعة العقد، فإذا كان عقد التبادل في سلعة ما - بيعًا وشراءً - لابُدَّ فيه من عُنْصُرِ الرِّضا: { إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29]، فكيف بالمعاهدة، وهي للأُمَّة عقدُ حياةٍ أو موتٍ.


ثالثًا: أنْ تكونَ المعاهدة بيِّنةَ الأهدافِ، واضحةَ المعالمِ، تُحَدِّدُ الالتزامات والحقوق تحديدًا لا يَدَعُ مجالاً للتأويلِ والتَّخريجِ واللَّعِبِ بالألفاظ، وما أُصِيبت معاهدات الدول المتحضِّرة - الَّتي تزعم أنها تسعى إلى السلم وحقوق الإنسان - بالإخفاقِ والفشلِ، وكان سببًا في النَّكباتِ العالميَّةِ المتتابعة، إلاَّ عن هذا الطريق، طريق الغموض والالتواء في صَوْغِ المعاهداتِ وتحديدِ أهدافها، وفي التحذير من هذه المعاهدات يقول الله تعالى: { وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ } [النحل:94]، والدَّخَلُ هو الغش الخفيُّ يدخل في الشيء فيفسده (توفيق علي وهبة: المعاهدات في الإسلام ص 101،100).


وجوب الوفاء بالعهد

وقد أَكَّدَتِ الآياتُ القرآنية وأحاديثُ الرَّسولِ على وجوب الوفاء بالعهد، ومن ذلك قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]، وقوله تعالى: {وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا } [الأنعام:152]، وأيضًا: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} [الإسراء:34]، وغيرها الكثير من الآيات الَّتي تشير إلى هذا المعنى العظيم.

وأمَّا ما جاء في أحاديثِ الرَّسولِ فمنه ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: « أَرْبَعُ خِلاَلٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا » (10) وعن أنس رضي الله عنه عن النبي قال: « لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » (11)، وثبت عنه أنَّه قال: « مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلاَ يَحُلَّنَّ عَهْدًا، وَلاَ يَشُدَّنَّهُ، حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ » (12)،وفي سنن أبي داود (13) عن رسول الله قَالَ: «أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة » (14).


والفقهاء - وهم يَرَوْنَ أنَّ الجهادَ يكون مع الأمير الصالح والفاسق - يذهب أكثرُهم إلى أنَّ الجهادَ لا يكون مع الأمير الَّذي لا يلتزم الوفاءَ بالعهود، وعلى خلاف القانون الدولي في الحضارة المعاصرة فإنَّ تَغَيُّرَ الظُّروفِ لا يُبَرِّرُ نكث العهد، وحتَّى إذا عجز المسلمون في ظروفٍ مُعَيَّنَةٍ عن الوفاء بالتزاماتهم يجب عليهم مراعاة التزامات الطرف الثاني، ومن هذا الباب القصة المشهورة عندما استولى القائد المسلم أبو عبيدة بن الجراح على حمص، وأخذ من أهلها الجزية، ثم اضطر إلى الانسحاب منها فردَّ الجزية الَّتي أخذها من السكَّان، وقال: «إنما رَدَدْنا عليكم أموالَكم، لأنَّه بلغنا ما جُمِعَ لنا من الجموعِ، وأنَّكم قد اشترطتم علينا أنْ نمنعَكم، وإنا لا نقدر على ذلك.. وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشَّرْطِ وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم» (أبو يوسف: الخراج ص 81).

والأمثلة كثيرة من هذا النوع في التاريخ الإسلامي، فتغيُّر الظروف والمصلحة القومية لا تبرِّر في الإسلام نقض العهد، كما لا يُبرِّره أن يرى المسلمون أنفسَهم في مركز القوة تجاه الطَّرف الثاني، وقد ورد النَّصُّ الصَّريحُ في القرآن يؤكِّد ذلك، فقال تعالى: { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [النحل:91]، مع الأخذ في الاعتبار بأنَّ ذلك التَّشديدَ على المسلمين بالوفاء بالعهد كان في وقتٍ وفي بيئةٍ لم تَكُنِ القاعدةُ فيهما الوفاء بالعهود (15).


هذا هو حُكْمُ الإسلام في المعاهدات الَّتي تُوَقِّعُها الدولةُ الإسلاميَّةُ مع الدول الأخرى لحفظ السلام، فنحن مطالَبُون بالوفاء بها، والمحافظة عليها، وعدم نقضها، إلاَّ إذا نقضها العدُوُّ، أمَّا إذا لم ينقضها، ولم يُظَاهِرْ على عداء المسلمين، فعلى المسلمين الوفاء لهم لقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْـمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة:4].

يقول الشيخ محمود شلتوت: «إنَّ الوفاءَ بالمعاهدةِ واجبٌ دينيٌّ، يُسأل عنه المسلم فيما بينه وبين الله، ويكونُ الإخلالُ بها غدرًا وخيانةً» (محمود شلتوت: الإسلام عقيدة وشريعة ص457).

وبهذا يكون الإسلام قد سبق كل الأمم الأخرى بتشريعاتها في مجال تقنين المعاهدات الدولية, بل وتميَّزَ عنها في عدالته وسماحته مع أعدائه, والأهمُّ أنَّ ذلك السبق كان عمليًّا ولم يكن مجرَّد تنظير، ويدلُّ على ذلك ما وَقَّعَه المسلمون من معاهداتٍ مع أعدائهم بداية من عصر الرَّسولِ مرورًا بعصر الخلفاء الرَّاشدين, ثُمَّ من بعدهم من عصور إسلامية.


تأمين الرسل في الإسلام

أمَّا في تأمين الرُّسُلِ فقد جاء التشريع الإسلامي غاية في الوضوح في هذا الأمر، ودلَّتِ النُّصوصُ الصَّريحةُ والأفعال الَّتي قام بها النبي على عدم جواز قتل الرسل بأي حال من الأحوال، وقد ألزم فقهاء الشريعة الإسلامية إمام المسلمين بتوفير الحماية لشخص الرسول، وضمان تمتُّعه بحُرِّيَّةِ العقيدة وأداءِ أعماله بحُرِّيَّةٍ تامَّةٍ (انظر: ابن حزم: المحلى 4/307).

ويترتَّب على ضمان حماية شخص الرسول عدم جواز القبض عليه كأسير، كما لا يجوز تسليمُه لدولته إذا طلبته ورفض هو ذلك، حتَّى وإنْ هُدِّدت دارُ الإسلام بالحرب، لأنَّ تسليمه يُعَدُّ غدرًا به، ولأنَّه يتمتَّع بالحماية في دار الإسلام (عبد الكريم زيدان: الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام ص169).


ولمهمَّة الرسول دورٌ كبيرٌ في عقد الصلح أو التحالف أو منع حدوث حرب، ولهذا فإنه ينبغي أنْ تتوافرَ له السُّبُلُ والمستلزماتُ كافَّة، لا لشخصه، وإنما من أَجْلِ أداء مُهِمَّتِه المكلَّف بها، فهو يُعَبِّر عن مُرْسِلِهِ، وإن كان له رأي آخر ما دام قد قَبِلَ أداء هذه المهمَّة، وعلى المُرْسَل إليه مراعاة هذه الحالة.

فقد روى أبو رافع فقال: بعثتني قُرَيْشٌ إلى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، فلمَّا رأيتُه وقع في قلبي الإسلامُ، فقلتُ: يا رسول الله، والله لا أرجع إليهم أبدًا، فقال: «إِنِّي لا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ، وَلاَ أَحْبِسُ الْبُرُدَ (16) وَارْجِعْ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِكَ الَّذِي فِيهِ الآنَ فَارْجِعْ » (17).


وقد أورد الهيثمي (18) في كتابه (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) مجموعة من الأحاديث تحت باب سمَّاه (باب النهي عن قتل الرسل)، منها: ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال حين قتل ابن النواحة‏:‏ إن هذا وابن أثال كانا أَتَيَا النبي رسولين لمسيلمة الكذاب فقال لهما رسول الله‏:‏ ‏«أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللهِ‏؟‏‏ »‏‏،‏ فقالا‏:‏ نشهد أن مسيلمة رسول الله‏.‏ قال‏:‏ ‏«‏لَوْ كُنْتُ قَاتِلاً رَسُولاً لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا‏» (19). قال الهيثمي‏:‏ فَجَرَتِ السُنَّة‏ أنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ (الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 5/378).

وبذلك تكون الحضارة الإسلامية قد سبقت المجتمعات الغربية بأكثر من 1400 سنة في وضع القواعد الإنسانية الحضارية للرُّسُلِ، تلك المجتمعات الَّتي لم تَعْتَرِفْ بهذه القاعدة حتَّى وقت قريب (20).