ضياع الفرصة التاريخية
مرسل: السبت ديسمبر 07, 2013 10:46 pm
الخسائر الأمريكية بعد عقد على أحداث 11 سبتمبر
عمرو عبد العاطي
باحث متخصص في الشئون الأمريكية، محرر مشارك في مجلة السياسية الدولية
كان رد فعل إدارة الرئيس الأمريكي "جورج دبليو بوش" وأقطابها من المحافظين (السياسي والديني) على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 قويا لواقعها الصادم للفكر الجمعي الأمريكي، ولما سببته من خوف وفزع في نفوس الأمريكيين الذين ينظرون لبلدهم على أنها القوة العظمي التي لا تقهر، وفي منأى من أي تهديد.
لقد تمثل الرد الأمريكي على الهجمات الإرهابية في حربين مكلفتين اقتصاديا، الأولى على حركة طالبان في أفغانستان (أكتوبر 2001)، والأخرى ضد نظام صدام حسين في العراق (مارس 2003)، وعمليات عسكرية ضد التنظيم في باكستان، ومخصصات مالية لبرامج أمنية واستخباراتية لحماية الأراضي الأمريكية من أي هجوم إرهابي جديد.
ومع مرور عقد كامل على أحداث سبتمبر الإرهابية، انشغلت الكتابات والتحليلات الأمريكية والغربية على حد سواء بعدة تساؤلات رئيسية مفادها: هل أضحت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر أمنا اليوم مما كانت عليه في الحادي عشر من سبتمبر 2001؟ ، هل لا تزال الولايات المتحدة تمتلك نفس القوة والمكانة الدولية على الصعيد العالمي بعد عقد من الأحداث؟، هل تستحق تلك الأحداث تورط الولايات المتحدة في حربين مكلفتين اقتصاديا وعمليات عسكرية خارجية؟ ، هل كانت أحداث سبتمبر نقطة فاصلة ومحورية في تاريخ العلاقات الدولية؟.
عجز وديون أمريكية
ربط عديد من الكتابات والتحليلات بين الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي منذ منتصف عام 2008، وآثارها المستمرة إلى وقتنا هذا، والحرب الأمريكية على الإرهاب التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج دبليو بوش" عقب أحداث سبتمبر الإرهابية. وذهب معظمها إلى أن آثارها الكارثية على الاقتصاد الأمريكي يتحمل تبعاتها دافعو الضرائب الأمريكيون، وأن أعباءها ستستمر لفترة طويلة.
وفي محاولة لتقدير تكلفة الحرب الأمريكية على الإرهاب وحماية الأراضي الأمريكية ، قدرت إحصاءات- نشرتها أخيرا مجلة "نيوزويك" في الرابع من سبتمبر الجاري- أن تكلفة حماية الأراضي الأمريكية والمطارات والبرامج الأمنية والاستخباراتية تُقدر بـ(628) مليار دولار.
وهناك انقسام حول تقديرات الحربين اللتين تخوضهما الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق. فمنذ ثلاث سنوات، قدر "جوزيف ستيجليتز" و"ليندا بيلميز" تكاليف الحرب التي تخوضها أمريكا في العراق ما بين 3و5 تريليونات دولار، وهي أرقام في تزايد مستمر، في حين تقدر إحصاءات مجلة "نيوزويك" ـ السابق الإشارة إليها ـ العمليات العسكرية في باكستان والعراق وأفغانستان بـ (2.6) تريليون دولار، وبذلك تصل تكلفة حماية أمن الولايات المتحدة ، حسب مجلة "نيوزويك"، إلى (3.228) تريليون دولار.
مليارات الدولارات التي دفعتها واشنطن من أجل أمنها وحماية أراضيها نقلت أمريكا من فائض مالي بلغ 2% من الناتج الإجمالي المحلي الأمريكي مع انتخاب "بوش" الابن رئيسا للولايات المتحدة في عام 2000 إلى عجز مالي بلغ الخطورة، وديون هائلة أسهمت في إضعاف الاقتصاد الأمريكي الكلي، وتفاقم عجزه، وأعباء ديونه، حسبما ذهب "ستيجليتز" و"بيلميز" في كتابهما المعنون بـ"حرب الثلاثة تريليونات دولار".
ويري " ستيجليتز" في مقال له عن تكلفة أحداث سبتمبر أن كل أسرة أمريكية تتحمل ما يقدر بـ(17) ألف دولار من تكلفة أمن أمريكا، وهو في تزايد بنسبة 50% مع ارتفاع تكاليف حربي واشنطن في أفغانستان والعراق وعملياتها العسكرية الخارجية التي لم تحسم بعد.
وفي حقيقة الأمر، هناك شبه اتفاق أمريكي على أن حرب الولايات المتحدة في أفغانستان "حرب ضرورية" كان لابد أن تخوضها واشنطن لتقديم حركة "طالبان" الدعم والمأوي لتنظيم "القاعدة" المتهم بتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأن الحرب الأمريكية على العراق "حرب اختيارية"، لكون العراق لم يثبت تورطه حتى وقتنا هذا في الأحداث الإرهابية، رغم محاولات إدارة "بوش" الابن المستميتة للربط بين نظام "صدام حسين" وهجمات سبتمبر.
ويثير تفاقم التكلفة الأمريكية لحماية أمنها تساؤلا رئيسيا مفاده: هل تستحق هجمات سبتمبر كل تلك التكلفة؟، وهل جعلت أمريكا أكثر أمنا عما قبل؟ . الإجابة "لا". فعقب أحداث سبتمبر، شهدت عواصم غربية (لندن ومدريد) وعربية (الرياض، الدار البيضاء والقاهرة) هجمات إرهابية، ولكنها لم تكن بقوة هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ورغم ارتفاع تكاليف الحرب الأمريكية الدولية على الإرهاب ، فإنها لم تقض على تنظيم "القاعدة"، حتى بعد مقتل زعيمه "أسامة بن لادن" على أيدي قوات الكوماندوز الأمريكية في مايو من العام الجاري، فالإرهاب سيظل قائما مثل أي تهديد آخر.
ومع أن تنظيم القاعدة لم يقهر ، إلا أنه لم يعد يشكل ذلك التهديد الذي كان عليه عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لكن الثمن الذي تكبدته الولايات المتحدة كان باهظا، وكان جزء كبير منه يمكن تجنبه. فتكلفة الحربين وأمن أمريكا تكلفة ثقيلة ستتوارثها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، مما يدفعها إلى التفكير المستقبلي والتأني قبل الإنفاق.
11 سبتمبر ليس نقطة فاصلة
عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ظهرت كتابات غربية وعربية تتحدث عن أن عالم ما قبل أحداث سبتمبر سيختلف عن عالم ما بعد الأحداث، وأن أحداث سبتمبر نقطة فاصلة في تاريخ العلاقات الدولية، وأن العالم بعد تلك الأحداث سيشهد تغيرات دراماتيكية ترجع إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر بصورة أساسية.
ولكن مع مرور عقد على تلك الأحداث، اتضح عدم دقة وصحة ما ذهبت إليه تلك التحليلات والكتابات، حيث إن تأثير أحداث سبتمبر لم يرق إلى أحداث فارقة في تاريخ الأمم والنظام الدولي والعلاقات بين وحداته، مثل سقوط حائط برلين في التاسع من نوفمبر 1989 الذي انهي الحرب الباردة ، وعهد الثنائية القطبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، والحربين العالميتين خلال النصف الأول من القرن العشرين.
فرغم مأساة تلك الأحداث الإرهابية بكل المقاييس، رأى "ريتشارد هاس" - في مقال له عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعد مرور عقد عليها- أنها لم تكن نقطة تحول تاريخية في تاريخ العلاقات الدولية. فهي لم تبشر بقدوم عصر جديد من العلاقات الدولية، يتسم بالغلبة للإرهابيين، وتبنيهم لأجندة عالمية، أو تحول أحداث سبتمبر إلى حدث مألوف أو شائع، بل إن ما حدث هو العكس تماما، إذ إن يوم الحادي عشر من سبتمبر لم يتكرر.
لم تؤد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتغييرات في موازين القوي الدولية، حيث إن أغلب التغييرات التي شهدها العقد الذي أعقب تلك الأحداث من صعود قوي دولية منافسة للولايات المتحدة عالميا، كالصين والهند والبرازيل، ليس راجعا إلى أحداث سبتمبر، وإنما إلى عوامل أخرى ليست متصلة بالهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة. وأغلب التطورات المهمة التي شهدها النظام الدولي خلال العقد التالي لأحداث سبتمبر تمثلت في ثورة تكنولوجيا المعلومات والعولمة والاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط.
إخفاق تاريخي
رأي كثير من الكتاب والمحللين الأمريكيين، وعلى رأسهم "فريد زكريا" و"ريتشارد هاس" و"جوزيف ناي"، أن الولايات المتحدة الأمريكية أخفقت في استغلال مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر كفرصة تاريخية لتكون أكثر إبداعا، وإعادة تشكيل العالم لعقود قادمة.
فقد رأى "فريد زكريا"- في مقالة له على موقع شبكة أخبار "سي إن إن" الأمريكية- أن الحادي عشر من سبتمبر يشكل في التاريخ الأمريكي بداية تراجع الولايات المتحدة كقوة عظمي ليس لها منافس، مشيرا إلى أن سعر برميل النفط خلال الحادي عشر من سبتمبر 2001 وصل إلى 28 دولارا للبرميل، وكان الاقتصاد الصيني خمس نظيره الأمريكي. أما الآن، فقد وصل سعر برميل النفط إلى حدود 115 دولارا للبرميل، وأضحي الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وعجز الميزانية الأمريكية يصل إلى 1.5 مليار دولار ، وهو الأكبر في التاريخ الأمريكي، ناهيك عن الانخراط العسكري الأمريكي خارجيا.
وقد أكدت نتائج استطلاع للرأي، ظهرت نتائجه أخيرا، الخلاصة التي وصل إليها "زكريا" في مقاله، حيث يرى اثنان من كل ثلاثة أمريكيين أن قوة وتأثير الولايات المتحدة عالميا في تراجع وتدهور. ويرى ستة من كل عشرة أمريكيين أن الاقتصاد الأمريكي أضعف، نتيجة رد فعل الولايات المتحدة على الأحداث الإرهابية.
تركيز الولايات المتحدة على الإرهاب جعلها تقصر في التعامل مع أربعة تحديات رئيسية، كان يجب على واشنطن التعامل معها، حفاظا على مكانتها ودورها العالمي.
وفي كتابهما المعنون بـ "هكذا كنا.. كيف تخلفت أمريكا عن العالم الذي اخترعته، وكيف يمكننا أن نعود إلى ما كنا عليه؟"، أجمل "مايكل ماندلبوم" و"جورج فريدمان" التحديات الأربعة في: العولمة، وثورة تكنولوجيا المعلومات، والتعافي السريع من العجز المالي والديون، والاستخدام الأمريكي للطاقة.
وقد أدى انشغال الولايات المتحدة عن التعامل مع تلك التحديات إلى خفض معدل النمو الأمريكي، وإلى تراجع وتقويض النفوذ والقوة الأمريكية. فالحرب على الإرهاب، رغم أهميتها، حولت انتباه الولايات المتحدة ومواردها عن المشاكل التي كان يتعين عليها التعامل معها من أجل الحفاظ على مكانتها وقوتها عالميا.
وفي هذا السياق، يري سبعة من كل عشرة أمريكيين في استطلاع للرأي أن مكانة الولايات وقوتها عالميا تراجعت خلال العقد الذي أعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
كان للتعامل الأمريكي مع هجمات سبتمبر جُل الأثر في تراجع النموذج الأخلاقي الأمريكي، محور القوة الناعمة الأمريكية، وإحدى أدواتها في كسب قلب وعقول شعوب العالم. فمع انتهاك الولايات المتحدة حقوق الإنسان والتعذيب، أصبح النموذج الأخلاقي الأمريكي محل تساؤل ونقد، مما أضعف من تأثير القوة الناعمة الأمريكية التي كانت تحقق نتائج تفوق نظيرتها الصلدة.
خلاصة القول، لم تقتصر خسائر الولايات المتحدة، بعد عقد من أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، على ارتفاع تكلفة أمنها وحماية أراضيها والأعباء الاقتصادية والحربين اللتين تخوضهما في أفغانستان والعراق وعملياتها العسكرية خارجيا، والتي أثقلت كاهل دافعي الضرائب الأمريكيين والاقتصاد الأمريكي المتأزم منذ منتصف عام 2008، ولكن في تحول ميزان القوى الدولي من واشنطن إلى القارة الآسيوية.
ولم يعد الخطر، الذي أضحي يواجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن، يكمن في الإرهاب وإمكانية مهاجمة الأراضي الأمريكية، وإنما في تراجع القوة الأمريكية، وعجز الميزانية، وأعباء الديون، وارتفاع نسبة البطالة، والبني التحتية، ومشاكل التعليم، وهي قضايا ستتقدم أجندة مرشحي الانتخابات الرئاسية العام القادم.
عمرو عبد العاطي
باحث متخصص في الشئون الأمريكية، محرر مشارك في مجلة السياسية الدولية
كان رد فعل إدارة الرئيس الأمريكي "جورج دبليو بوش" وأقطابها من المحافظين (السياسي والديني) على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 قويا لواقعها الصادم للفكر الجمعي الأمريكي، ولما سببته من خوف وفزع في نفوس الأمريكيين الذين ينظرون لبلدهم على أنها القوة العظمي التي لا تقهر، وفي منأى من أي تهديد.
لقد تمثل الرد الأمريكي على الهجمات الإرهابية في حربين مكلفتين اقتصاديا، الأولى على حركة طالبان في أفغانستان (أكتوبر 2001)، والأخرى ضد نظام صدام حسين في العراق (مارس 2003)، وعمليات عسكرية ضد التنظيم في باكستان، ومخصصات مالية لبرامج أمنية واستخباراتية لحماية الأراضي الأمريكية من أي هجوم إرهابي جديد.
ومع مرور عقد كامل على أحداث سبتمبر الإرهابية، انشغلت الكتابات والتحليلات الأمريكية والغربية على حد سواء بعدة تساؤلات رئيسية مفادها: هل أضحت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر أمنا اليوم مما كانت عليه في الحادي عشر من سبتمبر 2001؟ ، هل لا تزال الولايات المتحدة تمتلك نفس القوة والمكانة الدولية على الصعيد العالمي بعد عقد من الأحداث؟، هل تستحق تلك الأحداث تورط الولايات المتحدة في حربين مكلفتين اقتصاديا وعمليات عسكرية خارجية؟ ، هل كانت أحداث سبتمبر نقطة فاصلة ومحورية في تاريخ العلاقات الدولية؟.
عجز وديون أمريكية
ربط عديد من الكتابات والتحليلات بين الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي منذ منتصف عام 2008، وآثارها المستمرة إلى وقتنا هذا، والحرب الأمريكية على الإرهاب التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج دبليو بوش" عقب أحداث سبتمبر الإرهابية. وذهب معظمها إلى أن آثارها الكارثية على الاقتصاد الأمريكي يتحمل تبعاتها دافعو الضرائب الأمريكيون، وأن أعباءها ستستمر لفترة طويلة.
وفي محاولة لتقدير تكلفة الحرب الأمريكية على الإرهاب وحماية الأراضي الأمريكية ، قدرت إحصاءات- نشرتها أخيرا مجلة "نيوزويك" في الرابع من سبتمبر الجاري- أن تكلفة حماية الأراضي الأمريكية والمطارات والبرامج الأمنية والاستخباراتية تُقدر بـ(628) مليار دولار.
وهناك انقسام حول تقديرات الحربين اللتين تخوضهما الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق. فمنذ ثلاث سنوات، قدر "جوزيف ستيجليتز" و"ليندا بيلميز" تكاليف الحرب التي تخوضها أمريكا في العراق ما بين 3و5 تريليونات دولار، وهي أرقام في تزايد مستمر، في حين تقدر إحصاءات مجلة "نيوزويك" ـ السابق الإشارة إليها ـ العمليات العسكرية في باكستان والعراق وأفغانستان بـ (2.6) تريليون دولار، وبذلك تصل تكلفة حماية أمن الولايات المتحدة ، حسب مجلة "نيوزويك"، إلى (3.228) تريليون دولار.
مليارات الدولارات التي دفعتها واشنطن من أجل أمنها وحماية أراضيها نقلت أمريكا من فائض مالي بلغ 2% من الناتج الإجمالي المحلي الأمريكي مع انتخاب "بوش" الابن رئيسا للولايات المتحدة في عام 2000 إلى عجز مالي بلغ الخطورة، وديون هائلة أسهمت في إضعاف الاقتصاد الأمريكي الكلي، وتفاقم عجزه، وأعباء ديونه، حسبما ذهب "ستيجليتز" و"بيلميز" في كتابهما المعنون بـ"حرب الثلاثة تريليونات دولار".
ويري " ستيجليتز" في مقال له عن تكلفة أحداث سبتمبر أن كل أسرة أمريكية تتحمل ما يقدر بـ(17) ألف دولار من تكلفة أمن أمريكا، وهو في تزايد بنسبة 50% مع ارتفاع تكاليف حربي واشنطن في أفغانستان والعراق وعملياتها العسكرية الخارجية التي لم تحسم بعد.
وفي حقيقة الأمر، هناك شبه اتفاق أمريكي على أن حرب الولايات المتحدة في أفغانستان "حرب ضرورية" كان لابد أن تخوضها واشنطن لتقديم حركة "طالبان" الدعم والمأوي لتنظيم "القاعدة" المتهم بتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأن الحرب الأمريكية على العراق "حرب اختيارية"، لكون العراق لم يثبت تورطه حتى وقتنا هذا في الأحداث الإرهابية، رغم محاولات إدارة "بوش" الابن المستميتة للربط بين نظام "صدام حسين" وهجمات سبتمبر.
ويثير تفاقم التكلفة الأمريكية لحماية أمنها تساؤلا رئيسيا مفاده: هل تستحق هجمات سبتمبر كل تلك التكلفة؟، وهل جعلت أمريكا أكثر أمنا عما قبل؟ . الإجابة "لا". فعقب أحداث سبتمبر، شهدت عواصم غربية (لندن ومدريد) وعربية (الرياض، الدار البيضاء والقاهرة) هجمات إرهابية، ولكنها لم تكن بقوة هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ورغم ارتفاع تكاليف الحرب الأمريكية الدولية على الإرهاب ، فإنها لم تقض على تنظيم "القاعدة"، حتى بعد مقتل زعيمه "أسامة بن لادن" على أيدي قوات الكوماندوز الأمريكية في مايو من العام الجاري، فالإرهاب سيظل قائما مثل أي تهديد آخر.
ومع أن تنظيم القاعدة لم يقهر ، إلا أنه لم يعد يشكل ذلك التهديد الذي كان عليه عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لكن الثمن الذي تكبدته الولايات المتحدة كان باهظا، وكان جزء كبير منه يمكن تجنبه. فتكلفة الحربين وأمن أمريكا تكلفة ثقيلة ستتوارثها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، مما يدفعها إلى التفكير المستقبلي والتأني قبل الإنفاق.
11 سبتمبر ليس نقطة فاصلة
عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ظهرت كتابات غربية وعربية تتحدث عن أن عالم ما قبل أحداث سبتمبر سيختلف عن عالم ما بعد الأحداث، وأن أحداث سبتمبر نقطة فاصلة في تاريخ العلاقات الدولية، وأن العالم بعد تلك الأحداث سيشهد تغيرات دراماتيكية ترجع إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر بصورة أساسية.
ولكن مع مرور عقد على تلك الأحداث، اتضح عدم دقة وصحة ما ذهبت إليه تلك التحليلات والكتابات، حيث إن تأثير أحداث سبتمبر لم يرق إلى أحداث فارقة في تاريخ الأمم والنظام الدولي والعلاقات بين وحداته، مثل سقوط حائط برلين في التاسع من نوفمبر 1989 الذي انهي الحرب الباردة ، وعهد الثنائية القطبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، والحربين العالميتين خلال النصف الأول من القرن العشرين.
فرغم مأساة تلك الأحداث الإرهابية بكل المقاييس، رأى "ريتشارد هاس" - في مقال له عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعد مرور عقد عليها- أنها لم تكن نقطة تحول تاريخية في تاريخ العلاقات الدولية. فهي لم تبشر بقدوم عصر جديد من العلاقات الدولية، يتسم بالغلبة للإرهابيين، وتبنيهم لأجندة عالمية، أو تحول أحداث سبتمبر إلى حدث مألوف أو شائع، بل إن ما حدث هو العكس تماما، إذ إن يوم الحادي عشر من سبتمبر لم يتكرر.
لم تؤد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتغييرات في موازين القوي الدولية، حيث إن أغلب التغييرات التي شهدها العقد الذي أعقب تلك الأحداث من صعود قوي دولية منافسة للولايات المتحدة عالميا، كالصين والهند والبرازيل، ليس راجعا إلى أحداث سبتمبر، وإنما إلى عوامل أخرى ليست متصلة بالهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة. وأغلب التطورات المهمة التي شهدها النظام الدولي خلال العقد التالي لأحداث سبتمبر تمثلت في ثورة تكنولوجيا المعلومات والعولمة والاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط.
إخفاق تاريخي
رأي كثير من الكتاب والمحللين الأمريكيين، وعلى رأسهم "فريد زكريا" و"ريتشارد هاس" و"جوزيف ناي"، أن الولايات المتحدة الأمريكية أخفقت في استغلال مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر كفرصة تاريخية لتكون أكثر إبداعا، وإعادة تشكيل العالم لعقود قادمة.
فقد رأى "فريد زكريا"- في مقالة له على موقع شبكة أخبار "سي إن إن" الأمريكية- أن الحادي عشر من سبتمبر يشكل في التاريخ الأمريكي بداية تراجع الولايات المتحدة كقوة عظمي ليس لها منافس، مشيرا إلى أن سعر برميل النفط خلال الحادي عشر من سبتمبر 2001 وصل إلى 28 دولارا للبرميل، وكان الاقتصاد الصيني خمس نظيره الأمريكي. أما الآن، فقد وصل سعر برميل النفط إلى حدود 115 دولارا للبرميل، وأضحي الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وعجز الميزانية الأمريكية يصل إلى 1.5 مليار دولار ، وهو الأكبر في التاريخ الأمريكي، ناهيك عن الانخراط العسكري الأمريكي خارجيا.
وقد أكدت نتائج استطلاع للرأي، ظهرت نتائجه أخيرا، الخلاصة التي وصل إليها "زكريا" في مقاله، حيث يرى اثنان من كل ثلاثة أمريكيين أن قوة وتأثير الولايات المتحدة عالميا في تراجع وتدهور. ويرى ستة من كل عشرة أمريكيين أن الاقتصاد الأمريكي أضعف، نتيجة رد فعل الولايات المتحدة على الأحداث الإرهابية.
تركيز الولايات المتحدة على الإرهاب جعلها تقصر في التعامل مع أربعة تحديات رئيسية، كان يجب على واشنطن التعامل معها، حفاظا على مكانتها ودورها العالمي.
وفي كتابهما المعنون بـ "هكذا كنا.. كيف تخلفت أمريكا عن العالم الذي اخترعته، وكيف يمكننا أن نعود إلى ما كنا عليه؟"، أجمل "مايكل ماندلبوم" و"جورج فريدمان" التحديات الأربعة في: العولمة، وثورة تكنولوجيا المعلومات، والتعافي السريع من العجز المالي والديون، والاستخدام الأمريكي للطاقة.
وقد أدى انشغال الولايات المتحدة عن التعامل مع تلك التحديات إلى خفض معدل النمو الأمريكي، وإلى تراجع وتقويض النفوذ والقوة الأمريكية. فالحرب على الإرهاب، رغم أهميتها، حولت انتباه الولايات المتحدة ومواردها عن المشاكل التي كان يتعين عليها التعامل معها من أجل الحفاظ على مكانتها وقوتها عالميا.
وفي هذا السياق، يري سبعة من كل عشرة أمريكيين في استطلاع للرأي أن مكانة الولايات وقوتها عالميا تراجعت خلال العقد الذي أعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
كان للتعامل الأمريكي مع هجمات سبتمبر جُل الأثر في تراجع النموذج الأخلاقي الأمريكي، محور القوة الناعمة الأمريكية، وإحدى أدواتها في كسب قلب وعقول شعوب العالم. فمع انتهاك الولايات المتحدة حقوق الإنسان والتعذيب، أصبح النموذج الأخلاقي الأمريكي محل تساؤل ونقد، مما أضعف من تأثير القوة الناعمة الأمريكية التي كانت تحقق نتائج تفوق نظيرتها الصلدة.
خلاصة القول، لم تقتصر خسائر الولايات المتحدة، بعد عقد من أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، على ارتفاع تكلفة أمنها وحماية أراضيها والأعباء الاقتصادية والحربين اللتين تخوضهما في أفغانستان والعراق وعملياتها العسكرية خارجيا، والتي أثقلت كاهل دافعي الضرائب الأمريكيين والاقتصاد الأمريكي المتأزم منذ منتصف عام 2008، ولكن في تحول ميزان القوى الدولي من واشنطن إلى القارة الآسيوية.
ولم يعد الخطر، الذي أضحي يواجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن، يكمن في الإرهاب وإمكانية مهاجمة الأراضي الأمريكية، وإنما في تراجع القوة الأمريكية، وعجز الميزانية، وأعباء الديون، وارتفاع نسبة البطالة، والبني التحتية، ومشاكل التعليم، وهي قضايا ستتقدم أجندة مرشحي الانتخابات الرئاسية العام القادم.