صفحة 1 من 1

إيران:سبل الصراع وسبل التفاوض

مرسل: الأحد ديسمبر 08, 2013 9:17 pm
بواسطة عبدالله الموسى 36336
بعد توقيع الجمهورية الإسلامية في إيران الاتفاق المؤقت مع الدول الغربية ممثلة في دول «5+1» انتقلت إيران لمرحلة ثانية من الصورة التي تريد إرسالها للعالم بعد تولي الرئيس الإيراني حسن روحاني رئاسة البلاد، وهذه المرحلة هي محاولة فتح حوار مع السعودية ودول الخليج العربي.

قام وزير الخارجية محمد ظريف بزيارة أربع دول خليجية هي الكويت وقطر وعمان والإمارات، وحاول إرسال رسائل إيجابية بأن إيران تسعى للتصالح مع دول الخليج. فهل حقا إيران صادقة في هذا التوجه؟ وهل هي تفتش عن حل حقيقي أم عن كسب للوقت وإرسال رسائل إعلامية فقط؟

إن كانت تريد ذلك فلماذا لم تصنع ما صنعته مع الغرب في الاتفاق الأخير حول الملف النووي الإيراني؟ لقد كان باستطاعة إيران وبنفس الطريقة التي تعاملت بها مع الغرب، أن تتعامل مع السعودية ودول الخليج، أي أن تطلب اجتماعات حقيقية وسرية مع هذه الدول لتداول القضايا التي تشكل لب الصراع السياسي معها في المنطقة حتى يصل الطرفان لحلول عملية ومن ثم يجري الإعلان عن اتفاق تاريخي، ولكن إيران لم تفعل.

يظهر من قراءة المواقف الإيرانية الأسبوع الماضي أنها اتخذت ثلاث سبل:

السبيل الأولى: سبيل ظريف الذي اعتمد التصعيد الإعلامي ليوصل رسائل دولية بأن إيران بكل مسوح الحمل تريد التفاوض مع السعودية ولكن الأخيرة ترفض، ويريد التفاوض مع الإمارات على جزيرة أبو موسى فقط دون طنب الكبرى وطنب الصغرى، ويريد التواصل مع الكويت دون الاعتراف بجرائم إيران فيها منذ محاولة اغتيال الأمير الراحل جابر الأحمد في 1985، وصولا لخلايا التخريب والتجسس، ويريد التواصل مع البحرين على الرغم من كل السياسات العدائية ضدها دون تقديم أي تنازلات أو مراجعات معلنة.

السبيل الثانية: السبيل الثقافية التي قد تعبر عن بعض القوى داخل إيران، كما طرح الأستاذ عطاء الله مهاجراني، المحسوب على تيار الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، والذي كتب قائلا: «إن التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية لن يؤدي فقط إلى تناسي العقبات والمشكلات بين البلدين، بل سيؤدي أيضا إلى إحياء القضية الرئيسة، وهي فلسطين» («الشرق الأوسط»، 2 ديسمبر/ كانون الأول) فهل يمكن حقا اعتبار القضية الفلسطينية قضية رئيسة للتقارب بين السعودية وإيران؟

هنا لا بد من استحضار التاريخ لرصد الفرق الظاهر في التعامل تجاه القضية الفلسطينية بين السعودية وإيران، فقد كانت مواقف السعودية تجاه القضية الفلسطينية تبحث دائما عن مصلحة فلسطين والفلسطينيين منذ اقتراح الملك عبد العزيز ببقاء الفلسطينيين داخل فلسطين وعدم الهجرة ومساعدتهم بالسلاح، وحواره الشهير مع الرئيس الأميركي الأسبق روزفلت، وكذلك مواقف الملك فيصل المعروفة، ومن بعد في مطلع الثمانينات جاء «مشروع فهد» الذي كان متقدما جدا على ما جاء لاحقا في اتفاقية أوسلو، وصولا لمبادرة خادم الحرمين الملك عبد الله التي أصبحت تعرف بمبادرة الجامعة العربية.

بالمقابل نجد أن إيران وقيادات الجمهورية الإسلامية سعت دائما لاستغلال القضية الفلسطينية لمصلحة إيران لا لمصلحة فلسطين، فقد كان الخميني في سياق معارضته لنظام الشاه مطلع الستينات «يرغب منذ السنوات الأولى طرح موضوع القضية الفلسطينية»، حسب ما نقل عنه رفسنجاني على الرغم من معارضة بعض العلماء من أنصاره، ثم يعلق رفسنجاني قائلا: «هذا الإصرار يبين بوضوح بعد نظر الإمام، وشمولية رؤيته، ورغبته في أن تمتد المعركة إلى المنطقة ومن ثم إلى العالم» (كتاب حياتي. ص65).

إذن فالقضية الفلسطينية كانت سهما في معركة الخميني مع الشاه، وبعد قيام الجمهورية الإسلامية استمر الخميني في استغلال القضية الفلسطينية لأهداف سياسية داخلية وإقليمية، فقد كان وضع القضية الفلسطينية في فكر الخميني يقتصر على كونها أداة في صراعه مع الشاه بناء على مصالح صراعية بحتة تخص الشأن الداخلي الإيراني، بمعنى محاولة الهروب من صراع داخلي بافتعال عامل خارجي يضمن الحشد والتأييد.

وقد استمرت إيران في استخدام القضية الفلسطينية بعد الثورة وأثناء حربها مع العراق على طريقة المزايدة الدينية، ثم جاء الاستغلال الأبشع لها مع خامنئي بتوظيفها في خلق وتدعيم ما كان يعرف بمحور الممانعة لشق الصف العربي واختراق الدول العربية.

المقصود من عرض الموقف من القضية الفلسطينية هو أخذها كمثال على قضية خلافية يجب التفاوض مع إيران حولها لا كقضية مشتركة يبنى عليها.

السبيل الثالثة: سبيل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وذلك في مقابلة له مع قناة «OTV» اللبنانية الثلاثاء الماضي، فقد شن هجوما غير مسبوق في صراحته وحدته على السعودية لأنه - بحسب نصر الله - فإن «إيران منذ سنوات تسعى لفتح الأبواب مع السعودية وللتحاور ولكن كل المحاولات لفتح الأبواب فشلت»، ونسي نصر الله أن حزبه بحد ذاته لا يعدو أن يكون ورما سرطانيا إيرانيا في دولة عربية.

وقد تناقض في تلك المقابلة في عدد من المواضيع، ومنها الموقف ممن يسميهم «التكفيريين» ويقصد بهم جماعات العنف السياسي السنية كتنظيم القاعدة وجبهة النصرة و«داعش»، وهو يعلم أن السعودية كانت قائدة ورائدة في حرب تلك الجماعات في الوقت الذي كانت تحظى فيه ذات الجماعات بالرعاية الإيرانية لسنوات، وهي لا تصنع شيئا في سوريا سوى خدمة نظام الأسد ومحاربة الجيش السوري الحر والمشاركة في قتل الشعب السوري.

ولكن ما لا يعلمه نصر الله وربما إيران هو أن هذه الجماعات بطبيعتها غير قابلة للترويض، وكما انفجرت في السابق في وجه الدول العربية فلا شيء يمنع أن تنفجر في وجه إيران وحلفائها لاحقا، ثم إن حزبه لم يعد كما كان، أي الأقوى في مساحته الجغرافية داخل لبنان، ذلك أن التمدد العسكري في مساحة جغرافية أكبر كسوريا أضعف قوة الحزب العسكرية والأمنية، نظرا للثغرات التي خلقها، مما سهل اختراق مناطقه الأمنية المحصنة أكثر من مرة بالتفجير والاغتيال، وكان عليه أن يعلم أن الأزمة السورية بعد تدخله عسكريا فيها لن تنتهي إلا في الضاحية الجنوبية.

أخيرا، فإن أحدا في السعودية والخليج لا يرفض التفاوض مع إيران، بل العكس صحيح، فالجميع يفضل الحلول الدبلوماسية «إن حسنت النيات» كما هو الموقف السعودي، ومكان التفاوض الحقيقي هو عبر القنوات الدبلوماسية والرسمية والنقاش الصريح والواضح حول كل الملفات الشائكة بين الجهتين وليس وسائل الإعلام والتصريحات الشعاراتية