صفحة 1 من 1

تطور الاحزاب السياسيه في الولايات المتحده

مرسل: الأحد ديسمبر 08, 2013 11:59 pm
بواسطة ممدوح تيسير النفيعي
ان تطور الاحزاب السياسية فى الولايات المتحدة الامريكية كان مرتبطا ارتباطا وثيقا باتساع حق الاقتراع عندما أُلغيت مؤهلات الملكية باعتبارها مؤهلات للتصويت خلال اوائل القرن التاسع عشر. ومع اتساع جمهور الناخبين على نطاق واسع تطلب الامر وسيلة لتعبئة جموع الناخبين واصبحت الاحزاب السياسية ذات صفة مؤسساتية لانجاز هذه المهمة الاساسية ،


وهكذا برزت الاحزاب فى اميركا كجزء من هذا التوسع للديمقراطية، ومع حلول ثلاثينات القرن التاسع عشر كانت هذه الاحزاب قد اصبحت جزءاً راسخاً بصورة ثابتة من الحياة السياسية.

وينتشر الحزبان الجمهورى والديمقراطى حالياً فى جميع اجزاء العملية السياسية. ويعتبر حوالى ثلثى الامريكيين تقريبا انفسهم اما جمهوريين او ديمقراطيين ، كما يصل تاثير انتشار النفوذ الحزبى الى الحزب الحاكم ، فالحزبان الرئيسيان يسيطران حالياً على رئاسة الجمهورية ، والكونجرس ، ومناصب حكام الولايات ، والمجالس التشريعية التابعة للولايات. وقد كان كل رئيس جمهورية منذ العام 1856حتى الآن اما جمهورياً او ديمقراطياً. وفى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية بلغ معدل حصة الحزبين الرئيسيين من اصوات الامريكيين المشاركين فى انتخاب رئيس الجمهورية8 ,94 %.


وفى اعقاب انتخابات العام 2002المحلية ولاختيار اعضاء الكونجرس كان هناك سناتور مستقل واحد بين المئة سناتور الذين يشكلون مجلس الشيوخ، ونائبان مستقلان فقط من بين الاربعمائة وخمسة وثلاثين نائباً فى مجلس النواب الامريكى . اما على صعيد الولايات فقد كان جميع الحكام الخمسين اما جمهوريين او ديمقراطيين ، ولم يُنتخب سوى واحد وعشرين عضواً فى مجالس الولايات التشريعية من بين الاكثر من 7300 مشرع ممن لم يكونوا منتمين الى الحزبين الجمهورى والديمقراطى . والحزبان الرئيسيان هما اللذان ينظمان الحكومة ويهيمنان عليها على الصعيد القومى وصعيد الولايات ايضا.
وعلى الرغم من ان الاحزاب الاميريكية تميل الى ان تكون اقل تماسكا من الناحية الايديولوجية ( العقائدية) واقل ميلا الى وضع البرامج من مثيلاتها فى كثير من الدول الديمقراطية ، الا انها تلعب بالفعل دوراً رئيسياً فى صياغة السياسة العامة.

لماذا تاخذ الولايات المتحدة الامريكية بنظام حزبين سياسيين ؟
تبرز المنافسة الانتخابية بين الحزبين باعتبارها واحدة من ابرز الظواهر واكثرها ديمومة فى النظام السياسى الاميركى فقد سيطر الجمهوريون والديمقراطيون على السياسات الانتخابية منذ الستينات من القرن التاسع عشر. ان الترتيب الاميركى المتبع لانتخاب المشرعين على المستوى القومى ومستوى الولايات هو نظام " العضو الواحد " للدائرة الانتخابية وما يعنيه هذا هو ان من يحصل من المرشحين على اغلبية الاصوات ( اى اكبر عدد من الاصوات فى اى دائرة انتخابية ) يفوز فى الانتخابات . وخلافا لانظمة الحصص التناسبية فان نظام" العضو الواحد " للدائرة يتيح لحزب واحد فقط ان يفوز فى اى دائرة محددة ، وهكذا فان نظام " العضو الواحد " يخلق حوافز لتشكيل حزبين كبيرين بقاعدة عريضة لكل منهما قادرين على الفوز باغلبية فى الدوائر الانتخابية ، والحكم على الاحزاب الصغيرة والثالثة بهزيمة دائمة تقريبا ، دون ان تتوفر لها امكانية البقاء ما لم تضم قواها الى حزب رئيسى ، ولكن ضم القوى الى حزب رئيسى ليس خياراً متاحاً لمعظم الاحزاب الثانوية لان جميع الولايات باستثناء عدد ضئيل منها ، تحظر ما يعرف باللوائح الانتخابية المشتركة التى يتنافس فيها المرشح كمرشح عن اكثر من حزب واحد .

وهناك مسألة اخرى تتعلق بطبيعة المؤسسات وتشكل حافزاً آخر يدفع باتجاه نظام الحزبين وهى ما ينص عليه نظام الهيئة الانتخابية الخاصة باختيار رؤساء الجمهورية فبموجب هذا النظام لا يُدلى الاميركيون عملياً باصواتهم لصالح لائحة من المرشحين للرئاسة ، بل هم يقترعون فى كل ولاية بدل ذلك لانتخاب لائحة من الناخبين الذين تعتبر اصواتهم مضمونة لمرشح او آخر. ويتطلب انتخاب رئيس الجمهورية اكثرية مطلقة من مجموع الاصوات الانتخابية ال538 للولايات الاميركية الخمسين. ويجعل هذا الشرط من الصعب جداً على اى حزب ثالث الوصول الى رئاسة الجمهورية لان الاصوات الانتخابية لكل من الولايات توزع على اساس ترتيب يكسب فيه الفائز جميع اصوات الولاية فى الهيئة الانتخابية وهذا يعنى ان اى مرشح يحصل على اغلبية الاصوات فى الانتخابات الشعبية فى تلك الولاية حتى ولو كانت اغلبية ضئيلة ، يفوز بجميع اصوات تلك الولاية فى الهيئة الانتخابية وتعمل الهيئة الانتخابية بذلك ، مثلها فى ذلك مثل نظام العضو الواحد للدائرة الواحدة لغير صالح الاحزاب الثالثة التى تكاد لا تتمتع باى فرصة للفوز بالاصوات المخصصة لاى ولاية فى الدائرة الانتخابية.

وبسيطرة الجمهوريين والديمقراطيين على الجهاز الحكومى فليس مستغربا ان يكون هذان الحزبان قد وضعا قوانين انتخابية اخرى تعمل لصالحهما . ان مجرد وضع اسم حزب جديد على اللوائح الانتخابية فى الولايات يمكن ان يكون عملية صعبة ومكلفة ، وعلاوة على ذلك فان قانون الحملة الانتخابية الفيدرالى يمنح فوائد خاصة للاحزاب الرئيسية بما فى ذلك تمويل حكومى للحملات الرئاسية على مستوى اعلى بكثير مما هو متوفر للاحزاب الثانوية .

كما ان عملية اختيار المرشحين المميزة فى اميركا تشكل حاجزاً بنيوياً اضافياً امام الاحزاب الثالثة . وتتميز الولايات المتحدة عن جميع الدول الديمقراطية الاخرى فى العالم فى اعتمادها على الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحين حزبيين لمناصب فى الولايات وفى الكونجرس ، وفى استخدام الانتخابات التمهيدية للرئاسة على مستوى الولاية فى عملية اختيار مرشحى الرئاسة. وبناء على هذا النوع من نظام الترشيح يقوم المقترعون العاديون من بين ابناء الشعب الذين يدلون باصواتهم فى انتخابات الرئاسة التمهيدية باختيار المرشحين للرئاسة.
وتسيطر فى معظم الدول المنظمات الحزبية وزعماء الاحزاب فى عملية اختيار مرشح الحزب ، اما فى الولايات المتحدة الاميركية فان الناخبين هم الذين يتخذون القرار النهائى بشان من سيرشح فى نهاية الامر من الجمهوريين والديمقراطيين .
ورغم ان هذا النظام يساعد على ايجاد احزاب اضعف تنظيماً داخلياً عما هو عليه حال الاحزاب فى معظم الديمقراطيات الاخرى ، فان عملية المشاركة هذه فى تسمية المرشحين قد ساهمت ايضا فى سيطرة الجمهوريين والديمقراطيين على السياسات الانتخابية الامريكية طيلة حوالى مائة وخمسين عاما ويمكن للمتمردين العالملين ضد قرارات احزابهم السياسية كسب الوصول الى القوائم الانتخابية العامة ، وبالتالى تعزير فرصهم فى تحقيق فوز فى الانتخابات العامة من دون تنظيم احزاب ثالثة عن طريق الفوز بترشيح حزبهم لهم من خلال الرئيسيين مما يجعل عادة انهماك المنشقين بعملية تشكيل حزب ثالث التى هى عملية صعبة امرا غير ضرورى ويؤدى نظام الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشحين للرئاسة ، بالطبع ايضا الى جعل النفاذ الى الحزبين الرئيسيين سهل جدا والى اختراق حركات اجتماعية " سنوية ذات اراء متطرفة " او نوع مرشحين " خارجيين " لهم احيانا.

الدعم العريض والمواقف الوسطية :
الاحزاب الامريكية متعددة الطبقات وذات قاعدة عريضة لناحية حصولها على الدعم الانتخابى . وباستثناء الناخبين الافارقة الامريكيين الذين صوّت 90% منهم للمرشح الديمقراطى فى انتخابات العام 2000 ، فان كلا من الحزبين الجمهورى والديمقراطى يستمد فعلياً مستويات عالية من التأييد من كل فئة اجتماعية اقتصادية رئيسة فى المجتمع . وعلى الرغم من انه يُعتقد بشكل عام ان افراد اسر اعضاء نقابات العمال على سبيل المثال هم من الديمقراطيين الا ان باستطاعة الجمهوريين ان يتوقعوا فى معظم الانتخابات ان يحصلوا على ثلث اصوت نقابات العمال على الاقل ، وقد حصل الحزب فى العام 1984 على 46% من تلك الاصوات. كما صوّت 37% من أسر اعضاء النقابات لصالح الحزب الجمهورى فى العام 2000 وبالمثل فانه فى الوقت الذى يهبط فيه الدعم للديمقراطيين عادة لدي ارتفاع مستويات الدخل فى شرائح المجتمع الامريكى ، فان باستطاعة مرشحى الرئاسة الديمقراطيين ان يتوقعوا فى العادة دعما جوهرياً من ناخبين من الطبقة فوق المتوسطة وعلى سبيل المثال فقد حصل مرشحى الحزب الديمقراطى للرئاسة فى عام 2000 " آل غور" على 43% من اصوات الناخبين الذين يبلغ دخلهم العائلى السنوى اكثر من مائة الف دولار .
وتُبدى الاحزاب السياسية الامريكية مستويات منخفضة نسبياً فيما يتعلق بالوحدة الداخلية ، كما انها تفتقر الى الالتزام الصارم بايديولوجية او مجموعة من الاهداف السياسية . وبدلا من ذلك فهى تركز اهتمامها الاساسى فى المقام الاول تقليديا على الفوز بالانتخابات والتحكم فى موظفى الحكومة ونظراً لقواعد الاحزاب الامريكية الاجتماعية – الاقتصادية العريضة من الناخبين وحاجتها الى العمل ضمن مجتمع وسطى بصورة اساسية من الناحية الايديولوجية ، فقد تبنت مواقف سياسية وسطية بصورة اساسية . واظهرت هذه الاحزاب ايضا مستوى عاليا من المرونة اسياسية وهذا المسلك غير المتقيد بالنظريات المجردة يمكن الجمهوريين والديمقراطيين من اجازة وجود تنوع كبير فى داخل صفوفهم ، كما وانه ساهم ايضا فى مقدرتهم على استيعاب الاحزاب الثالثة وحركات الاحتجاج لدى حدوثها.

احزاب لا مركزية:
من الصعب المغالاة فى تقدير مدى تميز الاحزاب الامريكية بهياكل قوة لامركزية ، ففى نطاق الحزب الذى يتولى الحكم لا يستطيع رؤساء الجمهورية ان يفترضوا ان اعضاء حزبهم فى الكونغرس سيكونون مؤيدين موالين لاعضاء حزبهم وفى نطاق تنظيم الحزب تعمل لجان الحملات الانتخابية من الجمهوريين والديمقراطيين فى مجلسى النواب والشيوخ ( المؤلفة من المشرعين الموجودين فى المجلسين ) بصورة مستقلة عن لجان الحزب القومية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية – اللجنة القومية الجمهورية واللجنة القومية الديمقراطية وعلاوة على ذلك فان المنظمات الحزبية القومية نادراً ما تتدخل فى شئون الحزب على صعيد الولايات باستثناء ممارسة قدر قليل من السلطة بالنسبة للاجراءات المتعلقة باختيار مندوبين الى مؤتمر الترشيح القومى.
ويعكس هذا المستوى من التشرذم التنظيمى جزئيا النتائج المترتبة على نظام الفصل الدستورى بين السلطات ، تقسيم السلطة بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع اختيار كل سلطة منها من خلال اجراءات مختلفة وتحديد فترات مختلفة لاعضاء كل منها فى مناصبهم ، وتتمتع كل منها بالاستقلالية عن السلطتين الاخريين .
ويوجد هذا النظام من سلطات الحكومة الموزعة بين اجزائها حوافز محدودة فقط لتوحيد صفوف المشرعين من حزب معين مع رئيس الجمهورية من نفس حزبهم . وينطبق هذا بشكل عام سواء تعلق الامر بعلاقة اعضاء الكونغرس برئيس من نفس حزبهم او بعلاقة مشابهة بين مشرعين فى ولاية وحاكم تلك الولاية .
كما ان مبدأ النظام الفيدرالى الذى نص عليه الدستور، والذى استحدث نظاماً متعدد الطبقات من حكومة فيدرالية وحكومات ولايات وحكومات محلية فى الولايات المتحدة يزيد من لامركزية الاحزاب عن طريق ايجاد آلاف الدوائر الانتخابية المنفصلة ، ايضا على المستويين الفيدرالى والمحلى ومستوى الولايات ولكل منها موظفوها المنتخبون . وكما اشرنا سابقا فان استخدام الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشحين يُضعف هو ايضا التنظيمات الحزبية بحرمانها من القدرة على السيطرة على اختيار مرشحى الحزب . ولذلك يشجع المرشحون الافراد على اقامة منظماتهم الشخصية الخاصة بحملاتهم وتعزيز جمهور ناخبيهم للفوز اولا بالانتخابات التمهيدية ومن ثم بالانتخابات العامة.

الاحزاب الثالثة والمرشحون المستقلون فى النظام الامريكى:
لقد ظل مرشحو الاحزاب الثالثة والمرشحون المستقلون ظاهرة تتكرر فى فترات منتظمة فى البيئة السياسية الامريكية ، وغالبا ما كانوا يدفعون بمشاكل اجتماعية فشلت الاحزاب الرئيسية فى مجابهتها الى مقدمة الخطاب السياسى العام ، والى جدول اعمال الحكومة ولكن معظم الاحزاب الثالثة كانت تنتعش فى انتخابات واحدة ثم تختفى او تتلاشى تدريجيا او يتم استيعابها من قبل احد الحزبين الرئيسيين.
وقد اظهرت استطلاعات الراى العام على الدوام منذ التسعينيات من القرن العشرين مستوى عاليا من الدعم العام لفكرة حزب ثالث ، وفى الفترة المؤدية الى انتخابات العام 2000 وجد استطلاع للراى العام اجراه معهد غالوب ان سبعة وستين بالمئة من الامريكيين يحبون ظهور حزب ثالث قوى يكون له مرشحون للرئاسة والكونغرس ولمناصب فى الولايات ينافسون مرشحى الحزبين الجمهورى والديمقراطى .
وعلى الرغم من ظواهر الدعم المحتملة للاحزاب الثالثة الا ان هناك حواجز ضخمة تقف حجر عثرة فى طريق فوز حزب ثالث بمنصب رئاسة الجمهورية او حتى الفوز بعدد كبير من مقاعد مجلسى الشيوخ والنواب ، واهم هذه الحواجز الخوف فى صفوف الناخبين من انهم اذا ما صوتوا لمرشح حزب ثالث فسيكونون فى الحقيقة قد هدروا اصواتهم . وقد ثبت ان الناخبين ينخرطون فى عملية تصويت استراتيجية باعطاء اصواتهم للشخص الثانى المفضل لديهم عندما يشعرون ان مرشح الحزب الثالث لا يتمتع باى فرصة للفوز.