صفحة 1 من 1

الفكر السياسي لعبد الرحمن الكوكبي

مرسل: السبت ديسمبر 07, 2013 4:07 pm
بواسطة محمد الحربي32
لفكر السساسي عند عبد الرحمن الكوكبي


جدل الدين والسياسة في العقلانية الإصلاحيــة

يتصل الدين بالسياسة وينكشف دوره في التغيرات الفكرية و الإيديولوجيـة التي تطرأ على المجتمعات وهذا ما يدعو إلى تأصيل فلسفي للعلاقة بينهما مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدين يعبر عن المطلق في اطلاقيته و السياسة تعبر عن نسبيتها للإرتباطها بواقع متغير .
وإذا كانت هذه العلاقة ونقصد بذلك علاقة الدين والساسة ,ذات تأسيس قديم مرتبط بلحظة تأسيس الفكـر فإن ذلك لم يغب عن حقل الفكر الإصلاحي الذي أرقته هاته المشكلة من جانبها النظري وجانبها الواقعي .
فعلى الصعيد النظري ووفق لمعيار إسلامي ,هدف الإنسان عبادة الله ,وهذا ما يقضي تنظيم المؤمنين و الأمـة في إطار حكومة تتبع الشريعة وتلتزم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحمي المسلمين صد الخطر الخارجي وتحقق الروحانية في المجتمع (1) وقد تدعمت هذه الآراء انطلاقا من علماء أمثال " الماوردي " (391- 1031 ) وابن تيمية (1263-1328) وعرف الماوردي في كتابه " الأحكام السلطانية " الخلافة بأنها مستمدة من الشرع وقال بالنقل لا بالعقل , وذهب إلى أن القرآن فرض على الناس طاعة أولي الأمر منهم باعتبار الحاكم خليفة النبي صلى الله عليه وسلم يعني بحماية الدين وسياسة الدنيا وتنفيذ الأحكام الشرعية ويتم اعتباره من قبل أهل الحل والعقد أو بعهد من الخليفة السابق " 2
كما أقر ابن تيمية حق الحاكم أن يفرض الطاعة على رعاياه وواجب الرعايا أن يطيعوا الحاكم حتى ولو كان ظالما بحجة أن ذلك خير من الفتنة وانحلال الأمة (3) .
لكن على الصعيد الواقعي , يثبت التاريخ الإسلامي أن هناك سلبيات كثيرة أتت من نموذج العلاقة بين الإسلام و الدولة حيث تستغل السلطة مقولة الإسلام دين و دولة لتبرر ممارساتها غير الإنسانية وغير الإسلامية , فهي تكشف عن انفصال وليس اتصال نظرا لتحول نظام الخلافة إلى نظام ملكي مفتت لوحدة الأمة .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ ــ

وقد استغلت السلطة مقولات العلماء والفقهاء بما
فيها مقولة طاعة الحاكم طاعة مطلقة على أساس أنها واجب ديني حتى ولو كان الحاكم ظالما وتتصل بهذه المقولة ,مقولة التمسك بالنظام مهما كان تجنبا للفتنة , وقد أحدثت هذه السلوكات هوة ساحقة بين الحاكم و الرعية , حيث جعلت المجتمع الإسلامي يعيش في استلاب , و تناقض بين تطلعات لمستقبل وحدوي قائم على الدين وبين سلطة تحرك تغيرات قبلية .
في هذا الإطار يظهر أن التأسيس للعلاقة بين الدين و السياسة ,يجب أن يحاط بعقلانية نقدية لا تخرج عن مسألة الاجتهاد الذي يعتمد أدوات تربط بين العقل و الشريعة و الواقع بهدف توحيد الأمة . وتجاوزا لكل الممارسات اللاشرعية للسياسة و التي يخولها لها التعامل الوظيفي للدين و الذي يصبح وفق للمقولة الماركسية أفيون للشعوب لذا كان على عاتق العقلانية الإصلاحية والتي أطرتها من الناحية التاريخية الحداثة الغربية أن تطرح إشكاليات النهضة في سياق سياسي فكان انشغالها حول , كيف نوفق بين ما هو ثابت وما هو متغير؟ ولماذا عندما يحضر الدين تحضر السياسة و يحضر الصداع ؟ كيف نجعل المطلق في خدمة النسبي ؟ وكيف نتجاوز الذهنية المتطرفة " سلطان " التي تحكم باسم الدين ؟
كل هذه الأسئلة حملها باطن السؤال المحوري الذي حرك الفكر الإصلاحي ألا وهو كيف يمكن طي التأخر وانجاز
التقـدم ؟
تؤرخ الحركة الفكرية العربية بالقرن التاسع لعصر النهضة العربية الحديثة . إذ في هذا القرن بدأت في العالم العربي , وبالذات في عصر عليه تفتح على أسباب الحضارة و التعرف على وسائل التقدم , وبدأ الإنسان العربي منذ ذلك التاريخ يدرك مكانه من حركة التقدم الإنساني و بعقد المقارنات بين مكانه ومكانته وبين ما وصل إليه غيره . خصوصا في أوربا و أوربا البحر المتوسط بالذات .
و في خضم هاته التغيرات نشأت الأجنة الأولى لتيارات العقلانية والتنوير في بدايات تشكل الفكر السياسي الإصلاحي في مشروع النهضة العربية و تبلورت إرهاصاتها الأولى في غمرة لحظة تحول تاريخي وفق فيه العرب على معالم قوة أوربا وصعودها التاريخي. (1)
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ ـــــ

هذا الوعي ارتبط في تشكله بواقع تاريخي اتسم بالتأخير و الاستبداد في ظل دولة سلطانية مستندة لمنظومة مفاهيم " السياسة الشرعية " و المسماة في خطاب فقهاء السياسة بدولة الخلافة و من جهة أخرى بمحاورة مستمرة للفلسفة السياسية الللبيرالية في أطروحاتها الكبرى و مفاهيمها الرئيسية .
إن مواجهة هذا الوضع الجديد في إطار إيجاد السبيل لإنجاز الإصلاح , وضع الفكر الإصلاحي في بوادره أما ظاهرتين جديدتين تولدتا من مقومات الذات التاريخية التي تعمل على المحافظة على استمراريتها ,وفي نفس الوقت لا ترفض المكاسب الإيجابية للأزمنة الحديثة وهاتين الظاهرتين تبرزان في حركة الإحياء الديني وحركة الانبعاث العربي أو القومي .
فيما يخص حركة الإحياء الديني ممثلة في جمال الدين الأفغاني ,فإنها دعت إلى ضرورة توحيد كلمة الإسلام وجمع شتات المسلمين في سائر أقطار العالم في شكل دولة إسلامية واحدة تمد الجسور وتبقى غلى الصلة العضوية بين مفهومين العروبة و الإسلام , وتجسد ذلك في شعار " الجامعة الإسلامية " و التي كان يرى من خلالها الأفغاني جمع شتات المسلمين على الاعتقاد الديني أكثر مما يقوم على الولاء للوطنية حيث يرى أن ضعف الدولة العثمانية يرجع إلى تخليها عن مسؤوليتها في البناء الحضاري وعدم جريها مع أحكام الزمن . ومن هنا تظهر وظيفة هذه الدولة الناشئـة التي كان يدعو إليها الأفغاني و المتمثلة في خدمة الإسلام و مجتمعه .
وخلق مدينة إنسانية تضاهي المدينات السـائدة في عصره . لأن انحطاط الحضارة الإسلامية من وجهة نظره يعود إلى إهمال ما كان سبب في النهوض و المجد وعرة الملك , و هو ترك حكمة الدين و العمل بها وهي التي جمعت الأهواء المختلفة و الكلمة المتفرقة وكان للملك أقوى من عصبية الجنس و قـوته " (1)
فقيام الدولة عندئذ, لا يتحقق إلا بعنصري العصبية و الدين, ويبدوا أن الأفغاني يعطي أهمية لقوة الدين الذي قامت على أساسه ويتوحد العرب في قوة العصبية.
وهنا تطرح قضية الدين في بناء الأمة أو الدولة. أو لنقل العلاقة بين الدين و الدولة و التي يتخذ جمال الدين الأفغاني موقفا منها , فهو يرفض كل الطرح من شأنه يجعل الدولة الإسلامية الحديثة رهن النظرة الغربية التي تفصله عن الدولة كشرط لوجود التمدن . فهو يرفض بصراحة الإطار المرجعي ل" المتمدن الأوربي "
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ

ولنقل النموذج الأوربي ليطرح بدله (التمدن الإسلامي ) بل النموذج العربي الإسلامي ليس فقط كمشروع يدعوا إلى الأخذ به . بل أيضا كتجربة يستخلص الدرس منها ,(.....) لأن ما بلغه المسلمون من عظمة و مجد إنما يرجع إلى قيام دولتهم على أساس الدين وأن ما طرأ عليهم من الانحلال و الضعف إنما يرجع إلى انفصال الرتبة العلمية ( الدينية ) من رتبة الخلافة وفيما قنع الخلفاء العباسيون باسم الخلافة دون أن يجوزوا شرف العلم والتفقه في الدين و الاجتهاد في أصوله وفرعه كما كان الراشدون رضي الله عنهم "(1)
إن الالتزام بالعملية التاريخية يفرض الحديث عن التحول الذي حصل داخل التيار الإصلاحي الذي بدأ راغبا في أصلاح الدولة العثمانية وناضل من أجل الحريات الديمقراطية و الحكم الدستوري مع البقاء تحت سيطرة الخلافة إياها ,إلا أن تسلم الطورانية المتعصبة الحكم أحدث انقساما سياسيا بين متمسك بالعثمنة بالرغم من نضاله الجديد ضد الطورانية , و بين كافر بها وداع الى استقلالية تامة باسم العنصر العربي , وهنا انتقل السؤال السياسي عمن يحكم ليطبق دستور الإسلام ويقيم حدود الشرع إلى سؤال كيف نحكم و عن أنظمة الحكم الأصح؟ .
في هذا الصدد يصبح استحضار عبد الرحمان الكواكبي (2) لرؤية قومية ظاهرة ثانية اتسم بها الفكر الإصلاحي حيث تبلورت نظرته إلى اتجاه يؤكد القومية ويطالب بالاستقلال السياسي , وذلك لما شاهدته في تلك الفترة العلاقات العربية التركية من الحكم الاستبدادي للسلطان عبد الحميد الثاني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر
لقد تجسدت الدعوة إلى أهمية العنصر العربي و أهميته بالسلطة المستقلة عن الحكومة العثمانية مع كتابات الكواكبي في بادئ الأمر , وهذا التوجه نحو بناء فكرة قومية عربية كان بفعل واقع موضوعي خاص سياسيا واجتماعيا فرضته سياسة التتريك , ألا أن هذا التحديد لا ينفي الأثر التنويري على الفكر العربي نتيجة المثاقفة التي حدثت بين الفكر العربي و الفكر التنويري , فكان أول حصيلتهما هو السؤال عن الهوية و الانتماء , وهو سؤال حركه الشعور بخطر القوى الخارجية التي تتآمر لاغتيال هويتنا الثقافية و الحضارية من جهة ومن جهة أخرى انحراف السلطة العثمانية عن الإيديولوجية الإسلامية بالمفهوم الأصيل لهذه الإيديولوجية , لذلك تعد قضية الهوية و الانتماء من أهم القضايا التي يواجهها الفكر السياسي العربي .
إن هاتين الظاهرتين في شكليهما الإحيائي الديني و الإحيائي العربي تضع الفكر السياسي العربي أمام خياران احدهما ديني و آخر قـومي.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ ـ

وطرح القضية بهذه الصورة يفترض مسبقا أن موضوع الخيارين واحد , كما يفترض أن بينهما تناقض لا يسمح بتواجدهما معا , خاصة و أن الواقع السياسي و الاجتماعي المطلق منه قد اتسم بكل أوصاف التأخر و الانحطاط بسبب الطبيعة الاستبدادية لنظام الحكم المتمثل في السلطان الذي تقويه المقولات الفقهية التي مثلت غطاء الممارسة كل أشكال الاستبداد و الفصل العنصري .
بينما يبدو هذا المخطط واضح أمام أعيننا و نجد أن إعطاء بديل سياسي لما هو ديني كان لابد منه محاولة لتوطين وتأصيل الممارسة السياسية الحديثة وفقا لما تقتضيـه الهوية العربية تجاوزا للنظام القائم, وهذا ما دعا إليه عيد الرحمان الكواكبي في رؤيته السياسية القائمة على قواعد الحرية السياسية , فبدلا من هذا النظام العثماني المستبـد بتصور الكواكبي نظاما ديمقراطيا يصنعه الناس بإدخال الأساليب الحديثة على حياتهم ونشر الثقافة وتوسيع مجال الحريات السياسية و الاجتماعية و الفكرية و إصلاح النظام الإداري , ويرجع الكواكبي الخلافة إلى العرب الذين يعتبرهم أمة واحدة بحكم الوطن واللغة و الدين" وهو يرى في اللغة العربية الرابطة الأولى بين العرب و بذلك يعيد المفهوم التراثي للأمة العربية ولكن تأثيره بالمفاهيم الحديثة للوطنيـة و الجنسية جعله يرى أن الأمة تربطها روابط الجنس و الوطن وحقوق مشتركة" . (1)
إن نظرة متفحصة للواقع العربي تظهر بوضوح اختلاف الرؤى داخل الحقل الإصلاحي بالرغم من تبلورها من خلال مقولات الأحتهاد , وهذا ما سمح في الوطن العربي بقيـام جدل حـول أوجـه العلاقـة بيـن الـدين
و القوميـة , مـن حيـث الاتفاق او التباعد, وكـان الـسؤال المحـوري أيهـا اسبـق مـن النـاحية التـاريخية ؟ وأيهما ينـاط به عبء النهضـة و الثـورة و الخلاص مـن ريقـة التخلـف و مـن الـواقع السياسي المستبـد ؟
لقـد احدث ذلك خلل في فهـم العـلاقة بين العـروبة كـأساس للقوميـة و بين الإسلام كرابطـة عقائديــة وقـد تمثل الخـلل تحـديدا في أن هنـاك من حملـة الفكـرة القــوميـة يعتبـر السلطـة الدينيــة نقيـض للدولة القـوميـة , كمـا أن هنـاك بالمقـابل من حملـة الفكـرة الإسلامية ينظـرون للـدولة القوميـة نقيـض للـدولة الإسلامية .
إن هـذا يعطـي مفهـوما جـزئيـا لقضيـة الانتماء والهويــة , في حين كـان يستلزم تقـديم مفهـوم متكامـل لهـا . وهـذا مـا يحمـل عـلى عـاتق الفكـر العربي بجميـع تيـاراتـه
.ــــــــــــــــــــــــ� �ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــ

وفي إطار المـواجهـة الفكـريـة وتجـاوزا للعقلانية الإصلاحيـة الإسلامية , ظهر تيار فكـري سيـاسي نقـدي مضـاد مثلـه جيـل من المفكـرين تشبعـوا بـأطروحات الثـورة الفرنسيـة وأخـذوا بقسـط وافـر مـن انجـازات المـدينـة الأوربيـة و مـن أعـلام هـدا التيار" شيلـي شميـل " و"فـرح أنطوان " و" سلامـة مـوسى " وغيرهم ووجد هـؤلاء في النموذج الغربي إجابات عن تساؤلات الواقع العربي فدعوا إلى الأحد بعقلانية الفكر التنويري في شتى المجالات السياسية و الاجتماعية والثقافية ,هذا ما جعل أطروحات هذا التيار في صدام مستمر مع المؤسسة الدينية التقليدية ممثلة في الأزهـر وقد بـدأ هذا التيار بكتاب " علي عبد الرزاق " (1887-1946)"" الـذائع الصيـت الإسلام و أصول الحكم "والـذي أقـر فيه أن الإسلام دين دنيا لكنـه ليـس دينـا ودولــة ودعـا إلى هـدم نظـام الخـلافة الذي كـان قـد انتهى سياسيا بالفعل سنـة 1922 م ولكنـه ظـل عـالقا بخيال الدعـاة الإسلاميين (1),لقـد طـرح عبد الرزاق مبدأ الفصل بين الدين والدولة أساس لكـل تحديث سيـاسي وذلك استنادا إلى بحث في أصول الإسلام الكبرى وتتبـع للممارسة الإسلامية في التاريـخ الإسلامي أفضـى بـه ذلك إلى أن سلطـة النبي عليه الصلاة والسلام كانت سلطـة دينية وليست سلطـة سياسيـة وان الخـلافة بعده هي ممارسة لا علاقـة لها بالنيوقراطيـة .
وصفـوة القـول ممـا تقـدم حول الجـدل الدائـر بين السياسـة و الدين في عقـلانية الفكـر النهضـوي هـو أن الأزمـة التي عاشها الفكر النهضـوي تتـركـز كليا على الدولـة حسـب تصـورهـا السـائـد لمفهـوم السياسة , بالرغم من محاولـة تـوطيـن الـدولـة الـوطنية كمـا هي في العقـلانيـة الحـديثـة إلا أن البحـث عـن الذات شكـل عـائقـا ابستملوجيا أمام جهـودهـم في تقـديم الحلـول والتي كـانت في غـالبهـا حلـول مبنيـة على التقليـد وليس على التـأصيـل ممـا أعطـاها طـابعـا مثـاليـا يبتعـد عـن المجتمع العـربي الإسلامـي .