هذه الصفقة التي ينبغي على أمريكا وإيران إبرامها اليوم
مرسل: الأحد ديسمبر 08, 2013 9:20 pm
تكتسي هذه المقالة الاستراتيجية أهميتها من ثلاث جهات أساسية:
الأولى: من جهة كاتبها كينيل بولاك الخبير في الشؤون العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، والمتخصص في العراق وإيران والمملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج الفارسي، الباحث في مركز صابان لسياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينز الأمريكي .
والثانية: من جهة الموضوع المرتبط بتحليل عميق للإشكالات التي تعترض العلاقات الأمريكية الإيرانية، وبشكل خاص البرنامج النووي الإيراني، إذ يسلط الضوء على كافة القضايا الشائكة في هذا الملف .
وأما الجهة الثالثة: فكونه يطرح الخيارات التفاوضية للطرفين حول هذا الموضوع، ويكشف إمكانية عقد صفقة تاريخية بين أمريكا وإيران، مركزا على الخيارات التي تمتلكها إيران لتقديم تنازلات في هذا الموضوع، والأجوبة التي يمكن لأمريكا أن تواجه بها هذه التنازلات، بالإضافة إلى استشراف المآلات الممكنة في هذا الصدد.
وقد فضلنا أن نقرب هذه المقالة الاستراتيجية إلى القارئ العربي حتى يطلع على جانب من جوانب العقلية والمنهجية الأمريكية في التعاطي مع الإشكالات التي تطرحها منطقة الشرق الأوسط، وبشكل خاص البراغماتية السياسية المنفتحة على كل الخيارات والتي تحتفظ بالاحتياطات الكاملة التي تضمن المصالح الاستراتيجية الأمريكية، كما تضع القارئ أمام طريقة الأمريكيين في فهم إيران والتعاطي مع سياستها الخارجي.
-------------------------------
نـص الترجمــة
حين تحدث الرئيس الجديد للجمهورية الإسلامية في إيران حسن روحاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، أمسك العالم أنفاسه.
نعم، ينبغي أن نمسك أنفاسنا. فعلى الرغم من أن هناك شكوكا متفهمة من قبل جهات متعددة، فإن الحقيقة المتاحة تشير إلى أن روحاني هو الصفقة الحقيقية: إصلاحي حقيقي يريد أن يحدث تغييرا داخل إيران وخارجها. بشكل خاص، لقد أراد بشكل واضح إنهاء العقوبات الدولية، وأعرب عن رغبته في التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني.
يبدو أن الخطوط العريضة للصفقة حول البرنامج النووي سيتم بلورتها بشكل سريع.
إيران ستوقف تخصيب اليورانيوم فوق 5 في المائة، وستقبل قيودا حول المستويات الدنيا من اليورانيوم المخصب الذي يمكن أن يكون في البلاد، وكذا سقف العدد (وليس النوعية) من أجهزة الطرد المركزي التي يمكن أن تحتفظ بها، ونبذ عزل اليورانيوم، والموافقة على نظام التفتيش، وفي المقابل، يتعهد المجتمع الدولي برفع معظم، إن لم يكن كل، العقوبات المالية والتجارية المفروضة على إيران.
مثل هذه الصفقة ستكون هبة من السماء بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وحلفائنا الآخرين في المنطقة وخارجها. وإذا كنا نستطيع أن نظفر بهذه الصفقة، فلا يجوز لنا التفريط فيها.
بيد أن الحيرة الحالية تتطلب منا أن نكون في كامل الجاهزية واليقظة. لقد سبق لنا أن شهدنا لحظات من هذا القبيل مع إيران وفي أماكن أخرى في الشرق الأوسط، لكن تبين في نهاية المطاف أنها كانت مخيبة للآمال.
لعقدين من الزمان تقريبا، اعتقد خبراء في الشرق الأوسط أن الخطوط العريضة للسلام بين إسرائيل وفلسطين كانت معروفة جيدا.
وخلال التسعينيات، بدا أنه لا مفر من أن مثل هذه الصفقة ستبرم وأن النزاع في نهاية المطاف سينتهي. لكن شيئا من ذلك لم يحدث.
نحن لا زلنا نعتقد بأننا نعرف ماذا تعني هذه الصفقة، والغالبية تظن بأنه من البديهي أن يقبل الإسرائيليون والفلسطينيون بها، لكنهم لم يفعلوا، وقلة قليلة تعتقد أنهم يمكن أن يفعلوا ذلك قريبا.
نحن اليوم في حاجة إلى منع الفخاخ التي سقط فيها المسلسل الطويل للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين من أن تسقط في مثلها صفقة النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وهذه هي الطريقة:
أولا: معاجلة المخاوف الأمريكية:
في أوساط الأمريكيين هناك ثلاث مخاوف أساسية حول هذه الصفقة:
الأول: أن تغالط إيران العالم، وتغش في الصفقة، وتفاجئ بعد ذلك العالم بترسانة نووية، تماما كما فعلت كوريا الشمالية.
الثـاني: وهو في حالة إذا لم تغش إيران في الصفقة، فإن هذه الصفقة يمكن أن تترك طهران تمتلك قدرات عسكرية نووية كامنة يمكن أن تستعملها يوما ما.
أما الثالث: فهو يرتبط بالسلوك السياسي الإيراني خارج موضوع البرنامج النووي، وبشكل خاص دعمها للإرهاب وجهودها من أجل المس بالاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والذي يمكن أن يتسبب في معارضة البعض للصفقة حتى تتم معالجة هذا الملف.
وحتى نقلل من مخاطر احتمال غش إيران في الصفقة، فإن الاتفاق حول النووي يحتاج أن يتضمن ميزتين هامتين - كما تعلمنا من تجربتنا القاسية مع العراق وكوريا الشمالية- واللتين نعتقد أنهما تمثلان مفتاح تجريد دولة رفضت أن تكون مجردة من السلاح النووي.
أولا: إن الصفقة تحتاج أن تضم أحكاما لتدخل شامل ومفاجئ ومستمر لفرق التفتيش كما حدث في العراق، بحيث أن مفتشي الأمم المتحدة يحتاجون أن يكونوا قادرين للذهاب للتفتيش إلى أي مكان وفي أي وقت وبدون تأخير. هذا الترخيص كان غائبا عن كوريا الشمالية قبل 2006، وعن العراق قبل 1991، وعن إيران اليوم، بحيث سمح غيابه لهذه الدول الثلاثة بأن تبني وتشغل منشآت سرية لبعض الوقت. وعلاوة على ذلك، فإن البروتوكول الإضافي من معاهدة حظر الانتشار النووي قد صمم فقط لأخذ هذا الخطر بعين الاعتبار. نحتاج لنتذكر أن فرق التفتيش في العراق لم تشتغل في نهاية المطاف، رغم أنها أخذت خمس سنوات من الزمن لإقناع صدام حسين للتخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل.
وأكثر من ذلك، فإن التجربة في العراق برهنت على أن التفتيش ينبغي أن يكون شاملا بدون عوائق، وليس بالضرورة مثاليا. قبل سنة 2003، كنا نعتقد أن المفتشين يستطيعون أن ينجحوا فقط إذا عثروا على ذرة أو عنوان من برامج صدام لأسلحة الدمار الشامل، مفترضين أنه سيستمر في إحراز تقدم مع أي شيء تبقى له من هذا البرنامج. الذي استفدناه من دراساتنا بعد غزو العراق، أن المفتشين عملوا ليس لأنهم عثروا على أي علامة تثبت وجود برامج لأسلحة الدمار الشامل، ولكن لأنهم وجدوا بأنه هناك أكثر من سبب للإبقاء على العقوبات في مكانها. ولأن العراق لا تستطيع أن تتحمل العقوبات، أنهى صدام كل برامج أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك التي لم يستطع فرق التفتيش العثور عليها.
إن الذي يصعب على الأمريكيين ودول الغرب الأخرى أن تقبل به، هو أنه، وكأي جزء من أي حل تفاوضي، ستتجه إيران إلى أن يسمح لها بامتلاك القدرة على تخصيب اليوارنيوم، وأن يكون لها برنامج محدود للقيام بذلك. ومع ذلك، فإن التجربة في العراق وكوريا الشمالية، تثبت بأن التفتيش وحده ليس كافيا. فقط إذا كان تدخل المفتشين مرتبطا بالتهديد بفرض عقوبات قاسية، فإن ذلك يمكن أن يكون فعالا.
مع إيران، العقوبات المؤلمة سبق تطبيقها على الأرض، وقد ساعدوا روحاني للوصول إلى السلطة وأقنعوا آية الله خامنئي لتركه، على الأقل، لبلورة صفقة مع الغرب. الخطر يكمن في حالة رفع العقوبات عن إيران، فإنها لن تجد ما يضطرها للالتزام بتعهداتها في الصفقة، لاسيما وأنه من الصعب أن يتم جعل مجلس الأمن يوافق على أن فرض أو إعادة فرض عقوبات على دولة ما خرقت التزاماتها الدولية.
لهذا السبب، سيكون من المفضل الاحتفاظ بالعقوبات على الأرض، وتعليقها في فترات قابلة للتجديد. بهذه الطريقة، في أي وقت يتوقع فيها حصول الغش من طرف إيران، فإن ذلك لن يتطلب أكثر من تصويت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا لإعادة فرض العقوبات من جديد. وفي حالة إذا التزمت إيران بشكل كامل ونفذت التزاماتها، فإن العقوبات يمكن أن ترفع عنها بشكل كامل.
إن الذي يصعب على الأمريكيين ودول الغرب الأخرى أن تقبل به، هو أنه، وكأي جزء من أي حل تفاوضي، إيران ستتجه إلى أن يسمح لها بامتلاك القدرة على تخصيب اليوارنيوم، وأن يكون لها برنامج محدود للقيام بذلك. هذا يعني أن إيران سيكون لها دائما قدرات متبقية لامتلاك أسلحة نووية. ليس هناك سبب جيد لكي تحتاج إيران هذه القدرة، ولكن ذلك صار مصدر فخز واعتزاز وطني للإيرانيين.
فإذا أخذنا بعين الاعتبار كم استثمر الإيرانيون من الأموال في هذا البرنامج، وكم حجم التقدم الذي أحرزوه فيه، وكم تحملوا من أجل ذلك، فإنه ببساطة ليس من المعقول أن توافق على التخلي عنه تماما.
هذا هو الحد الذي ينبغي أن نكون على استعداد لقبوله، قد لا يكون مثاليا، لكن ينبغي أن يكون أكثر من كاف.
إذا تحددت قدرة إيران لتخصيب الأورانيوم، وتم مراقبتها بشكل شامل ومستمر ومفاجئ، وأعطيت لهذا الملف أهمية كبرى، فإن قدرتها على العمل لامتلاك السلاح النووي ستكون محدودة.
سيكون على إيران أن تأخذ على الأقل ستة أشهر يمكن أن تمتد إلى سنة، لتجميع جهاز نووي بدائي إذا قررت ذلك، وسيكون من المحتمل جدا على المفتشين أن يكتشفوا هذه المناورة قبل أن تؤتي ثمارها. وحتى الإسرائيليين يفهمون هذا، فقد أشار رئيس الوزراء السابق، وزير الدفاع يهود باراك بأنه مستعد للموافقة على التخصيب الإيراني الجاري للأورانيوم، بل وحتى امتلاك مخزون صغير من اليورانيوم المنخفض التخصيب كجزء من صفقة مع إيران لتحديد وتفتيش برنامجها النووي.
ثانيــًا: وأخيرًا، لا ينبغي أن نفترض أنه حتى إذا كنا نستطيع بشكل ما أن نحقق صفقة بعيدة المدى مع طهران حول البرنامج النووي، فإن ذلك يعني نهاية كل مشاكلنا مع الجمهورية الإسلامية في إيران. حتى لو حذر روحاني ووزير خارجية بلده المعتدل جافاد زريف من أن العلاقات الأمريكية الإيرانية قد لا تكون أبدا ودية، طهران ستستمر، بدون شك في دعم المتمردين والإرهابيين وآخرين، وستستمر في تهديد حلفاء أمريكا. لهذا السبب، تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية أن تميز بين عقوباتها الموجهة إلى إيران، والعقوبات الدولية المفروضة عليها على مدى السنوات السبع الأخيرة، كجواب عن التحدي بشأن القضية النووية.
ينبغي وقف العقوبات الدولية، في حين ينبغي أن تبقى كقوة ردع يتم اللجوء إليها كلما ثبت تغير سلوك إيران وعدم التزامها بتعهداتها في لصفقة.
ومع ذلك، فإن العقوبات الثانوية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على دول أخرى بسبب رفضها الامتثال للعقوبات الأمريكية على إيران، يمكن أن تسحب، لأن إيران وهذه الدول معا، سيلحون على ذلك، ولأن فشلنا في ذلك، سيخلق لنا نزاعات مع شركائنا التجاريين في أوربا وشرق آسيا.
معالجة المخاوف الإيرانية:
لن نكون لوحدنا المشككين في نجاح هذه الصفقة. العديد من الإيرانيين، لهم شكوك مشابهة، لاسيما التيار المتشدد في النظام، الذي يستمر في رؤية الولايات المتحدة الأمريكية مثل النار المصممة على قلب الجمهورية الإسلامية في إيران.
إلى حد كبير، سيكون على روحاني والإصلاحيين الإيرانيين أن يعالجوا مخاوفهم، لكن ينبغي أن نكون مستعدين للمساعدة. يمكن لروحاني أن يحتاج في نهاية المطاف لأي رفع للعقوبات المتعددة الأطراف.
يمكن أن يحتاج أن تتعهد الولايات المتحدة الأمريكية كما فعلت في كوبا بعد أزمة الصواريخ عام 1962، بألا تقوم بأي غزو أو محاولة للإطاحة بالنظام الإيراني.
يمكن أن يحتاج تعهدا من المجتمع الدولي لمساعدة إيران في تطوير برنامجها النووي في مجالات الطاقة، والذي يمكن القيام به من خلال مفاعلات خفيفة لا تعزز بشكل كبير قدرة إيران على امتلاك السلاح النووي.
يمكن أن يحتاج أيضا دعما اقتصاديا من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. يمكن حتى أن يحاول أن يدفع إيران نحو المشاركة في منظمة التجارة العالمية هذا مع أن ذلك يبدو مستبعدا بحكم تصريحات خامنئي التي تعتبر منظمة التجارة العالمية منظمة تخريبية من شأن متطلباتها تقويض النظام الإسلامي في إيران.
يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون جاهزة وعلى استعداد للموافقة على أي شيء من هذه المطالب.
وأكثر من ذلك، ينبغي علينا أن نكون في كامل الجاهزية لاحتمال تنازلات أعمق من إيران وما ينبغي علينا مقابل ذلك. فعلى سبيل المثال، إذا كان لدى الإيرانيين رغبة لإيقاف دعمهم للإرهاب، وإنهاء رفضهم لمسلسل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ووقف إلحاق الضرر بحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، فإن علينا أن نكون على استعداد لتوسيع المنافع الاقتصادية الإيجابية مع إيران مثل الاعتمادات التجارية، وضمانات الاستثمار، وبرامج المساعدات .
نستطيع أيضا أن نتقدم بعرض قبول إيران كلاعب سياسي في المنطقة، وذلك بضمها وإشراكها في ترتيب الوضع في سوريا مثل محادثات جنيف حول سوريا.
وأخيرا، إذا كانت إيران ترغب في الحد من إقبالها على شراء أسلحتها والتوسع والقيام بالعمليات العسكرية، فيتعين أن نكون منفتحين لإنشاء منتدى أمني إقليمي يستطيع صياغة تدابير، وربما بناء اتفاقات مراقبة التسلح في يوم من الأيام، والتي من شأنها مساعدة إيران على معالجة انشغالاتها الأمنية المشروعة وتبديد المخاوف لجيرانها أيضا.
كل هذا يبدو بعيدا. هذا مؤكد ولا شك فيه. لكن روحاني اتخذ خطوة جريئة إلى الأمام، ويبدو أنه يريد أن يأخذ أكثر من ذلك. ولا ينبغي لنا أن نتجاهل مخاوفنا، تماما كما أنه لا يستطيع أن يتجاهل المخاوف التي تنبع من سياقه المحلي..
لكن ينبغي أن نكون على استعداد للتعامل مع كل ذلك، وتحمل بعض المخاطر من جانبنا، ومساعدته لإقناع الآخرين في طهران بنفس الشيء. وهذا يمكن أن يمثل لنا أفضل فرصة لمعالجة واحد من أكبر المشاكل التي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. قد لا تكون لدنيا فرصة مثل هذه، وإذا لم نستطع استثمارها اليوم، سنكون مضطرين للاختيار بين خيارين سيئين: التعايش مع إيران النووية، أو الدخول في حرب أخرى في الشرق الأوسط لمنع ذلك.
الأولى: من جهة كاتبها كينيل بولاك الخبير في الشؤون العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، والمتخصص في العراق وإيران والمملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج الفارسي، الباحث في مركز صابان لسياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينز الأمريكي .
والثانية: من جهة الموضوع المرتبط بتحليل عميق للإشكالات التي تعترض العلاقات الأمريكية الإيرانية، وبشكل خاص البرنامج النووي الإيراني، إذ يسلط الضوء على كافة القضايا الشائكة في هذا الملف .
وأما الجهة الثالثة: فكونه يطرح الخيارات التفاوضية للطرفين حول هذا الموضوع، ويكشف إمكانية عقد صفقة تاريخية بين أمريكا وإيران، مركزا على الخيارات التي تمتلكها إيران لتقديم تنازلات في هذا الموضوع، والأجوبة التي يمكن لأمريكا أن تواجه بها هذه التنازلات، بالإضافة إلى استشراف المآلات الممكنة في هذا الصدد.
وقد فضلنا أن نقرب هذه المقالة الاستراتيجية إلى القارئ العربي حتى يطلع على جانب من جوانب العقلية والمنهجية الأمريكية في التعاطي مع الإشكالات التي تطرحها منطقة الشرق الأوسط، وبشكل خاص البراغماتية السياسية المنفتحة على كل الخيارات والتي تحتفظ بالاحتياطات الكاملة التي تضمن المصالح الاستراتيجية الأمريكية، كما تضع القارئ أمام طريقة الأمريكيين في فهم إيران والتعاطي مع سياستها الخارجي.
-------------------------------
نـص الترجمــة
حين تحدث الرئيس الجديد للجمهورية الإسلامية في إيران حسن روحاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، أمسك العالم أنفاسه.
نعم، ينبغي أن نمسك أنفاسنا. فعلى الرغم من أن هناك شكوكا متفهمة من قبل جهات متعددة، فإن الحقيقة المتاحة تشير إلى أن روحاني هو الصفقة الحقيقية: إصلاحي حقيقي يريد أن يحدث تغييرا داخل إيران وخارجها. بشكل خاص، لقد أراد بشكل واضح إنهاء العقوبات الدولية، وأعرب عن رغبته في التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني.
يبدو أن الخطوط العريضة للصفقة حول البرنامج النووي سيتم بلورتها بشكل سريع.
إيران ستوقف تخصيب اليورانيوم فوق 5 في المائة، وستقبل قيودا حول المستويات الدنيا من اليورانيوم المخصب الذي يمكن أن يكون في البلاد، وكذا سقف العدد (وليس النوعية) من أجهزة الطرد المركزي التي يمكن أن تحتفظ بها، ونبذ عزل اليورانيوم، والموافقة على نظام التفتيش، وفي المقابل، يتعهد المجتمع الدولي برفع معظم، إن لم يكن كل، العقوبات المالية والتجارية المفروضة على إيران.
مثل هذه الصفقة ستكون هبة من السماء بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وحلفائنا الآخرين في المنطقة وخارجها. وإذا كنا نستطيع أن نظفر بهذه الصفقة، فلا يجوز لنا التفريط فيها.
بيد أن الحيرة الحالية تتطلب منا أن نكون في كامل الجاهزية واليقظة. لقد سبق لنا أن شهدنا لحظات من هذا القبيل مع إيران وفي أماكن أخرى في الشرق الأوسط، لكن تبين في نهاية المطاف أنها كانت مخيبة للآمال.
لعقدين من الزمان تقريبا، اعتقد خبراء في الشرق الأوسط أن الخطوط العريضة للسلام بين إسرائيل وفلسطين كانت معروفة جيدا.
وخلال التسعينيات، بدا أنه لا مفر من أن مثل هذه الصفقة ستبرم وأن النزاع في نهاية المطاف سينتهي. لكن شيئا من ذلك لم يحدث.
نحن لا زلنا نعتقد بأننا نعرف ماذا تعني هذه الصفقة، والغالبية تظن بأنه من البديهي أن يقبل الإسرائيليون والفلسطينيون بها، لكنهم لم يفعلوا، وقلة قليلة تعتقد أنهم يمكن أن يفعلوا ذلك قريبا.
نحن اليوم في حاجة إلى منع الفخاخ التي سقط فيها المسلسل الطويل للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين من أن تسقط في مثلها صفقة النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وهذه هي الطريقة:
أولا: معاجلة المخاوف الأمريكية:
في أوساط الأمريكيين هناك ثلاث مخاوف أساسية حول هذه الصفقة:
الأول: أن تغالط إيران العالم، وتغش في الصفقة، وتفاجئ بعد ذلك العالم بترسانة نووية، تماما كما فعلت كوريا الشمالية.
الثـاني: وهو في حالة إذا لم تغش إيران في الصفقة، فإن هذه الصفقة يمكن أن تترك طهران تمتلك قدرات عسكرية نووية كامنة يمكن أن تستعملها يوما ما.
أما الثالث: فهو يرتبط بالسلوك السياسي الإيراني خارج موضوع البرنامج النووي، وبشكل خاص دعمها للإرهاب وجهودها من أجل المس بالاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والذي يمكن أن يتسبب في معارضة البعض للصفقة حتى تتم معالجة هذا الملف.
وحتى نقلل من مخاطر احتمال غش إيران في الصفقة، فإن الاتفاق حول النووي يحتاج أن يتضمن ميزتين هامتين - كما تعلمنا من تجربتنا القاسية مع العراق وكوريا الشمالية- واللتين نعتقد أنهما تمثلان مفتاح تجريد دولة رفضت أن تكون مجردة من السلاح النووي.
أولا: إن الصفقة تحتاج أن تضم أحكاما لتدخل شامل ومفاجئ ومستمر لفرق التفتيش كما حدث في العراق، بحيث أن مفتشي الأمم المتحدة يحتاجون أن يكونوا قادرين للذهاب للتفتيش إلى أي مكان وفي أي وقت وبدون تأخير. هذا الترخيص كان غائبا عن كوريا الشمالية قبل 2006، وعن العراق قبل 1991، وعن إيران اليوم، بحيث سمح غيابه لهذه الدول الثلاثة بأن تبني وتشغل منشآت سرية لبعض الوقت. وعلاوة على ذلك، فإن البروتوكول الإضافي من معاهدة حظر الانتشار النووي قد صمم فقط لأخذ هذا الخطر بعين الاعتبار. نحتاج لنتذكر أن فرق التفتيش في العراق لم تشتغل في نهاية المطاف، رغم أنها أخذت خمس سنوات من الزمن لإقناع صدام حسين للتخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل.
وأكثر من ذلك، فإن التجربة في العراق برهنت على أن التفتيش ينبغي أن يكون شاملا بدون عوائق، وليس بالضرورة مثاليا. قبل سنة 2003، كنا نعتقد أن المفتشين يستطيعون أن ينجحوا فقط إذا عثروا على ذرة أو عنوان من برامج صدام لأسلحة الدمار الشامل، مفترضين أنه سيستمر في إحراز تقدم مع أي شيء تبقى له من هذا البرنامج. الذي استفدناه من دراساتنا بعد غزو العراق، أن المفتشين عملوا ليس لأنهم عثروا على أي علامة تثبت وجود برامج لأسلحة الدمار الشامل، ولكن لأنهم وجدوا بأنه هناك أكثر من سبب للإبقاء على العقوبات في مكانها. ولأن العراق لا تستطيع أن تتحمل العقوبات، أنهى صدام كل برامج أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك التي لم يستطع فرق التفتيش العثور عليها.
إن الذي يصعب على الأمريكيين ودول الغرب الأخرى أن تقبل به، هو أنه، وكأي جزء من أي حل تفاوضي، ستتجه إيران إلى أن يسمح لها بامتلاك القدرة على تخصيب اليوارنيوم، وأن يكون لها برنامج محدود للقيام بذلك. ومع ذلك، فإن التجربة في العراق وكوريا الشمالية، تثبت بأن التفتيش وحده ليس كافيا. فقط إذا كان تدخل المفتشين مرتبطا بالتهديد بفرض عقوبات قاسية، فإن ذلك يمكن أن يكون فعالا.
مع إيران، العقوبات المؤلمة سبق تطبيقها على الأرض، وقد ساعدوا روحاني للوصول إلى السلطة وأقنعوا آية الله خامنئي لتركه، على الأقل، لبلورة صفقة مع الغرب. الخطر يكمن في حالة رفع العقوبات عن إيران، فإنها لن تجد ما يضطرها للالتزام بتعهداتها في الصفقة، لاسيما وأنه من الصعب أن يتم جعل مجلس الأمن يوافق على أن فرض أو إعادة فرض عقوبات على دولة ما خرقت التزاماتها الدولية.
لهذا السبب، سيكون من المفضل الاحتفاظ بالعقوبات على الأرض، وتعليقها في فترات قابلة للتجديد. بهذه الطريقة، في أي وقت يتوقع فيها حصول الغش من طرف إيران، فإن ذلك لن يتطلب أكثر من تصويت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا لإعادة فرض العقوبات من جديد. وفي حالة إذا التزمت إيران بشكل كامل ونفذت التزاماتها، فإن العقوبات يمكن أن ترفع عنها بشكل كامل.
إن الذي يصعب على الأمريكيين ودول الغرب الأخرى أن تقبل به، هو أنه، وكأي جزء من أي حل تفاوضي، إيران ستتجه إلى أن يسمح لها بامتلاك القدرة على تخصيب اليوارنيوم، وأن يكون لها برنامج محدود للقيام بذلك. هذا يعني أن إيران سيكون لها دائما قدرات متبقية لامتلاك أسلحة نووية. ليس هناك سبب جيد لكي تحتاج إيران هذه القدرة، ولكن ذلك صار مصدر فخز واعتزاز وطني للإيرانيين.
فإذا أخذنا بعين الاعتبار كم استثمر الإيرانيون من الأموال في هذا البرنامج، وكم حجم التقدم الذي أحرزوه فيه، وكم تحملوا من أجل ذلك، فإنه ببساطة ليس من المعقول أن توافق على التخلي عنه تماما.
هذا هو الحد الذي ينبغي أن نكون على استعداد لقبوله، قد لا يكون مثاليا، لكن ينبغي أن يكون أكثر من كاف.
إذا تحددت قدرة إيران لتخصيب الأورانيوم، وتم مراقبتها بشكل شامل ومستمر ومفاجئ، وأعطيت لهذا الملف أهمية كبرى، فإن قدرتها على العمل لامتلاك السلاح النووي ستكون محدودة.
سيكون على إيران أن تأخذ على الأقل ستة أشهر يمكن أن تمتد إلى سنة، لتجميع جهاز نووي بدائي إذا قررت ذلك، وسيكون من المحتمل جدا على المفتشين أن يكتشفوا هذه المناورة قبل أن تؤتي ثمارها. وحتى الإسرائيليين يفهمون هذا، فقد أشار رئيس الوزراء السابق، وزير الدفاع يهود باراك بأنه مستعد للموافقة على التخصيب الإيراني الجاري للأورانيوم، بل وحتى امتلاك مخزون صغير من اليورانيوم المنخفض التخصيب كجزء من صفقة مع إيران لتحديد وتفتيش برنامجها النووي.
ثانيــًا: وأخيرًا، لا ينبغي أن نفترض أنه حتى إذا كنا نستطيع بشكل ما أن نحقق صفقة بعيدة المدى مع طهران حول البرنامج النووي، فإن ذلك يعني نهاية كل مشاكلنا مع الجمهورية الإسلامية في إيران. حتى لو حذر روحاني ووزير خارجية بلده المعتدل جافاد زريف من أن العلاقات الأمريكية الإيرانية قد لا تكون أبدا ودية، طهران ستستمر، بدون شك في دعم المتمردين والإرهابيين وآخرين، وستستمر في تهديد حلفاء أمريكا. لهذا السبب، تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية أن تميز بين عقوباتها الموجهة إلى إيران، والعقوبات الدولية المفروضة عليها على مدى السنوات السبع الأخيرة، كجواب عن التحدي بشأن القضية النووية.
ينبغي وقف العقوبات الدولية، في حين ينبغي أن تبقى كقوة ردع يتم اللجوء إليها كلما ثبت تغير سلوك إيران وعدم التزامها بتعهداتها في لصفقة.
ومع ذلك، فإن العقوبات الثانوية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على دول أخرى بسبب رفضها الامتثال للعقوبات الأمريكية على إيران، يمكن أن تسحب، لأن إيران وهذه الدول معا، سيلحون على ذلك، ولأن فشلنا في ذلك، سيخلق لنا نزاعات مع شركائنا التجاريين في أوربا وشرق آسيا.
معالجة المخاوف الإيرانية:
لن نكون لوحدنا المشككين في نجاح هذه الصفقة. العديد من الإيرانيين، لهم شكوك مشابهة، لاسيما التيار المتشدد في النظام، الذي يستمر في رؤية الولايات المتحدة الأمريكية مثل النار المصممة على قلب الجمهورية الإسلامية في إيران.
إلى حد كبير، سيكون على روحاني والإصلاحيين الإيرانيين أن يعالجوا مخاوفهم، لكن ينبغي أن نكون مستعدين للمساعدة. يمكن لروحاني أن يحتاج في نهاية المطاف لأي رفع للعقوبات المتعددة الأطراف.
يمكن أن يحتاج أن تتعهد الولايات المتحدة الأمريكية كما فعلت في كوبا بعد أزمة الصواريخ عام 1962، بألا تقوم بأي غزو أو محاولة للإطاحة بالنظام الإيراني.
يمكن أن يحتاج تعهدا من المجتمع الدولي لمساعدة إيران في تطوير برنامجها النووي في مجالات الطاقة، والذي يمكن القيام به من خلال مفاعلات خفيفة لا تعزز بشكل كبير قدرة إيران على امتلاك السلاح النووي.
يمكن أن يحتاج أيضا دعما اقتصاديا من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. يمكن حتى أن يحاول أن يدفع إيران نحو المشاركة في منظمة التجارة العالمية هذا مع أن ذلك يبدو مستبعدا بحكم تصريحات خامنئي التي تعتبر منظمة التجارة العالمية منظمة تخريبية من شأن متطلباتها تقويض النظام الإسلامي في إيران.
يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون جاهزة وعلى استعداد للموافقة على أي شيء من هذه المطالب.
وأكثر من ذلك، ينبغي علينا أن نكون في كامل الجاهزية لاحتمال تنازلات أعمق من إيران وما ينبغي علينا مقابل ذلك. فعلى سبيل المثال، إذا كان لدى الإيرانيين رغبة لإيقاف دعمهم للإرهاب، وإنهاء رفضهم لمسلسل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ووقف إلحاق الضرر بحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، فإن علينا أن نكون على استعداد لتوسيع المنافع الاقتصادية الإيجابية مع إيران مثل الاعتمادات التجارية، وضمانات الاستثمار، وبرامج المساعدات .
نستطيع أيضا أن نتقدم بعرض قبول إيران كلاعب سياسي في المنطقة، وذلك بضمها وإشراكها في ترتيب الوضع في سوريا مثل محادثات جنيف حول سوريا.
وأخيرا، إذا كانت إيران ترغب في الحد من إقبالها على شراء أسلحتها والتوسع والقيام بالعمليات العسكرية، فيتعين أن نكون منفتحين لإنشاء منتدى أمني إقليمي يستطيع صياغة تدابير، وربما بناء اتفاقات مراقبة التسلح في يوم من الأيام، والتي من شأنها مساعدة إيران على معالجة انشغالاتها الأمنية المشروعة وتبديد المخاوف لجيرانها أيضا.
كل هذا يبدو بعيدا. هذا مؤكد ولا شك فيه. لكن روحاني اتخذ خطوة جريئة إلى الأمام، ويبدو أنه يريد أن يأخذ أكثر من ذلك. ولا ينبغي لنا أن نتجاهل مخاوفنا، تماما كما أنه لا يستطيع أن يتجاهل المخاوف التي تنبع من سياقه المحلي..
لكن ينبغي أن نكون على استعداد للتعامل مع كل ذلك، وتحمل بعض المخاطر من جانبنا، ومساعدته لإقناع الآخرين في طهران بنفس الشيء. وهذا يمكن أن يمثل لنا أفضل فرصة لمعالجة واحد من أكبر المشاكل التي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. قد لا تكون لدنيا فرصة مثل هذه، وإذا لم نستطع استثمارها اليوم، سنكون مضطرين للاختيار بين خيارين سيئين: التعايش مع إيران النووية، أو الدخول في حرب أخرى في الشرق الأوسط لمنع ذلك.