صفحة 1 من 1

تحجيم المخاطر

مرسل: السبت ديسمبر 07, 2013 11:17 pm
بواسطة محمد السويكت 20
كيف تعاملت مصر مع التهديدات الغربية بقطع المساعدات؟
إيمان أحمد عبد الحليم

باحثة متخصصة في الشئون العربية

أثارت الأزمة بين مصر والقوى الغربية بعد فض اعتصامات الإخوان المسلمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة تساؤلات حول أبعاد الموقف الغربي من التطورات الجارية في مصر، ومسارات تحرك الحكومة المصرية الممكنة إزاء تلك الأزمة ، لاسيما بعد أن هددت القوى الغربية بقطع المساعدات عن القاهرة، إلا أن التحركات الإقليمية التي قادتها السعودية ساهمت في تخفيف تلك الضغوط على مصر، بل واستطاعت تحييد العامل الغربي في التأثير على الشأن الداخلي المصري بعد 30 يونيو.

أبعاد الموقف الغربي من التطورات في مصر:

اتسم الموقف الغربي من التطورات الجارية في مصر بـ"الحذر" عقب عزل الرئيس محمد مرسي. فمع تجنب وصف ذلك التدخل بـ"الانقلاب العسكري"، فقد حرصت القوى الغربية على الجانب الآخر على تأكيد أهمية العودة سريعاً إلى المسار الديمقراطي، مرحبة بحذر بالإعلان الدستوري الذي أقره الرئيس المؤقت عدلي منصور، والذي يتضمن جدولاً زمنياً لتعديل الدستور، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.ولكن مع النهج الذي تم به فض اعتصام مناصري مرسي في "رابعة العدوية" و"ميدان النهضة"، فقد أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن الولايات المتحدة الأمريكية "تدين بقوة الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية ضد المدنيين"، ودعا السلطات في مصر إلى احترام الحقوق العالمية للإنسان، وإلغاء حالة الطوارئ، والبدء في حوار شامل.

وأعلن أوباما عن إلغاء مناورات "النجم الساطع" بين الجيشين الأمريكي والمصري، التي كانت مقررة في سبتمبر 2013، قائلاً إن "تعاوننا التقليدي مع مصر لا يمكن أن يستمر كما هو "، فيما تناقش إدارة أوباما ما إذا كانت ستوقف تزويد الجيش المصري بطائرات "أباتشي" جديدة من طراز "آي إتش 64" دي، والذي كان مقرراً أيضاً أن يتم في سبتمبر، أم لا.

وقد شدد الرئيس الأمريكي، في تصريحاته في 23 أغسطس 2013، على أن الإدارة الأمريكية تقوم حالياً بعمل تقييم شامل حول العلاقات الأمريكية- المصرية، مستبعداً عودة العلاقات التجارية مع مصر إلى ما كانت عليه في السابق، موضحاً: "لقد بذلنا جهوداً دبلوماسية كبيرة لحث الجيش المصرى -عقب عزل مرسي- للسير فى طريق المصالحة، غير أنهم لم يستغلوا الفرصة"- على حد قوله.

وعلى الرغم من ترجيحه أنه فى حال اتخاذ قرار بقطع المعونة الأمريكية عن مصر، فإن ذلك لن يؤثر فى قرارات الحكومة المصرية المؤقتة، فإن أوباما أضاف: "أعتقد أن معظم الأمريكيين سيقولون إن علينا الحرص على ألا نظهر أننا ندعم سلوكاً يكون مخالفاً لقيمنا ومثالنا"، موضحاً: "لهذا السبب، نقوم حالياً بمراجعة علاقة الولايات المتحدة بمصر".

وفي حين أن أوباما لم يعلن تعليق المساعدات العسكرية السنوية لمصر التي تبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار، فإن هناك دعوات في الكونجرس إلى وقف هذه المساعدات، وذلك فيما يفكر الاتحاد الأوروبي كذلك في إيقاف مساعداته عن مصر.

وقد قرر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 21 أغسطس "تعليق تراخيص المعدات التي يمكن أن تساعد في عمليات القمع في مصر"، بحسب ما صرّحت مسئولة الشئون الخارجية في الاتحاد كاثرين آشتون، موضحة أن كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ستأخذ فى الحسبان كيفية تطبيق هذا القرار وفقاً لمصالحها.

هذا، وقررت بعض الدول، ومنها ألمانيا، تجميد صادراتها من الأسلحة إلى مصر، حيث تدرس دول الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في المساعدة الأمنية المقدمة إليها.كما أوقفت ثلاث دول أوروبية مساعدات مالية مخصصة لمشروعات تنموية في مصر، حيث جمدت الحكومة الألمانية أموال مساعدات لمصر بقيمة 25 مليون يورو. وكذلك، فإن الدنمارك وهولندا أوقفتا المساعدات الاقتصادية التي تقدر بـ4 ملايين يورو للدنمارك، كانت مخصصة لدعم الشركات الصغيرة، وتوفير فرص عمل للشباب في مصر، و8 ملايين يورو لهولندا مخصصة لدعم مشروعات تنموية في مجالات حقوق الإنسان، والإدارة، وإمدادات المياه.

مدى تأثر مصر بالتهديدات الغربية:

وفقاً لجهاز الأبحاث بالكونجرس الأمريكي، فإن مصر ثاني أكبر دولة بعد إسرائيل تحصل على مساعدات من واشنطن، منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، ووصلت المساعدات الأمريكية للقاهرة إلى 71.6 مليار دولار منذ عام 1984 وحتى عام 2011. وفي الآونة الأخيرة، بلغت المساعدات الأمريكية نحو 1.55 مليار دولار سنوياً، منها نحو 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية.

وعلى الرغم من أن المساعدات العسكرية لمصر تبدو كأنها مبلغ زهيد بالمقارنة بالاقتصاد المصرى، فإن هذه المساعدات تعد مدخلا رئيسيا لحصول القاهرة على الأسلحة المتطورة. ومن ذلك، أثار البعض مخاوف من مدى قدرة الحكومة المصرية على الاستغناء عن المساعدات الغربية، خصوصاً الأمريكية، في حال اُتخذ قرار بإيقاف تلك المساعدات، في حين استبعد البعض الآخر أن تمضي القوى الغربية في مواقفها تجاه فرض عقوبات على مصر، وذلك استناداً إلى الآتي:

- على الرغم من إلغاء تدريبات عسكرية مشتركة بين واشنطن والقاهرة، فقد صرّح وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل، بأنه أبلغ نظيره المصري، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بأن البنتاجون سيواصل علاقاته العسكرية مع مصر. فمن المهم للجيش الأمريكي الحفاظ على مصالحه الاستراتيجية مع القاهرة، وبالنظر إلى أن هناك سفن حربية أمريكية تمر من قناة السويس. وإذا تم منع ذلك، فسوف تتكبد الولايات المتحدة خسائر مالية تتعدي أضعاف دعمها لمصر، حيث تتحكم القناة فيما لا يقل عن 4% من حركة النفط العالمية، و8% من حركة التجارة البحرية.

- يستبعد المحللون أن تقطع الإدارة الأمريكية مساعداتها للجيش المصري، لأنها توليه الآن أهمية أكبر من أي وقت مضى بسبب الأوضاع التي يمر بها الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة تقدم الدعم إلى مصر، لأنها واحدة من دولتين عربيتين فقط وقعتا اتفاق سلام مع إسرائيل، والولايات المتحدة لا ترغب في المساس بهذا التوازن، في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها المنطقة، وفي ظل تطورات الوضع على الساحة السورية، حيث لم يعد مستبعداً خيار التدخل العسكري لإنهاء الأزمة الإنسانية التي تشهدها البلاد.

- في واقع الأمر، فإن معظم المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر تستحوذ عليها صناعة الدفاع الأمريكية التي توفر العتاد والصيانة وقطع الغيار. ومن ثم فمن الناحية الاقتصادية البحتة، فإن تراجع الأموال المخصصة للمشتريات الأمريكية الاستراتيجية، وإن كان سيؤثر فى الجيش المصري، فإن شركات المقاولات الدفاعية الأمريكية ستفقد أيضاً مزايا كبيرة تتمتع بها. وقد أكد متخصصو المشتريات العسكرية فى الكونجرس أن قطع المساعدات عن مصر سيورط الإدارة الأمريكية فى معركة تعاقدية مع شركات الأسلحة الأمريكية. فبينما ترتبط مصر بعقود مع هذه الشركات حتى عام 2018، بموجب ائتمان نقدى تعهدت به واشنطن، فإن إلغاء الصفقة سيجبر الحكومة الأمريكية على تحمل عقوبات تبلغ مليارى دولار.

- وحتى على الجانب الأوروبي، وبصدد العقوبات التي فرضها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على القاهرة، فقد أوضحت كاثرين آشتون أنه سيُترك لكل دولة من دول الاتحاد النظر في كيفية تطبيق القرار وفقاً لمصالحها الخاصة، الأمر الذي يتيح مرونة كبيرة في عدم تطبيق القرار، خصوصاً في حال التوصل إلى تفاهمات مع الحكومة المصرية بشأن التطورات الجارية في البلاد، وذلك مع إجماع عدد من الخبراء على أن الاتحاد الأوروبي يميل إلى تغليب مصالحه المادية في تعاطيه مع الشأن المصري، وذلك مع الإشارة إلى أن الاتحاد لم يشأ توصيف عزل مرسي بالانقلاب.

مسارات التحرك الحكومي في مواجهة المواقف الغربية:

مع المواقف الغربية من التطورات الجارية في مصر، والتهديد بفرض عقوبات على القاهرة، فقد اهتمت الحكومة المصرية المؤقتة بانتهاج ثلاثة مسارات رئيسية في سبيل تحجيم خطر فرض أي عقوبات، ممثلة في المسارات التالية.

- تأكيد أهمية التعاون مع الغرب: فعلى الرغم من توتر العلاقات بين القاهرة وعدد من القوى الغربية، فقد حرص وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي، على تأكيد أن "التلويح بسحب المساعدات في هذه المرحلة مرفوض، والمساعدات مشكورة استفادت بها مصر، ونأمل أن تستمر"، مشدداً في الوقت ذاته على أهمية "ألا تعد القوى الغربية، وخصوصاً واشنطن، ما تقدمه لمصر هبة، بل إن هناك مصالح ينبغي وضعها في الحسبان لدى اتخاذ قرار".

وفي سبيل طمأنة القوى الغربية بشأن مستقبل التطورات السياسية في البلاد، فقد أعلن فهمي اعتزام القاهرة تشكيل لجنة تقصي حقائق من شخصيات مستقلة لتوثيق ما حدث بدقة في البلاد منذ فض اعتصامي مؤيدي مرسي، مضيفاً- خلال مؤتمر صحفي عقده في 18 أغسطس في مقر وزارة الخارجية المصرية- أنه "سيتم النظر فيما هو قادم من المنظور السياسي، والانتقال إلى تنفيذ خريطة الطريق بما يشمل الجميع دون إقصاء، ما دام هناك التزام بالقانون"، وقال إن "المسار السياسي هو الاتجاه المصري، فلا توجد مشكلة تحل بالمسار الأمني فقط".

وطالب فهمي وسائل الإعلام العالمية بضرورة الحياد والتوازن تجاه الأحداث التي شهدتها مصر خلال الأيام الماضية، وعدم الانحياز إلى طرف على حساب طرف آخر، حفاظاً على المصداقية والمهنية، وبناءً على ما يحدث على أرض الواقع فقط.

- الاستفادة من دعم دول الخليج: حيث تستفيد القاهرة في الوقت الراهن من دعم دول الخليج خلال فترة ما بعد 30 يونيو في تقليل خسائرها من توتر العلاقات مع عدد من الدول الغربية، وذلك مع الإشارة إلى أن الحكومة المصرية حصلت على تعهدات من السعودية، والإمارات، والكويت بمنحها مساعدات بقيمة 12 مليار دولار، حصلت منها القاهرة على 5 مليارات دولار، كما تعهدت الرياض بسد أي عجز مالي قد تعانيه مصر، إذا أوقفت دول غربية معوناتها للقاهرة.

وقد دافع وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، عن الموقف المصري، وأكد وقوف المملكة إلى جانب مصر على كافة الصعد في مواجهة التهديدات الغربية، وقال: "لن نتأخر عن تقديم كل أشكال الدعم لمصر.. فمصيرنا واحد، وهدفنا واحد"، وأضاف: "لن نسمح بأن يتلاعب المجتمع الدولي بمصير مصر، أو يعبث بأمنها واستقرارها"، وذلك مع تحذيره الدول الغربية من ممارسة أي ضغط على الحكومة المصرية لوقف الإجراءات التي تتخذها ضد أنصار مرسي.

- تقوية العلاقات مع روسيا: حيث يشار في هذا الصدد إلى أن موسكو اتخذت موقفاً داعماً للحكومة المصرية، خلال الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي في منتصف أغسطس، برفضها إصدار المجلس أي بيانات تدين القاهرة، على خلفية فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة"، أو وصف ما حدث في مصر بالانقلاب. وكانت موسكو أكثر تحفظاً في إدانة الأحداث التي شهدتها مصر، إذ اكتفت بدعوة جميع القوى السياسية في البلد إلى ضبط النفس دون إدانة تدخل قوات الأمن لفض الاعتصامات.

وقد ذكرت مواقع عسكرية إلكترونية أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عقد اجتماعاً عاجلاً مع قادة الجيوش الروسية، ومسئولي أجهزة المخابرات في 16 أغسطس، لبحث الوضع في مصر، وإمكانية تقديم المساعدة للجيش المصري، وإقامة تعاون عسكري بين القاهرة وموسكو في المستقبل القريب. وعلى الرغم من عدم الإعلان عن أي قرار للاجتماع حتى الآن، فإنه تمت مناقشة إجراء مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة بين الجيشين الروسي والمصري، بالإضافة إلى بحث التعاون العسكري، وبيع أسلحة للقاهرة في المستقبل.

يشار كذلك إلى تغليب عدد من المتابعين قيام الرياض بلعب دور الوسيط بين القاهرة وموسكو في الوقت الحالي، وذلك على الرغم من اختلاف المواقف بشأن الأزمة السورية، حيث قام رئيس المخابرات السعودية، الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز، بزيارة غير معلنة إلى موسكو في 31 يوليو، كان من ضمن أهدافها بحث فرص التعاون العسكري، والتوسط في صفقة أسلحة روسية لمصر، لتكون بديلاً عن الأسلحة الأمريكية، إذا ما قررت واشنطن قطع المعونة العسكرية عن الجيش المصري. وقد تحدثت التسريبات عن عرض الأمير بندر صفقة أسلحة ضخمة بقيمة 150 مليار دولار مع موسكو لتشجيعها على تعزيز التعاون مع القاهرة، الأمر الذي يساعد على تخفيف الضغط الأمريكي على الحكومة المصرية.