دول الخليج و اتفاق إيران والغرب
مرسل: السبت ديسمبر 07, 2013 11:11 am
الاتفاق الدولي الذي تمّ توقعه في جنيف بين دول (5 + 1) وبين إيران حدث كبير على المستوى الدولي والإقليمي، وهو يطرح أسئلة مستحقةً، من مثل هل تغيرت إيران بين عشيةٍ وضحاها؟ وهل سنشاهد دخول المفتشين الدوليين للمنشآت النووية الإيرانية كما شاهدناه من قبل في العراق؟ ومن الذي اختار هذا التوقيت لعقد الاتفاق: هل هي دول (5+1) أم إيران؟
هذه حزمة من الأسئلة التي تحتاج لإجاباتٍ مقنعةٍ، ذلك أنه أولاً: ثمة تناقض صارخ في التصريحات بين الطرفين المتفقين، وبخاصة بين أميركا وإيران، إن في تسريبات بنود الاتفاق أميركياً وإن في التصريحات العنترية الإيرانية، وهو أمر يمكن تفهمه، فعلى كل من يصرح في الاتفاقات الصعبة والخيارات الاستراتيجية غير الشعبية أن يخاطب شعبه ويقنع تياراته وتوجهاته، وإنْ بشكل صارخ كي يمهد الطريق للقبول الجمعي.
ثانياً: أما دخول المفتشين الدوليين للمنشآت الإيرانية، فإيران أصدرت ترحيباً لتفتيش مفاعل "آراك" والمفتشون الدوليون سيتجهون إليه خلال أيام في 10 ديسمبر، ويمكن اكتشاف الكثير من هذه الزيارة.
ثالثاً: التوقيت. هل اختارته إيران بناء على أوضاعها الداخلية المهترئة جرّاء ضغط العقوبات الاقتصادية؟ أم اختارته لتحييد القوى الدولية بعد مكاسبها الإقليمية في الهيمنة والنفوذ، والتي سيدعمها أي نجاحٍ في تخفيف تلك العقوبات، وإنْ على حساب تنازلات مريرةٍ في الملف النووي؟ هل للتنسيق الكامل مع روسيا والخسائر الضخمة التي تكبدتها جرّاء السعي للنفوذ والأزمة السورية دور في ذلك؟ أم أن التوقيت أميركي أوبامي بجدارة؟ حيث فشلت إدارته بعد خطابه الشهير في جامعة القاهرة 2010 في التنبؤ بما كان يسمّى بـ"الربيع العربي"، كما اتخذت سياساتٍ فاشلةٍ بالتحالف مع الإسلام السياسي في دول الانتفاضات العربية، وفشلت داخلياً في غالب الملفات ومن أهمها ملف الضمان الصحي الذي اضطر أوباما أن يعتذر للشعب الأميركي عن فشله، إذن فهو بحاجةٍ لأي إنجازٍ يمكنه من حفر اسمه في تاريخ البيت الأبيض وفي العالم، وقد التقت رغبته هذه برغباتٍ إيرانية ودولية فولد الاتفاق. إن غواية الإدارة الأميركية تجاه "الربيع العربي" وغوايتها تجاه التحالف مع جماعات الإسلام السياسي كبديلٍ عن الأنظمة القديمة وكجدارٍ واقٍ من جماعات الإرهاب هي أوهام ثبت خطأها، أما الغواية الثالثة فهي غواية أقدم من هاتين، وهي تلك التي تتعلق بفهم وتوصيف وبالتالي التعامل مع تعقيدات منطقة الشرق الأوسط، ففي الولايات المتحدة بشكل خاصٍ تمّ التغلغل قديماً في المؤسسات الأكاديمية من باحثين إيرانيين، وتمّ إصدار العديد من الكتب والدراسات والأبحاث التي تروّج لفكرةٍ سهلةٍ ولكنها مؤثرة جداً حين تصل لصانع القرار السياسي، وتقوم الفكرة على أن الشيعة في الشرق الأوسط يمثلون الأقلية المضطهدة الديموقراطية، وأن السُنة يمثلون الأكثرية المضطهِدة الديكتاتورية. ولئن لم تنعتق أميركا من هذه الغوايات الثلاث، فإنها لن تكون قادرةً على تقديم حلولٍ أو بناء استراتيجيات تكون قابلةً للاستمرار والثبات. إن الإجابة على سؤال التوقيت تمنح رؤيةً أوسع وقراءة أصح لهذا الاتفاق الجديد. الحزمة الثانية من الأسئلة هي كيف تلقى العرب هذا الاتفاق؟ إن على مستوى الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي أو على مستوى الدول كلٌ بحسبه، ثم كيف كانت الاستجابة له على مستوى الشعوب أو التيارات أو الرموز أو الأفراد؟
على مستوى الجامعة العربية، فقد أخرجت بياناتها المعهودة، وعلى مستوى مجلس التعاون الخليجي فقد اختلفت ردود الفعل تجاه الاتفاق بين مشاركٍ ومرحبٍ ومتحفظٍ، لأنه مجلس تعاون وليس اتحاداً، ولعلّ بعض دول المجلس محقة في ارتيابها فمن يمكنه أن يأمن إيران مع كل تاريخها العدائي ضد دول الخليج والعرب عموماً؟ وربما كان بعضها محقاً في تلمس النوايا الإيرانية تجاه المنطقة ومحاولة البحث عن مخرجٍ من أمّ الأزمات في المنطقة وهي إيران.
الجيد في الاتفاق- إنْ تمّ اعتماده- هو ابتعاد دول المنطقة عن صراع التسلح النووي الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، والسيئ هو استمرار مشاكل دول المنطقة وشعوبها مع طموحات إيران الأخرى التي لا تعني الدول الغربية كثيراً. وهذه تحديداً يجب أن تكون على رأس أولويات دول الخليج في المرحلة المقبلة، ويجب أن تخرج قمة مجلس التعاون في الكويت في 10 ديسمبر 2013 برؤيةٍ واضحةٍ لهذه التقلبات الكبرى في موازين القوى في المنطقة والعالم.
بإمكان دول المجلس أن تكون أكثر تأثيراً وأثقل وزناً مما هي عليه اليوم، ولكن ذلك مرهونٌ بحسن التخطيط والتنسيق والعمل والتنفيذ، ولقد مرت هذه الدول بمراحل فشل وتناقض ومراحل اتفاق واتساقٍ ولكنّ السفينة كانت تبحر غالباً نحو الأفضل وبخاصةٍ في الملفات الكبرى، ومع التأكيد الدائم على أهمية تطوير المجلس وآلياته ومؤسساته فإننا بحاجةٍ ماسةٍ اليوم إلى نقلةٍ نوعيةٍ لا مجرد تحسينات شكلية، فالمشكلات تزداد تعقيداً ولا يمكن مواجهتها إلا باستراتيجيات شاملةٍ لا بالتعامل معها فرادى.
أما على مستوى الاستجابة الشعبية أو الحزبية فإن غالبية شعوب دول مجلس التعاون تتحكم فيها هواجس راسخة وذكريات قارّةٌ تجاه عدائية إيران وهي تزداد في مثل هذه اللحظات الغامضة من التحولات الكبرى، ولكن يمكن رصد توجهٍ غريبٍ يستحق التأمل، وهو أن ثمة تيارات في دول الخليج تلقت الاتفاق على أساس الشماتة ببلدانها وتقريع سياساتها والغض من قوتها وهو أمرٌ بالغ السوء ذلك أن أوقات اشتداد الأزمات يجب أن تدفع للتوحد والاصطفاف الوطني بينما يصرّ البعض على "قطع أنفه نكاية بخصمه"، إنها باختصار تيارات تعادي فكرة "الدولة" من الأساس بغض النظر عن مواقفها تجاه القرارات الحكومية. والسؤال الأهم في هذا السياق هو ماذا بعد؟ ماهي الطرق الأمثل والاستراتيجيات الأشمل التي يجب على دول الخليج أن تتبناها لمواجهة هذه التطورات المهمة؟ ومن هم المعنيون بالإجابة؟ إن اعتماد الاستراتيجيات هو من شأن الدول لا الأفراد وهو واجبها، ولكن هذا لا يمنع من مشاركة الجميع في محاولات تلمس الأصوب والأفضل.
أخيراً، إن طرح الأسئلة الصائبة أحياناً هو أجدى من تقديم الإجابات، فالسؤال مفتاح للتفكير والتصور والتطوير، وبعض الإجابات الجامدة تخدير وحجاب عن رؤية المستقبل
هذه حزمة من الأسئلة التي تحتاج لإجاباتٍ مقنعةٍ، ذلك أنه أولاً: ثمة تناقض صارخ في التصريحات بين الطرفين المتفقين، وبخاصة بين أميركا وإيران، إن في تسريبات بنود الاتفاق أميركياً وإن في التصريحات العنترية الإيرانية، وهو أمر يمكن تفهمه، فعلى كل من يصرح في الاتفاقات الصعبة والخيارات الاستراتيجية غير الشعبية أن يخاطب شعبه ويقنع تياراته وتوجهاته، وإنْ بشكل صارخ كي يمهد الطريق للقبول الجمعي.
ثانياً: أما دخول المفتشين الدوليين للمنشآت الإيرانية، فإيران أصدرت ترحيباً لتفتيش مفاعل "آراك" والمفتشون الدوليون سيتجهون إليه خلال أيام في 10 ديسمبر، ويمكن اكتشاف الكثير من هذه الزيارة.
ثالثاً: التوقيت. هل اختارته إيران بناء على أوضاعها الداخلية المهترئة جرّاء ضغط العقوبات الاقتصادية؟ أم اختارته لتحييد القوى الدولية بعد مكاسبها الإقليمية في الهيمنة والنفوذ، والتي سيدعمها أي نجاحٍ في تخفيف تلك العقوبات، وإنْ على حساب تنازلات مريرةٍ في الملف النووي؟ هل للتنسيق الكامل مع روسيا والخسائر الضخمة التي تكبدتها جرّاء السعي للنفوذ والأزمة السورية دور في ذلك؟ أم أن التوقيت أميركي أوبامي بجدارة؟ حيث فشلت إدارته بعد خطابه الشهير في جامعة القاهرة 2010 في التنبؤ بما كان يسمّى بـ"الربيع العربي"، كما اتخذت سياساتٍ فاشلةٍ بالتحالف مع الإسلام السياسي في دول الانتفاضات العربية، وفشلت داخلياً في غالب الملفات ومن أهمها ملف الضمان الصحي الذي اضطر أوباما أن يعتذر للشعب الأميركي عن فشله، إذن فهو بحاجةٍ لأي إنجازٍ يمكنه من حفر اسمه في تاريخ البيت الأبيض وفي العالم، وقد التقت رغبته هذه برغباتٍ إيرانية ودولية فولد الاتفاق. إن غواية الإدارة الأميركية تجاه "الربيع العربي" وغوايتها تجاه التحالف مع جماعات الإسلام السياسي كبديلٍ عن الأنظمة القديمة وكجدارٍ واقٍ من جماعات الإرهاب هي أوهام ثبت خطأها، أما الغواية الثالثة فهي غواية أقدم من هاتين، وهي تلك التي تتعلق بفهم وتوصيف وبالتالي التعامل مع تعقيدات منطقة الشرق الأوسط، ففي الولايات المتحدة بشكل خاصٍ تمّ التغلغل قديماً في المؤسسات الأكاديمية من باحثين إيرانيين، وتمّ إصدار العديد من الكتب والدراسات والأبحاث التي تروّج لفكرةٍ سهلةٍ ولكنها مؤثرة جداً حين تصل لصانع القرار السياسي، وتقوم الفكرة على أن الشيعة في الشرق الأوسط يمثلون الأقلية المضطهدة الديموقراطية، وأن السُنة يمثلون الأكثرية المضطهِدة الديكتاتورية. ولئن لم تنعتق أميركا من هذه الغوايات الثلاث، فإنها لن تكون قادرةً على تقديم حلولٍ أو بناء استراتيجيات تكون قابلةً للاستمرار والثبات. إن الإجابة على سؤال التوقيت تمنح رؤيةً أوسع وقراءة أصح لهذا الاتفاق الجديد. الحزمة الثانية من الأسئلة هي كيف تلقى العرب هذا الاتفاق؟ إن على مستوى الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي أو على مستوى الدول كلٌ بحسبه، ثم كيف كانت الاستجابة له على مستوى الشعوب أو التيارات أو الرموز أو الأفراد؟
على مستوى الجامعة العربية، فقد أخرجت بياناتها المعهودة، وعلى مستوى مجلس التعاون الخليجي فقد اختلفت ردود الفعل تجاه الاتفاق بين مشاركٍ ومرحبٍ ومتحفظٍ، لأنه مجلس تعاون وليس اتحاداً، ولعلّ بعض دول المجلس محقة في ارتيابها فمن يمكنه أن يأمن إيران مع كل تاريخها العدائي ضد دول الخليج والعرب عموماً؟ وربما كان بعضها محقاً في تلمس النوايا الإيرانية تجاه المنطقة ومحاولة البحث عن مخرجٍ من أمّ الأزمات في المنطقة وهي إيران.
الجيد في الاتفاق- إنْ تمّ اعتماده- هو ابتعاد دول المنطقة عن صراع التسلح النووي الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، والسيئ هو استمرار مشاكل دول المنطقة وشعوبها مع طموحات إيران الأخرى التي لا تعني الدول الغربية كثيراً. وهذه تحديداً يجب أن تكون على رأس أولويات دول الخليج في المرحلة المقبلة، ويجب أن تخرج قمة مجلس التعاون في الكويت في 10 ديسمبر 2013 برؤيةٍ واضحةٍ لهذه التقلبات الكبرى في موازين القوى في المنطقة والعالم.
بإمكان دول المجلس أن تكون أكثر تأثيراً وأثقل وزناً مما هي عليه اليوم، ولكن ذلك مرهونٌ بحسن التخطيط والتنسيق والعمل والتنفيذ، ولقد مرت هذه الدول بمراحل فشل وتناقض ومراحل اتفاق واتساقٍ ولكنّ السفينة كانت تبحر غالباً نحو الأفضل وبخاصةٍ في الملفات الكبرى، ومع التأكيد الدائم على أهمية تطوير المجلس وآلياته ومؤسساته فإننا بحاجةٍ ماسةٍ اليوم إلى نقلةٍ نوعيةٍ لا مجرد تحسينات شكلية، فالمشكلات تزداد تعقيداً ولا يمكن مواجهتها إلا باستراتيجيات شاملةٍ لا بالتعامل معها فرادى.
أما على مستوى الاستجابة الشعبية أو الحزبية فإن غالبية شعوب دول مجلس التعاون تتحكم فيها هواجس راسخة وذكريات قارّةٌ تجاه عدائية إيران وهي تزداد في مثل هذه اللحظات الغامضة من التحولات الكبرى، ولكن يمكن رصد توجهٍ غريبٍ يستحق التأمل، وهو أن ثمة تيارات في دول الخليج تلقت الاتفاق على أساس الشماتة ببلدانها وتقريع سياساتها والغض من قوتها وهو أمرٌ بالغ السوء ذلك أن أوقات اشتداد الأزمات يجب أن تدفع للتوحد والاصطفاف الوطني بينما يصرّ البعض على "قطع أنفه نكاية بخصمه"، إنها باختصار تيارات تعادي فكرة "الدولة" من الأساس بغض النظر عن مواقفها تجاه القرارات الحكومية. والسؤال الأهم في هذا السياق هو ماذا بعد؟ ماهي الطرق الأمثل والاستراتيجيات الأشمل التي يجب على دول الخليج أن تتبناها لمواجهة هذه التطورات المهمة؟ ومن هم المعنيون بالإجابة؟ إن اعتماد الاستراتيجيات هو من شأن الدول لا الأفراد وهو واجبها، ولكن هذا لا يمنع من مشاركة الجميع في محاولات تلمس الأصوب والأفضل.
أخيراً، إن طرح الأسئلة الصائبة أحياناً هو أجدى من تقديم الإجابات، فالسؤال مفتاح للتفكير والتصور والتطوير، وبعض الإجابات الجامدة تخدير وحجاب عن رؤية المستقبل