العالم العربي و « مصيدة الخرافات الطائفية »
مرسل: السبت ديسمبر 07, 2013 11:43 pm
تواجه العديد من الدول العربية والإسلامية الآن تحدياً خطيرا وحاداً، يتمثل فى بروز النزعات العرقية والمذهبية والطائفية التى تهدد بتفتيت وتجزئة بعض الدول القائمة ودخولها فى نفق الصراعات الدموية الداخلية التى بلا شك ستأتى على الأخضر واليابس، و على الرغم من ان هذا التحدى ليس ضيفاً جديداً فى عالمنا العربي ، لكن المراقبين للساحة العربية والإسلامية يعترفون بأن النزعات العرقية والطائفية باتت الأن أشد خطراً وشراسة من ذي قبل.
وذلك يرجع لعوامل عديدة منها:
(1)عودة الاحتلال المباشر للمنطقة العربية والإسلامية (الاحتلال الامريكي للعراق وأفغاستان) ، ومانتج عنه من تهديد للنسيج الوطنى المحلي .
(2غياب المشاريع النهضوية الرائدة فى بلداننا العربية التى تجمع المواطنين نحو الأهداف السامية والغايات العظمي ،فكلما كانت للدول مشاريع كبري تلامس امال وطموحات الجماهير وتعتبر المواطنين كل المواطنين روافع لمشروعها القومى كلما كان المجتمع أكثر تماسكا وإنسجاماً ، ( فالجندى البطال يجيد المشاغبة ).
وبغض النظر عن تفاصيل خريطة الاسباب والدوافع الداخلية والخارجية التى أدت لزيادة شراسة هذا التحدى الطائفى والعرقى فى الوقت الراهن ينبغي شحذ كافة الطاقات لخلق حلول ورؤى واستراتيجيات جديدة تجنبنا الدخول فى دوامة الصراعات العرقية والطائفية . فالتدخل السريع سيساعدنا فى نزع فتيل الاشتعال قبل الانفجار المدوى ،و هذا التدخل من الضرورى أن تشارك فيه كل النخب الفاعلة من المفكرين ورجال الدين والسياسيين و الجامعات والمعاهد خاصة تلك التى تهتم بالعلوم الإنسانية مثل علم الإجتماع والسياسية والجغرافيا والتاريخ لنبدع حلولا تعالج الواقع المازوم.
و محاولة تغيير أى واقع سواء كان إجتماعياً أو سياسياً أو ثقافياً نحو الأفضل والأجود يمر عبر إصلاح ثلاثة عوالم رئيسة عبر عنها المفكر الراحل مالك بن نبي بثلاثيته المشهورة:
(أ)عالم الأفكار
(ب)وعالم المشاعر
(ج) وعالم العلاقات
فعلاج معضلة المشاكل الطائفية والمذهبية والعرقية فى ساحتنا العربية لابد يمر عبر هذه العوالم السابقة وأولها تغيير عالم الأفكار فى عقول النخب العربية الفاعلة (رجال الدين والسياسيين والأكاديميين الخ ) لتعتبر التنوع العرقى والمذهبى والدينى فى المنطقة العربية نقطة قوة وليست نقطة ضعف ،وسأحاول فى الفقرات التالية أن أقترب من بعض جوانب عالم الأفكار المتعلق بالتحدى الطائفى والعرقى من خلال تفكيك ثلاث خرافات ذهنية متعلقة بملف التنوع العرقى والطائفى واثرها فى هدم بناء الأمم والدول ، فوجود هذه الخرافات الثلاث فى عقل الفاعل السياسي أو المرجع الدينى أو الكادر الأكاديمي ُينتج متوالية سقيمة تبدأ بعالم المشاعر والعلاقات وينتج عنها تأجيج الفتن والنزاعات الطائفية ، فإضطراب عالم الأفكار ينتج عنه تشوش في عالم المشاعر ويثمر إخفاقات فى عالم العلاقات وينتج عنه كوارث فى عالم الاشياء وهذه الخرافات الثلاث وغيرها قد اسهب فيها تقريرالتنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي Undp، فى عام 2004، بعنوان ((الحرية الثقافية فى عالمنا المنتوع)) سأستعين ببعض ماورد فى التقرير، فمن المفيد للنخب العربية أن تتواصل وتتناقش حول التجارب العالمية المعاصرة التى أحسنت فن التعامل مع ملف التنوع العرقى واللغوى والطائفى ومعرفة ماهية الاستراتيجيات والآليات التى أستعانوا بها.
الخرافات الثلاث هي كما يلي:
. الخرافة الأولى: تتنافس هويات الشعوب العرقية مع ولائهم للدولة؛ إذ هناك صفقة مقايضة بين الاعتراف بالتنوع وتوحيد الدولة.
إذ تستطيع الشعوب أن تمتلك - وهم يمتلكون بالفعل - هويات متعددة وتكاملية: العرق، واللغة، والدين، والعنصر، فضلاً عن الجنسية، كما أن الهوية ليست مسألة مكسب يستتبع خسارة موازية؛ إذ ليس حاجة حتمية إلى اختيار بين وحدة الدولة والاعتراف بالتباينات الثقافية.
من المهم بالنسبة للأفراد أن يكون لديهم شعور بالهوية والانتماء لمجموعة ذات قيم مشتركة وروابط ثقافية أخرى، لكن كل فرد يستطيع أن يتماهى مع مجموعات كثيرة مختلفة؛ فللأفراد هوية الجنسية، مثل كون الإنسان لبنانياً، وهوية الجنس مثل كون الإنسان امرأة، وهوية العنصر، مثل كون الإنسان متحدرًا من أصل تركماني، وهوية اللغة، مثل طلاقة اللسان بالتحدث بالعربية أو الفرنسية ، وهوية السياسة مثل كون الإنسان ذا آراء يسارية، وهوية الدين، مثل كون الإنسان مسيحياً ..
الخرافة الثانية: المجموعات العرقية تجنح إلى خوض نزاعات عنيفة فيما بينها، نتيجة تضارب القيم؛ إذ إن هناك صفقة مقايضة بين احترام التنوع والمحافظة على السلام.
ليس هناك دليل تجريبي على أن الاختلافات والتصادمات الثقافية حول القيم تشكل بحدِّ ذاتها سببًا لنزاعات عنيفة.
صحيح أن نزاعات عنيفة نشبت منذ نهاية الحرب الباردة على الأخص، لا بين الدول على الغالب؛ بل داخلها وبين مجموعات عرقية، أما بالنسبة للأسباب، فهناك اتفاق واسع على أن التباينات الثقافية ليست بحدِّ ذاتها العامل الحاسم؛ بل إن بعضهم يقول: إن التعددية الثقافية تخفف خطر النزاع؛ لأنها تزيد صعوبة تعبئة المجموعة.
تقدم الدراسات تفسيرات عدة لهذه الحروب، منها التفاوتات الاقتصادية بين المجموعات، فضلاً عن الصراعات على السلطة السياسية أو الأرض أو قيم اقتصادية أخرى، ففي «جزر فيجي» قام الفيجيون الأصليون بانقلاب ضد الحكومة التي يهيمن عليها ذوو الأصل الهندي؛ لأنهم خافوا من إمكانية مصادرة أراضيهم.
في سريلانكا استحوذت الأغلبية السنهالية على السلطة السياسية، لكن الأقلية التاميلية كانت تحظى بفرص أكبر للوصول إلى الموارد الاقتصادية، فأشعل هذا الأمر شرارة نزاع أهلي مستمر منذ عقود.
وفي بوروندي ورواندا - وخلال فترات زمنية مختلفة - حرم كل من الهوتيين والتوتسيين من الفرص الاقتصادية والمشاركة السياسية.
هناك دور للهوية الثقافية في هذه النزاعات، لا كمسبب بل كمحرك للتعبئة السياسية؛ فالقادة ينادون بهوية واحدة وبرموزها وتاريخ ظلمها ؛ بغية «استنفار الجند»، ويمكن لغياب الاعتراف الثقافي أن يطلق العنان لتعبئة عنيفة؛ فقد كانت الإجحافات المترسخة في جنوب إفريقيا السبب الكامن لاضطرابات «سويتو» في عام 1976م، لكن الشرارة انطلقت من محاولات فرض اللغة «الإفريقانية» على مدارس السود.
الخرافة الثالثة: البلدان المتنوعة عرقيًّا أقل قدرة على النمو، ولذا فهناك صفقة مقايضة بين احترام التنوع وتشجيع التنمية.
ليس ثمة دليل على وجود علاقة واضحة، حسنة أو سيئة، بين التنوع الثقافي والتنمية.
ومع ذلك، يحاول بعضهم بأن يقرر أن التعددية كانت عائقًا أمام التنمية، لكن في حين أنه من الصحيح - بما لا يمكن إنكاره - أن مجتمعات متنوعة كثيرة تعاني من مستويات منخفضة في الدخل والتنمية البشرية، فليس هناك إثبات على أن ذلك مرتبط بالتنوع الثقافي.
وتقول إحدى الدراسات: إن التنوع كان مصدرًا للأداء الاقتصادي المتعثر في إفريقيا، لكن ذلك ليس مرتبطًا بالتنوع نفسه، وإنما بعملية اتخاذ القرار السياسي الذي يسير على هدي المصالح العرقية لا الوطنية، وكما توجد بلدان متعددة الأعراق أصابها الركود، هناك بلدان أخرى متعددة الأعراق حققت نجاحات مثيرة للإعجاب، فماليزيا التي يتكون شعبها من الملاي ومجموعات أصلية أخرى بنسبة 62%، وذوي الأصل الصيني بنسبة 30%، والمتحدرين من أصل هندي بنسبة 8%، أصبحت عاشر دولة في العالم من حيث النمو الاقتصادي بين عامي (1970 و1990م)، وهي السنوات التي طبق خلالها سياسات العمل الإيجابي، وتحتل موريشوس المرتبة 64 على دليل التنمية البشرية، وهي الأعلى بين دول إفريقيا جنوب الصحراء؛ علمًا بأن شعبها متنوع ذو أصول إفريقية وهندية وصينية وأوروبية، منهم 50% يعتنقون الهندوسية، و 30% المسيحية، و17% الإسلام.
تاريخياً شهدت الساحة العربية والإسلامية فى بعض فتراتها التاريخية نمواً حضاريا على الرغم من تشذى جسدها الإجتماعي بالعديد من التنوعات العرقية والمذهبية والطائفية ، فقد كانت درجة الاختلاف العرقى والطائفى تبدو أكثر حدةً مما نحن عليه الآن بحكم ترامى الرقعة الجغرافية لدولة الخلافة مما يعنى دخول شعوب وأمم متباينة عرقيا ولغويا وطائفيا تحت عباءة سياسية واحده ، ممايزيد من صعوبة مهام إدارة دفة الدولة وسط أمواج هذا التنوع العرقي العريض،ورغم ذلك نجحت القيادة السياسية فى تلك الفترة فى تقدم نموذج حضاري رائد فى زمانه جمع بين التقدم الاقتصادي و الحفاظ على النسيج الإجتماعي رغم تعدد ألوانه وأطيافه ومشاربه .
ويحسن بنا فى نهاية المطاف أن نصغي لكلمات للمناضل الأفريقي ( نيلسون مانديلا) التى عبر فيها عن رؤية لقضية التنوع العرقى واللغوى حيث قال : (( كانت رؤيتنا للديمقراطية محكومة بمبادئ من بينها مبدأ يقول: إنه لا يجوز أن يتعرض أي شخص أو تتعرض أي مجموعة من الأشخاص للاضطهاد أو الإخضاع أو التمييز بسبب العرق أو الجنس أو الأصل الإثني أو اللون أو العقيدة، وما إن وصلنا إلى السلطة حتى قرَّرنا اعتبار تنوع الألوان واللغات مصدرًا للقوة))
*ـــ المراجع
ــ تقريرالتنمية البشرية 2004، الحرية الثقافية فى عالمنا المنتوع، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي Undp،2004
ــ حركات التغيير والحراك الجماهيري /ياسر الغرباوي / مراصد للنشر والأبحاث 2007
ــ جاسم سلطان: فلسفة التاريخ، المنصورة، دار أم القرى، 2005
وذلك يرجع لعوامل عديدة منها:
(1)عودة الاحتلال المباشر للمنطقة العربية والإسلامية (الاحتلال الامريكي للعراق وأفغاستان) ، ومانتج عنه من تهديد للنسيج الوطنى المحلي .
(2غياب المشاريع النهضوية الرائدة فى بلداننا العربية التى تجمع المواطنين نحو الأهداف السامية والغايات العظمي ،فكلما كانت للدول مشاريع كبري تلامس امال وطموحات الجماهير وتعتبر المواطنين كل المواطنين روافع لمشروعها القومى كلما كان المجتمع أكثر تماسكا وإنسجاماً ، ( فالجندى البطال يجيد المشاغبة ).
وبغض النظر عن تفاصيل خريطة الاسباب والدوافع الداخلية والخارجية التى أدت لزيادة شراسة هذا التحدى الطائفى والعرقى فى الوقت الراهن ينبغي شحذ كافة الطاقات لخلق حلول ورؤى واستراتيجيات جديدة تجنبنا الدخول فى دوامة الصراعات العرقية والطائفية . فالتدخل السريع سيساعدنا فى نزع فتيل الاشتعال قبل الانفجار المدوى ،و هذا التدخل من الضرورى أن تشارك فيه كل النخب الفاعلة من المفكرين ورجال الدين والسياسيين و الجامعات والمعاهد خاصة تلك التى تهتم بالعلوم الإنسانية مثل علم الإجتماع والسياسية والجغرافيا والتاريخ لنبدع حلولا تعالج الواقع المازوم.
و محاولة تغيير أى واقع سواء كان إجتماعياً أو سياسياً أو ثقافياً نحو الأفضل والأجود يمر عبر إصلاح ثلاثة عوالم رئيسة عبر عنها المفكر الراحل مالك بن نبي بثلاثيته المشهورة:
(أ)عالم الأفكار
(ب)وعالم المشاعر
(ج) وعالم العلاقات
فعلاج معضلة المشاكل الطائفية والمذهبية والعرقية فى ساحتنا العربية لابد يمر عبر هذه العوالم السابقة وأولها تغيير عالم الأفكار فى عقول النخب العربية الفاعلة (رجال الدين والسياسيين والأكاديميين الخ ) لتعتبر التنوع العرقى والمذهبى والدينى فى المنطقة العربية نقطة قوة وليست نقطة ضعف ،وسأحاول فى الفقرات التالية أن أقترب من بعض جوانب عالم الأفكار المتعلق بالتحدى الطائفى والعرقى من خلال تفكيك ثلاث خرافات ذهنية متعلقة بملف التنوع العرقى والطائفى واثرها فى هدم بناء الأمم والدول ، فوجود هذه الخرافات الثلاث فى عقل الفاعل السياسي أو المرجع الدينى أو الكادر الأكاديمي ُينتج متوالية سقيمة تبدأ بعالم المشاعر والعلاقات وينتج عنها تأجيج الفتن والنزاعات الطائفية ، فإضطراب عالم الأفكار ينتج عنه تشوش في عالم المشاعر ويثمر إخفاقات فى عالم العلاقات وينتج عنه كوارث فى عالم الاشياء وهذه الخرافات الثلاث وغيرها قد اسهب فيها تقريرالتنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي Undp، فى عام 2004، بعنوان ((الحرية الثقافية فى عالمنا المنتوع)) سأستعين ببعض ماورد فى التقرير، فمن المفيد للنخب العربية أن تتواصل وتتناقش حول التجارب العالمية المعاصرة التى أحسنت فن التعامل مع ملف التنوع العرقى واللغوى والطائفى ومعرفة ماهية الاستراتيجيات والآليات التى أستعانوا بها.
الخرافات الثلاث هي كما يلي:
. الخرافة الأولى: تتنافس هويات الشعوب العرقية مع ولائهم للدولة؛ إذ هناك صفقة مقايضة بين الاعتراف بالتنوع وتوحيد الدولة.
إذ تستطيع الشعوب أن تمتلك - وهم يمتلكون بالفعل - هويات متعددة وتكاملية: العرق، واللغة، والدين، والعنصر، فضلاً عن الجنسية، كما أن الهوية ليست مسألة مكسب يستتبع خسارة موازية؛ إذ ليس حاجة حتمية إلى اختيار بين وحدة الدولة والاعتراف بالتباينات الثقافية.
من المهم بالنسبة للأفراد أن يكون لديهم شعور بالهوية والانتماء لمجموعة ذات قيم مشتركة وروابط ثقافية أخرى، لكن كل فرد يستطيع أن يتماهى مع مجموعات كثيرة مختلفة؛ فللأفراد هوية الجنسية، مثل كون الإنسان لبنانياً، وهوية الجنس مثل كون الإنسان امرأة، وهوية العنصر، مثل كون الإنسان متحدرًا من أصل تركماني، وهوية اللغة، مثل طلاقة اللسان بالتحدث بالعربية أو الفرنسية ، وهوية السياسة مثل كون الإنسان ذا آراء يسارية، وهوية الدين، مثل كون الإنسان مسيحياً ..
الخرافة الثانية: المجموعات العرقية تجنح إلى خوض نزاعات عنيفة فيما بينها، نتيجة تضارب القيم؛ إذ إن هناك صفقة مقايضة بين احترام التنوع والمحافظة على السلام.
ليس هناك دليل تجريبي على أن الاختلافات والتصادمات الثقافية حول القيم تشكل بحدِّ ذاتها سببًا لنزاعات عنيفة.
صحيح أن نزاعات عنيفة نشبت منذ نهاية الحرب الباردة على الأخص، لا بين الدول على الغالب؛ بل داخلها وبين مجموعات عرقية، أما بالنسبة للأسباب، فهناك اتفاق واسع على أن التباينات الثقافية ليست بحدِّ ذاتها العامل الحاسم؛ بل إن بعضهم يقول: إن التعددية الثقافية تخفف خطر النزاع؛ لأنها تزيد صعوبة تعبئة المجموعة.
تقدم الدراسات تفسيرات عدة لهذه الحروب، منها التفاوتات الاقتصادية بين المجموعات، فضلاً عن الصراعات على السلطة السياسية أو الأرض أو قيم اقتصادية أخرى، ففي «جزر فيجي» قام الفيجيون الأصليون بانقلاب ضد الحكومة التي يهيمن عليها ذوو الأصل الهندي؛ لأنهم خافوا من إمكانية مصادرة أراضيهم.
في سريلانكا استحوذت الأغلبية السنهالية على السلطة السياسية، لكن الأقلية التاميلية كانت تحظى بفرص أكبر للوصول إلى الموارد الاقتصادية، فأشعل هذا الأمر شرارة نزاع أهلي مستمر منذ عقود.
وفي بوروندي ورواندا - وخلال فترات زمنية مختلفة - حرم كل من الهوتيين والتوتسيين من الفرص الاقتصادية والمشاركة السياسية.
هناك دور للهوية الثقافية في هذه النزاعات، لا كمسبب بل كمحرك للتعبئة السياسية؛ فالقادة ينادون بهوية واحدة وبرموزها وتاريخ ظلمها ؛ بغية «استنفار الجند»، ويمكن لغياب الاعتراف الثقافي أن يطلق العنان لتعبئة عنيفة؛ فقد كانت الإجحافات المترسخة في جنوب إفريقيا السبب الكامن لاضطرابات «سويتو» في عام 1976م، لكن الشرارة انطلقت من محاولات فرض اللغة «الإفريقانية» على مدارس السود.
الخرافة الثالثة: البلدان المتنوعة عرقيًّا أقل قدرة على النمو، ولذا فهناك صفقة مقايضة بين احترام التنوع وتشجيع التنمية.
ليس ثمة دليل على وجود علاقة واضحة، حسنة أو سيئة، بين التنوع الثقافي والتنمية.
ومع ذلك، يحاول بعضهم بأن يقرر أن التعددية كانت عائقًا أمام التنمية، لكن في حين أنه من الصحيح - بما لا يمكن إنكاره - أن مجتمعات متنوعة كثيرة تعاني من مستويات منخفضة في الدخل والتنمية البشرية، فليس هناك إثبات على أن ذلك مرتبط بالتنوع الثقافي.
وتقول إحدى الدراسات: إن التنوع كان مصدرًا للأداء الاقتصادي المتعثر في إفريقيا، لكن ذلك ليس مرتبطًا بالتنوع نفسه، وإنما بعملية اتخاذ القرار السياسي الذي يسير على هدي المصالح العرقية لا الوطنية، وكما توجد بلدان متعددة الأعراق أصابها الركود، هناك بلدان أخرى متعددة الأعراق حققت نجاحات مثيرة للإعجاب، فماليزيا التي يتكون شعبها من الملاي ومجموعات أصلية أخرى بنسبة 62%، وذوي الأصل الصيني بنسبة 30%، والمتحدرين من أصل هندي بنسبة 8%، أصبحت عاشر دولة في العالم من حيث النمو الاقتصادي بين عامي (1970 و1990م)، وهي السنوات التي طبق خلالها سياسات العمل الإيجابي، وتحتل موريشوس المرتبة 64 على دليل التنمية البشرية، وهي الأعلى بين دول إفريقيا جنوب الصحراء؛ علمًا بأن شعبها متنوع ذو أصول إفريقية وهندية وصينية وأوروبية، منهم 50% يعتنقون الهندوسية، و 30% المسيحية، و17% الإسلام.
تاريخياً شهدت الساحة العربية والإسلامية فى بعض فتراتها التاريخية نمواً حضاريا على الرغم من تشذى جسدها الإجتماعي بالعديد من التنوعات العرقية والمذهبية والطائفية ، فقد كانت درجة الاختلاف العرقى والطائفى تبدو أكثر حدةً مما نحن عليه الآن بحكم ترامى الرقعة الجغرافية لدولة الخلافة مما يعنى دخول شعوب وأمم متباينة عرقيا ولغويا وطائفيا تحت عباءة سياسية واحده ، ممايزيد من صعوبة مهام إدارة دفة الدولة وسط أمواج هذا التنوع العرقي العريض،ورغم ذلك نجحت القيادة السياسية فى تلك الفترة فى تقدم نموذج حضاري رائد فى زمانه جمع بين التقدم الاقتصادي و الحفاظ على النسيج الإجتماعي رغم تعدد ألوانه وأطيافه ومشاربه .
ويحسن بنا فى نهاية المطاف أن نصغي لكلمات للمناضل الأفريقي ( نيلسون مانديلا) التى عبر فيها عن رؤية لقضية التنوع العرقى واللغوى حيث قال : (( كانت رؤيتنا للديمقراطية محكومة بمبادئ من بينها مبدأ يقول: إنه لا يجوز أن يتعرض أي شخص أو تتعرض أي مجموعة من الأشخاص للاضطهاد أو الإخضاع أو التمييز بسبب العرق أو الجنس أو الأصل الإثني أو اللون أو العقيدة، وما إن وصلنا إلى السلطة حتى قرَّرنا اعتبار تنوع الألوان واللغات مصدرًا للقوة))
*ـــ المراجع
ــ تقريرالتنمية البشرية 2004، الحرية الثقافية فى عالمنا المنتوع، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي Undp،2004
ــ حركات التغيير والحراك الجماهيري /ياسر الغرباوي / مراصد للنشر والأبحاث 2007
ــ جاسم سلطان: فلسفة التاريخ، المنصورة، دار أم القرى، 2005