صفحة 1 من 1

مشكلة الصحراء الغربية

مرسل: الخميس ديسمبر 05, 2013 6:14 am
بواسطة خالد بن حثلين 209
نبذة تاريخية :
تقع الصحراء الغربية المستعمرة الاسبانية السابقة بين المغرب شمالا والجزائر وموريتانيا شرقا وموريتانيا جنوبا والمحيط الأطلسي غربا ، تقدر مساحة الصحراء ب 284 كم مربع ويبلغ شاطؤها 1400 كم اما حدودها البرية فتبلغ 2045 كم منها 475 كم مشتركة مع المغرب و1570 مشتركة مع موريتانيا وتتكون جغرافيا من منطقتين هما الساقية الحمراء في الشمال وتمتد من مدينة العيون ( العاصمة ) باتجاه مدينة اسمارة حتى الحدود مع الجزائر . وإقليم واد الذهب جنوبا يمتد من مدينة بوجد ور حتى الحدود الموريتانية جنوبا وأهم مدنه الداخلة على المحيط الأطلسي وتضم الصحراء ثروات معدنية كبيرة حيث يوجد أكبر منجم للفوسفات منفرد في العالم تم اكتشافه سنة 1947 في منطقة بوجد ور وحسب اتفاقية مدريد بين المغرب وموريتانيا واسبانيا تتمتع اسبانيا بمزايا استقلال المنجم بنسبة 51% ، هنالك أيضا عشر خزانات من الملح يبلغ إنتاجها 20000 طن سنويا ، وهنالك دراسات واعدة في مجال التنقيب عن النفط وقد سبق لاسبانيا ان نقبت عنه غير أن أعمال المقاومة حالت دون ذلك ، والآن هناك شركتان احداهما فرنسية هي توتال والأخرى امريكية هي ماك غي كوربوريشن وقد بدأتا التنقيب في أكتوبر 2001 ، أما مناجم الحديد فيبلغ احتياطها 700 مليون طن في منطقة أزميلة وآغراشه .
أما السكان فهم قبائل عربية حسانية قدمت عبر هجرات قبل الإسلام وبعده وهي امتداد لذات القبائل الموريتانية بل ان القبيلة الواحدة قد تنقسم إلى جزء صحراوي وآخر موريتاني

وقد كانت تلك القبائل ذات شوكة ولها نوعا من التنظيم السياسي سمح لها دائما بالحفاظ علي كيانها فكانت الدول المحيطة ( العرش في المغرب والدول الاستعمارية ) مجبرة علي التعامل معها بشكل مباشر وتترك لها نوعا من الاستقلالية في إدارة شؤونها الذاتية وفق النظام القبلي الشائع في الأقطار العربية .
وكانت هذه القبائل ترتبط بصلات مع العرش المغربي و الإمارات الموريتانية التي كانت قائمة فبل الاستعمار وأن كانت تلك الصلات لا ترقي إلي مستوي السيادة كما أقرت بذلك محكمة العدل الدولية كما سنرى ومما ميز هذه القبائل أكثر هو وجود الاستعمار الاسباني بخلاف المغرب شمالا وموريتانيا جنوبا حيث كان الاستعمار الفرنسي . ودخل الصحراويون في صراع مع المستعمر الاسباني إبان حروب الاستقلال التي اجتاحت المنطقة وقد وقع تنسيق بين القبائل الصحراوية و كل من المغرب و قبائل موريتانيا غير ان المغرب بدأ يطالب بالصحراء بوصفها امتدادا لأراضيه بعد حصوله علي الاستقلال ويحتج بعدة حجج منها :

- الروابط مع القبائل الصحراوية .

- تعيين قادة في الصحراء الغربية .

- جباية الضرائب .

- تبعية بعض القبائل للسلطان .

- دور الشيخ ماء العينين كممثل للسلطان المغربي ومقاومته الاستعمار .

- الامتداد الجغرافي .

- الأحداث الدولية المتعلقة بالصحراء ( اتفاقيات دولية ، معاهدات ، مراسلات دبلوماسية .)


كانت هذه الحجج هي التي ساقها المغرب أمام محكمة العدل الدولية بعد أن أحيلت القضية إليها من طرف الجمعية العامة للامم المتحدة 1974 إثر النزاع بين المغرب والصحراويين علي الاستقلال . وقد اعتبرت المحكمة أن الحجج المغربية غير كافية لإثبات السيادة علي الصحراء وقد جاء في حيثيات الحكم أن المغرب لم يجبي الضرائب في الصحراء ، وأن حملات سلاطين المغرب لم تصل واد درعه إبان إخضاع الإقليم أحرى أن تصل الصحرا ء الغربية وأن نشاط الشيخ ماء العينين لا يدل علي ارتباط سيادي ، أما بالنسبة لحجة مجاورة الإقليم للأراضي المغربية فإنها حجة غير مقنعة خاصة في ظل وجود مطالب آخر بالإقليم هو موريتانيا له حدود اكبر مع الصحراء . ولان الأراضي مأهولة بقابئل منظمة علي المستوى السياسي والاجتماعي . أما حجج الاتفاقيات الدولية والمراسلات الدبلوماسية ... فإن المحكمة قد رتبتها وصنفتها ورأت أنها لا ترقي الى مستوى إقرار السيادة المغربية علي الصحراء . ثم أصدرت رأيها الاستشاري الذي نص علي حق الشعب الصحراوى في تقرير مصيره بنفسه ، وكانت الجمعية العامة للامم المتحدة قد أدرجت الصحراء الغربية ضمن المناطق التي يجب تصفية الاستنعمار منها ثم لتعترف بعد ذلك 1966 بحق الشعب الصحراوى في تقرير مصيره .

غير أن قطع المقاومة الصحراوية الصلات مع المغرب وموريتانيا بعد ثبوت أطماعهما في الصحراء جعل الأخيرتين تدخلان في مفاوضات مع سلطات الاستعمار الاسباني المغرب بوصفها المطالب الاول بالصحراء وأكثر المتحمسين لضمها ، وموريتانيا بحكم الجوار ورغبة في إثبات وجودها أمام المغرب المطالب بها فكانت المطالبة بالأقاليم الجنوبية من الصحراء هي خير وسيلة لذلك ، وبعد الترجيحات في السياسة الاسبانية مالت الكفة إلي الاتفاق مع المغرب وموريتانيا بدل البوليزاريو حديثة العهد بوصفهما اقدر علي حفظ المصالح الاسبانية من دولة فتية غير مضمونة الولاء ، وفي هذه الأثناء سير المغرب بتاريخ 6 نوفمبر 1976 مسيرة من المتطوعين بلغت 350000 شخص متوجهة إلي الصحراء لوضع اسبانيا امام الأمر الواقع ودعم لموقفه التفاوضي في مدريد ، وهكذا توجت جهود الثلاثة المغرب – موريتانيا – اسبانيا بتوقيع اتفاق ثلاثي عرف باتفاق مدريد في 14 نوفمبر 1976 وقد نص الاتفاق علي انسحاب اسبانيا من الصحراء وتقسيمها بين المغرب وموريتانيا ، بالإضافة إلي بعض الاتفاقيات التي تنص علي إشراك إسبانيا في استغلال مناجم الفوسفات في الصحراء وبقاء أسطول صيدها في المياه الصحراوية وضمان قاعدتين عسكريتين لها قبالة جزر الكناري .

كانت اتفاقية مدريد هذه منعطفا حاسما في القضية الصحراوية حيث أخرجت البوليزاريو ( الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب ) بدون أي مكسب كذلك ألغت دور الجزائر بعد ان كانت علي تنسيق تام مع جارتيها المغرب وموريتانيا بخصوص تصفية الاستعمار من الصحراء خاصة بعد قمة انواذيبو في موريتانيا بين هواري بومدين والمختار ولد داداه والحسن الثاني .
لقد فرض هذا الخروج من التنسيق علي الجزائر احتضان البوليزاريو وذلك باشتراكهما في الخسارة ليتكون بذلك الحلف المقابل للمغرب وموريتانيا . وهكذا وجهت البوليزاريو نيران أسلحتها باتجاه القوات المغربية والموريتانية وأعلنت قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية قي 27 فبراير 1976 وكانت مدغشقر اول المعترفين بها . وقد ركزت البوليزاريو هجماتها علي موريتانيا بوصفها الحلقة الأضعف في التحالف وفعلا لم تصمد أمام ضربات البوليزاريو خاصة عندما بدأت الضربات توجه نحو مناجم الحديد في الشمال بوصفها عصب الاقتصاد الموريتاني وبدا أن السيطرة علي الموقف شبه مستحيلة مما دفع الرئيس الموريتاني مختار ولد داداه إلي توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع المغرب في مايو 1977 وصلت بموجبها طلائع الخيش المغربي إلي مدن ازويرات – افديرك – بئر أم غرين في شمال موريتانيا ، ولم يغني ذلك شيئا عن عصب الاقتصاد إذ ظل يتعرض للهجمات مما جعله شبه مشلول ، ولم يكن أمام ولد داداه الا الاستنجاد لكن هذه المرة بالحليف القوي فرنسا وجاء الدعم الفرنسي في شكل تدخل مباشر للطيران الحربي إلي جانب الجيش الموريتاني في ديسمبر 1977 ،غير أن الجيش كان قد حزم أمره وقرر التوجه إلي القصر الرئاسي واضعا حدا للحكم المدني من خلال انقلاب 10 يوليو 1978 ، وأعلنت البوليزاريو علي إثره وقفا لإطلاق النار من جانب واحد ، وكانت أولى قرارات الانقلابيين هي الانسحاب من الصحراء الغربية ثم تلا ذلك توقيع اتفاق مع البوليزاريو في 5- أغسطس 1979 ثم ما لبثت موريتانيا ان اعترفت بالجمهورية الصحراوية بعد وصول الرئيس محمد خونة ولد هيدالة للسلطة .

وهكذا بعد تمايز مواقف دول الجوار الثلاثة ( المغرب – الجزائر – موريتانيا ) وانحياز الجزائر إلي البوليزاريو راحت تسوقها كحركة تحرير وطنية تستلهم النموذج الشيوعي وربطت لها صلاة بكل حركات التحرر والأنظمة اليسارية وقد فتح لها ذلك بابا مهما للاستفادة من الدعم السياسي و المادي و حتي التدريب والتكوين خاصة لدى الكتلة الشرقية كيوغسلافيا ورومانيا والمجر وكوبا وفنزويلا ... وبدأت البعثات العسكرية و الطلابية تتوجه إلي هذه الدول في تكوين سريع لتفعيل مؤسسات الدولة التي أعلنت والتي فرضت سيطرت المغرب علي الأرض عسكريا أن تنشأ في بلد المنفي الجزائر في منطقة تيندوف حيث المخيمات التي تضم الصحراويين الذين نزحوا من الصحراء بسبب الحرب او بسبب معارضة الاحتلال المغربي .

وكما نشطت علاقات البوليزاريو مع الكتلة الشرقية نشطت كذلك في مجال المنظمات غير الحكومية واليسارية بصفة عامة في أوروبا مما وفر لها دعما كبيرا انهال علي تلك المخيمات فلم تشهد أي مجاعة أو عجز بل ظلت قادرة علي تزويد جبهة القتال المحتدم بالمقاتلين . وتكون مجتمع منظم يضم كل مؤسسات الدولة من صحة وتعليم وتكوين وتأطير وكان كل شيئ مكرس لخدمة الحرب ، وعلي المستوي السياسي استطاعت البوليزاريو أن تكسب نقاط عدة حيث اعترفت بها 76 دولة منها أغلب الدول الافريقية لدرجة قبولها كعضو كامل السيادة في المنظمة في 12- 11 – 1985 مما حدي بالمغرب لتجميد عضويته في المنظمة .

وفي مقابل نجاحات البوليزاريو تلك ظلت الدول الغربية حلفاء تقليديين للمغرب وموريتانيا طرفي النزاع مع الصحراء وقد كان الدعم الامريكي للمغرب خاصة كبيرا حيث بلغ 100 مليون دولار سنة1982 ، وإن كانت امريكا في هذه الفترة لا تري بريق الصحراء بقدر ما تري حليفا مأتمنا يتعرض لضغط شديد خاصة والجزائر تقف بكل قوة خلف البوليزاريو بل هي الداعم الرئيس لمجهودها الحربي بالإضافة الي ليبيا . أما فرنسا فقد ظلت علاقاتها تميل لصالح المغرب في النزاع بالإضافة إلي وقوفها المعلن خلف حليفها موريتانيا .

أما إسبانيا فقد كان موقفها يمتاز بشيئ من الغموض فهي تاريخيا مسئولة عن الشعب الصحراوي الذي كانت تحتله وأسلمته إلي المغرب وموريتانيا ثم هجر إلي الجزائر قسما منه ؛ ومن جهة أخرى تري في المغرب حليفا لا يستهان به قادرا علي حماية تلك المكتسبات التي حرصت علي الاستفادة منها إبان خروجها من الصحراء . وهكذا انقسم الرأي العام الاسباني فكانت المنظمات غير الحكومية وشبه الحكومية تعقد صلاة بالشعب الصحراوي في مخيمات تيندوف وتقدم له الدعم المادي وتسوقه غلي مستوي المنظمات الاوروبية لدعم نضاله وقضيته ، وكانت الحكومة في موقفها المعلن تنحاز إلي المغرب ، وإن كانت تنادي بتطبيق قرارات الأمم المتحدة بخصوص النزاع .
القضية الصحراوية ،على الساحة العربية
إذا كانت القضية الصحراوية علي المستوي الدولي بهذا الوضوح والتمايز بين الشرق والغرب فإن الشيء ذاته لم يحصل علي الجبهة العربية . فالبوليزاريو عند قيامها ومطالبتها باستقلال الصحراء لم تغفل بعدها القومي كما يقول أحد مؤسسيها وقد شهدت الساحة العربية نشاطات لم تكلل بالنجاح ؛ فقد ذهب وفد إلي الجامعة العربية لكنه لم يستقبل وتم تجاهله . وكذلك الحال في مصر والسودان ولم يكلف الصحراويون أنفسهم عناء عرض قضيتهم لدي دول الخليج لمعرفتهم المسبقة بالرد . وكانت الدولة العربية الوحيدة من خارج المغرب العربي التي أبدت اهتماما بالموضوع هي سوريا وقد تطور ذلك كثيرا لحد وجود بعثات طلابية ومستوي من العلاقة الرسمية خاصة علي مستوي القيادة القطرية لحزب البعث السوري ، وفي مقابل هذا الإخفاق للبوليزاريو علي الساحة العربية كان هناك نجاحا مغربيا إذ استطاع أن يقدم القضية كقضية تحرير واسترجاع لأراضيه ، وكان يقدم نفسه بوصفه المدافع عن الوحدة العربية والقومية العربية ، وقد دعمته آلة إعلامية قوية أمريكية وفرنسية أما الإعلام العربي فقد انقسم إلي مؤيد للموقف المغربي من منطلق التحالف الاديولوجى ومن منطلق السلطة ومحايد حيادا سلبيا منطلقه الجهل بمنطلقات القضية ومبرره الظاهري رفض التجزئة دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن الحقيقة .

أما وقع القضية مغاربيا فكان مختلفا فالبوليزاريو إبان قيامها حاولت أن تربط علاقات بكل دول الجوار بما فيها المغرب علي أساس ان العدو الاول لها هو اسبانيا بوصفها القوة الاستعمارية وكان لها مقرا في العاصمة الموريتانية انواكشوط وكذلك الجزائر وزار أفراد منها المغرب ، غير أن رفضها الاستقلال الداخلي وإصرارها علي الاستقلال التام ومطالبة المغرب بالصحراء قطع كل صلة لها به وإن ظل الصراع مأجلا حتى خروج اسبانيا من الصحراء ، أما الروابط مع موريتانيا فهي متشابكة بحكم الروابط القبلية القوية ، وقد حاولت البوليزاريو التنسيق مع موريتانيا غير أن دخول المغرب علي الخط وإغراؤه موريتانيا بالتخلي عن المطالبة بها بل وتقاسم الصحراء معها جعلها تقف إلي جانبه وتولي ظهرها للبوليزاريو . وفي ظل الدفع بالقضية إلي تكوين محور موريتاني – مغربي يخلف اسبانيا لم يكن أمام الجزائر بدا من الوقوف إلي جانب البوليزاريو كمحور مضاد ، اما ليبيا فبحكم التوجهات الثورية لها فقد وجدت فيها البوليزاريو حليفا سخيا مدها بالمال والسلاح والتكوين علي مدار سنوات طويلة ، وإن كانت السياسة الليبية المتقلبة قد عرضت ذلك الدعم لنوبات مد وجزر حسب مواقف المغرب . لكن ظل هناك دائما نوع من الروابط حرصت ليبيا علي ابقائها . ورغم قيام الإتحاد المغار بي 1985 الا أنه ظل أضعف من أن يتطرق للقضية الصحراوية بشكل جدي أو يقدم لها حلا بل ظل تحت رحمتها ، وهو الآن يمر بمرحلة احتضار وأضعف من يؤثر علي ما ستشهده القضية من تطورات .

إذا كان الصراع علي الصحراء لم يطرق بشكل جدي عربيا للأسباب التي مرت بنا فإنه علي المستوى الافريقي مر بخطوات متقدمة وكانت أفريقيا هي حلبة الصراع الانجح للصحراويين في مطالبتهم بالاستقلال ، وذلك لنجاح الجزائر في تسويق القضية ضمن صراع الأقطاب الذي كانت القارة السمراء تشهده ، فالمغرب يرتبط بعلاقات قوية مع بعض الدول الافريقية ترقي إلي مستوي الدعم العسكري ( زاييز سابقا - الغابون – غينيا ...) مما يهيئ بقية الدول المناوئة سياسيا لهذه الدول لاتخاذ مواقف ضده فكانت الاعترافات بالجمهورية الصحراوية ، ويأتي كذلك الأمر في ظل لعبة الاستقطاب الكبرى ( شرق – غرب ) ، وشهدت القضية اهتماما كبيرا من طرف منظمة الوحدة الافريقية الذي لم يكن دائما في صالح المغرب ففي اجتماعها في مابوتو بالموزمبيق من 19 إلى 24 يناير / كانون ثاني 1976 ، أوصت لجنة التحرير التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية بالاعتراف بجبهة البوليساريو كحركة تحرير إفريقية .

و في اجتماع وزراء خارجية المنظمة في جزر موريس من 24 إلى 29 يونيو / حزيران 1976 تبنوا التوصية . و صادق مؤتمر القمة الإفريقي المنعقد في الخرطوم من 18 إلى 22 يوليو / تموز 1978 على عقد مؤتمر قمة استثنائي حول الصحراء الغربية ، و شكل لجنة من الحكماء مؤلفة من خمسة رؤساء دول من بينهم رئيس المنظمة ، لتقوم بفحص كل معطيات مشكل الصحراء الغربية بما في ذلك حق شعب هذه المنطقة في تقرير المصير .

و في اجتماع لجنة الحكماء في الخرطوم في 23 يونيو / حزيران 1979 ، تبنت اللجنة قرارا يوصي بالوقف الفوري لإطلاق النار و ممارسة شعب الصحراء الغربية لحقه في تقرير المصير عبر استفتاء عام و حر.

و قد تبنت قمة المنظمة الإفريقية المنعقدة في منروفيا (ليبيريا) من 17- 20 يوليو/ تموز 1979 توصية لجنة الحكماء بموافقة ثلاثة و ثلاثين صوتا و اعتراض اثنين و امتناع سبعة عن التصويت من بينهم المغرب . و في تدخله يوم 26 يونيو/ حزيران 1981 ، أعلن ملك المغرب أمام القمة الإفريقية في نيروبي و بشئ من الغموض ما يلي : و عند عودته إلى الرباط عقد الملك ندوة صحفية يوم 2 يوليو / تموز أعرب فيها عن تفسيره لمشروع الاستفتاء ، فقال ).



و قد ردت منظمة الوحدة الإفريقية بما يلي :



أ‌- تأكيد وزراء خارجية الدول المشكلة للجنة الحكماء بنيروبي يومي 6-7 فبراير / شباط 1982 على أن طرفي النزاع هما المغرب و جبهة بوليساريو .

ب‌- تبنت القمة الإفريقية بالإجماع القرار :رقم : 104 في 11 يونيو / حزيران 1983 و الذي تدعو فيه جبهة البوليساريو و المملكة المغربية كطرفي نزاع إلى إجراء مفاوضات مباشرة للوصول إلى وقف لإطلاق النار ، و خلق الظروف الملائمة لإجراء استفتاء سلمي و عادل من أجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية ، هذا الاستفتاء الذي يجب أن يكون دون أية ضغوط إدارية أو عسكرية و بإشراف من منظمتي الوحدة الإفريقية و الأمم المتحدة ، و يطالب الأمم المتحدة ببعث قوة حفظ سلام قبل إجراء الاستفتاء و الذي يمكن أن يتم في ديسمبر / كانون أول 1983 .


و وجدت هذه القرارات الإفريقية قبولا واسعا و إجماعا شاملا في هيئة الأمم المتحدة ، مما دفعها إلى اتخاذ القرار رقم : 5040 لسنة 1985 داعية بدورها إلى تنظيم استفتاء تقرير المصير و الاستقلال و وقف إطلاق النار و الشروع في مفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع ، للاتفاق على شروط الاستفتاء .

و هكذا بدأت الجهود المشتركة للمنظمتين في البحث عن حل للمشكل ، و قد كانت نواة هذه الجهود المقترحات التي أعدها الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ، و رئيس منظمة الوحدة الإفريقية على إثر مساعيهما الحميدة سنة 1986 ، و التي وافق عليها الطرفان في 30 أغسطس / آب 1988 ، كأساس لتسوية النزاع القائم بينهما منذ 1975 ، و قد وردت هذه المقترحات مفصلة بكل وضوح ، في تقرير الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة الذي يحمل رقم:S2/360/18/6/1990 و نحن نقتبس بعض النقاط منها للمزيد من الإيضاح :
الجزء الأول :
مقترحات مقدمة من طرف الأمين العام للأمم المتحدة و الرئيس الحالي لمنظمة الوحدة الإفريقية من أجل مسألة الصحراء الغربية و تم قبولها من الطرفين مبدئيا (...)


- الهدف الأساسي لمقترحات الأمين العام للأمم المتحدة و رئيس الوحدة الإفريقية هو تمكين شعب إقليم الصحراء الغربية من ممارسة حقه في تقرير المصير و الاستقلال وفقا للائحة (XV)1514 و 5040 للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14/12/1960 و 3/12/1985على التوالي ، و طبقا للقرار AHG(XIX)104 المتبنى من قمة أديس أبابا المنعقدة من 6-12/6/1983 ، من طرف رؤساء الدول الإفريقية . و لهذا الغرض قام الأمين العام للأمم المتحدة و الرئيس الحالي لمنظمة الوحدة الإفريقية باتصالات و مشاورات مع طرفي النزاع في الصحراء الغربية : المغرب و الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب (جبهة البوليساريو) من أجل الوصول إلى اتفاق يسمح بتنظيم استفتاء عادل و نزيه دون أية ضغوط عسكرية أو إدارية .

- إن الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة و رئيس منظمة الوحدة الإفريقية يعتبران أن هذه المقترحات تشكل قاعدة اتفاق عملية و معقولة لتطبيق القرار AHG(XIX)104 لمنظمة الوحدة الإفريقية ، و القرار 5040 للجمعية العامة للأمم المتحدة مع أخذ مصالح الطرفين بعين الاعتبار .

- و لهذا الغرض تقدما باقتراحات لحل المسألة الصحراوية ، من شأنها أن تسمح لشعب هذا الإقليم بممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير و الاستقلال في الظروف التي يراها مناسبة و تقبلها المجموعة الدولية .

على أساس هذه المقدمة و المعطيات التي توضح التصور لمنطلقات مخطط التسوية ، وضع برنامج تنفيذي لمكونات المخطط و هي :
- وقف إطلاق النار .
- تبادل أسرى الحرب .
- تقليص عدد القوات المغربية بالإقليم .
- مركزة قوات الطرفين .
- تحديد الهوية و تسجيل المصوتين .
- عودة اللاجئين المؤهلين للتصويت .
- إطلاق سراح المساجين السياسيين .
- تنظيم الاستفتاء و الإشراف عليه .
- إدارة أممية مؤقتة للإقليم .

و في عام 1991 صادق مجلس الأمن الدولي في قراره 690 على المقترحات التي قدمها الأمين العام الأممي في تقريره(س/21360) ، ليعلن في السنة الموالية عن تشكيل بعثة للأمم المتحدة لإجراء الاستفتاء في الصحراء الغربية (بعثة المينورسو) ، و عن رزنامة لتطبيق المخطط تبدأ بوقف لإطلاق النار في 6 سبتمبر / أيلول 1991 و تنتهي بإعلان نتائج الاستفتاء في أواخر يناير / كانون ثاني 1992 ، كما حدد قاعدة الناخبين بإحصاء إسبانيا لسنة 1974 و ظروف الاستشارة وقد باشرت تلك البعثة عملها ولا تزال حتى الآن .

وهكذا استمر تعثر المخطط الاممي الذي حاول بيكر، بعد تعيين كوفي انان له عام 1997، إنعاشه من خلال العديد من الاجتماعات عالية المستوى والتقدم باقتراحين مختلفين لإعطاء الصحراء الغربية حكما ذاتيا لمدة أربع أو خمس سنوات من خلال المملكة المغربية. تضمن الاقتراحان أيضا مستلزمات يتم بها استفتاء على "الوضع النهائي"، عند انتهاء مدة الحكم الذاتي، لتحديد ما إذا كانت المقاطعة الصحراوية سوف تظل مستقلة أو تدمج بشكل نهائي في المغرب ، و كانت المغرب رفضت بشدة فكرة الاستفتاء العام. و يرث الآن مبعوث انان الجديد، الفارو دو سوتو كوسيط جديد ، جمودا عنيدا في الوضع من غير المرجح انه سيستطيع اختراقه. الامن خلال المخطط الذي بات يطلق عليه تسميته الحل الثالث الذي لا تزال صيغته النهائية تخضع للمساومة تتجاذبها أحداث دولية وإقليمية كثيرة ، فقاعدة الحل الاممي هي الاستفتاء علي الاستقلال أو الانضمام والتي لم يطمأن لها المغرب بل لم يقدم عليها أصلا إلا ذرا للرماد في العيون ؛ ذلك أنه رغم ذهابه خطوات في الحل الاممي الا أن الممارسة الميدانية علي الواقع كانت تقول العكس حيث كل الجهود مسخرة لفرض أمر واقع هو مغربية الصحراء ، وفي ظل غياب عوامل من قبيل صراع القطبين وظهور الرغبة الامريكية في النفوذ في افريقيا ظهرت علي السطح بوادر الحل الثالث الذي تم إعداد طبخته أمريكيا وليس حرصها علي تولي وزير خارجيتها الأسبق جيمس بيكر الملف الصحراوي كممثل للامين العام للامم المتحدة مكلف بملف الصحراء الا دليلا علي الاهتمام بالموضوع . وهي مدفوعة إلي ذلك بعدة عوامل منها أهمية المنطقة الاستيراتيجية وخلوها من وجود أمريكي قوي باستثناء التحالف مع المغرب الذي لا بديل له في حالة حدوث أي أزمة . من ناحية ثانية الإطلالة علي الجزائر ومراقبة ما يحدث فيها عن قرب بوصفه يتقاطع مع حرب الامريكان علي الارهاب ، يضاف إلي ما سبق الصراع مع فرنسا ومحاولة اقتحام عرينها المغاربي الذي استعصي سنوات طويلة , وهنالك بالطبع السبب المهم دائما وهو وجود ثروات معدنية كبيرة .

من كل هذه المنطلقات رمت أمريكا بثقلها خلف القضية لإيجاد حل يضمن لها أكبر قدر من هذه المصالح ، في المقابل كان الموقف الأوروبي ( الاسباني – الفرنسي ) علي اختلاف الاثنين . فحكومة أزنار الماضية قررت إتباع الحليف القوي (امريكا) خطوة ، خطوة واستخدمت ماضيها الاستعماري وما تبقي من نفوذ لديها لدي فئات من الشعب الصحراوى في تسويق وتبرير الحل الثالث ؛ وإن كان ثاباتيرو القادم علي خلفية الانشقاق عن أمريكا بدأ يميل إلي التريث حتى تستبين خطوط الموقف . أما فرنسا فقد ظلت تتاجر بموقفها من القضية خدمة لمصالحها ليس في الإقليم الصحراوي وإنما في قضايا تربطها بالمغرب بدءا بالسوق الاوروبية مرورا بكل زوايا السياسة الفرنسية في المنطقة ، والشيء نفسه بالنسبة للجزائر و إن كان موقف فرنسا من الصراع الداخلي في الجزائر يعكس ظلالا قوية علي مواقفها من القضية ؛ في ظل صراع الأقطاب حيث الجيش يرمي بثقله دائما خلف استقلال الصحراء ، ربما لانها القضية العسكرية الوحيدة التي مازال يري فيها بعضا من أمجاده الغابرة ، ولعل الشيء الملفت للانتباه في الموقف الفرنسي هو خروجه أخيرا عن ذلك الدور التقليدي في القضية إلي النظر لها من زاوية استراتيجية ، فدخول أمريكا بشكل جدي في الموضوع جعل فرنسا لا تطمأن لذلك خاصة في ظل نية امريكية لم تعد خافية في أخذ نصيبا لا بأس به من الكعكة المغاربية التي كانت فرنسية خالصة إلي وقت قريب . من هنا حركت فرنسا كل بيادقها للعب بشكل جدي مستنجدة بحليفاتها من افريقيا جنوب الصحراء علي الأقل لإخراج القضية من بين فكي العملاق الامريكى الذي بدأ يبتلعها بحل ثالث لم يعرف حتي الآن ماهو كنهه ؛ وهكذا بدأت تنشط سياسة الاعترافات بالجمهورية الصحراوية محاولة إرجاع القضية إلي المربع الاول واستمالة الكفة قليلا حتي تتمكن من اللحاق بالركب , وفي هذا الإطار ربما يستساغ الاعتراف الجنوب أفريقي الأخير بالجمهورية الصحراوية وكذلك ما هددت به نيجيريا من اعتراف أيضا ، ولعل فرنسا وهي العضو المهم في الإتحاد الأوروبي الذي تتمني تركيا الانضمام إليه أوعزت إلي الأخيرة التلويح بالاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوي الديموقراطية وهو ما حصل قبل أيام إضافة إلي أن تركيا لها ثأر مع المغرب في صراعهما علي رئاسة منظمة المؤتمر الاسلالمي التي فازت بها تركيا وفي الاتهامات المتبادلة الحالية بين المغرب والجزائر ما يعزز ما ذهبنا إليه من أن القضية بدأت ترجع الي المربع الاول خاصة في ظل التصريح الذي أدلي به محمد عبد العزيز الرئيس الصحراوي من أن حمل السلاح مجددا يبقي خيارا مطروحا خاصة في ظل ما أالتعنت المغربي .