- الجمعة ديسمبر 06, 2013 9:56 pm
#68078
التمييز موجود في كل بلدان العالم. هذه مسلّمة قارّة، لا يستطيع أيّ منّا المجادلة فيها، وهي مسلّمة يدركها الحقوقيون والسياسيون ويتعاطون معها بدون حساسيات مفرطة. ونظراً لوجود التمييز واستمراره، أعدّت الأمم المتحدة معاهدة دولية تتعلق بمكافحة كل أشكاله، وشكّلت لجنة من الخبراء تشرف على تطبيق تلك المعاهدة في البلدان التي صادقت عليها. كما دأبت المنظمة الدولية على إصدار دراسات أكاديمية معمّقة حول التمييز، وأسبابه وكيفية القضاء عليه، أو التخفيف من حدّته، واحتواء آثاره السلبية، ولاتزال المنظمة مستمرة في الإهتمام بهذا الموضوع في كل البلدان بمختلف ثقافتها وأعراقها وعاداتها وأديانها.
ما يختلف بين دولة وأخرى هو: نوعية التمييز (عنصري، طائفي، مهني، جنسي، وغيره)، وحجمه، ودور المؤسسة السياسية الحاكمة في ذلك. وعليه، فإن نفي مشكلة وجود التمييز من أساسها مقاربة خاطئة لا تُقنع، كما أنّ التحفّظ على وجود مشكلة لا يلغيها على أرض الواقع ولا يمنع الآخرين من طرحها مراراً وتكراراً، وهو ما يحدث بشأن (التمييز الطائفي) في البلاد، حيث يذكر التمييز (غير معرف) بخجل بسبب حساسيته المفرطة. ما نتحدث عنه في هذه المقالة ليس التمييز في إطاره الواسع، وإنما بالتحديد الطائفي منه. هذه المشكلة طرحت وستطرح المرة تلو الأخرى، وينبغي أن يكون هناك جواب للإستفهامات ومعالجة للقضية بأقصى قدر من الحكمة، والحدّ الممكن من الشفافية.
ليست المشكلة متعلقة في بعد ممارسة حرية التعبير الديني، فهذه متوفرة، ولا يوجد خجل من تغطيتها إعلامياً، ودعمها في كثير من الأحيان من قبل الحكومة. المشكلة لها علاقة بحجم المشاركة السياسية، وبحجم الإنتفاع الخدمي من الدولة. أي أن القضية سياسية، وقد تمّت مقاربتها من قبل بعض السياسيين والحقوقيين بنحو تشهيري، لا بغرض حلّ المشكل، أو التدرّج في حلّه، وإنّما لتسجيل نقاط على الحكومة.
من جانب الحكومة، فإنها تؤكد بأنها لا تمارس التمييز الطائفي، وأن فئات المجتمع تمارس التمييز ضد بعضها البعض. وهنا علينا التمييز بين مرحلتين: مرحلة ما قبل الإصلاحات التي شهدت جوانب من التمييز الطائفي، وبين ما جرى لاحقاً من محاولة حكومية لتعديل الوضع ليس فقط من خلال الإصلاحات السياسية وغيرها، وإنما القيام بشيء من (التمييز الإيجابي) لصالح الشيعة، ومحاولة إشراكهم في مراكز أكثر في جهاز الدولة، إضافة الى السعي الحثيث لتحسين وضع الخدمات وإقامة المشروعات في المناطق التي أُهملت في مرحلة ما قبل الإصلاحات. لا يعني هذا عدم وجود فئات وربما مناطق سنيّة تشكو الفقر وترى أنها مهملة أيضاً.
من حسن الحظ، أن الإندماج الإجتماعي (وأفضل مصاديقه: الزيجات المتبادلة بين الشيعة والسنّة، والسكن والتعايش في مناطق مشتركة، وممارسة العبادة في المساجد، والمساهمة المتبادلة في المناسبات الدينية، وغيرها) قد توسّعت في السنوات الأخيرة، بسبب المناخ السياسي المواتي، وصفة التسامح التي يتسم بها المجتمع البحريني. أما (الإندماج السياسي) الذي شهد هو الآخر طفرة إيجابية في عهد الإصلاحات، من خلال العملية السياسية والمشاركة فيها، وزيادة عدد المعينين في المناصب الإدارية العليا، فإنه رغم ذلك يعاني نقصاً في (التوازن) بين الشرائح الإجتماعية التي يفترض أن تتمثل إدارياً وفق الكفاءة التي هي متوفرة في كل الأطياف الإجتماعية. التوازن بين الكتل الإجتماعية يعدّ صمّام الأمان للإستقرار السياسي، ودليل نجاح الإصلاحات، والذي سيؤدي الى مزيد من الإندماج الإجتماعي، والوطني.
الشعور بعدم التوازن في مواقع الدولة العليا، هو الذي أوجد حساسية مبالغ فيها أحياناً تجاه موضوع (التجنيس) ومواضيع أخرى. ومع وجود تطوّر في ذهنيّة مسؤولي الدولة، وجد تطوّر مماثل في العقليّة الشيعية المحافظة، التي أخذت تشعر بشكل متزايد بقربها من النظام السياسي وتمثيله الحقيقي لها. لم يعد النظام السياسي كائناً غريباً، ولا ممثلاً فئوياً، ولا خادماً لمصالح جماعة دون أخرى، بل أن الملك ـ رأس الدولة ـ احتلّ على أرض الواقع مكانة أبويّة غير مزعومة، بل حقيقية، وأشعر الجميع شيعة وسنّة، بأنه فوق التصنيفات المذهبية.
نخلص من كل هذا، بأن التمييز الطائفي يمثل تركة ثقيلة على كاهل المسؤولين والمجتمع، ولا يمكن علاجها بجرّة قلم، ولكن لا بدّ من الإعتراف بوجود المشكلة أو على الأقل بوجود آثارها الماضية، وتصحيحها بإعادة التوازن في جهاز الحكم (الإداري والخدمي) الذي جاء المشروع الإصلاحي لحلّها أساساً.
ما يختلف بين دولة وأخرى هو: نوعية التمييز (عنصري، طائفي، مهني، جنسي، وغيره)، وحجمه، ودور المؤسسة السياسية الحاكمة في ذلك. وعليه، فإن نفي مشكلة وجود التمييز من أساسها مقاربة خاطئة لا تُقنع، كما أنّ التحفّظ على وجود مشكلة لا يلغيها على أرض الواقع ولا يمنع الآخرين من طرحها مراراً وتكراراً، وهو ما يحدث بشأن (التمييز الطائفي) في البلاد، حيث يذكر التمييز (غير معرف) بخجل بسبب حساسيته المفرطة. ما نتحدث عنه في هذه المقالة ليس التمييز في إطاره الواسع، وإنما بالتحديد الطائفي منه. هذه المشكلة طرحت وستطرح المرة تلو الأخرى، وينبغي أن يكون هناك جواب للإستفهامات ومعالجة للقضية بأقصى قدر من الحكمة، والحدّ الممكن من الشفافية.
ليست المشكلة متعلقة في بعد ممارسة حرية التعبير الديني، فهذه متوفرة، ولا يوجد خجل من تغطيتها إعلامياً، ودعمها في كثير من الأحيان من قبل الحكومة. المشكلة لها علاقة بحجم المشاركة السياسية، وبحجم الإنتفاع الخدمي من الدولة. أي أن القضية سياسية، وقد تمّت مقاربتها من قبل بعض السياسيين والحقوقيين بنحو تشهيري، لا بغرض حلّ المشكل، أو التدرّج في حلّه، وإنّما لتسجيل نقاط على الحكومة.
من جانب الحكومة، فإنها تؤكد بأنها لا تمارس التمييز الطائفي، وأن فئات المجتمع تمارس التمييز ضد بعضها البعض. وهنا علينا التمييز بين مرحلتين: مرحلة ما قبل الإصلاحات التي شهدت جوانب من التمييز الطائفي، وبين ما جرى لاحقاً من محاولة حكومية لتعديل الوضع ليس فقط من خلال الإصلاحات السياسية وغيرها، وإنما القيام بشيء من (التمييز الإيجابي) لصالح الشيعة، ومحاولة إشراكهم في مراكز أكثر في جهاز الدولة، إضافة الى السعي الحثيث لتحسين وضع الخدمات وإقامة المشروعات في المناطق التي أُهملت في مرحلة ما قبل الإصلاحات. لا يعني هذا عدم وجود فئات وربما مناطق سنيّة تشكو الفقر وترى أنها مهملة أيضاً.
من حسن الحظ، أن الإندماج الإجتماعي (وأفضل مصاديقه: الزيجات المتبادلة بين الشيعة والسنّة، والسكن والتعايش في مناطق مشتركة، وممارسة العبادة في المساجد، والمساهمة المتبادلة في المناسبات الدينية، وغيرها) قد توسّعت في السنوات الأخيرة، بسبب المناخ السياسي المواتي، وصفة التسامح التي يتسم بها المجتمع البحريني. أما (الإندماج السياسي) الذي شهد هو الآخر طفرة إيجابية في عهد الإصلاحات، من خلال العملية السياسية والمشاركة فيها، وزيادة عدد المعينين في المناصب الإدارية العليا، فإنه رغم ذلك يعاني نقصاً في (التوازن) بين الشرائح الإجتماعية التي يفترض أن تتمثل إدارياً وفق الكفاءة التي هي متوفرة في كل الأطياف الإجتماعية. التوازن بين الكتل الإجتماعية يعدّ صمّام الأمان للإستقرار السياسي، ودليل نجاح الإصلاحات، والذي سيؤدي الى مزيد من الإندماج الإجتماعي، والوطني.
الشعور بعدم التوازن في مواقع الدولة العليا، هو الذي أوجد حساسية مبالغ فيها أحياناً تجاه موضوع (التجنيس) ومواضيع أخرى. ومع وجود تطوّر في ذهنيّة مسؤولي الدولة، وجد تطوّر مماثل في العقليّة الشيعية المحافظة، التي أخذت تشعر بشكل متزايد بقربها من النظام السياسي وتمثيله الحقيقي لها. لم يعد النظام السياسي كائناً غريباً، ولا ممثلاً فئوياً، ولا خادماً لمصالح جماعة دون أخرى، بل أن الملك ـ رأس الدولة ـ احتلّ على أرض الواقع مكانة أبويّة غير مزعومة، بل حقيقية، وأشعر الجميع شيعة وسنّة، بأنه فوق التصنيفات المذهبية.
نخلص من كل هذا، بأن التمييز الطائفي يمثل تركة ثقيلة على كاهل المسؤولين والمجتمع، ولا يمكن علاجها بجرّة قلم، ولكن لا بدّ من الإعتراف بوجود المشكلة أو على الأقل بوجود آثارها الماضية، وتصحيحها بإعادة التوازن في جهاز الحكم (الإداري والخدمي) الذي جاء المشروع الإصلاحي لحلّها أساساً.