الأمن القومي والبحث العلمي
مرسل: السبت ديسمبر 07, 2013 9:46 pm
السيد يسين
عادة حين يستخدم مفهوم الأمن القومي فإنه يطوف بالذهن الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية التي تتعلق بمواجهة التهديد الموجه لدولة ما، والطرق الفعالة لمواجهته. غير أن هذا المفهوم الضيق للأمن القومي اتسع في العقود الأخيرة، لكي يشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع. ولعل أبلغ تعبير عن هذا الاتجاه في شمول مفهوم الأمن القومي، ما ذهب إليه «ماكنمارا» وزير الدفاع الأميركي السابق، من أن الأمن القومي هو التنمية!
وربما كان هذا التعريف من أدق التعريفات، ذلك أن قدرة أي مجتمع على مواجهة ضروب التهديد التي يتعرض لها، سواء من الخارج أو الداخل تتوقف إلى حد كبير على درجة الاستقرار السياسي، ونوعية التماسك الاجتماعي، وغياب الصراع الثقافي الحاد، واطراد معدلات التنمية، وبعبارة أكثر إجمالاً درجة التقدم في سلم الحضارة المعاصرة.
ونريد التأكيد على مفهوم الحضارة المعاصرة، ذلك أن بعض المجتمعات في العالم الثالث تمتلك أصولاً حضارية عريقة، غير أنها - لأسباب شتى- ترسف في إسار التخلف، لأنها لم تأخذ بأسباب التقدم، كما تقدمها الحضارة المعاصرة. وهذه الحضارة، تقوم في الواقع على إنجازات الثورة العلمية والتكنولوجية، التي برزت معالمها على وجه الخصوص في البلاد الصناعية المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد السوفييتي قبل انهياره، واليابان وألمانيا. وهذه الثورة الفريدة في تاريخ الإنسانية تتسم بكون العلم أصبح لأول مرة عنصراً أساسياً من عناصر الإنتاج، يضاف إلى الموارد الطبيعية. وهكذا يمكن القول بكل بساطة إنه كلما تقدم البحث العلمي في بلد ما، واتسع نطاق التكنولوجيا والتي هي التطبيقات العلمية للعلم، كلما زاد الدخل القومى، وارتفعت معدلات التنمية، مما من شأنه أن يصب في قوة الدولة بالمعنى الشامل لذلك، وينعكس على نوعية حياة المواطنين.
ونستطيع أن نلخص جوهر المشكلات المطروحة بصدد غياب سياسة قومية عربية للعلم والتكنولوجيا في عدد من المقولات الرئيسية: غياب الدور الرئيسي والحاسم الذي تلعبه سياسات العلم والتكنولوجيا في تحقيق الأمن القومي من إدراك النخب السياسية العربية الحاكمة، وسيادة نمط متخلف في استيراد التكنولوجيا، يتمثل في الاعتماد كلية على الخارج بتطبيق أدوات نقل التكنولوجيا التي تهيمن عليها المراكز التكنولوجية في الغرب، وبالتالي تفرض شروطها المالية والتقنية والسياسية في بعض الأحيان، بما يؤدى إلى الإجحاف الشديد بدول العالم الثالث، والزيادة المتصاعدة لفاتورة نقل التكنولوجيا في كل المجالات، ومن شأن هذه السياسة إضعاف القوى التكنولوجية الوطنية الحية، وعدم دعمها وتشجيعها، والانصراف عن تطبيق نتائج البحث العلمي التي يتوصل إليها الباحثون العلميون والوطنيون، وإهدار الاختراعات الوطنية المسجلة والتي ثبت فائدتها، وعدم تمويل تصنيعها. وهناك أيضاً مسألة غلبة وزن أصحاب المصالح الاقتصادية في عملية صنع القرارات الخاصة بالتكنولوجيا. وقد زاد هذا الوزن بصورة متعاظمة مع زيادة اتساع معدلات خصخصة الاقتصادات الوطنية، وارتفاع معدلات القطاع الخاص في مجال التنمية، والاندفاع لاستيراد التكنولوجيا في كل المجالات، وأخطر من هذا التحطيم المتعمد للمؤسسات الاقتصادية ومراكز الأبحاث والشركات التي قامت بدور رائد في فترة سابقة، لتنمية البحث العلمي الوطني، وابتداع تكنولوجيات محلية، أو تكييف تكنولوجيات مستوردة، وذلك في قطاعات أساسية تمس جماهير الشعب، وأبرزها في قطاع الأدوية وقد أدى فتح باب الاستيراد بغير قيود في مجالات عديدة، إلى ضرب المنتجات الوطنية، وإزاحتها من السوق.
وقد أثبتت بعض الدراسات العلمية المصرية المهمة التي درست الجوانب القانونية في نقل التكنولوجيا، أن إلغاء المنتج الوطني، وتصفية الشركات التي تنتجه شرط من شروط بعض الشركات الأجنبية التي أنشئت في مصر. ويؤكد هذه الحقيقة مراجعة نص العقود التي قامت هذه الشركات على أساسها.
ولعل أبرز المشكلات المطروحة، أنه نتيجة لضعف إدراك النخبة السياسية العربية بالأهمية القومية لسياسات العلم والتكنولوجيا في تحقيق الأمن القومى العربي، فإن نسبة ما يخصص من ميزانيات للبحث العلمي بالغ الضآلة إذا ما نسب إلى معدلات الدخل القومي. ولن تحل المشكلة بمجرد زيادة الميزانيات، وإنما بالاتفاق على صياغة سياسة للعلم والتكنولوجيا واضحة الهدف، ومحددة الوسائل.
ويحتاج المجتمع العلمي العربي إلى إعادة تنظيم من الناحية المؤسسية والاجتماعية والفكرية، ذلك أنه لابد للباحثين العلميين أن يكون لهم صوت مسموع، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال روابط مهنية، في شكل نقابات وجمعيات ونواد فكرية، تسهم في تقديم الرؤى العلمية لهؤلاء الباحثين لحل مشكلات التنمية الشاملة من ناحية، والنهوض بالمجتمع العلمي ذاته، سواء من ناحية التأهيل أو التدريب، أو البحث والنشر العلمي، أو العلاقة مع أوساط البحث العلمي العالمي.
وفي تقديرنا أن كل مشكلة من المشكلات التي طرحناها، يمكن أن تقترح لها الحلول المناسبة، لو استطعنا أن نرفع مستوى إدراك النخبة السياسية العربية بالأهمية الفائقة لسياسات العلم والتكنولوجيا لتحقيق الأمن القومي بالمعنى الشامل.
ويمكن أن يتم ذلك بوسائل شتى، لعل أهمها إجراء دراسة تقييمية شاملة لأوضاع العلم والتكنولوجيا في الوطن العربي، لتقدير الإنجازات وإبراز جوانب الفشل والقصور، وذلك في إطار مقارن يشمل الدول المتقدمة ودول العالم الثالث، مع التركيز الشديد على إسرائيل باعتبارها ستكون هي دائماً مصدر التهديد الدائم للأمن القومي العربي، مهما وقعت من اتفاقيات سلام مع الدول العربية.
ومن ناحية أخرى لابد للمجتمع العلمي العربي أن ينشط لممارسة دوره في نقد وتحليل السياسات الحكومية المعلنة، وتقديم رؤى بديلة مدروسة.
ويستطيع المجتمع العلمي أيضاً من خلال مراكز الأبحاث المستقلة، والجمعيات العلمية -مثل «نقابة علماء مصر تحت التأسيس» التي أسست مؤخراً وعقدت عدة ندوات علمية هامة- أن يقدم رؤى بديلة وسياسات مقترحة للعلم والتكنولوجيا، تعرض على صانع القرار وعلى الرأي العام في نفس الوقت.
ولابد أن يقر في الأذهان، أن تأصيل تقاليد البحث العلمي والتكنولوجيا على الأرض العربية، أصبح اليوم أكثر من أي عهد مضى، ضرورة من ضرورات الوجود العربي ذاته في القرن الحادي والعشرين.
عادة حين يستخدم مفهوم الأمن القومي فإنه يطوف بالذهن الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية التي تتعلق بمواجهة التهديد الموجه لدولة ما، والطرق الفعالة لمواجهته. غير أن هذا المفهوم الضيق للأمن القومي اتسع في العقود الأخيرة، لكي يشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع. ولعل أبلغ تعبير عن هذا الاتجاه في شمول مفهوم الأمن القومي، ما ذهب إليه «ماكنمارا» وزير الدفاع الأميركي السابق، من أن الأمن القومي هو التنمية!
وربما كان هذا التعريف من أدق التعريفات، ذلك أن قدرة أي مجتمع على مواجهة ضروب التهديد التي يتعرض لها، سواء من الخارج أو الداخل تتوقف إلى حد كبير على درجة الاستقرار السياسي، ونوعية التماسك الاجتماعي، وغياب الصراع الثقافي الحاد، واطراد معدلات التنمية، وبعبارة أكثر إجمالاً درجة التقدم في سلم الحضارة المعاصرة.
ونريد التأكيد على مفهوم الحضارة المعاصرة، ذلك أن بعض المجتمعات في العالم الثالث تمتلك أصولاً حضارية عريقة، غير أنها - لأسباب شتى- ترسف في إسار التخلف، لأنها لم تأخذ بأسباب التقدم، كما تقدمها الحضارة المعاصرة. وهذه الحضارة، تقوم في الواقع على إنجازات الثورة العلمية والتكنولوجية، التي برزت معالمها على وجه الخصوص في البلاد الصناعية المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد السوفييتي قبل انهياره، واليابان وألمانيا. وهذه الثورة الفريدة في تاريخ الإنسانية تتسم بكون العلم أصبح لأول مرة عنصراً أساسياً من عناصر الإنتاج، يضاف إلى الموارد الطبيعية. وهكذا يمكن القول بكل بساطة إنه كلما تقدم البحث العلمي في بلد ما، واتسع نطاق التكنولوجيا والتي هي التطبيقات العلمية للعلم، كلما زاد الدخل القومى، وارتفعت معدلات التنمية، مما من شأنه أن يصب في قوة الدولة بالمعنى الشامل لذلك، وينعكس على نوعية حياة المواطنين.
ونستطيع أن نلخص جوهر المشكلات المطروحة بصدد غياب سياسة قومية عربية للعلم والتكنولوجيا في عدد من المقولات الرئيسية: غياب الدور الرئيسي والحاسم الذي تلعبه سياسات العلم والتكنولوجيا في تحقيق الأمن القومي من إدراك النخب السياسية العربية الحاكمة، وسيادة نمط متخلف في استيراد التكنولوجيا، يتمثل في الاعتماد كلية على الخارج بتطبيق أدوات نقل التكنولوجيا التي تهيمن عليها المراكز التكنولوجية في الغرب، وبالتالي تفرض شروطها المالية والتقنية والسياسية في بعض الأحيان، بما يؤدى إلى الإجحاف الشديد بدول العالم الثالث، والزيادة المتصاعدة لفاتورة نقل التكنولوجيا في كل المجالات، ومن شأن هذه السياسة إضعاف القوى التكنولوجية الوطنية الحية، وعدم دعمها وتشجيعها، والانصراف عن تطبيق نتائج البحث العلمي التي يتوصل إليها الباحثون العلميون والوطنيون، وإهدار الاختراعات الوطنية المسجلة والتي ثبت فائدتها، وعدم تمويل تصنيعها. وهناك أيضاً مسألة غلبة وزن أصحاب المصالح الاقتصادية في عملية صنع القرارات الخاصة بالتكنولوجيا. وقد زاد هذا الوزن بصورة متعاظمة مع زيادة اتساع معدلات خصخصة الاقتصادات الوطنية، وارتفاع معدلات القطاع الخاص في مجال التنمية، والاندفاع لاستيراد التكنولوجيا في كل المجالات، وأخطر من هذا التحطيم المتعمد للمؤسسات الاقتصادية ومراكز الأبحاث والشركات التي قامت بدور رائد في فترة سابقة، لتنمية البحث العلمي الوطني، وابتداع تكنولوجيات محلية، أو تكييف تكنولوجيات مستوردة، وذلك في قطاعات أساسية تمس جماهير الشعب، وأبرزها في قطاع الأدوية وقد أدى فتح باب الاستيراد بغير قيود في مجالات عديدة، إلى ضرب المنتجات الوطنية، وإزاحتها من السوق.
وقد أثبتت بعض الدراسات العلمية المصرية المهمة التي درست الجوانب القانونية في نقل التكنولوجيا، أن إلغاء المنتج الوطني، وتصفية الشركات التي تنتجه شرط من شروط بعض الشركات الأجنبية التي أنشئت في مصر. ويؤكد هذه الحقيقة مراجعة نص العقود التي قامت هذه الشركات على أساسها.
ولعل أبرز المشكلات المطروحة، أنه نتيجة لضعف إدراك النخبة السياسية العربية بالأهمية القومية لسياسات العلم والتكنولوجيا في تحقيق الأمن القومى العربي، فإن نسبة ما يخصص من ميزانيات للبحث العلمي بالغ الضآلة إذا ما نسب إلى معدلات الدخل القومي. ولن تحل المشكلة بمجرد زيادة الميزانيات، وإنما بالاتفاق على صياغة سياسة للعلم والتكنولوجيا واضحة الهدف، ومحددة الوسائل.
ويحتاج المجتمع العلمي العربي إلى إعادة تنظيم من الناحية المؤسسية والاجتماعية والفكرية، ذلك أنه لابد للباحثين العلميين أن يكون لهم صوت مسموع، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال روابط مهنية، في شكل نقابات وجمعيات ونواد فكرية، تسهم في تقديم الرؤى العلمية لهؤلاء الباحثين لحل مشكلات التنمية الشاملة من ناحية، والنهوض بالمجتمع العلمي ذاته، سواء من ناحية التأهيل أو التدريب، أو البحث والنشر العلمي، أو العلاقة مع أوساط البحث العلمي العالمي.
وفي تقديرنا أن كل مشكلة من المشكلات التي طرحناها، يمكن أن تقترح لها الحلول المناسبة، لو استطعنا أن نرفع مستوى إدراك النخبة السياسية العربية بالأهمية الفائقة لسياسات العلم والتكنولوجيا لتحقيق الأمن القومي بالمعنى الشامل.
ويمكن أن يتم ذلك بوسائل شتى، لعل أهمها إجراء دراسة تقييمية شاملة لأوضاع العلم والتكنولوجيا في الوطن العربي، لتقدير الإنجازات وإبراز جوانب الفشل والقصور، وذلك في إطار مقارن يشمل الدول المتقدمة ودول العالم الثالث، مع التركيز الشديد على إسرائيل باعتبارها ستكون هي دائماً مصدر التهديد الدائم للأمن القومي العربي، مهما وقعت من اتفاقيات سلام مع الدول العربية.
ومن ناحية أخرى لابد للمجتمع العلمي العربي أن ينشط لممارسة دوره في نقد وتحليل السياسات الحكومية المعلنة، وتقديم رؤى بديلة مدروسة.
ويستطيع المجتمع العلمي أيضاً من خلال مراكز الأبحاث المستقلة، والجمعيات العلمية -مثل «نقابة علماء مصر تحت التأسيس» التي أسست مؤخراً وعقدت عدة ندوات علمية هامة- أن يقدم رؤى بديلة وسياسات مقترحة للعلم والتكنولوجيا، تعرض على صانع القرار وعلى الرأي العام في نفس الوقت.
ولابد أن يقر في الأذهان، أن تأصيل تقاليد البحث العلمي والتكنولوجيا على الأرض العربية، أصبح اليوم أكثر من أي عهد مضى، ضرورة من ضرورات الوجود العربي ذاته في القرن الحادي والعشرين.