مأزق المعارضة
مرسل: السبت ديسمبر 07, 2013 10:58 pm
دوافع احتجاجات الشارع ضد نظام البشير في السودان
د. بدر حسن شافعي
خبير في الشئون الإفريقية
هل يلحق نظام البشير في السودان بموجات تغيير الأنظمة التسلطية في دول الربيع العربي؟ .. سؤال بات مطروحا في البلاد هذه الأيام بعد أحداث 20 سبتمبر التي تسبب فيها قرار الحكومة برفع الدعم عن المحروقات في إطار خطة اقتصادية تستهدف تقليل حجم الدين الداخلي ، وعجز الموازنة، وهي الأحداث التي وصفتها المعارضة بأنها الأقوى التي يواجهها نظام الإنقاذ منذ وصوله للحكم عام 1989، كما طالبت بإعلان العصيان المدني، فضلا عن المطالبة بإسقاط النظام الذي يرى –في المقابل -هذه الأحداث مفتعلة وعنيفة، حيث استهدفت حرق بعض محطات الوقود، وبعض الممتلكات الخاصة، وبعض مقار الحزب الحاكم، مما دفع قوات الشرطة والأمن إلى التعامل العنيف معها.
ووجه النظام اتهاما صريحا ومباشرا للجبهة الثورية المسلحة، التي تضم أربع قوى أساسية، هي حركات دارفور الثلاث، العدل والمساواة ، وتحرير دارفور- جناحي عبد الواحد نور، ميناوي، فضلا عن الحركة الشعبية- فرع الشمال، إلى جانب قيادات من حزبي الأمة والاتحاد الديمقراطي." وفي المقابل، طالبت بعض قوى المعارضة القوات المسلحة بالتدخل لتسلم السلطة، وتشكيل حكومة تكنوقراط لفترة انتقالية ، في حين هدد النظام بنزول شباب حزبه إلى الشوارع لحماية الممتلكات العامة والخاصة، وهو ما قد ينذر بإمكانية التصعيد، وحدوث مزيد من الخسائر البشرية والمادية.
أسباب التظاهر
يمكن القول إن سبب التظاهر المباشر يرجع إلى قرار الحكومة بالرفع التدريجي عن أسعار المحروقات "البنزين، وأنابيب طهي المنازل" بمقدار الضعف تقريبا، حيث ارتفع سعر جالون البنزين من 12.5 جنيه سوداني إلى 21 جنيها ، والجازولين من 8 جنيهات إلى 14 جنيها، وأنبوبة الطبخ أصبح سعرها 25 جنيها. ومع ذلك، أشارت الحكومة إلى أن هذا الرفع هو تدريجي، حيث لا تزال تدعم جالون البنزين بعشرة جنيهات، والجازولين بـ 13 جنيها، وأنبوبة الطبخ بـ 65 جنيها.
ومن وجهة نظر الحكومة، هناك مجموعة من الأسباب الداخلية التي دفعتها لاتخاذ مثل هذا الإجراء، منها عجز الموازنة، وزيادة حجم الدين الداخلي، فضلا عن وصول هذا الدعم لغير مستحقيه، سواء ما يتعلق بالأغنياء الذين يمتلكون السيارات ، أو من خلال عمليات تهريب الوقود إلى الخارج. وبالتالي، كانت هناك ضرورة لإجراء إصلاحات اقتصادية من أجل إنقاذ الاقتصاد من الانهيار بعد تعرضه لعدة صدمات، منها التأثير المالي السلبي لانفصال الجنوب ، فضلاً عن التهام العمليات العسكرية، سواء في الجنوب أو درافور، لأموال طائلة من الخزانة العامة.لكن الحكومة عملت في المقابل على اتخاذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية من أجل التخفيف من الآثار السلبية لهذا القرار، مثل تبني مشروع التأمين الصحي الذي سيسهم في تقليل نفقات العلاج ومشاريع الإسكان الشعبي، وتسهيل عمليات التمويل للمشروعات الصغيرة لتكون متاحة للشرائح الفقيرة ، وزيادة الأجور " بداية من أكتوبر2013 .
لكن ومع ذلك، بقيت هناك حالة من الغضب لدى قوى المعارضة إزاء قرار رفع الدعم ، بل ربط بعضهم هذه القرارات بتوجيهات من البنك الدولي الذي وعد الحكومة بإعادة النظر في ديونها الخارجية "45.6 مليار دولار" من خلال جدولتها أولا ، ثم النظر في حصولها على قروض إضافية لاحقا.
وفي المقابل، فإن بعض القوى المقربة من الحكومة اتهمت الولايات المتحدة بتحريك المعارضة، وافتعال الأحداث الأخيرة ، حيث ربطت ما حدث برفض واشنطن منح تأشيرة دخول للبشير للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وبالتالي عملت واشنطن على إذكاء هذه التظاهرات. وازدادت شرارة الأحداث يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين– أي قبل يوم واحد من الموعد المحدد لقيام البشير بإلقاء خطابه أمام الجمعية. ثم يربط هؤلاء أيضا الأحداث بسرعة الشجب والتنديد الأمريكي بها من ناحية ، وهدوء وتيرة التظاهر بعد ذلك من ناحية أخرى .
ملامح جديدة للاحتجاج ضد النظام
هناك مجموعة من الملامح التي اتسمت بها الاحتجاجات الأخيرة ومن أبرزها ما يلي:
1- ظهور قوى سياسية معارضة جديدة بخلاف المعارضة التقليدية من ناحية(تضم 20 حزبا في مقدمتها الأمة، والاتحادي ، والمؤتمر الشعبي)، والمعارضة المسلحة من ناحية أخرى" الجبهة الثورية". هذه القوى عرفت باسم تنسيقية قوى التغيير السودانية. وتضم الجبهة، بحسب البيان الأول للتنسيقية، تحالف شباب الثورة السودانية، وقوى الإجماع الوطني، والنقابات المهنية، وتحالف منظمات المجتمع المدني.
2- حدوث بوادر انشقاق في حزب المؤتمر الحاكم عبر بعض القوى الداعمة له والرافضة لمثل هذه الإجراءات، ومنها تيار ما عرف بالإصلاحيين "السائحين"، ويضم 31 من قيادات الحزب، أبرزهم الدكتور غازي صلاح الدين، مستشار البشير السابق، وحسن رزق، نائب الأمين العام للحركة الإسلامية السابق، وقائد المحاولة الانقلابية الأخيرة، العميد محمد إبراهيم"، حيث طالب هؤلاء الرئيس البشير بوقف قتل المتظاهرين، وإلغاء الإجراءات الاقتصادية، وكفالة الحريات، والتحقيق في إطلاق الذخيرة على المتظاهرين، وحرية الصحافة والإعلام. ويلاحظ أن د.غازي يدعو منذ فترة إلى تشكيل حركة إصلاحية تضم كل الأطياف، والبحث عن إطار سياسي لها.
وقد ذكر ذلك في مقال له في 17 أغسطس 2013 على موقع مؤسسة السلام العالمية الأمريكية تحت عنوان " المطالبة بالإصلاح..الأساسيات و المبادئ "، ويدور حول أهمية إنشاء الحركة الإصلاحية، ورغبته في تأطير هذه الحركة الإصلاحية في هيئة سياسية، تهدف إلى توحيد المجتمع السوداني لإنشاء "جبهة سودانية موحدة". وبالرغم من أن بعض قوى المعارضة تقلل من هذه الحركة، بل تتهم غازي بالمناورة ، فإنها إذا حدثت حقيقة، فستكون أكبر انشقاق يشهده الحزب الحاكم منذ خروج د.حسن الترابي عنه عام 1999.
3- ضعف الكثافات العددية الضاغطة للمتظاهرين، بالرغم من اندلاع الاحتجاجات في مناطق حيوية في العاصمة وضواحيها ، أم درمان، والجزيرة، وغيرها". وربما يرجع ذلك لعدة أمور، منها الخوف من البطش الأمني من ناحية، وتصوير الإعلام للمتظاهرين بأنهم مخربون، مما قد يضعف الحشد ضد نظام البشير، من ناحية ثانية، وانتظار فريق آخر للقرارات الاقتصادية الإيجابية مثل زيادة الأجور من ناحية ثالثة.
إشكالية المعارضة
يلاحظ أن التظاهرات الأخيرة هي أكبر حركة احتجاجية منذ وصول جبهة الإنقاذ للحكم عام 1989، حيث رفع المحتجون شعارات ليست اقتصادية فحسب" مثل المطالبة بإلغاء قرارات إلغاء الدعم"، وإنما رفعوا شعارات سياسية مثل "الشعب يريد سقوط النظام". ويلاحظ أن هذه ليست المرة الأولى التي ترفع فيها المعارضة مثل هذه الشعارات، فقد سبق أن رفعتها العام الماضي، ثم في يونيو الماضي أيضا على هامش المواجهات بين القوات الحكومية والحركة الجنوبية فرع الشمال، حيث تعهد تحالف المعارضة التقليدية حينها بالإطاحة بنظام الرئيس البشير سلمياً في غضون مائة يوم "يفترض أنها انتهت مع قرب وقوع الأحداث". لكن أيا من هذه الشعارات لم يتحقق ، بل وجدنا أن القوى الثورية ترى أن إسقاط النظام لن يكون عبر الوسائل السلمية، وإنما من خلال القوة المسلحة.
ومن هنا، تظهر إشكالية كبيرة تتعلق بوجود حالة من الانقسام والتشتت داخل صفوف المعارضة التي ربما تتفق فيما بينها على هدف واحد، هو الإطاحة بالنظام ، لكن تختلف في آليات تحقيق ذلك "عبر الوسائل السلمية أم المسلحة". وهو ما عبر عنه الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة، في خطابه في ساحة الخليفة أوائل يونيو الماضي، حيث أكد وجود انقسام داخل المعارضة، داعيا إلى إسقاط النظام بانتفاضة مدنية، لأن محاولة إسقاطه بالقوة سوف تأتي بنتائج عكسية. ويبدو أن هذا النهج هو الذي ذهبت إليه تنسيقية التغيير التي ظهرت مؤخرا، وترغب في أن تأخذ منحى السلمية بعيدا عن المعارضة التقليدية والمسلحة على حد سواء.
هذا الانقسام في قوى المعارضة يضعفها كثيرا في مواجهة النظام الذي يسيطر على قوات الشرطة والجيش ، لكن ليس معنى ذلك أن الأمور تسير على ما يرام بالنسبة للنظام ، فهو يعاني استمرار المواجهات المسلحة في دارفور، وكردفان، والنيل الأزرق، وجبال النوبة، وهو ما يؤثر فيه بصورة أو بأخرى، مما قد يجعله يقبل ببعض الحلول السياسية التي قد لا تلبي طلب المعارضة بخصوص رحيله .ومن هنا، يبقى السؤال بشأن كيفية الخروج من المأزق الراهن؟.
سبل التسوية
قد تكون التسوية السياسية القائمة على استجابة النظام لبعض مطالب المعارضة هي الأنسب خلال الفترة الراهنة، وبالتالي لابد أن تكون نقطة البدء قبول الحكومة من ناحية، وكل من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني بالجلوس على مائدة التفاوض للوصول للحد الأدنى من التفاهمات حول قضايا الحكم والسلطة لتجنيب البلاد عدم الاستقرار من ناحية أخرى. وفي هذا الإطار، تبرز مجموعة من الأفكار أبرزها ما يلي:
1. طرح دستور جديد توافقي يعمل على تحقيق الاستقرار السياسي في السودان، ويبعد عنه شبح الحروب الأهلية، وعدم الاستقرار الأمني.
2. إعادة هيكلة الحكومة وفق برنامج يتم التوافق عليه من كل القوى السياسية.
3. إعادة رسم الأولويات السياسية والاقتصادية الداخلية لمعالجة أزمات البلاد السياسية والاقتصادية.
وإذا كانت هذه المطالب تروق لبعض قوى المعارضة التي تنادي بالسلمية، فإنها قد تكون مثار اعتراض من قبل قوى أخرى لا ترضى عن رحيل النظام بديلا. ولا شك في أن قبول بعض القوى المعارضة بالتفاوض مع النظام يضعف موقف باقي الأطراف. ويبدو أن النظام يجيد اللعب بهذه الورقة طيلة العقدين الماضيين، وربما هذا-من بين مجموعة من الأسباب الأخرى- وراء عدم دخول السودان حتى الآن في موجة الربيع العربي التي تتطلب وحدة المعارضة وتماسكها وقدرتها على الحشد الضاغط في الشارع ضد النظام.
د. بدر حسن شافعي
خبير في الشئون الإفريقية
هل يلحق نظام البشير في السودان بموجات تغيير الأنظمة التسلطية في دول الربيع العربي؟ .. سؤال بات مطروحا في البلاد هذه الأيام بعد أحداث 20 سبتمبر التي تسبب فيها قرار الحكومة برفع الدعم عن المحروقات في إطار خطة اقتصادية تستهدف تقليل حجم الدين الداخلي ، وعجز الموازنة، وهي الأحداث التي وصفتها المعارضة بأنها الأقوى التي يواجهها نظام الإنقاذ منذ وصوله للحكم عام 1989، كما طالبت بإعلان العصيان المدني، فضلا عن المطالبة بإسقاط النظام الذي يرى –في المقابل -هذه الأحداث مفتعلة وعنيفة، حيث استهدفت حرق بعض محطات الوقود، وبعض الممتلكات الخاصة، وبعض مقار الحزب الحاكم، مما دفع قوات الشرطة والأمن إلى التعامل العنيف معها.
ووجه النظام اتهاما صريحا ومباشرا للجبهة الثورية المسلحة، التي تضم أربع قوى أساسية، هي حركات دارفور الثلاث، العدل والمساواة ، وتحرير دارفور- جناحي عبد الواحد نور، ميناوي، فضلا عن الحركة الشعبية- فرع الشمال، إلى جانب قيادات من حزبي الأمة والاتحاد الديمقراطي." وفي المقابل، طالبت بعض قوى المعارضة القوات المسلحة بالتدخل لتسلم السلطة، وتشكيل حكومة تكنوقراط لفترة انتقالية ، في حين هدد النظام بنزول شباب حزبه إلى الشوارع لحماية الممتلكات العامة والخاصة، وهو ما قد ينذر بإمكانية التصعيد، وحدوث مزيد من الخسائر البشرية والمادية.
أسباب التظاهر
يمكن القول إن سبب التظاهر المباشر يرجع إلى قرار الحكومة بالرفع التدريجي عن أسعار المحروقات "البنزين، وأنابيب طهي المنازل" بمقدار الضعف تقريبا، حيث ارتفع سعر جالون البنزين من 12.5 جنيه سوداني إلى 21 جنيها ، والجازولين من 8 جنيهات إلى 14 جنيها، وأنبوبة الطبخ أصبح سعرها 25 جنيها. ومع ذلك، أشارت الحكومة إلى أن هذا الرفع هو تدريجي، حيث لا تزال تدعم جالون البنزين بعشرة جنيهات، والجازولين بـ 13 جنيها، وأنبوبة الطبخ بـ 65 جنيها.
ومن وجهة نظر الحكومة، هناك مجموعة من الأسباب الداخلية التي دفعتها لاتخاذ مثل هذا الإجراء، منها عجز الموازنة، وزيادة حجم الدين الداخلي، فضلا عن وصول هذا الدعم لغير مستحقيه، سواء ما يتعلق بالأغنياء الذين يمتلكون السيارات ، أو من خلال عمليات تهريب الوقود إلى الخارج. وبالتالي، كانت هناك ضرورة لإجراء إصلاحات اقتصادية من أجل إنقاذ الاقتصاد من الانهيار بعد تعرضه لعدة صدمات، منها التأثير المالي السلبي لانفصال الجنوب ، فضلاً عن التهام العمليات العسكرية، سواء في الجنوب أو درافور، لأموال طائلة من الخزانة العامة.لكن الحكومة عملت في المقابل على اتخاذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية من أجل التخفيف من الآثار السلبية لهذا القرار، مثل تبني مشروع التأمين الصحي الذي سيسهم في تقليل نفقات العلاج ومشاريع الإسكان الشعبي، وتسهيل عمليات التمويل للمشروعات الصغيرة لتكون متاحة للشرائح الفقيرة ، وزيادة الأجور " بداية من أكتوبر2013 .
لكن ومع ذلك، بقيت هناك حالة من الغضب لدى قوى المعارضة إزاء قرار رفع الدعم ، بل ربط بعضهم هذه القرارات بتوجيهات من البنك الدولي الذي وعد الحكومة بإعادة النظر في ديونها الخارجية "45.6 مليار دولار" من خلال جدولتها أولا ، ثم النظر في حصولها على قروض إضافية لاحقا.
وفي المقابل، فإن بعض القوى المقربة من الحكومة اتهمت الولايات المتحدة بتحريك المعارضة، وافتعال الأحداث الأخيرة ، حيث ربطت ما حدث برفض واشنطن منح تأشيرة دخول للبشير للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وبالتالي عملت واشنطن على إذكاء هذه التظاهرات. وازدادت شرارة الأحداث يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين– أي قبل يوم واحد من الموعد المحدد لقيام البشير بإلقاء خطابه أمام الجمعية. ثم يربط هؤلاء أيضا الأحداث بسرعة الشجب والتنديد الأمريكي بها من ناحية ، وهدوء وتيرة التظاهر بعد ذلك من ناحية أخرى .
ملامح جديدة للاحتجاج ضد النظام
هناك مجموعة من الملامح التي اتسمت بها الاحتجاجات الأخيرة ومن أبرزها ما يلي:
1- ظهور قوى سياسية معارضة جديدة بخلاف المعارضة التقليدية من ناحية(تضم 20 حزبا في مقدمتها الأمة، والاتحادي ، والمؤتمر الشعبي)، والمعارضة المسلحة من ناحية أخرى" الجبهة الثورية". هذه القوى عرفت باسم تنسيقية قوى التغيير السودانية. وتضم الجبهة، بحسب البيان الأول للتنسيقية، تحالف شباب الثورة السودانية، وقوى الإجماع الوطني، والنقابات المهنية، وتحالف منظمات المجتمع المدني.
2- حدوث بوادر انشقاق في حزب المؤتمر الحاكم عبر بعض القوى الداعمة له والرافضة لمثل هذه الإجراءات، ومنها تيار ما عرف بالإصلاحيين "السائحين"، ويضم 31 من قيادات الحزب، أبرزهم الدكتور غازي صلاح الدين، مستشار البشير السابق، وحسن رزق، نائب الأمين العام للحركة الإسلامية السابق، وقائد المحاولة الانقلابية الأخيرة، العميد محمد إبراهيم"، حيث طالب هؤلاء الرئيس البشير بوقف قتل المتظاهرين، وإلغاء الإجراءات الاقتصادية، وكفالة الحريات، والتحقيق في إطلاق الذخيرة على المتظاهرين، وحرية الصحافة والإعلام. ويلاحظ أن د.غازي يدعو منذ فترة إلى تشكيل حركة إصلاحية تضم كل الأطياف، والبحث عن إطار سياسي لها.
وقد ذكر ذلك في مقال له في 17 أغسطس 2013 على موقع مؤسسة السلام العالمية الأمريكية تحت عنوان " المطالبة بالإصلاح..الأساسيات و المبادئ "، ويدور حول أهمية إنشاء الحركة الإصلاحية، ورغبته في تأطير هذه الحركة الإصلاحية في هيئة سياسية، تهدف إلى توحيد المجتمع السوداني لإنشاء "جبهة سودانية موحدة". وبالرغم من أن بعض قوى المعارضة تقلل من هذه الحركة، بل تتهم غازي بالمناورة ، فإنها إذا حدثت حقيقة، فستكون أكبر انشقاق يشهده الحزب الحاكم منذ خروج د.حسن الترابي عنه عام 1999.
3- ضعف الكثافات العددية الضاغطة للمتظاهرين، بالرغم من اندلاع الاحتجاجات في مناطق حيوية في العاصمة وضواحيها ، أم درمان، والجزيرة، وغيرها". وربما يرجع ذلك لعدة أمور، منها الخوف من البطش الأمني من ناحية، وتصوير الإعلام للمتظاهرين بأنهم مخربون، مما قد يضعف الحشد ضد نظام البشير، من ناحية ثانية، وانتظار فريق آخر للقرارات الاقتصادية الإيجابية مثل زيادة الأجور من ناحية ثالثة.
إشكالية المعارضة
يلاحظ أن التظاهرات الأخيرة هي أكبر حركة احتجاجية منذ وصول جبهة الإنقاذ للحكم عام 1989، حيث رفع المحتجون شعارات ليست اقتصادية فحسب" مثل المطالبة بإلغاء قرارات إلغاء الدعم"، وإنما رفعوا شعارات سياسية مثل "الشعب يريد سقوط النظام". ويلاحظ أن هذه ليست المرة الأولى التي ترفع فيها المعارضة مثل هذه الشعارات، فقد سبق أن رفعتها العام الماضي، ثم في يونيو الماضي أيضا على هامش المواجهات بين القوات الحكومية والحركة الجنوبية فرع الشمال، حيث تعهد تحالف المعارضة التقليدية حينها بالإطاحة بنظام الرئيس البشير سلمياً في غضون مائة يوم "يفترض أنها انتهت مع قرب وقوع الأحداث". لكن أيا من هذه الشعارات لم يتحقق ، بل وجدنا أن القوى الثورية ترى أن إسقاط النظام لن يكون عبر الوسائل السلمية، وإنما من خلال القوة المسلحة.
ومن هنا، تظهر إشكالية كبيرة تتعلق بوجود حالة من الانقسام والتشتت داخل صفوف المعارضة التي ربما تتفق فيما بينها على هدف واحد، هو الإطاحة بالنظام ، لكن تختلف في آليات تحقيق ذلك "عبر الوسائل السلمية أم المسلحة". وهو ما عبر عنه الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة، في خطابه في ساحة الخليفة أوائل يونيو الماضي، حيث أكد وجود انقسام داخل المعارضة، داعيا إلى إسقاط النظام بانتفاضة مدنية، لأن محاولة إسقاطه بالقوة سوف تأتي بنتائج عكسية. ويبدو أن هذا النهج هو الذي ذهبت إليه تنسيقية التغيير التي ظهرت مؤخرا، وترغب في أن تأخذ منحى السلمية بعيدا عن المعارضة التقليدية والمسلحة على حد سواء.
هذا الانقسام في قوى المعارضة يضعفها كثيرا في مواجهة النظام الذي يسيطر على قوات الشرطة والجيش ، لكن ليس معنى ذلك أن الأمور تسير على ما يرام بالنسبة للنظام ، فهو يعاني استمرار المواجهات المسلحة في دارفور، وكردفان، والنيل الأزرق، وجبال النوبة، وهو ما يؤثر فيه بصورة أو بأخرى، مما قد يجعله يقبل ببعض الحلول السياسية التي قد لا تلبي طلب المعارضة بخصوص رحيله .ومن هنا، يبقى السؤال بشأن كيفية الخروج من المأزق الراهن؟.
سبل التسوية
قد تكون التسوية السياسية القائمة على استجابة النظام لبعض مطالب المعارضة هي الأنسب خلال الفترة الراهنة، وبالتالي لابد أن تكون نقطة البدء قبول الحكومة من ناحية، وكل من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني بالجلوس على مائدة التفاوض للوصول للحد الأدنى من التفاهمات حول قضايا الحكم والسلطة لتجنيب البلاد عدم الاستقرار من ناحية أخرى. وفي هذا الإطار، تبرز مجموعة من الأفكار أبرزها ما يلي:
1. طرح دستور جديد توافقي يعمل على تحقيق الاستقرار السياسي في السودان، ويبعد عنه شبح الحروب الأهلية، وعدم الاستقرار الأمني.
2. إعادة هيكلة الحكومة وفق برنامج يتم التوافق عليه من كل القوى السياسية.
3. إعادة رسم الأولويات السياسية والاقتصادية الداخلية لمعالجة أزمات البلاد السياسية والاقتصادية.
وإذا كانت هذه المطالب تروق لبعض قوى المعارضة التي تنادي بالسلمية، فإنها قد تكون مثار اعتراض من قبل قوى أخرى لا ترضى عن رحيل النظام بديلا. ولا شك في أن قبول بعض القوى المعارضة بالتفاوض مع النظام يضعف موقف باقي الأطراف. ويبدو أن النظام يجيد اللعب بهذه الورقة طيلة العقدين الماضيين، وربما هذا-من بين مجموعة من الأسباب الأخرى- وراء عدم دخول السودان حتى الآن في موجة الربيع العربي التي تتطلب وحدة المعارضة وتماسكها وقدرتها على الحشد الضاغط في الشارع ضد النظام.