ما بعد مرسي
مرسل: السبت ديسمبر 07, 2013 11:24 pm
أبعاد التغيرات السياسية في مصر بعد 30 يونيو
محمد مسعد العربي
باحث في العلوم السياسية
شهدت الساحة المصرية تغييرات سياسية فارقة بعد إعلان القوات المسلحة تضامنها مع الموجة الثورية في 30 يونيو، وعزل الرئيس محمد مرسي، وإعلان القوات المسلحة -بمشاركة قوى سياسية ودينية- عن خارطة طريق جديدة تسلم بمقتضاها رئيس المحكمة الدستورية العليا "عدلي منصور" مهام منصبه كرئيس مؤقت للبلاد.
ويُعد هذا التطور تحولا هائلا في مسار ثورة 25 يناير بعد عامين ونصف من انطلاقها، ومرورها بمرحلة انتقالية قاد البلاد فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم المرور بحكم جماعة الإخوان المسلمين الذي أنهته الموجة الثورية في 30 يوليو بخروج الملايين للمطالبة بإسقاط حكم الإخوان، ورحيل الرئيس المنتخب محمد مرسي بعد عام كامل من ولايته، واستكمال أهداف الثورة الأولى.
خصائص احتجاجات 30 يونيو
ثمة خصائص لاحتجاجات 30 يونيو تتمثل في حجمها، حيث خرج المصريون بالملايين للشوارع، فضلا عن انتشارها، خاصة وأنها وصلت إلى المحافظات المصرية، وبالتالي فقدت القاهرة وميدان التحرير مركزيتيهما برغم قوة الحشد فيهما.هذا الانتشار الأفقي شمل محافظات ومدن الدلتا والصعيد المحسوب دائمًا على القوى الإسلامية، مع العلم، بأن هذه المدن كانت هي مسرح المواجهات الأخيرة بين الإخوان ومناوئيهم. من ناحية أخرى، انتشرت الموجة الثورية لـ30 يونيو رأسيًّا، فهذه المرة كانت عابرة للطبقات والشرائح الاجتماعية، فقد شملت الريف والبرجوازيات الحضريات وأجزاء من أرستقراطيات المدن الكبرى. اللافت أيضًا هو مشاركة رجال الشرطة وفئات من غير المسيسين، أو ما يطلق عليه حزب الكنبة في 30 يونيو.
إن خروج فئات متنوعة إلى الشارع ومساندة القوات المسلحة لها جاء تدليلا على تعثر حكم الإخوان، وإثارته السخط لدى قطاعات عريضة ربما لم يستفزها حتى فساد نظام مبارك.ولا يغيب عن المشهد الحشد المؤيد للسلطة المعتصم منذ أحداث الجمعة 28 يونيو في ميداني رابعة العدوية في مدينة نصر، والنهضة في الجيزة، غير أن تركيز الإخوان على مركزية الحشد، في مقابل انتشار المعارضين أضعف من تكتيكات الإخوان في إجهاض 30 يونيو.
كما أن تعامل الرئيس مرسي الذي استخف بالمعارضين واعتبرهم مجرد ثورة مضادة للفلول أسهم في عدم قدرته على إدارة الأزمة، وبدا ذلك في خطابات مرسي الذي اكتفى بتوجيه اتهامات، وتفسير التظاهرات على أنها مجرد مؤامرة. في الوقت نفسه، غلب على خطاب جماعة الإخوان حالة الإنكار وربما الصدمة التي سببتها ضخامة الحشود وراديكالية مطالبها، فضلا عن حالات العنف التي وجهت لمقار الجماعة وحزب الحرية والعدالة. وهذا العنف هو استمرار لحالة الاحتراب المتصاعدة منذ أحداث الاتحادية في نوفمبر 2012 وهو لم ينقطع إلا لفترات بسيطة.
لقد دفع الرد السلبي لمؤسسة الرئاسة على احتجاجات 30 يونيو المؤسسة العسكرية إلى التحرك بإعلانها في بيانها يوم 1 يوليو إمهالها جميع الأطراف 48 ساعة للاستجابة لمطالب المتظاهرين في إطار حمايتها للشرعية الشعبية. وهو ما كان يعني ضمنًا تنحي محمد مرسي عن الرئاسة بطريقة أو بأخرى.
ومع اقتراب مهلة المؤسسة العسكرية من الانتهاء، واستمرار التظاهرات الرافضة لحكم الإخوان، ودفع الجماعة بمؤيديها يوم 2 يوليو إلى الشارع، جاءت كلمة محمد مرسي ليؤكد فيها تمسكه بالشرعية الانتخابية، ورفضه إنذار الجيش، بل وتلويحه بالعنف ضد الرافضين للشرعية، وهو ما دفع الوضع إلى التأزم مع وجود عنف متبادل، وسقوط قتلى وجرحى. فاستبقت القوات المسلحة انتهاء المهلة باجتماعها بالقوى الوطنية والسياسية والأزهر لتتخذ قرارات 3 يوليو التي أسست لمرحلة جديدة في الثورة المصرية.
ملامح خارطة 3 يوليو
لقد تقرر في بيان القوات المسلحة والقوى السياسية تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسًا للبلاد، وتعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل حكومة توافق وطني قوية، وتشكيل لجنة بها جميع الأطياف لمراجعة التعديلات الدستورية، ومناشدة المحكمة الدستورية العليا إقرار مشروع قانون مجلس النواب، ووضع ميثاق إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق المصداقية والحيدة، والعمل على دمج الشباب، وتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بالمصداقية وتمثل مختلف التوجهات. وهي القرارات التي لاقت ترحيب المتظاهرين في الشارع، كما أنه بمقتضاها تم عزل الرئيس مرسي.
ويمكن القول إن أزمة 30 يونيو أعادت القوات المسلحة إلى واجهة السياسة المصرية، غير أنها أشرت على الدور الحاسم الذي تلعبه هذه المؤسسة في بنية النظام السياسي المصري ما بعد الثورة، فعلى الرغم من أن جماعة الإخوان ومؤيديها قد رأوا في تحرك المؤسسة العسكرية انقلابًا عسكريًّا على الشرعية، فإن مشهد هذا التحرك المدعوم شعبيًّا لنزع فتيل الأزمة لم يكن إلا استكمالا لدور المؤسسة العسكرية المركزي منذ ثورة يناير.
فقد أدارت المؤسسة العسكرية البلاد في عام ونصف، ولم يؤدِّ تغيير قيادتها عقب انتخابات الرئاسة 2012 إلا إلى تغيير موقعها في بنية القرار، وإن لم يغير من حجمها، فهي الجزء الأبرز في معادلة الحكم. ويتضح هذا حتى قبل 30 يونيو عندما دعت المؤسسة العسكرية إلى الحوار بين الفرقاء السياسيين، عقب احتدام الأزمة بين الإخوان والرئاسة من جهة والقوى المدنية عقب الإعلان الدستوري المثير للجدل في نوفمبر 2011 . كما جاء تحركها الأخير في سياق استجابة الدعوات الشعبية للجيش بأن يتحرك للضغط على الرئاسة والحكومة، وصولا إلى عزل مرسي، وتولي دفة الأمور، وهو ما كان.
ويبقى أن تحرك المؤسسة العسكرية في 30 يونيو مختلف عن خبرة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة (فبراير 2011 / يونيو 2012) وهي خبرة اتسمت بالتخبط، حيث شهدت هذه الفترة دخول القوات المسلحة في مواجهات على الأرض مع المتظاهرين، وهي العوامل التي أدت إلى تآكل في شعبيتها لدى قطاعات من المجتمع.
ويبدو أن المؤسسة العسكرية ممثلة في قيادتها الحالية (الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع) قد عملت على تلاشي الدخول في أي مواجهة مع القوى الثورية والمتظاهرين، واختارت دعم مظاهرات 30 يونيو في مواجهة الرئاسة، وهو العامل الذي يستبعد عودة الحكم العسكري المباشر، طبقًا لخارطة الطريق التي يرعاها الجيش دون أن يكون طرفًا فيها. وهو ما يؤكد سيناريو استمرار الدور البريتوري للجيش في أي نظام سياسي مدني مقبل، بمعنى غياب فعالية السلطة السياسية المدنية، والحاجة إلى جهاز قوي (الجيش) يفرض النظام.
تحديات ما بعد مرسي
ثمة تحديات محتملة تواجه التحولات في المشهد السياسي المصري ما بعد قرارات 3 يوليو للجيش، ولعل أبرزها إعادة دمج جماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية، حيث أوضحت هذه الموجة الثورية فشل الإخوان المسلمين عند انتقالهم من خانة المعارضة إلى سدة الحكم، وانتهى مسار الاستقطاب والعنف الذي شابه إلى اتهام الجماعة بإثارة الفتنة، وهو ما أدى إلى التحفظ على قياداتها، وهي عرضة للمساءلة القانونية وربما المحاكمة.
ويخشى البعض من تكرار سيناريو عشرية الدم الجزائرية، حيث يرى الإخوان المشهد انقلابًا على شرعية ديمقراطية منتخبة، بما قد يدفع التيارات الإسلامية نحو تبني العنف في مواجهة الدولة، غير أن هذا السيناريو مستبعد مع وجود فوارق في تكوين وطبيعة الحركات الإسلامية الجزائرية وحدود خبرتها السياسية وتكوينها الأيديولوجي في التسعينيات وخبرة الحركة الإسلامية المصرية حاليًّا، بالإضافة إلى اختلاف طبيعة تدخل المؤسسة العسكرية في الحالتين.
ويبقى أن الأزمة قد أوضحت أن جماعة الإخوان تعاني قصورًا في تكوينها الفكري، وخطابها، ومدى انفتاحها على المجتمع، مع انغلاق طبيعتها الطائفي، وهي الأمور التي تدفعها دفعًا نحو إعادة تنظيم نفسها وحركتها لتأهيل نفسها من جديد بعد الانتكاسة التي تعرضت لها. ومن ناحية أخرى، أوضحت الأزمة قدرة أطراف إسلامية أخرى على استيعاب معطيات الحياة السياسية والحركة الاجتماعية والتكيف معها، يأتي على رأس هذه الأطراف حزب النور الذي ربما يستعد لقيادة الحركة الإسلامية بديلا عن الإخوان.
ويبقى تحدٍّ آخر متعلق بقدرة هذه القرارات التي أعلنت عنها القوات المسلحة على استيعاب مطالب الشارع الاقتصادية والاجتماعية وكفاءتها في العمل على تحقيقها. حيث إنه إذ لم يؤدِّ المسار السياسي الديمقراطي إلى وضع خطة واضحة لتأطير برامج الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، فإن هذا يعني أن الاضطرابات لن تتوقف.
وفي النهاية، فإن الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية مرهون بقوة الحركة المدنية، وقدرتها على طرح نموذج سياسي ديمقراطي مستقر، لا يؤدي إلى تأزم الأوضاع، والاستدعاء المتكرر لدور الجيش بوصفه ركيزة الاستقرار، وهو الأمر الذي سيأخذ سنواتٍ طوالا، ويتطلب جهدًا وفكرًا في التعامل معه، بحسب ما تؤشر عليه تجارب التحول الديمقراطي، وعلاج أزمات العلاقات المدنية العسكرية.
محمد مسعد العربي
باحث في العلوم السياسية
شهدت الساحة المصرية تغييرات سياسية فارقة بعد إعلان القوات المسلحة تضامنها مع الموجة الثورية في 30 يونيو، وعزل الرئيس محمد مرسي، وإعلان القوات المسلحة -بمشاركة قوى سياسية ودينية- عن خارطة طريق جديدة تسلم بمقتضاها رئيس المحكمة الدستورية العليا "عدلي منصور" مهام منصبه كرئيس مؤقت للبلاد.
ويُعد هذا التطور تحولا هائلا في مسار ثورة 25 يناير بعد عامين ونصف من انطلاقها، ومرورها بمرحلة انتقالية قاد البلاد فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم المرور بحكم جماعة الإخوان المسلمين الذي أنهته الموجة الثورية في 30 يوليو بخروج الملايين للمطالبة بإسقاط حكم الإخوان، ورحيل الرئيس المنتخب محمد مرسي بعد عام كامل من ولايته، واستكمال أهداف الثورة الأولى.
خصائص احتجاجات 30 يونيو
ثمة خصائص لاحتجاجات 30 يونيو تتمثل في حجمها، حيث خرج المصريون بالملايين للشوارع، فضلا عن انتشارها، خاصة وأنها وصلت إلى المحافظات المصرية، وبالتالي فقدت القاهرة وميدان التحرير مركزيتيهما برغم قوة الحشد فيهما.هذا الانتشار الأفقي شمل محافظات ومدن الدلتا والصعيد المحسوب دائمًا على القوى الإسلامية، مع العلم، بأن هذه المدن كانت هي مسرح المواجهات الأخيرة بين الإخوان ومناوئيهم. من ناحية أخرى، انتشرت الموجة الثورية لـ30 يونيو رأسيًّا، فهذه المرة كانت عابرة للطبقات والشرائح الاجتماعية، فقد شملت الريف والبرجوازيات الحضريات وأجزاء من أرستقراطيات المدن الكبرى. اللافت أيضًا هو مشاركة رجال الشرطة وفئات من غير المسيسين، أو ما يطلق عليه حزب الكنبة في 30 يونيو.
إن خروج فئات متنوعة إلى الشارع ومساندة القوات المسلحة لها جاء تدليلا على تعثر حكم الإخوان، وإثارته السخط لدى قطاعات عريضة ربما لم يستفزها حتى فساد نظام مبارك.ولا يغيب عن المشهد الحشد المؤيد للسلطة المعتصم منذ أحداث الجمعة 28 يونيو في ميداني رابعة العدوية في مدينة نصر، والنهضة في الجيزة، غير أن تركيز الإخوان على مركزية الحشد، في مقابل انتشار المعارضين أضعف من تكتيكات الإخوان في إجهاض 30 يونيو.
كما أن تعامل الرئيس مرسي الذي استخف بالمعارضين واعتبرهم مجرد ثورة مضادة للفلول أسهم في عدم قدرته على إدارة الأزمة، وبدا ذلك في خطابات مرسي الذي اكتفى بتوجيه اتهامات، وتفسير التظاهرات على أنها مجرد مؤامرة. في الوقت نفسه، غلب على خطاب جماعة الإخوان حالة الإنكار وربما الصدمة التي سببتها ضخامة الحشود وراديكالية مطالبها، فضلا عن حالات العنف التي وجهت لمقار الجماعة وحزب الحرية والعدالة. وهذا العنف هو استمرار لحالة الاحتراب المتصاعدة منذ أحداث الاتحادية في نوفمبر 2012 وهو لم ينقطع إلا لفترات بسيطة.
لقد دفع الرد السلبي لمؤسسة الرئاسة على احتجاجات 30 يونيو المؤسسة العسكرية إلى التحرك بإعلانها في بيانها يوم 1 يوليو إمهالها جميع الأطراف 48 ساعة للاستجابة لمطالب المتظاهرين في إطار حمايتها للشرعية الشعبية. وهو ما كان يعني ضمنًا تنحي محمد مرسي عن الرئاسة بطريقة أو بأخرى.
ومع اقتراب مهلة المؤسسة العسكرية من الانتهاء، واستمرار التظاهرات الرافضة لحكم الإخوان، ودفع الجماعة بمؤيديها يوم 2 يوليو إلى الشارع، جاءت كلمة محمد مرسي ليؤكد فيها تمسكه بالشرعية الانتخابية، ورفضه إنذار الجيش، بل وتلويحه بالعنف ضد الرافضين للشرعية، وهو ما دفع الوضع إلى التأزم مع وجود عنف متبادل، وسقوط قتلى وجرحى. فاستبقت القوات المسلحة انتهاء المهلة باجتماعها بالقوى الوطنية والسياسية والأزهر لتتخذ قرارات 3 يوليو التي أسست لمرحلة جديدة في الثورة المصرية.
ملامح خارطة 3 يوليو
لقد تقرر في بيان القوات المسلحة والقوى السياسية تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسًا للبلاد، وتعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل حكومة توافق وطني قوية، وتشكيل لجنة بها جميع الأطياف لمراجعة التعديلات الدستورية، ومناشدة المحكمة الدستورية العليا إقرار مشروع قانون مجلس النواب، ووضع ميثاق إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق المصداقية والحيدة، والعمل على دمج الشباب، وتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بالمصداقية وتمثل مختلف التوجهات. وهي القرارات التي لاقت ترحيب المتظاهرين في الشارع، كما أنه بمقتضاها تم عزل الرئيس مرسي.
ويمكن القول إن أزمة 30 يونيو أعادت القوات المسلحة إلى واجهة السياسة المصرية، غير أنها أشرت على الدور الحاسم الذي تلعبه هذه المؤسسة في بنية النظام السياسي المصري ما بعد الثورة، فعلى الرغم من أن جماعة الإخوان ومؤيديها قد رأوا في تحرك المؤسسة العسكرية انقلابًا عسكريًّا على الشرعية، فإن مشهد هذا التحرك المدعوم شعبيًّا لنزع فتيل الأزمة لم يكن إلا استكمالا لدور المؤسسة العسكرية المركزي منذ ثورة يناير.
فقد أدارت المؤسسة العسكرية البلاد في عام ونصف، ولم يؤدِّ تغيير قيادتها عقب انتخابات الرئاسة 2012 إلا إلى تغيير موقعها في بنية القرار، وإن لم يغير من حجمها، فهي الجزء الأبرز في معادلة الحكم. ويتضح هذا حتى قبل 30 يونيو عندما دعت المؤسسة العسكرية إلى الحوار بين الفرقاء السياسيين، عقب احتدام الأزمة بين الإخوان والرئاسة من جهة والقوى المدنية عقب الإعلان الدستوري المثير للجدل في نوفمبر 2011 . كما جاء تحركها الأخير في سياق استجابة الدعوات الشعبية للجيش بأن يتحرك للضغط على الرئاسة والحكومة، وصولا إلى عزل مرسي، وتولي دفة الأمور، وهو ما كان.
ويبقى أن تحرك المؤسسة العسكرية في 30 يونيو مختلف عن خبرة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة (فبراير 2011 / يونيو 2012) وهي خبرة اتسمت بالتخبط، حيث شهدت هذه الفترة دخول القوات المسلحة في مواجهات على الأرض مع المتظاهرين، وهي العوامل التي أدت إلى تآكل في شعبيتها لدى قطاعات من المجتمع.
ويبدو أن المؤسسة العسكرية ممثلة في قيادتها الحالية (الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع) قد عملت على تلاشي الدخول في أي مواجهة مع القوى الثورية والمتظاهرين، واختارت دعم مظاهرات 30 يونيو في مواجهة الرئاسة، وهو العامل الذي يستبعد عودة الحكم العسكري المباشر، طبقًا لخارطة الطريق التي يرعاها الجيش دون أن يكون طرفًا فيها. وهو ما يؤكد سيناريو استمرار الدور البريتوري للجيش في أي نظام سياسي مدني مقبل، بمعنى غياب فعالية السلطة السياسية المدنية، والحاجة إلى جهاز قوي (الجيش) يفرض النظام.
تحديات ما بعد مرسي
ثمة تحديات محتملة تواجه التحولات في المشهد السياسي المصري ما بعد قرارات 3 يوليو للجيش، ولعل أبرزها إعادة دمج جماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية، حيث أوضحت هذه الموجة الثورية فشل الإخوان المسلمين عند انتقالهم من خانة المعارضة إلى سدة الحكم، وانتهى مسار الاستقطاب والعنف الذي شابه إلى اتهام الجماعة بإثارة الفتنة، وهو ما أدى إلى التحفظ على قياداتها، وهي عرضة للمساءلة القانونية وربما المحاكمة.
ويخشى البعض من تكرار سيناريو عشرية الدم الجزائرية، حيث يرى الإخوان المشهد انقلابًا على شرعية ديمقراطية منتخبة، بما قد يدفع التيارات الإسلامية نحو تبني العنف في مواجهة الدولة، غير أن هذا السيناريو مستبعد مع وجود فوارق في تكوين وطبيعة الحركات الإسلامية الجزائرية وحدود خبرتها السياسية وتكوينها الأيديولوجي في التسعينيات وخبرة الحركة الإسلامية المصرية حاليًّا، بالإضافة إلى اختلاف طبيعة تدخل المؤسسة العسكرية في الحالتين.
ويبقى أن الأزمة قد أوضحت أن جماعة الإخوان تعاني قصورًا في تكوينها الفكري، وخطابها، ومدى انفتاحها على المجتمع، مع انغلاق طبيعتها الطائفي، وهي الأمور التي تدفعها دفعًا نحو إعادة تنظيم نفسها وحركتها لتأهيل نفسها من جديد بعد الانتكاسة التي تعرضت لها. ومن ناحية أخرى، أوضحت الأزمة قدرة أطراف إسلامية أخرى على استيعاب معطيات الحياة السياسية والحركة الاجتماعية والتكيف معها، يأتي على رأس هذه الأطراف حزب النور الذي ربما يستعد لقيادة الحركة الإسلامية بديلا عن الإخوان.
ويبقى تحدٍّ آخر متعلق بقدرة هذه القرارات التي أعلنت عنها القوات المسلحة على استيعاب مطالب الشارع الاقتصادية والاجتماعية وكفاءتها في العمل على تحقيقها. حيث إنه إذ لم يؤدِّ المسار السياسي الديمقراطي إلى وضع خطة واضحة لتأطير برامج الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، فإن هذا يعني أن الاضطرابات لن تتوقف.
وفي النهاية، فإن الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية مرهون بقوة الحركة المدنية، وقدرتها على طرح نموذج سياسي ديمقراطي مستقر، لا يؤدي إلى تأزم الأوضاع، والاستدعاء المتكرر لدور الجيش بوصفه ركيزة الاستقرار، وهو الأمر الذي سيأخذ سنواتٍ طوالا، ويتطلب جهدًا وفكرًا في التعامل معه، بحسب ما تؤشر عليه تجارب التحول الديمقراطي، وعلاج أزمات العلاقات المدنية العسكرية.