صفحة 1 من 1

ميخائيل جورباتشوف

مرسل: الأربعاء ديسمبر 04, 2013 9:34 pm
بواسطة فهاد آل حشان 3332
ميخائيل جورباتشوف .. الزعيم الذي يلعنه الرفاق ويمدحه الأغراب يحلم بعالم أخضر


ميخائيل جورباتشوف، الرئيس الأسبق للاتحاد السوفياتي، الذي أنهى الحرب البادرة وجعل تفكيك جدار برلين أمراً ممكناً، لم يكن أبداً رجلاً ذا طموحات متواضعة.

عندما أصبح قائداً سوفياتيا قبل 21 سنة، اخترع البريسترويكا لإعادة بناء الصرح المتحجّر للدولة والحزب الشيوعي، ليرى إمبراطوريته المهلهلة تتهاوى بعد ست سنوات، ولذلك السبب يحظى باحترام دولي كبير، بينما يلعنه كثير من أقرانه الروس.

يحمل جورباتشوف هذه الأيام أجندة جديدة: تغيير المواقف الدولية تجاه البيئة، ضمان مياه شرب نظيفة لأكثر من 1.2 مليار إنسان، شطب المخزون الضخم من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية التي خلفتها الحرب الباردة، والتوصل إلى مصادر طاقة بديلة يمكن لها في النهاية أن تحل محل الطاقة النووية والهيدروكربونية.

وعشية الذكرى السنوية العشرين لكارثة شرنوبل النووية، يطلق جورباتشوف، نداءً مزدوجاً لإقناع حكومات العالم البارزة برصد ما لا يقل عن 50 مليار دولار لتطوير إمدادات طاقة متجددة والسعي إلى مبلغ أكثر تواضعاً؛ 50 مليون دولار من القطاع الخاص، يشحذ الجهود الرامية إلى توفير رعاية صحية لضحايا شرنوبل، وتأمين مياه نظيفة وقواعد صحة عامة لأفقر أبناء العالم.

بعد شهر واحد من ذكرى ميلاده الخامسة والسبعين يعود جورباتشوف إلى التبشير برسالته الخضراء الجديدة لمستمعيه في أمريكا وآسيا وأوروبا، وجمع الأموال لمنظمة "الصليب الأخضر الدولية" Green Cross International، وهي حركة ضغط بيئية غير حكومية، يترأسها منذ عام 1993.

يقول جورباتشوف: "إننا بحاجة إلى تغيير القيم حتى نجعل الناس يضعون حداً لعقدة الاستعلاء، حين يتعالى الإنسان على الطبيعة: فكرة أن الإنسان ملك الطبيعة. هذا وهم يجب التغلب عليه".

وأول هدف له هو إقناع مجتمع الأعمال بأن تمويل الحملات البيئية من أجل مياه نظيفة وقواعد صحة عامة، إضافة إلى إمدادات طاقة متجددة، أمور تخدم مصلحته التجارية، كما تجعله مسؤولا اجتماعياً. وهدفه الثاني هو شحذ المجتمع المدني لدعم الحملة، وإقناع البرلمانات الوطنية بالضغط على حكوماتها لتقديم دعم أكبر للطاقة المستدامة.

"إن ضمان قدرتنا على المضي قدماً للحصول على مياه مأمونة ونظيفة للجميع يكلف الملايين"، كما قال عند شواطئ فلوريدا، في منتصف جولة واسعة من الخطب في الولايات المتحدة. وأضاف: "نريد أن نناشد مجتمع الأعمال، الرؤساء التنفيذيين الذين يمكن أن يحدثوا تأثيراً حقيقياً في مساعدة الصليب الأخضر على تحقيق هذا الهدف".

وذكر أن أنصار البيئة قد يحمّلون قطاع الأعمال المسؤولية عن المشاكل الاجتماعية والبيئية، لكن عليهم أيضا أن يدركوا أن الشركات الخاصة هي في أغلب الأحيان المؤسسات الوحيدة التي تملك الخبرة والموارد المالية لحل تلك المشاكل.

ويتابع: "لا يوجد أي فائدة من وصف الشركات متعددة الجنسيات بالشياطين، أو قيادة حملة اتهامات ضد الشركات الكبيرة. المشكلة ليست الشركات، بل هي حالة الاقتصاد الذي تحلّل من الهموم الاجتماعية. انفصل الاقتصاد عن المجتمع ويتصرف وفق منطقه الخاص به، وهو تضخيم الأرباح وتقليل الاستثمارات وتقليص الدفعات لديون المرء إلى أقصى درجة ممكنة، وهذا شيء يحدث على صعيد عالمي دون أي اكتراث بالبيئة".

إن حادثة شرنوبل التي وقعت بعد سنة من وصول جورباتشوف إلى السلطة في موسكو قائدا للحزب الشيوعي، لم تكن السبب الوحيد لاندفاعه العاطفي نحو حماية البيئة، بل الرمز الأكثر إثارة لكوارث بيئية أخرى التي تمت تغطيتها والتستر عليها في كل أنحاء الاتحاد السوفياتي. ويقول عن الحادثة: "فوجئ الجميع. كانت دراما فريدة ومأساة حقيقية".

لكن ما توصل إليه ليس التخلي تماماً عن الطاقة النووية، فهو يقول: "إذا كان علينا أن نعترف بأن الطاقة النووية شر، سيكون علينا أيضاً أن نعترف بأن هذا الشر لا بد منه. نحن ببساطة لا نستطيع أن ننجز بدونها، فمصادر الطاقة المتجددة، فيما عدا الطاقة المائية، لا توفر لنا اليوم سوى 1 في المائة من احتياجات البشرية".

ويضيف: "إنك لا تحل المشاكل فعلاً بالتوصل إلى حلول تخلق المزيد من المشاكل، وهي لا تفيد اقتصادياً أو بيئياً أو اجتماعياً. فمن بين جميع خيارات الطاقة، فإن الطاقة النووية أكثر تكلفة رأسمالية وتعطيلها مكلف جداً، ويستمر العبء المالي فترة طويلة بعد إغلاق المحطة".

وذكر أن الطاقة النووية في الولايات المتحدة تلقت دعماً مباشراً بقيمة 115 مليار دولار بين عامي 1947 و1999، إضافة إلى دعم آخر غير مباشر بقيمة 145 مليار دولار. ومقابل ذلك، بلغ الدعم لطاقة الرياح والطاقة الشمسية معاً 5.5 مليار دولار فقط خلال الفترة نفسها.

ويكتب جورباتشوف إلى برلمانات دول مجموعة الثماني التي تجتمع في سانت بطرسبيرج في حزيران (يونيو) المقبل، حيث وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمن الطاقة على رأس الأجندة. وسيحث البرلمانيين على الضغط من أجل إعطاء انتباه أكبر للطاقة المتجددة وليس فقط تأمين إمدادات النفط والغاز، إضافة إلى تشجيع الطاقة النووية.

وتزداد مشاعر الزعيم السوفياتي الأسبق قوة تجاه موضوع الموارد المائية والزراعة، فهذا هو الإلهام الحقيقي لحماسه البيئي. فهو يعترف بأنه لم يفقد أبداً جذوره الريفية جنوبي روسيا ولا يزال فلاحاً قلباً وقالباً.

ويقول جورباتشوف: "كانت تلك هي جامعتي الأولى: نشأت فلاحا. لا يمكن للمرء أن يتصور شخصاً أكثر حكمة من الفلاح، لأنه يجب عليه أن يعرف كيف يتعامل مع التربة، وماذا يبذر من الحبوب، وماذا لا يبذر. الفلاح شديد الاعتماد على الطبيعة".

ويدعي جورباتشوف الفضل في إطلاق حوار مفتوح فعلياً حول التلوث والبيئة في روسيا في الثمانينيات، بفضل سياسة "الجلاسنوست"، أو الانفتاح في وسائل الإعلام. ويقول: "عندما أعلنا الجلاسنوست، احتشد الناس على مدار الساعة في نحو 100 مدينة يطالبون بتحسينات في بيئتهم، وكان معظمهم قلقين حول مرافق الإنتاج الكيماوي. ونتيجة لذلك، قرر المكتب السياسي وقف الإنتاج في 1300 مصنع".

ويعتقد جورباتشوف أن الناس لا يزالون غاضبين بشأن القضايا البيئية في روسيا. والاختلاف عما كان عليه الحال في السابق هو أنهم يناقشونها الآن في مجلس الدوما وفي الشوارع أيضا. ويعترف بأن هناك هجوماً على حرية الصحافة، خصوصاً في المناطق الروسية، لكنه يرفض الانتقاد الدولي لبوتين ووصفه بأنه غير ديمقراطي ويقول: "قضية حرية الصحافة وكيف نقلص الميول الاستبدادية، في الحكومة الروسية قضية بالغة الأهمية".

ويضيف: "الرأي العام دون حرية صحافة لن يستطيع إدراك إمكانياته. لكن حين يعيش الناس في وضع صعب، حين لا يكون لدى كثير منهم ما يكفي لتوفير المأكل والملبس لأنفسهم، فإن الديمقراطية بالنسبة لمثل هؤلاء الناس ليست مهمة مثل أهميتها لك ولي".

ويتابع: "ولما كان بوتين حالياً يرسخ وضع البلاد، وهناك شيء من الحكم والإدارة، ولا يمكن لأي روسيا أن تنجح بلا حكم وإدارة، فإنكم تصفون بوتين بالشيطان وما يجري أن شعبية بوتين عالية جداً وتزداد علّواً. إنني أريد من أصدقائنا الغربيين أن يضعوا في اعتبارهم أن روسيا تمرّ بفترة تحول من مجتمع استبدادي، وتطور مؤسسات ديمقراطية. ولا يزال أمامنا شوط طويل نقطعه حتى نقول إن هذه ديمقراطية متطورة".

ويضيف جورباتشوف: "روسيا تتغير، لكن بلادنا تحتاج إلى وقت وسياسات ذكية، لذلك لا تدفعونا. سنشق طريقنا إلى ديمقراطيتنا الخاصة بنا. وسيكون للصين ديمقراطيتها الخاصة بها. لن تكون ديمقراطية أمريكية. ولن يكون للعراق ديمقراطية أمريكية، ستكون ديمقراطية مختلفة تقوم على عقلية وتاريخ الدول العربية، والعقلية والقيم الإسلامية"