صفحة 1 من 1

كيف تعمل الدبلوماسية الغربية الحديثة؟

مرسل: الأربعاء ديسمبر 04, 2013 10:19 pm
بواسطة عبدالملك السميح 704
يبدو أن هذا الكتاب كما ينوه به عنواناه الرئيسي والفرعي يتحدث عن أفغانستان. لذا من الممكن أن يتردد في اقتنائه مَن ملوا الكتب الحديثة الكثيرة، التي تتحدث عن هذه الأرض المتنازع عليها. ولكنهم سيكونون مخطئين، وذلك لأن كتاب «برقيات من كابل» يتحدث عن أفغانستان بصورة عرضية فقط. إنه كتاب لا بد من قراءته لمعرفة الدبلوماسية الغربية الحديثة، والطريقة التي يعمل بها حلف شمال الأطلسي في أراض معادية بصورة جزئية.

من الممكن أن يتجنب المرء قراءة المقتطفات التي تتحدث عن أفغانستان في هذا الكتاب الذي يعد حقا دراسة عن الغرب. وتشتمل هذه المقتطفات على الأساطير المعتادة عن دحر الأفغان كل معتد عليهم، بدءا من الإسكندر المقدوني، وحتى الجيش الأحمر السوفياتي، مرورا بالراج البريطاني. ويقال لنا أيضا إنه من الصعب اعتبار أفغانستان دولة بالمعنى الحديث للكلمة، لأنها تتكون من مجموعات عرقية متعددة.

وعلى أي حال، فقد قضى كوبر كوليز وقته في أفغانستان إما في كابل أو في وادي هلمند، حيث كانت القوات البريطانية تقيم به حتى وقت قريب. وكان لدى السفير فرص قليلة للاجتماع مع الأفغان، باستثناء المسؤولين البارزين أو بعض المخبرين. لقد قضى معظم وقته مع غيره من الغربيين، من بينهم صحافيون ورجال أعمال وسياسيون زائرون. وحتى يحارب ملل الحياة داخل مبنى السفارة الذي لا يتمتع بإمكانيات كبيرة، كان كوبر كوليز ينظم مسابقات أحيانا لأطول لحية بين البريطانيين.

وعندما ننحي جانبا العبارات المألوفة المثيرة للضيق عن أفغانستان، نجد كتاب «برقيات من كابل» عبارة عن دراسة ذكية عن فشل أغنى الدول في بناء سياسة خارجية مترابطة ليست رهينة لما يسمى «الصواب السياسي» والسياسات قصيرة المدى.

يوضح كوبر كوليز في كتابه أن دول حلف شمال الأطلسي، تتزعمها الولايات المتحدة الأميركية، ذهبت إلى أفغانستان دون أن تعلم ما الذي ترغب فيه. في البداية، تم تقديم الحملة على أنها رد فعل لهجمات 11/ 9 على الولايات المتحدة، وكان الهدف تفكيك قواعد تنظيم القاعدة في أفغانستان. وبمجرد الانتهاء من ذلك عام 2003 تقريبا، ظهر هدف جديد، وهو تحويل أفغانستان إلى دولة ديمقراطية. وبحلول عام 2008، تقلص الهدف لتعبر قوات التحالف عن رضاها بأن يتشكل أي «نظام سياسي فعال» في كابل. وبعد مرور عامين، تقلص المستهدف مرة أخرى، وبات حلف شمال الأطلسي يأمل بتدريب الأفغان لضمان أقل قدر من الأمن، حتى يسمح لقوات التحالف بالمغادرة.

ويظهر حلف شمال الأطلسي في كتاب «برقيات من كابل» كمجموعة جيوش تم تشكيلها على طراز الدوقات الفرنجة من أوروبا الإقطاعية، الذين قادوا بعثات إلى «الشرق» أثناء الحملات الصليبية، دون أن يكون لديهم استراتيجية مشتركة. ومن الواضح أن قوات حلف شمال الأطلسي وافقت على الانضمام إلى البعثة الأفغانية بصورة كبيرة، وفي بعض الحالات لمجرد إرضاء الأميركان.

بعبارة أخرى، سيكون من الصعب معرفة ما هي «المصلحة الوطنية» لليتوانيا أو حتى فرنسا بـ«أرض الإهانة»، كما يطلق مؤرخون مسلمون على أفغانستان؛ فقد قسمت دول حلف شمال الأطلسي أفغانستان إلى رقعة تذكر المرء بخارطة أوروبا الإقطاعية.

والأسوأ من ذلك، أن قوات حلف شمال الأطلسي لا تؤمن بشيء محدد، على عكس الدوقات الفرنجة. وعلى ضوء الصواب السياسي وتعدد الحضارات و«إثم الاستعمار»، يريدون أن يكونوا في منتصف كل شيء (جزء منهم في الداخل والجزء الآخر في الخارج). من الممكن أن يدعو هذا إلى الإعجاب في مجتمع مستقر ومزدهر ويتسم بالتعددية والسلام. ولكنه يؤدي إلى كارثة في وقت الحروب؛ فالحرب مثل الحب تتطلب الالتزام الكامل بهدف محدد وواضح.

وقد جاءت كل مجموعة من حلف شمال الأطلسي ومعها تحذير، وثيقة تحدد تفاصيل الأشياء التي تقوم بها والأشياء التي تتجنبها. ونظريا يبلغ عدد التابعين لقائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان ربع مليون شخص تقريبا. وعمليا، لا يمكنه إلا الاعتماد على بضعة آلاف مستعدين وراغبين في القتال، حيث يرفض الهولنديون القتال بعد غروب الشمس، ولا يتعب الألمان أنفسهم بتتبع العدو الهارب إلى القرى. ويقاتل الفرنسيون فقط للدفاع عن أنفسهم، وحتى وقت قريب كان الأميركيون يرغبون في محاربة تنظيم القاعدة وحده.

وينظر الحلفاء إلى هذه الحرب المزعومة كأنها حفل في حديقة ينضم إليها المرء أو يتركها وقتما يشاء. لذلك، يتسابق الحلفاء الآن للانسحاب من أفغانستان، ولا يريد أحد الانتظار ليطفئ الأنوار.

ونادرا ما يقال للشعوب الغربية إن معظم الـ2200 شخص الذين قتلوا من قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان لم يقتلوا في معارك. في الواقع، لا يحدث سوى القليل من المعارك حتى في الأقاليم الأربعة التي تنشط فيها حركة طالبان وحلفاؤها، ومن بينهم أباطرة المخدرات. إن أغلب جنود قوات حلف شمال الأطلسي الذين قتلوا هم ضحايا انفجارات على جانب الطريق أو هجمات انتحارية.

ويوضح كوبر كوليز أن ما يهم معظم الزعماء الغربيين ليس ماهية الأمور في أفغانستان، ولكن كيف ينظر إليها في أرض الوطن.

يمتزج سرد السفير باحتقار لا يواريه كثيرا للمسؤولين الأفغان، من بينهم الرئيس حميد كرزاي. ويذكر كوبر كوليز أنه في مرحلة ما كان لديه انطباع أن كرزاي أثناء زيارته للندن كان على وشك طلب اللجوء السياسي من بريطانيا، بدلا من العودة إلى كابل. ويبتعد كوبر كوليز تماما عن مدح الحلفاء الأميركيين لبريطانيا، ويعتبر ريتشارد هولبروك «المبعوث الخاص» للرئيس باراك أوباما لدى أفغانستان وباكستان شخصا راضيا عن نفسه، لكنه من الممكن أن يلغي اجتماعا مهما لأنه يرغب في الذهاب إلى مطعم فرنسي.

ويعطي هذا الكتاب أيضا إطلالة توضح كيف تسير الأمور داخل الحكومة البريطانية. ويوفر لمحات للقراء عن المؤامرات التي تحاك في «داونينغ ستريت» ووزارة الخارجية والشد والجذب بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة الدبلوماسية.

وكما هو دائما مهتم بالحالة المزاجية الشعبية، يردد كوبر كوليز وجهة النظر الأخيرة أن أفغانستان حالة ميئوس منها وأنه ينبغي على بريطانيا الخروج من هناك بأقصى سرعة ممكنة.

ولا يعرض كوبر كوليز رأيا عن أسباب خروج بريطانيا من هناك، كذلك لم يكتشف أسباب ذهاب البريطانيين إلى هناك في المقام الأول.