صفحة 1 من 1

الثقافه

مرسل: الأحد ديسمبر 08, 2013 8:41 pm
بواسطة احمد الدوسري 20
لفارق كبير بين أن ( تكون ) مثقفا وأن ( تبدو ) مثقفا ؟

إليك ما قاله ديفيد بروكس في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز ساخرا :
" الأمر لم يعد يتعلق بما تقرأ وبما تعرف ، ولا بمقدار قدرتك على فهم ما تقرأه وتستهلكه من مواد ثقافية ، بل يتعلق الأمر بأن تجد لنفسك مكانا في فضاءات الضجيج الثقافي ، ولا تقلق إن لم يكن لديك شئ لتقوله ، فلا أحد سيسمع على أية حال ، لقد أصبحت مهمة أن تبدو مثقفا أسهل من أي وقت مضى ، فلم يعد ضروريا الآن حمل كل تلك الكتب الضخمة ، لقد تغيرت قواعد اللعبة ، يمكنك الآن أن تكون عضواً فاعلا في النخبة الثقافية دون أن تضطر لقراءة شكسبير أو دوستويفسكي أو نيتشه ، ويمكنك أن تناقش وتجادل في كل شيء يستطيع حاسبك الشخصي أو هاتفك النقال أن يلتقطه من الإنترنت ، يمكنك مثلا أن تكتب مقالات في شؤون العصر وأن يكون لك رأي في كل القضايا ، وتذكر .. كل ما عليك هو أن تتبع قواعد الموضة الثقافية " .‏

أخي الفاضل ..
ليس هناك أسهل من أن أقول لك أن الثقافة ( تنوع معرفي – خبرة – إطلاع واسع مستمر - ... )

وليس هناك أسهل من أن أذكر لك ما قاله أحد كبار المثقفين في العالم العربي ( محمد حسنين هيكل ) في تعريفه للمثقف : " أن المثقف هو الإنســان الذي يستطيع أن يكــون لنفسـه رؤية وموقف من الإنســان بالدرجة الأولى .. ومن المجتمع بالدرجة الثانية .. ومن الطبيعة والكون بالدرجة الثالثة .. وإنــه يستطيع أن يعبر عن هــذه الرؤية وهذا الموقف برموز الكلمات والألوان والأصوات .. " .

وأذكر لك أيضا ما قاله الفيلسوف الكبير الدكتور زكي نجيب محمود :
" الثقافة حالة توجه الإنسان في اتجاه سيره ، وفي ردود أفعاله ، وليست الثقافة محصولا من معارف ومعلومات في حد ذاتها ، بل هي الزهرة التي تنبتها تلك المعلومات والمعارف " .
ومن وجهة نظري المتواضعة هذا هو أفضل ما قيل في مسألة الثقافة والمثقفين ..

ولكني أقول لك بكل الصدق ، وباختصار ووضوح :
الثقافة .. سلوك ..

وبغير سلوك لا يمكن أن نطلق صفة المثقف على أي إنسان ، فهو مجرد مخزن لمعلومات كثيرة ..

وإلا فما الفارق بين العلم والثقافة ..
إن العلم معرفي أكثر منه عملي ، في حين أن الثقافة سلوك أكثر منها معرفة ، فهي علم وعمل ، فكر وسلوك في وقت واحد ..
إن العلم جزء من الثقافة ، فالثقافة أعم وأشمل ..

الثقافة صانعة للحياة , صانعة للفكر وصانعة للإبداع .‏

نحن نعيش في عالم تحكمه القوة ، ودور المثقف هو أن يجعل من القوة قوة في سبيل الإنسان وليس لتدميره ، ويجعل من التسامح وقبول الآخر ثقافة يومية تنغرس في الذهن والوجدان ..

إن المثقف هو شخص يفكر بعقل ، يجيد التحكم بتصرفاته وفق ما يتناسب مع الوضع ، لا يقف أمام أي مشكلة دون البحث فيها ومحاولة الوصول إلى أبعادها الشاملة ومن ثم محاولة إيجاد الحل لها ، لا يعتقد أنه وصي على أحد في المجتمع إنما لكل إنسان حق في التعبير عن رأيه ، وعليه حق في الإصغاء للآخرين ، إن المثقف هو شخص يؤمن أنه حينما يخطيء فهو لم يفشل ، إنما قام باجتهادات لم تكن صحيحة بعض الشيء ولازالت هناك فرص أخرى ، والأهم يقرأ بوعي أكثر مما يقول ويكتب ..

للأسف في العالم العربي قد يبدو دور المثقف هامشيا ، لأن ثقافة السلطة هي السائدة ، وثقافة السلطة هذه ليست فقط الثقافة الرسمية ، بل الثقافة الخاصة التي يمارسها أفراد ومثقفون ، يعملون بشروط السلطة ، سواء رغبة منهم ، أو باضطرار وتحت دوافع مختلفة ، فيعيدون إنتاج الخطاب الثقافي الرسمي ، وهو على الأغلب خطاب وحيد الرؤية ، لا يعترف بالآخر ، وهو خطاب مخيف في نتائجه التي تخلق العزلة والإحباط .. وهو أسوأ ما قد يصل إليه المثقف : اليقين بنهاية دوره ..


إن دور المثقف اليوم وفي ظل العولمة المتوحشة يكتسب أهمية خاصة واستثنائية فهو مطالب بالحفاظ على الهوية والتراث في عالم يتجه نحو اللاهوية واللاتراث نحو عالم يتجه باتجاه العدمية والمادة وهو مطالب أيضاً بإبراز مكامن القوة في بلده في ظل قوة غاشمة متسلحة بأفتك الأسلحة تريد التهام الشعوب كما تلتهم الوجبات السريعة فعالم اليوم هو عالم القوي يأكل الضعيف والسريع يلتهم البطيء ولا مجال البتة للضعف والتوقف ومن هنا تأتي استثنائية

دور المثقف ودوره المركب في الحفاظ على الذات والوطن والقيم العليا وهي مهمة كبيرة وقاسية وتنوء تحت ثقلها الجبال ولكنها بنفس الوقت نبيلة وراقية بحيث تجعل من القوة قوة في سبيل الإنسان وليس لتدميره وتجعل من التسامح وقبول الآخر ثقافة يومية تنغرس في الذهنية والوجدان إن تلك المفردات تجعل من المثقف العدو الأظهر والأبرز للتشاؤم وتجعل من الأخير يضع يده على مسدسه عندما يسمع كلمة مثقف كما كان يردد وزير إعلام هتلر غوبلز الذي ذهب ومعلمه ومسدسه وبقي المثقف وقلمه منافحاً عن العدل والحق.‏