الحسابات الإقليمية والدولية للصراع في شرق الكونغو الديمقراطي
مرسل: السبت ديسمبر 07, 2013 10:14 pm
الحسابات الإقليمية والدولية للصراع في شرق الكونغو الديمقراطي
د.بدر حسن شافعي
التطورات الراهنة في شرق الكونغو الديمقراطية ليست بالجديدة ، كما أنه من الخطأ تصور إمكانية حلها بسهولة لسبب بسيط هو تداخل الأبعاد الداخلية مع الأبعاد الإقليمية والدولية ، فضلا عن دور استغلالي لشركات التعدين الدولية التي تعمل على الحصول على مكاسبها الشخصية، بغض النظر عن الأوضاع الإنسانية المأساوية للبشر هناك.
لماذا الصراع في الشرق؟ للإجابة على هذا السؤال، قد يكون من المفيد بداية إلقاء بعض الضوء على المزايا الطبيعية للكونغو الديمقراطية "زائير سابقا"، فهي ثالث أكبر بلد إفريقي من حيث المساحة ، حيث تبلغ مساحته نحو مليونين وثلاثمائة ألف كيلو متر، ويزخر بثروات هائلة تتركز معظمها في شرق البلاد ، وفي مقدمتها الماس، والذهب، واليورانيوم، والكوبالت، والكولتان الذي يستخدم في تصنيع الهواتف المحمولة (70 % من الاحتياطي العالمي).
لكن يبدو أن هذه النعم تحولت إلى نقم أو لعنة في ظل طمع الداخل والخارج في آن واحد، مما أدى إلى نشوب خمسة صراعات ممتدة في مداها الزمني والجغرافي منذ استقلال البلاد عن بلجيكا عام 1960(الصراع أوائل الستينيات، والذي راح ضحيته المناضل الأسود باتريس لومومبا، بعد رغبته في تأميم الشركات العاملة في مجال الماس والذهب، وأزمة إقليم شابا الذي سعى للانفصال عام 1977، وأزمة الإطاحة بالديكتاتور السابق موبوتو سيسيسكو عام 1996-مايو1997، وأزمة الإطاحة بخلفه الرئيس لوران كابيلا أغسطس 1998-2003 ، ثم الأزمة الأخيرة الممتدة حتى الآن).
ويلاحظ أن الصراع في الكونغو بالرغم مما يبدو أنه صراع داخلي، فإنه صراع إقليمي يغذيه المجتمع الدولي، وهو ما كان واضحا في أزمة عام 1998، حيث تدخلت كل من أوغندا ورواندا وبوروندي عسكريا لصالح المتمردين في مواجهة الرئيس الراحل في حينها لوران كابيلا الذي استعان بكل من زيمبابوي وأنجولا وناميبيا ، لذا كان من أهم بنود اتفاق المصالحة عام 2003 انسحاب هذه القوات المتدخلة.
دور الشركات الدولية في الصراع
كما يلاحظ أن الصراع لا يقتصر على الفاعلين الدوليين، وإنما يزداد تعقيده بدخول الشركات متعدية الجنسيات العاملة في مجال التعدين فيه من أجل الحصول على عقود امتياز طويلة الأجل بالاتفاق مع الأنظمة الحاكمة المتعاقبة في البلاد، والتي كانت تحصل على عمولات كبيرة من هذه الشركات، فعلى سبيل المثال، قدرت ثروة موبوتو بثلاثين مليار دولار، مما جعله من أغنى أغنياء العالم ، في حين قام خلفه كابيلا الأب بتحويل حصيلة البنك المركزي الوطني إلى منزله.
ومن ثم فإن هذه الشركات الدولية تمارس سياسة الابتزاز لثروات البلاد عبر التحالف مع قوى التمرد في مواجهة النظم الحاكمة كما حصل ضد لومومبا، ويحصل الآن مع زعيم المتمردين التوتسي لوران نكوندا أو مع جماعة 23 مارس(Mars23 ) المدعومة من كل من أوغندا ورواندا ، أو الاستعانة بشركات أمن خاصة "المرتزقة" ليس فقط لتأمين أعمال التعدين والتنقيب، وإنما أيضا للمشاركة في الحرب مع أو ضد النظام، مقابل الحصول على عقود إذعان.فضلا عن ذلك، فإن هذه الشركات لها علاقات وثيقة مع الدول الأم التابعة لها، سواء أكانت شركات أمريكية، أم أوروبية، أم حتى إقليمية مثل الشركات الزيمبابوية والرواندية وغيرهما ، وهو ما يحكم تدخل هذه الدول من عدمه في عملية الصراع.
وعلى ذلك، فإنه من الصعوبة بمكان تصور وجود أي حل لهذه الأزمة بمنأى عن هذه الشركات التي يجب أن تؤخذ مصالحها في الحسبان. ولعل هذا ما يفسر لنا عدة أمور، أولها: لماذا الصراع دائما في الشرق وليس في الجنوب الغربي، حيث العاصمة كينشاسا؟، ولماذا الضحايا من المدنيين الأبرياء ، ولم نسمع عن تعرض حقل واحد من حقول التعدين للسلب والنهب؟، ولماذا الدول الخارجية أو المجتمع الدولي غير راغبين في التدخل بقوة في الأزمة، بالرغم من الضعف الواضح لقوات حفظ السلام الدولية الموجودة هناك، والتي تعد أكبر بعثة سلام، حيث يبلغ عددها 19 ألف جندي، مقابل تدخل رواندا تلك الدولة الصغيرة في الصراع؟.
ثم لماذا اشترط لوران نكوندا، أثناء لقائه بمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الرئيس النيجيري السابق أوليسجون أوباسنجو، ضرورة مراجعة عقود الشركات الصينية؟، أليس من الأفضل أن يشترط قبل المفاوضات وقف إطلاق النار من قبل الجيش الحكومي، أو حتى ترحيل قوات الهوتو صاحبة المشكلة من شرق البلاد، أو حتى اشتراط حصوله على نصيب من كعكعة السلطة؟.
هذا الشرط يكشف إلى حد كبير عن أن أسباب الصراع، وإن بدت إثنية "مواجهة بين التوتسي المطحونين بزعامة نكوندا" ومن بعده جماعة 23 مارس، من ناحية، والهوتو المستبدين المدعومين من قبل الرئيس جوزيف كابيلا من ناحية أخرى". فالأبعاد الاقتصادية هي الأكثر أهمية، خاصة أن الصراع كما ذكرنا يدور في الشرق البعيد عن العاصمة، حيث مؤسسات الحكم، كما أن ضعف القدرة التسليحية لكل من الطرفين- "المتمردين ، والجيش الحكومي"- تشير إلى أن هؤلاء المتمردين لا يرغبون في تحقيق مكاسب سياسية بالأساس بقدر كون المطلوب هي المصالح الاقتصادية لهم، وللقوى التي تقف خلفهم –ونقصد رواندا وأوغندا مقابل كل من أنجولا وزيمبابوي اللتين تدخلتا -ولا تزالان – لصالح النظام.
السادك والأزمة الراهنة؟
بدأت وتيرة الأحداث والصراع الأخير في شرق البلاد، بعد الفشل في تطبيق اتفاق السلام الموقع بين المتمردين التوتسي والحكومة في كينشاسا في 23 مارس 2009 ، والذي كان من بين بنوده دمج المتمردين في الجيش الوطني، لكن هؤلاء عادوا للتمرد في أبريل الماضي، ثم قاموا بعد ذلك بشهر بتأسيس حركة 23 مارس في إشارة لاتفاق كينشاسا 2009 ، آخذين على السلطات الكونغولية أنها لم تحترم تماما اتفاق السلام. ومنذ ذلك الحين، قاموا برفع السلاح في مواجهة الجيش النظامي في شمال كيفو.
ولقد حاولت الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي"سادك" العمل على احتواء الأزمة، من خلال قمة استثنائية عقدت الشهر الماضي في تنزانيا، حيث تمت الموافقة على إرسال قوات تابعة لها "تقدر بأربعة آلاف جندي" إلى شرق البلاد لإحلال السلام هناك، على أن يكون معظم هذه القوات تابعة لجنوب إفريقيا وأنجولا، في حين ستقوم باقي دول السادك بتوفير الدعم الفني واللوجيستي في عملية ستتكلف مائة مليون دولار، كما تعهدت حكومة كينشاسا بتوفير قرابة 10 ملايين دولار لها. ووفقا لأحد الجنرالات التابعين لهذه القوات، فإن هدفهم هو وقف القتال، وليس التورط فيه، وتحقيق الاستقرار في شرق البلاد. كما طالبت القمة دولة رواندا بعدم التدخل ليس في الكونغو فحسب، وإنما في باقي دول السادك. وتزامن ذلك مع محادثات عقدت مطلع العام الجديد في أوغندا بين الحكومة والمتمردين بهدف إعادة دمجهم في الجيش مرة أخرى، وإنهاء الصراع الدائر في شرق البلاد.
لكن، يبدو أن الأمر لن يكون سهلا لاعتبارين أساسيين :
1- ضعف القدرات التسلحية للقوى المتدخلة، فضلا عن المساحة الشاسعة لمنطقة الشرق ، والتي جعلت القوات الأممية الموجودة هناك عاجزة عن إحلال السلام في المنطقة.
2- -استمرار الأطماع الاقتصادية في الموارد الطبيعية الموجودة في المنطقة، ليس فقط من قبل رواندا ومن ورائها فرنسا وبريطانيا، ولكن أيضا من قبل المتمردين أنفسهم الذين يسيطرون على مناطق استراتيجية بها، لاسيما شمال وجنوب مقاطعة كيفو، وربما تحرضهم الشركات الدولية على عدم الاستسلام من أجل الحصول على عقود تنقيب بأقل الأسعار، يمكن استخدام عوائدها في الاستمرار في حمل السلاح.
وفي هذا السياق ، يمكن الإشارة إلى ما كشف عنه تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة المشكلة بقرار من مجلس الأمن (يونيو 2000) بشأن الحرب في الكونغو وتدخل القوى الإقليمية بها ،حيث أشار التقرير إلى أنه خلال فترة الحرب الرابعة(1998-2003)، تجاوزت 85 شركة دولية معايير العمل الدولية المتعارف عليها، ومن بين هذه الشركات 21 شركة بلجيكية، و10 شركات بريطانية، و8 شركات أمريكية ، و5 شركات كندية ، و12 شركة من جنوب إفريقيا، و4 شركات من زيمبابوي، و4 شركات ألمانية([1]).
وبالرغم من أن التقرير طالب بتوقيع عقوبات مالية على 29 شركة من هذه الشركات، 54 شخصا لهم علاقات وطيدة برؤساء رواندا، وأوغندا، وزيمبابوي، والكونغو ذاتها ، فإن هذا التقرير لم يتم العمل به في الأمم المتحدة ، بسبب الضغوط التي مارستها الدول الغربية، ومن بينها بريطانيا، لمنع تفعيله، حتى لا تتضرر هذه الشركات([2]). وهذا هو مكمن الخطر الحقيقي لاستمرار الصراع، وعدم الرغبة الدولية في حسمه حتى الآن .
د.بدر حسن شافعي
التطورات الراهنة في شرق الكونغو الديمقراطية ليست بالجديدة ، كما أنه من الخطأ تصور إمكانية حلها بسهولة لسبب بسيط هو تداخل الأبعاد الداخلية مع الأبعاد الإقليمية والدولية ، فضلا عن دور استغلالي لشركات التعدين الدولية التي تعمل على الحصول على مكاسبها الشخصية، بغض النظر عن الأوضاع الإنسانية المأساوية للبشر هناك.
لماذا الصراع في الشرق؟ للإجابة على هذا السؤال، قد يكون من المفيد بداية إلقاء بعض الضوء على المزايا الطبيعية للكونغو الديمقراطية "زائير سابقا"، فهي ثالث أكبر بلد إفريقي من حيث المساحة ، حيث تبلغ مساحته نحو مليونين وثلاثمائة ألف كيلو متر، ويزخر بثروات هائلة تتركز معظمها في شرق البلاد ، وفي مقدمتها الماس، والذهب، واليورانيوم، والكوبالت، والكولتان الذي يستخدم في تصنيع الهواتف المحمولة (70 % من الاحتياطي العالمي).
لكن يبدو أن هذه النعم تحولت إلى نقم أو لعنة في ظل طمع الداخل والخارج في آن واحد، مما أدى إلى نشوب خمسة صراعات ممتدة في مداها الزمني والجغرافي منذ استقلال البلاد عن بلجيكا عام 1960(الصراع أوائل الستينيات، والذي راح ضحيته المناضل الأسود باتريس لومومبا، بعد رغبته في تأميم الشركات العاملة في مجال الماس والذهب، وأزمة إقليم شابا الذي سعى للانفصال عام 1977، وأزمة الإطاحة بالديكتاتور السابق موبوتو سيسيسكو عام 1996-مايو1997، وأزمة الإطاحة بخلفه الرئيس لوران كابيلا أغسطس 1998-2003 ، ثم الأزمة الأخيرة الممتدة حتى الآن).
ويلاحظ أن الصراع في الكونغو بالرغم مما يبدو أنه صراع داخلي، فإنه صراع إقليمي يغذيه المجتمع الدولي، وهو ما كان واضحا في أزمة عام 1998، حيث تدخلت كل من أوغندا ورواندا وبوروندي عسكريا لصالح المتمردين في مواجهة الرئيس الراحل في حينها لوران كابيلا الذي استعان بكل من زيمبابوي وأنجولا وناميبيا ، لذا كان من أهم بنود اتفاق المصالحة عام 2003 انسحاب هذه القوات المتدخلة.
دور الشركات الدولية في الصراع
كما يلاحظ أن الصراع لا يقتصر على الفاعلين الدوليين، وإنما يزداد تعقيده بدخول الشركات متعدية الجنسيات العاملة في مجال التعدين فيه من أجل الحصول على عقود امتياز طويلة الأجل بالاتفاق مع الأنظمة الحاكمة المتعاقبة في البلاد، والتي كانت تحصل على عمولات كبيرة من هذه الشركات، فعلى سبيل المثال، قدرت ثروة موبوتو بثلاثين مليار دولار، مما جعله من أغنى أغنياء العالم ، في حين قام خلفه كابيلا الأب بتحويل حصيلة البنك المركزي الوطني إلى منزله.
ومن ثم فإن هذه الشركات الدولية تمارس سياسة الابتزاز لثروات البلاد عبر التحالف مع قوى التمرد في مواجهة النظم الحاكمة كما حصل ضد لومومبا، ويحصل الآن مع زعيم المتمردين التوتسي لوران نكوندا أو مع جماعة 23 مارس(Mars23 ) المدعومة من كل من أوغندا ورواندا ، أو الاستعانة بشركات أمن خاصة "المرتزقة" ليس فقط لتأمين أعمال التعدين والتنقيب، وإنما أيضا للمشاركة في الحرب مع أو ضد النظام، مقابل الحصول على عقود إذعان.فضلا عن ذلك، فإن هذه الشركات لها علاقات وثيقة مع الدول الأم التابعة لها، سواء أكانت شركات أمريكية، أم أوروبية، أم حتى إقليمية مثل الشركات الزيمبابوية والرواندية وغيرهما ، وهو ما يحكم تدخل هذه الدول من عدمه في عملية الصراع.
وعلى ذلك، فإنه من الصعوبة بمكان تصور وجود أي حل لهذه الأزمة بمنأى عن هذه الشركات التي يجب أن تؤخذ مصالحها في الحسبان. ولعل هذا ما يفسر لنا عدة أمور، أولها: لماذا الصراع دائما في الشرق وليس في الجنوب الغربي، حيث العاصمة كينشاسا؟، ولماذا الضحايا من المدنيين الأبرياء ، ولم نسمع عن تعرض حقل واحد من حقول التعدين للسلب والنهب؟، ولماذا الدول الخارجية أو المجتمع الدولي غير راغبين في التدخل بقوة في الأزمة، بالرغم من الضعف الواضح لقوات حفظ السلام الدولية الموجودة هناك، والتي تعد أكبر بعثة سلام، حيث يبلغ عددها 19 ألف جندي، مقابل تدخل رواندا تلك الدولة الصغيرة في الصراع؟.
ثم لماذا اشترط لوران نكوندا، أثناء لقائه بمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الرئيس النيجيري السابق أوليسجون أوباسنجو، ضرورة مراجعة عقود الشركات الصينية؟، أليس من الأفضل أن يشترط قبل المفاوضات وقف إطلاق النار من قبل الجيش الحكومي، أو حتى ترحيل قوات الهوتو صاحبة المشكلة من شرق البلاد، أو حتى اشتراط حصوله على نصيب من كعكعة السلطة؟.
هذا الشرط يكشف إلى حد كبير عن أن أسباب الصراع، وإن بدت إثنية "مواجهة بين التوتسي المطحونين بزعامة نكوندا" ومن بعده جماعة 23 مارس، من ناحية، والهوتو المستبدين المدعومين من قبل الرئيس جوزيف كابيلا من ناحية أخرى". فالأبعاد الاقتصادية هي الأكثر أهمية، خاصة أن الصراع كما ذكرنا يدور في الشرق البعيد عن العاصمة، حيث مؤسسات الحكم، كما أن ضعف القدرة التسليحية لكل من الطرفين- "المتمردين ، والجيش الحكومي"- تشير إلى أن هؤلاء المتمردين لا يرغبون في تحقيق مكاسب سياسية بالأساس بقدر كون المطلوب هي المصالح الاقتصادية لهم، وللقوى التي تقف خلفهم –ونقصد رواندا وأوغندا مقابل كل من أنجولا وزيمبابوي اللتين تدخلتا -ولا تزالان – لصالح النظام.
السادك والأزمة الراهنة؟
بدأت وتيرة الأحداث والصراع الأخير في شرق البلاد، بعد الفشل في تطبيق اتفاق السلام الموقع بين المتمردين التوتسي والحكومة في كينشاسا في 23 مارس 2009 ، والذي كان من بين بنوده دمج المتمردين في الجيش الوطني، لكن هؤلاء عادوا للتمرد في أبريل الماضي، ثم قاموا بعد ذلك بشهر بتأسيس حركة 23 مارس في إشارة لاتفاق كينشاسا 2009 ، آخذين على السلطات الكونغولية أنها لم تحترم تماما اتفاق السلام. ومنذ ذلك الحين، قاموا برفع السلاح في مواجهة الجيش النظامي في شمال كيفو.
ولقد حاولت الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي"سادك" العمل على احتواء الأزمة، من خلال قمة استثنائية عقدت الشهر الماضي في تنزانيا، حيث تمت الموافقة على إرسال قوات تابعة لها "تقدر بأربعة آلاف جندي" إلى شرق البلاد لإحلال السلام هناك، على أن يكون معظم هذه القوات تابعة لجنوب إفريقيا وأنجولا، في حين ستقوم باقي دول السادك بتوفير الدعم الفني واللوجيستي في عملية ستتكلف مائة مليون دولار، كما تعهدت حكومة كينشاسا بتوفير قرابة 10 ملايين دولار لها. ووفقا لأحد الجنرالات التابعين لهذه القوات، فإن هدفهم هو وقف القتال، وليس التورط فيه، وتحقيق الاستقرار في شرق البلاد. كما طالبت القمة دولة رواندا بعدم التدخل ليس في الكونغو فحسب، وإنما في باقي دول السادك. وتزامن ذلك مع محادثات عقدت مطلع العام الجديد في أوغندا بين الحكومة والمتمردين بهدف إعادة دمجهم في الجيش مرة أخرى، وإنهاء الصراع الدائر في شرق البلاد.
لكن، يبدو أن الأمر لن يكون سهلا لاعتبارين أساسيين :
1- ضعف القدرات التسلحية للقوى المتدخلة، فضلا عن المساحة الشاسعة لمنطقة الشرق ، والتي جعلت القوات الأممية الموجودة هناك عاجزة عن إحلال السلام في المنطقة.
2- -استمرار الأطماع الاقتصادية في الموارد الطبيعية الموجودة في المنطقة، ليس فقط من قبل رواندا ومن ورائها فرنسا وبريطانيا، ولكن أيضا من قبل المتمردين أنفسهم الذين يسيطرون على مناطق استراتيجية بها، لاسيما شمال وجنوب مقاطعة كيفو، وربما تحرضهم الشركات الدولية على عدم الاستسلام من أجل الحصول على عقود تنقيب بأقل الأسعار، يمكن استخدام عوائدها في الاستمرار في حمل السلاح.
وفي هذا السياق ، يمكن الإشارة إلى ما كشف عنه تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة المشكلة بقرار من مجلس الأمن (يونيو 2000) بشأن الحرب في الكونغو وتدخل القوى الإقليمية بها ،حيث أشار التقرير إلى أنه خلال فترة الحرب الرابعة(1998-2003)، تجاوزت 85 شركة دولية معايير العمل الدولية المتعارف عليها، ومن بين هذه الشركات 21 شركة بلجيكية، و10 شركات بريطانية، و8 شركات أمريكية ، و5 شركات كندية ، و12 شركة من جنوب إفريقيا، و4 شركات من زيمبابوي، و4 شركات ألمانية([1]).
وبالرغم من أن التقرير طالب بتوقيع عقوبات مالية على 29 شركة من هذه الشركات، 54 شخصا لهم علاقات وطيدة برؤساء رواندا، وأوغندا، وزيمبابوي، والكونغو ذاتها ، فإن هذا التقرير لم يتم العمل به في الأمم المتحدة ، بسبب الضغوط التي مارستها الدول الغربية، ومن بينها بريطانيا، لمنع تفعيله، حتى لا تتضرر هذه الشركات([2]). وهذا هو مكمن الخطر الحقيقي لاستمرار الصراع، وعدم الرغبة الدولية في حسمه حتى الآن .