السودان دولة خارج نطاق الربيع العربي
مرسل: الأحد ديسمبر 08, 2013 6:49 pm
السودان دولة خارج نطاق الربيع العربي
بقلم: رائد فوزي احمود
نائب مدير عام
المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
نُشر في الآونة الاخيرة عدد من المقالات في عدد من الصحف المقروءة؛ حيث تركز الحديث حول الموقف من الاحداث الجارية في السودان باعتبارها مقدمة لربيع جديد تعصف رياحه دولة جديدة في عالمنا العربي.
اتفقت اغلب المقالات على انتقاد الحكومة السودانية معتبرة ان ما يجري بالسودان تطور طبيعي يعبر عن حركة الشعب العربي في السودان للتناغم عما يجري لدى اشقائه في عالمنا العربي الممتد من الخليج الى المحيط؛ وقد ركز كتاب كبار من اعمدة الصحف انتقاداتهم حول دور الحكومة السودانية وفشلها في ادارة البلاد و قيادة جهود التنمية كدوافع للتظاهر والاشتباك مع قوى الامن؛ باعتبار ان الاخيرة انما تحافظ في تحركاتها القمعية على مصالح “الشخص الحاكم” اكثر مما تعبر عن مصالح الامة او تحفظ مقدرات البلاد والعباد.
استوقفني الحديث الذي جرى بين جنبات الصحف والموقف المتخذ من الحدث السوداني، اذا جاز وصفه بذلك، حول المراجع المعتمدة في تشكيل الصورة لدى الكاتب او كتاب الاعمدة حول ما يجري بالسودان، حتى وصل بي امد الوقوف الى اهمية الاجابة على سؤال المراجع والاليات التي يتخذها صانع القرار في الركون لها لرسم وتشكيل موقفه من الاحداث الاخيرة بالسودان بخاصة، ومن الموقف من مختلف الملفات السودانية في العموم.
ربما لا احتاج الى اقامة البرهان بانعدام مركز دراسات حكومي او خاص تستمد منه الحكومة او كتاب الصحف معلوماتها بما يجري بالسودان تحديدا، وربما المؤسسة الوحيدة الذي يخيل لي بانها تقدم رؤية واضحة او شبه واضحة هي دائرة المخابرات العامة الا ان مصادرها غير متاحة لي كباحث، واجزم بانها غير متاحة ايضا لهؤلاء الكتاب رغم جعجعة الحديث حول مصدر المعلومة والحق بالوصول اليها.
في ذات السياق، استوقفني سلوك وموقف كتاب الصحف اعلاه فيما لو قام احدهم بالاتصال بالسفارة السودانية محاولا الاستفسار او فهم ما يجري على الاقل من وحي الرأي والرأي المقابل، وهو ما لم يحدث للشكوى التي سمعتها من بعض اعضاء السفارة في ضعف التواصل معها من قبل صانعي الرأي العام من كتاب وباحثين، الامر الذي يجعلنا نجزم بان هناك موقف مسبق تجاه النظام السوداني الحاكم بما يحمله من ايدلوجيا معينة انبرى لها هؤلاء لتسليط سهام النقد عليها في محاولة لتثبيت نظرية “الدونمو”. بمعنى اخر جاء الحكم بما يجري بالسودان بناء على اسقاطات الحدث العربي، وعليه الجزم بان ما يجري بالسودان انما تفعيلاً لنظرية “الدونمو” التي اثبتت ناجعتها في تحليل ظاهرة الربيع العربي في بلدان الربيع العربي الواحدة تلو الاخرى.
وعليه فانه اذا فقدنا جهة الاتصال والمعلومة يبقى لنا تقرير ان المراجع المستقاة لتحليل الاحداث الاخيرة انما لم يخرج من اطار التحليل، عبر اسقاط ظروف الربيع العربي التي مرت بالبلدان العربية وتقرير انها لا تختلف عن ارهاصات الحالة السودانية، اي ان تثبيت حقيقة ما يجري هناك (السودان) لا يخرج عن سياق ما جرى ببلدان الربيع العربي.
ربما يكون هنالك وجاهة في الطرح تكشف عنها بعض الاقلام التي تعبر عن اهمية الديمقراطية واهميه افشائها في هذا البلد؛ وهذا بالمحصلة لا نستطيع الانتقاص منه او اقصاءه في فهم المشهد السوداني بقدر اهمية تقديم الصورة المجردة لما جرى حتى لا نقع في نهايات (تحليل) غير صحيحة.
استكمالا، فانه يبقى الموقف الاخير تجاه الاضطرابات الاخيرة في السودان لهؤلاء الكتاب قائما على حوادث وظروف غير سودانية وان جاءت شبية بظروف بلدان الربيع العربي؛ وتتفاقم المشكلة عندما ينبري سفير سابق “متقاعد” خدم في السودان فترات طويلة في استخدام مراجعه السابقة في تقرير حقيقة ما يجري، او الاكتفاء بما تقدمه المراجع الاجنبية بما تحمله من رؤية مسبقة تجاه السودان واشخاصه وهي مراجع غير محايدة حتى يبنى عليها موقف سليم.
من هنا نقف عاجزين في فهم الظواهر المختلفة التي تعصف في السودان بين الحين والاخر لانعدام المراجع المحايدة في تبني رؤية سليمة، يضاف ذلك الى تداعيات الربيع العربي التي حكمت اقلاما كبيرة وجعلت الجميع في قارب واحد. بل ان الموقف الرسمي تجاه السودان بني بالجزء الاكبر منه من الموقف العربي ضمن جامعة الدول العربية تجاه السودان وهو موقف محكوم بالمحصلة لمصالح طرف او دولة ترى بالسودان حديقة خلفية لها يقتضي عدم تجاوزها الا وهي مصر.
جاءت الاضطرابات الاخيرة “الدامية” في الثاني من اكتوبر بعد قرار الحكومة رفع الدعم عن المحروقات لتخفيف حدة أزمة مالية طاحنة بعد انفصال جنود السودان المنتج للنفط عام 2011 مما حرم الخرطوم من ثلاثة أرباع إنتاج الخام الذي كان عماد عائدات الدولة والعملة الأجنبية اللازمة لاستيراد الغذاء؛ حيث استمر السودان بتجفيف عدد كبير من مصادر الصرف لتجاوز هذا القرار الذي اصبح لا بد منه بعد ارتفاع فاتورة الطاقة التي ارهقت ميزانية الدولة. بمعنى اخر ان الاضطرابات لم تكن وليدة حراك سياسي يسعى لتحسين ظروف الحكم بقدر ما عبر عن ردود فعل طبيعية مماثلة لما شهده الاردن في اكتوبر من العام الماضي نتيجة رفع الاسعار، لعدم قدرة الدولة الخروج من مصير محتم يفضي لوضعها تحت خانة الدول الفاشلة او كما اشيع بانهيار صرف الدينار، الامر الذي دفع الحكومة لاتخاذ موقف غير شعبي لإنقاذ البلاد من شفير هاوية محتمة؛ قد يكون لدى البعض اراء مخالفة الا انها سرعان ما تصطدم مع صخرة الواقع؛ ورئيس الوزراء عبدالله النسور خير مثال للتعبير عن اهمية الخروج من دائرة المعارضة الى ارهاصات الواقع؛ وهو تحول تفرضه بالطبع ارهاصات الحكم او السلطة.
الاضطرابات السودانية الاخيرة شبيه لما جرى في الاردن في اكتوبر من العام الماضي سرعان ما تراجعت نتيجة انعدام البدائل امام الحكومة في التعامل مع ازمة الطاقة، وليس بالضرورة نتيجة تخطيط سيء او تفشي الفساد؛ وهو يقين ادركه الشارع السوداني كما ادركته قوى المعارضة السودانية التي فشلت من جديد في ركوب المشهد لصالحها في مواجهة النظام.
اخيرا، اغلب الكتاب تحدث عن موضوع فصل الجنوب باعتباره نتيجة لمسعى الرئيس في التشبث بالحكم، ناسيين اهمية الوقوف على مميزات البقاء موحدا من عدمه، او موقف الشارع من الانفصال؛ ربما يكون هذا الحديث عفا عليه الزمن ، فالجنوب استقل، لكن الاستعانة فيه لبيان حجة ما هو امر يشوه تسلسل الاحداث وعليه تقديم تصور غير صحيح لما الت او سؤول اليه الدولة السودانية؛ لكن لا بد للمتابع العربي الذي تهمه شؤون السودان ادراك ان الجنوب لم يقدم للسودان الموحد منذ الخمسينات الا الحرب والدمار والقتل؛ حيث لا يكاد يخلو بيت من وجع جاء من وحدة الجنوب، والامر سيان بالنسبة للجنوبيين؛ فالحرب شكلت عامل استنزاف للطرفين، الامر الذي دفع كثيرون الى اعادة النظر بالوحدة وتقرير اهمية الانفصال لعلها تقدم حلا لمشاكل الطرفين، وهو ما تحقق فعلاً بتفاهمات الرئيسين الاخيرة في الخرطوم مطلع هذا الشهر؛ فهي المرة الاولى التي يجلس بها الطرفين على مائدة حوار حقيقة وليس كما كانت تجري بالسابق بحوار اقل ما يوصف بانه حوار الطرشان؛ فالحوار الاخير قدم للطرفين فوائد مشتركة لم نألفها او يألفها السودانيين جميعا سواء جنوبيين او شماليين.
بقلم: رائد فوزي احمود
نائب مدير عام
المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
نُشر في الآونة الاخيرة عدد من المقالات في عدد من الصحف المقروءة؛ حيث تركز الحديث حول الموقف من الاحداث الجارية في السودان باعتبارها مقدمة لربيع جديد تعصف رياحه دولة جديدة في عالمنا العربي.
اتفقت اغلب المقالات على انتقاد الحكومة السودانية معتبرة ان ما يجري بالسودان تطور طبيعي يعبر عن حركة الشعب العربي في السودان للتناغم عما يجري لدى اشقائه في عالمنا العربي الممتد من الخليج الى المحيط؛ وقد ركز كتاب كبار من اعمدة الصحف انتقاداتهم حول دور الحكومة السودانية وفشلها في ادارة البلاد و قيادة جهود التنمية كدوافع للتظاهر والاشتباك مع قوى الامن؛ باعتبار ان الاخيرة انما تحافظ في تحركاتها القمعية على مصالح “الشخص الحاكم” اكثر مما تعبر عن مصالح الامة او تحفظ مقدرات البلاد والعباد.
استوقفني الحديث الذي جرى بين جنبات الصحف والموقف المتخذ من الحدث السوداني، اذا جاز وصفه بذلك، حول المراجع المعتمدة في تشكيل الصورة لدى الكاتب او كتاب الاعمدة حول ما يجري بالسودان، حتى وصل بي امد الوقوف الى اهمية الاجابة على سؤال المراجع والاليات التي يتخذها صانع القرار في الركون لها لرسم وتشكيل موقفه من الاحداث الاخيرة بالسودان بخاصة، ومن الموقف من مختلف الملفات السودانية في العموم.
ربما لا احتاج الى اقامة البرهان بانعدام مركز دراسات حكومي او خاص تستمد منه الحكومة او كتاب الصحف معلوماتها بما يجري بالسودان تحديدا، وربما المؤسسة الوحيدة الذي يخيل لي بانها تقدم رؤية واضحة او شبه واضحة هي دائرة المخابرات العامة الا ان مصادرها غير متاحة لي كباحث، واجزم بانها غير متاحة ايضا لهؤلاء الكتاب رغم جعجعة الحديث حول مصدر المعلومة والحق بالوصول اليها.
في ذات السياق، استوقفني سلوك وموقف كتاب الصحف اعلاه فيما لو قام احدهم بالاتصال بالسفارة السودانية محاولا الاستفسار او فهم ما يجري على الاقل من وحي الرأي والرأي المقابل، وهو ما لم يحدث للشكوى التي سمعتها من بعض اعضاء السفارة في ضعف التواصل معها من قبل صانعي الرأي العام من كتاب وباحثين، الامر الذي يجعلنا نجزم بان هناك موقف مسبق تجاه النظام السوداني الحاكم بما يحمله من ايدلوجيا معينة انبرى لها هؤلاء لتسليط سهام النقد عليها في محاولة لتثبيت نظرية “الدونمو”. بمعنى اخر جاء الحكم بما يجري بالسودان بناء على اسقاطات الحدث العربي، وعليه الجزم بان ما يجري بالسودان انما تفعيلاً لنظرية “الدونمو” التي اثبتت ناجعتها في تحليل ظاهرة الربيع العربي في بلدان الربيع العربي الواحدة تلو الاخرى.
وعليه فانه اذا فقدنا جهة الاتصال والمعلومة يبقى لنا تقرير ان المراجع المستقاة لتحليل الاحداث الاخيرة انما لم يخرج من اطار التحليل، عبر اسقاط ظروف الربيع العربي التي مرت بالبلدان العربية وتقرير انها لا تختلف عن ارهاصات الحالة السودانية، اي ان تثبيت حقيقة ما يجري هناك (السودان) لا يخرج عن سياق ما جرى ببلدان الربيع العربي.
ربما يكون هنالك وجاهة في الطرح تكشف عنها بعض الاقلام التي تعبر عن اهمية الديمقراطية واهميه افشائها في هذا البلد؛ وهذا بالمحصلة لا نستطيع الانتقاص منه او اقصاءه في فهم المشهد السوداني بقدر اهمية تقديم الصورة المجردة لما جرى حتى لا نقع في نهايات (تحليل) غير صحيحة.
استكمالا، فانه يبقى الموقف الاخير تجاه الاضطرابات الاخيرة في السودان لهؤلاء الكتاب قائما على حوادث وظروف غير سودانية وان جاءت شبية بظروف بلدان الربيع العربي؛ وتتفاقم المشكلة عندما ينبري سفير سابق “متقاعد” خدم في السودان فترات طويلة في استخدام مراجعه السابقة في تقرير حقيقة ما يجري، او الاكتفاء بما تقدمه المراجع الاجنبية بما تحمله من رؤية مسبقة تجاه السودان واشخاصه وهي مراجع غير محايدة حتى يبنى عليها موقف سليم.
من هنا نقف عاجزين في فهم الظواهر المختلفة التي تعصف في السودان بين الحين والاخر لانعدام المراجع المحايدة في تبني رؤية سليمة، يضاف ذلك الى تداعيات الربيع العربي التي حكمت اقلاما كبيرة وجعلت الجميع في قارب واحد. بل ان الموقف الرسمي تجاه السودان بني بالجزء الاكبر منه من الموقف العربي ضمن جامعة الدول العربية تجاه السودان وهو موقف محكوم بالمحصلة لمصالح طرف او دولة ترى بالسودان حديقة خلفية لها يقتضي عدم تجاوزها الا وهي مصر.
جاءت الاضطرابات الاخيرة “الدامية” في الثاني من اكتوبر بعد قرار الحكومة رفع الدعم عن المحروقات لتخفيف حدة أزمة مالية طاحنة بعد انفصال جنود السودان المنتج للنفط عام 2011 مما حرم الخرطوم من ثلاثة أرباع إنتاج الخام الذي كان عماد عائدات الدولة والعملة الأجنبية اللازمة لاستيراد الغذاء؛ حيث استمر السودان بتجفيف عدد كبير من مصادر الصرف لتجاوز هذا القرار الذي اصبح لا بد منه بعد ارتفاع فاتورة الطاقة التي ارهقت ميزانية الدولة. بمعنى اخر ان الاضطرابات لم تكن وليدة حراك سياسي يسعى لتحسين ظروف الحكم بقدر ما عبر عن ردود فعل طبيعية مماثلة لما شهده الاردن في اكتوبر من العام الماضي نتيجة رفع الاسعار، لعدم قدرة الدولة الخروج من مصير محتم يفضي لوضعها تحت خانة الدول الفاشلة او كما اشيع بانهيار صرف الدينار، الامر الذي دفع الحكومة لاتخاذ موقف غير شعبي لإنقاذ البلاد من شفير هاوية محتمة؛ قد يكون لدى البعض اراء مخالفة الا انها سرعان ما تصطدم مع صخرة الواقع؛ ورئيس الوزراء عبدالله النسور خير مثال للتعبير عن اهمية الخروج من دائرة المعارضة الى ارهاصات الواقع؛ وهو تحول تفرضه بالطبع ارهاصات الحكم او السلطة.
الاضطرابات السودانية الاخيرة شبيه لما جرى في الاردن في اكتوبر من العام الماضي سرعان ما تراجعت نتيجة انعدام البدائل امام الحكومة في التعامل مع ازمة الطاقة، وليس بالضرورة نتيجة تخطيط سيء او تفشي الفساد؛ وهو يقين ادركه الشارع السوداني كما ادركته قوى المعارضة السودانية التي فشلت من جديد في ركوب المشهد لصالحها في مواجهة النظام.
اخيرا، اغلب الكتاب تحدث عن موضوع فصل الجنوب باعتباره نتيجة لمسعى الرئيس في التشبث بالحكم، ناسيين اهمية الوقوف على مميزات البقاء موحدا من عدمه، او موقف الشارع من الانفصال؛ ربما يكون هذا الحديث عفا عليه الزمن ، فالجنوب استقل، لكن الاستعانة فيه لبيان حجة ما هو امر يشوه تسلسل الاحداث وعليه تقديم تصور غير صحيح لما الت او سؤول اليه الدولة السودانية؛ لكن لا بد للمتابع العربي الذي تهمه شؤون السودان ادراك ان الجنوب لم يقدم للسودان الموحد منذ الخمسينات الا الحرب والدمار والقتل؛ حيث لا يكاد يخلو بيت من وجع جاء من وحدة الجنوب، والامر سيان بالنسبة للجنوبيين؛ فالحرب شكلت عامل استنزاف للطرفين، الامر الذي دفع كثيرون الى اعادة النظر بالوحدة وتقرير اهمية الانفصال لعلها تقدم حلا لمشاكل الطرفين، وهو ما تحقق فعلاً بتفاهمات الرئيسين الاخيرة في الخرطوم مطلع هذا الشهر؛ فهي المرة الاولى التي يجلس بها الطرفين على مائدة حوار حقيقة وليس كما كانت تجري بالسابق بحوار اقل ما يوصف بانه حوار الطرشان؛ فالحوار الاخير قدم للطرفين فوائد مشتركة لم نألفها او يألفها السودانيين جميعا سواء جنوبيين او شماليين.