- الأحد ديسمبر 08, 2013 11:17 am
#68611
الدولة المدنية
حسن بن سالم - الحياة السعودية
مصطلح الدولة المدنية بات واحداً من أبرز المصطلحات والمفاهيم التي تسمع بها مجتمعاتنا وتقرأ عنها من حين لآخر، ولن أتطرق هنا للحديث والإسهاب عن الظرف التاريخي والاجتماعي الذي بدأت بالظهور فيه، والأسباب التي استدعت وجودها في ظل الصراع ما بين الكنيسة ودعاة التنوير والإصلاح في أوروبا، وإنما سأتطرق للحديث حول أهم وأبرز ما تبلورت واستقرت عليه من مبادئ وقيم تقوم عليها وتدعو لها، ومدى توافقها أو معارضتها لمفهوم الدولة في الإسلام.
فالدولة المدنية هي تلك الدولة التي تقوم على مبادئ المساواة ومراعاة الحقوق لمواطنيها، وهي دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع من دون أي تميييز بسبب دين أو عرق، وهي دولة تقوم على أساس المواطنة في الحقوق والواجبات، بحيث تضمن حقوق جميع المواطنين، وألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من فرد آخر أو طرف آخر، ولذلك يطلق عليها بأنها دولة المواطنة، ودولة القانون والمؤسسات، فمن أهم المبادئ والأسس التي تقوم عليها الدولة المدنية هي أن الشعب فيها هو مصدر السلطات، فلا تكون هناك سيادة أو وصاية أو احتكار للسلطة من فرد أو فئة، فصاحب الحق الأصيل في تحديد ذلك هو الشعب، فهي دولة تستمد سيادتها من الأمة ومن إرادتها، ومن خلال عقد اجتماعي بين السلطة والشعب، فالحكومات والمؤسسات معبرة عن إرادة الشعب وخياراته، وهي وكيلة عنه وفق ذلك التعاقد المدني والاجتماعي، وضمن شروط يجب الوفاء بها والرقابة عليها والمحاسبة، ومن مبادئها وأسسها تطبيق مبدأ المواطنة، وهذا المبدأ والمفهوم، على رغم كونه مفهوماً تاريخياً شاملاً، شهد تغيرات عدة في مضمونه واستخدامه ودلالته.
مهما اختلفت قيم الحضارات وعقائد المجتمعات وحريات الدول والأنظمة السياسية إلا أن هناك عناصر ومقومات مشتركة لابد من توافرها حتى يصدق وجوده وتطبيقه على أرض الواقع، ولعل القاسم المشترك في وقتنا المعبر عن وجود قناعة فكرية والتزام سياسي بمبدأ المواطنة في بلد ما يتمثل في التوافق المجتمعي على عقد اجتماعي يتم بموجبه اعتبار المواطنة، وليس أي شيء آخر عداها، هي مصدر الحقوق ومناط الواجبات من غير تمييز ديني أو عرقي أو بسبب الجنس، وتجسيد ذلك التوافق في دستور ديموقراطي، ومن هنا فإن الحد الأدنى لاعتبار مراعاة مبدأ المواطنة من عدمه يتمثل في اعتبار جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، ويتمتع كل فرد منهم بممارسة حقوقه الإنسانية الأساسية، وحقوقه السياسية والمدنية، وحقوقه الاجتماعية والاقتصادية، ومن مبادئها الاعتراف والإيمان بوجود التنوع والتعدد والاختلاف والانفتاح عليها جميعاً، وضمان حقها في الوجود والممارسة والإقرار ورفض كل صور الإقصاء والأحادية.
الدولة المدنية تحافظ على حق مواطنيها في التمتع بحرياتهم الفردية، سواء الدينية أو الاجتماعية أو الفكرية، وليس حرياتهم السياسية فقط، كقيمة أساسية، أما عن مدى توافق أو معارضة مفهوم الدولة المدنية مع الإسلام، فإن الدين الإسلامي، ومن خلال النصوص الشرعية، وباستقراء التاريخ الإسلامي، نجد أنه لم يقرر أو يحدد شكلاً خاصاً للدولة أو السلطة، بل وضع مبادئ عامة، وحدد مجموعة من القيم والمبادئ الدستورية والسياسية ينبغي أن تسود وتتحكم في مؤسسة الدولة، بصرف النظر عن شكلها ومسماها، فالمهم في مؤسسة الدولة ليس المسمى أو الشكل، وإنما القيم الأساسية التي تحتضنها، والمبادئ الأساسية التي تعمل على تنفيذها وتحقيقها في الواقع، وكما قال المفكر الإسلامي المغربي الدكتور أحمد الريسوني «ليس عندنا في الإسلام نظام سياسي معين ومفصل، لا باسمه ولا بهياكله الدستورية، ولا بترتيباته القانونية والإدارية، بل ترك ذلك للاجتهاد الظرفي والتطور الزمني».
الدولة في الرؤية السياسية الإسلامية، ليست دولة الاستبداد والإكراه، هي دولة المجتمع والأمة باختياراتها وتوجهاتها وقيمها، وهي دولة العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين الناس، وقيم الإسلام لا تؤسس لنظام حكم ثيوقراطي، وليس في الشريعة ولا في الفكر الإسلامي ما يدعو لإقامة الدولة الدينية، وإنما قيم الإسلام تدعو وتحث على تأسيس حكم ينبثق من جسم الأمة، ويكون تعبيراً عن حاجاتها وتطلعاتها، ويمارس دوره ووظائفه بوصفها جهازاً مدنياً، لا يمتلك إلا السلطة المخولة له من الأمة، والإسلام في نصوصه التأسيسية وتوجيهاته العامة، لا يعارض ولا يناقض حقائق ومكونات الدولة المدنية، وغياب النموذج التاريخي بتفاصيل هذا المفهوم للدولة المدنية، لا يعني بأي شكل من الأشكال، معارضة النصوص والتوجيهات الإسلامية للالتزام بكل متطلبات بناء دولة مدنية في المجتمع الإسلامي المعاصر، ولذلك لا تعارض أن تكون مرجعية الدولة وفقاً لمبادئ الشريعة العامة والكلية، وفي إطار قيم الإسلام العليا.
لقد أكدت إحدى أكبر المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي وهو الأزهر في وثيقته الصادرة في كانون الثاني (يناير) 2012، على مبادئ وقيم الدولة المدنية بقولها: «يتم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الحديثة وفقاً للنظام الديموقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر، وبالاعتماد على دستور ترتضيه الأمة، شريطة أن تكون المبادئ الكلية المستخلصة من النصوص القطعية الثبوت والدلالة في الشريعة هى المصدر الأساسي للتشريع، وأن يتم الفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها الحاكمة، ويتم الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية فى الفكر والرأي وحرية التعبير، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل وفق المواثيق والقرارات الدولية، واعتبار المواطنة وعدم التمييز على أساس من الدين أو النوع أو الجنس أو غير ذلك، مناط التكليف والمسؤولية، وتأكيد مبدأ التعددية، واحترام جميع العقائد الدينية، والاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار، واجتناب التكفير والتخوين، وتأثيم استغلال الدين واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين».
حسن بن سالم - الحياة السعودية
مصطلح الدولة المدنية بات واحداً من أبرز المصطلحات والمفاهيم التي تسمع بها مجتمعاتنا وتقرأ عنها من حين لآخر، ولن أتطرق هنا للحديث والإسهاب عن الظرف التاريخي والاجتماعي الذي بدأت بالظهور فيه، والأسباب التي استدعت وجودها في ظل الصراع ما بين الكنيسة ودعاة التنوير والإصلاح في أوروبا، وإنما سأتطرق للحديث حول أهم وأبرز ما تبلورت واستقرت عليه من مبادئ وقيم تقوم عليها وتدعو لها، ومدى توافقها أو معارضتها لمفهوم الدولة في الإسلام.
فالدولة المدنية هي تلك الدولة التي تقوم على مبادئ المساواة ومراعاة الحقوق لمواطنيها، وهي دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع من دون أي تميييز بسبب دين أو عرق، وهي دولة تقوم على أساس المواطنة في الحقوق والواجبات، بحيث تضمن حقوق جميع المواطنين، وألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من فرد آخر أو طرف آخر، ولذلك يطلق عليها بأنها دولة المواطنة، ودولة القانون والمؤسسات، فمن أهم المبادئ والأسس التي تقوم عليها الدولة المدنية هي أن الشعب فيها هو مصدر السلطات، فلا تكون هناك سيادة أو وصاية أو احتكار للسلطة من فرد أو فئة، فصاحب الحق الأصيل في تحديد ذلك هو الشعب، فهي دولة تستمد سيادتها من الأمة ومن إرادتها، ومن خلال عقد اجتماعي بين السلطة والشعب، فالحكومات والمؤسسات معبرة عن إرادة الشعب وخياراته، وهي وكيلة عنه وفق ذلك التعاقد المدني والاجتماعي، وضمن شروط يجب الوفاء بها والرقابة عليها والمحاسبة، ومن مبادئها وأسسها تطبيق مبدأ المواطنة، وهذا المبدأ والمفهوم، على رغم كونه مفهوماً تاريخياً شاملاً، شهد تغيرات عدة في مضمونه واستخدامه ودلالته.
مهما اختلفت قيم الحضارات وعقائد المجتمعات وحريات الدول والأنظمة السياسية إلا أن هناك عناصر ومقومات مشتركة لابد من توافرها حتى يصدق وجوده وتطبيقه على أرض الواقع، ولعل القاسم المشترك في وقتنا المعبر عن وجود قناعة فكرية والتزام سياسي بمبدأ المواطنة في بلد ما يتمثل في التوافق المجتمعي على عقد اجتماعي يتم بموجبه اعتبار المواطنة، وليس أي شيء آخر عداها، هي مصدر الحقوق ومناط الواجبات من غير تمييز ديني أو عرقي أو بسبب الجنس، وتجسيد ذلك التوافق في دستور ديموقراطي، ومن هنا فإن الحد الأدنى لاعتبار مراعاة مبدأ المواطنة من عدمه يتمثل في اعتبار جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، ويتمتع كل فرد منهم بممارسة حقوقه الإنسانية الأساسية، وحقوقه السياسية والمدنية، وحقوقه الاجتماعية والاقتصادية، ومن مبادئها الاعتراف والإيمان بوجود التنوع والتعدد والاختلاف والانفتاح عليها جميعاً، وضمان حقها في الوجود والممارسة والإقرار ورفض كل صور الإقصاء والأحادية.
الدولة المدنية تحافظ على حق مواطنيها في التمتع بحرياتهم الفردية، سواء الدينية أو الاجتماعية أو الفكرية، وليس حرياتهم السياسية فقط، كقيمة أساسية، أما عن مدى توافق أو معارضة مفهوم الدولة المدنية مع الإسلام، فإن الدين الإسلامي، ومن خلال النصوص الشرعية، وباستقراء التاريخ الإسلامي، نجد أنه لم يقرر أو يحدد شكلاً خاصاً للدولة أو السلطة، بل وضع مبادئ عامة، وحدد مجموعة من القيم والمبادئ الدستورية والسياسية ينبغي أن تسود وتتحكم في مؤسسة الدولة، بصرف النظر عن شكلها ومسماها، فالمهم في مؤسسة الدولة ليس المسمى أو الشكل، وإنما القيم الأساسية التي تحتضنها، والمبادئ الأساسية التي تعمل على تنفيذها وتحقيقها في الواقع، وكما قال المفكر الإسلامي المغربي الدكتور أحمد الريسوني «ليس عندنا في الإسلام نظام سياسي معين ومفصل، لا باسمه ولا بهياكله الدستورية، ولا بترتيباته القانونية والإدارية، بل ترك ذلك للاجتهاد الظرفي والتطور الزمني».
الدولة في الرؤية السياسية الإسلامية، ليست دولة الاستبداد والإكراه، هي دولة المجتمع والأمة باختياراتها وتوجهاتها وقيمها، وهي دولة العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين الناس، وقيم الإسلام لا تؤسس لنظام حكم ثيوقراطي، وليس في الشريعة ولا في الفكر الإسلامي ما يدعو لإقامة الدولة الدينية، وإنما قيم الإسلام تدعو وتحث على تأسيس حكم ينبثق من جسم الأمة، ويكون تعبيراً عن حاجاتها وتطلعاتها، ويمارس دوره ووظائفه بوصفها جهازاً مدنياً، لا يمتلك إلا السلطة المخولة له من الأمة، والإسلام في نصوصه التأسيسية وتوجيهاته العامة، لا يعارض ولا يناقض حقائق ومكونات الدولة المدنية، وغياب النموذج التاريخي بتفاصيل هذا المفهوم للدولة المدنية، لا يعني بأي شكل من الأشكال، معارضة النصوص والتوجيهات الإسلامية للالتزام بكل متطلبات بناء دولة مدنية في المجتمع الإسلامي المعاصر، ولذلك لا تعارض أن تكون مرجعية الدولة وفقاً لمبادئ الشريعة العامة والكلية، وفي إطار قيم الإسلام العليا.
لقد أكدت إحدى أكبر المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي وهو الأزهر في وثيقته الصادرة في كانون الثاني (يناير) 2012، على مبادئ وقيم الدولة المدنية بقولها: «يتم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الحديثة وفقاً للنظام الديموقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر، وبالاعتماد على دستور ترتضيه الأمة، شريطة أن تكون المبادئ الكلية المستخلصة من النصوص القطعية الثبوت والدلالة في الشريعة هى المصدر الأساسي للتشريع، وأن يتم الفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها الحاكمة، ويتم الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية فى الفكر والرأي وحرية التعبير، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل وفق المواثيق والقرارات الدولية، واعتبار المواطنة وعدم التمييز على أساس من الدين أو النوع أو الجنس أو غير ذلك، مناط التكليف والمسؤولية، وتأكيد مبدأ التعددية، واحترام جميع العقائد الدينية، والاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار، واجتناب التكفير والتخوين، وتأثيم استغلال الدين واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين».