التوازن الدولي في الترسانة النووية
مرسل: الأحد ديسمبر 08, 2013 3:21 pm
التوازن النووي Nuclear Balance:
في أثر الحرب العالمية الثانية وبعد أن تحددت العلاقة بين القوتين العظميين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي ـ في أحد أشكالهاـ على أساس التصارع والتنافس. كان سباق التسلح النووي المدخل الأكبر إلى ساحة الصراع بينهما.
وما إن اخترعت الولايات المتحدة القنبلة الذرية، واستخدمتها في أواخر الحرب العالمية الثانية عام 1945، حتى لحق الاتحاد السوفييتي بها في عام 1949. ثم تتابع تطوير السلاح النووي وتراكمه واختراع وسائل نقله وإطلاقه مثل الصواريخ وغيرها لدى هاتين الدولتين وغيرهما من القوى العظمى، حتى اشتد التنافس بين النظامين العالميين: الرأسمالي والشيوعي، في ظل الرعب من استخدام السلاح النووي، بوصفه سلاح التدمير الشامل.
أحدث السلاح النووي، بما بلغه من تطور تقني (تكنولوجي) وكمي جد كبير، شعوراً بالرعب لدى مختلف شعوب العالم، ولاسيما لدى الشعوب الأوربية والأمريكية. وأجمع معظم الاستراتيجيين ورجال السياسة في العالم على أن استخدام السلاح النووي سيكون كارثة عالمية شاملة، فهو في منزلة الانتحار المتبادل، ولن يكون هناك غالب ومغلوب، وإنما دمار شامل وقتل غير محدود للإنسان والحضارة.
من هنا نشأ رعب متبادل، اصطلح على تسميته «توازن الرعب النووي» Balance of Nuclear Terror وعُدَّ «مبدأ» وليس «نظرية» بسبب تعرُّضه للتغيرات النوعية الكثيرة التي قد تحدث في إطار القوى الكبرى والعلاقات الدولية. وفي ضوء هذا المبدأ أمكن توليد ضغوط متبادلة ومتعادلة منعت حدوث اختلال مضرٍّ في شبكة العلاقات بين القوى العظمى، مع سعي القوتين العظميين ـ في الوقت ذاته ـ إلى نشر نفوذهما ودعم أحلافهما وعلاقاتهما الدولية، والتصادم في بعض مناطق العالم الثالث، تصادماً لا يرقى قط إلى حد استخدام السلاح النووي، وذلك بالتحكم في إدارة الأزمات والحروب الإقليمية والحروب المحدودة.
إن أعظم نتيجة بلغها توازن الرعب النووي، أنه عطّل استخدام السلاح النووي -وهو ما سمي «العدم النووي»- أو خيار الصفر Zero Choice وأنتج استقراراً أمنياً وسياسياً نسبياً في بعض المناطق التي تعاني توترات سياسية، في حين لم يستطع هذا التوازن أن يلغي استخدام الأسلحة التقليدية، أو يحدّ من استخدامها، في مناطق كثيرة من العالم.
ولأن التصارع بالسلاح النووي في عصر توازن الرعب النووي صار أمراً مستبعداً، شهد العالم مجموعة من الحروب الإقليمية والحروب المحدودة، التي سعت كل من القوتين العظميين من ورائها إلى عدم تمكين القوة الأخرى من السيطرة على العالم كله. ويمكن القول إن هذه الحروب، بالأسلحة التقليدية، كانت بديلاً لكارثة الحرب النووية، إذ كانت المنافذ التي تسعى القوى العظمى من خلالها إلى تحقيق بعض أهدافها في السيطرة والنفوذ، بتزويد أطراف الحرب بالسلاح ودعمها سياسياً ودبلوماسياً. وقد يكون التدخل العسكري لتلك القوى العظمى في الحروب الإقليمية أو المحدودة إلى جانب أطراف النزاع تدخلاً مباشراً ومعلناً، وقد يكون غير مباشر وخفياً.
وفي جميع الأحوال، كانت القوى العظمى تسعى إلى ضبط هذه الحروب، ومراقبة نتائجها، حتى لا تصير مدعاة لإثارة القوى العظمى والاندفاع غير المضبوط في رفع مستوى الصراع إلى حد يخل بمبدأ توازن الرعب النووي.
وكان من أبرز تأثيرات توازن الرعب النووي، سعي القوتين العظميين إلى احتواء الحروب الإقليمية، والمحدودة، فلا يدعانها تجرهما إلى استخدام الأسلحة النووية، ويضبطان عمليات تزويد أطرافها بالأسلحة التقليدية بما لا يجعل انتصار أحد طرفي الحرب انتصاراً ساحقاً، وهزيمة الطرف الآخر هزيمة ماحقة، ويعملان لمنع اتساع نطاق الحرب.
وإذا كان توازن الرعب النووي ردع القوى النووية عن استخدام السلاح النووي، فثمة احتمالات قد تؤدي إلى اختلال ذلك التوازن، بسبب التغيرات النوعية والكمية الكثيرة التي قد تحدث في إطار القوى الدولية الكبرى، فتغيّر بعض معالم النظام لعالمي الراهن. ومن أبرز تلك التغيرات ما شهده العالم في تسعينات القرن العشرين، مثل: حل حلف وارسو[ر] وانهيار كتلة أوربة الشرقية الاشتراكية، وزوال «اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية»[ر] كدولة اتحادية كبرى وقوة دولية عظمى، واستبدال رابطة أخرى به تجمع دولاً مستقلة ذات سيادة، وتغيّر بعض المهام الأساسية لحلف شمال الأطلسي[ر]، وبروز تكتلات وقوى اقتصادية عالمية كبيرة، وغير ذلك من العوامل التي تعرض معالم ميزان الرعب النووي للتغير، إلى حد يبدو معه ذلك الميزان غير متوازن، كما أن بروز قوى نووية أخرى قد لا تكون منضبطة كالكيان الصهيوني والهند لا يجعل من الخيار النووي خياراً معدوماً بالمرة.
ومن جهة أخرى، ثمَّة احتمال أن يتعرض ميزان الرعب النووي لاختلال من مصدر آخر، هو التطور العلمي والتقني. فقد يخترع أحد أطراف الميزان أسلحة قادرة على مضادّة الأسلحة النووية المعادية، أو تعطيل مفعولها، أو يخترع أسلحة دمار شامل جديدة، تتصف بأنها أكثر فتكاً وشمولية ودقة وإحكاماً وسرعة من أسلحة الأطراف الأخرى، كالأسلحة الكيمياوية التي يسميها بعضهم السلاح النووي للدول الفقيرة. وإذا ما حدث ذلك، فإن العناصر التي تكوّن توازن الرعب النووي تتعرض لعوامل التغير والاختلال.
في مواجهة هذه التغيرات المحتملة، يمكن القول إن آلية النظام العالمي، بقواه الكبرى القائمة والناشئة، وبمنظماته الدولية، تسعى دائماً إلى إعادة التوازن إلى ميزان الرعب النووي، حتى يستمر الاستقرار ولا ينهار السلام الدولي. وكما كانت سياسات الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتخفيضها، وتدميرها، سبيلاً يعود الفضل في شقه وتمهيده وسلوكه إلى «الرعب النووي»، فإن هذا الرعب نفسه قد يولّد سبلاً أخرى تجنّب العالم كارثة الدمار الشامل.
في أثر الحرب العالمية الثانية وبعد أن تحددت العلاقة بين القوتين العظميين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي ـ في أحد أشكالهاـ على أساس التصارع والتنافس. كان سباق التسلح النووي المدخل الأكبر إلى ساحة الصراع بينهما.
وما إن اخترعت الولايات المتحدة القنبلة الذرية، واستخدمتها في أواخر الحرب العالمية الثانية عام 1945، حتى لحق الاتحاد السوفييتي بها في عام 1949. ثم تتابع تطوير السلاح النووي وتراكمه واختراع وسائل نقله وإطلاقه مثل الصواريخ وغيرها لدى هاتين الدولتين وغيرهما من القوى العظمى، حتى اشتد التنافس بين النظامين العالميين: الرأسمالي والشيوعي، في ظل الرعب من استخدام السلاح النووي، بوصفه سلاح التدمير الشامل.
أحدث السلاح النووي، بما بلغه من تطور تقني (تكنولوجي) وكمي جد كبير، شعوراً بالرعب لدى مختلف شعوب العالم، ولاسيما لدى الشعوب الأوربية والأمريكية. وأجمع معظم الاستراتيجيين ورجال السياسة في العالم على أن استخدام السلاح النووي سيكون كارثة عالمية شاملة، فهو في منزلة الانتحار المتبادل، ولن يكون هناك غالب ومغلوب، وإنما دمار شامل وقتل غير محدود للإنسان والحضارة.
من هنا نشأ رعب متبادل، اصطلح على تسميته «توازن الرعب النووي» Balance of Nuclear Terror وعُدَّ «مبدأ» وليس «نظرية» بسبب تعرُّضه للتغيرات النوعية الكثيرة التي قد تحدث في إطار القوى الكبرى والعلاقات الدولية. وفي ضوء هذا المبدأ أمكن توليد ضغوط متبادلة ومتعادلة منعت حدوث اختلال مضرٍّ في شبكة العلاقات بين القوى العظمى، مع سعي القوتين العظميين ـ في الوقت ذاته ـ إلى نشر نفوذهما ودعم أحلافهما وعلاقاتهما الدولية، والتصادم في بعض مناطق العالم الثالث، تصادماً لا يرقى قط إلى حد استخدام السلاح النووي، وذلك بالتحكم في إدارة الأزمات والحروب الإقليمية والحروب المحدودة.
إن أعظم نتيجة بلغها توازن الرعب النووي، أنه عطّل استخدام السلاح النووي -وهو ما سمي «العدم النووي»- أو خيار الصفر Zero Choice وأنتج استقراراً أمنياً وسياسياً نسبياً في بعض المناطق التي تعاني توترات سياسية، في حين لم يستطع هذا التوازن أن يلغي استخدام الأسلحة التقليدية، أو يحدّ من استخدامها، في مناطق كثيرة من العالم.
ولأن التصارع بالسلاح النووي في عصر توازن الرعب النووي صار أمراً مستبعداً، شهد العالم مجموعة من الحروب الإقليمية والحروب المحدودة، التي سعت كل من القوتين العظميين من ورائها إلى عدم تمكين القوة الأخرى من السيطرة على العالم كله. ويمكن القول إن هذه الحروب، بالأسلحة التقليدية، كانت بديلاً لكارثة الحرب النووية، إذ كانت المنافذ التي تسعى القوى العظمى من خلالها إلى تحقيق بعض أهدافها في السيطرة والنفوذ، بتزويد أطراف الحرب بالسلاح ودعمها سياسياً ودبلوماسياً. وقد يكون التدخل العسكري لتلك القوى العظمى في الحروب الإقليمية أو المحدودة إلى جانب أطراف النزاع تدخلاً مباشراً ومعلناً، وقد يكون غير مباشر وخفياً.
وفي جميع الأحوال، كانت القوى العظمى تسعى إلى ضبط هذه الحروب، ومراقبة نتائجها، حتى لا تصير مدعاة لإثارة القوى العظمى والاندفاع غير المضبوط في رفع مستوى الصراع إلى حد يخل بمبدأ توازن الرعب النووي.
وكان من أبرز تأثيرات توازن الرعب النووي، سعي القوتين العظميين إلى احتواء الحروب الإقليمية، والمحدودة، فلا يدعانها تجرهما إلى استخدام الأسلحة النووية، ويضبطان عمليات تزويد أطرافها بالأسلحة التقليدية بما لا يجعل انتصار أحد طرفي الحرب انتصاراً ساحقاً، وهزيمة الطرف الآخر هزيمة ماحقة، ويعملان لمنع اتساع نطاق الحرب.
وإذا كان توازن الرعب النووي ردع القوى النووية عن استخدام السلاح النووي، فثمة احتمالات قد تؤدي إلى اختلال ذلك التوازن، بسبب التغيرات النوعية والكمية الكثيرة التي قد تحدث في إطار القوى الدولية الكبرى، فتغيّر بعض معالم النظام لعالمي الراهن. ومن أبرز تلك التغيرات ما شهده العالم في تسعينات القرن العشرين، مثل: حل حلف وارسو[ر] وانهيار كتلة أوربة الشرقية الاشتراكية، وزوال «اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية»[ر] كدولة اتحادية كبرى وقوة دولية عظمى، واستبدال رابطة أخرى به تجمع دولاً مستقلة ذات سيادة، وتغيّر بعض المهام الأساسية لحلف شمال الأطلسي[ر]، وبروز تكتلات وقوى اقتصادية عالمية كبيرة، وغير ذلك من العوامل التي تعرض معالم ميزان الرعب النووي للتغير، إلى حد يبدو معه ذلك الميزان غير متوازن، كما أن بروز قوى نووية أخرى قد لا تكون منضبطة كالكيان الصهيوني والهند لا يجعل من الخيار النووي خياراً معدوماً بالمرة.
ومن جهة أخرى، ثمَّة احتمال أن يتعرض ميزان الرعب النووي لاختلال من مصدر آخر، هو التطور العلمي والتقني. فقد يخترع أحد أطراف الميزان أسلحة قادرة على مضادّة الأسلحة النووية المعادية، أو تعطيل مفعولها، أو يخترع أسلحة دمار شامل جديدة، تتصف بأنها أكثر فتكاً وشمولية ودقة وإحكاماً وسرعة من أسلحة الأطراف الأخرى، كالأسلحة الكيمياوية التي يسميها بعضهم السلاح النووي للدول الفقيرة. وإذا ما حدث ذلك، فإن العناصر التي تكوّن توازن الرعب النووي تتعرض لعوامل التغير والاختلال.
في مواجهة هذه التغيرات المحتملة، يمكن القول إن آلية النظام العالمي، بقواه الكبرى القائمة والناشئة، وبمنظماته الدولية، تسعى دائماً إلى إعادة التوازن إلى ميزان الرعب النووي، حتى يستمر الاستقرار ولا ينهار السلام الدولي. وكما كانت سياسات الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتخفيضها، وتدميرها، سبيلاً يعود الفضل في شقه وتمهيده وسلوكه إلى «الرعب النووي»، فإن هذا الرعب نفسه قد يولّد سبلاً أخرى تجنّب العالم كارثة الدمار الشامل.