- الاثنين ديسمبر 09, 2013 9:43 am
#69169
كان مطلع خمسينات القرن التاسع عشر يعتبر فترة عصيبة بالنسبة للقومية الرومانية, فقد أدى إخفاق ثورات 1848 إلى تجديد التدخل الروسي والعثماني في الشؤون الداخلية لكل من ولاشيا ومولدافيا. وبدا واضحاً أنه لم تقع أحداث دولية معينة تردع هاتين القوتين (روسيا والدولة العثمانية) سيكون تحقيق القومية الرومانية وتوحيد الإمارتين تحت حكم أمير أجنبي أمراً محتملاً. وفي هذا الخصوص وفرت حرب القرم فرصة ما لتحقيق هدف القوميين الرومانيين. إذ أن معاهدة باريس (1856) التي أنهت الحرب ضمنت أنه لا يمكن لروسيا منفردة تقرير شؤون الإمارتين, وأنه لا يمكن إعادة فرض السيطرة العثمانية مرة أخرى. ولنتذكر في هذا الشأن أن المعاهدة استبدلت بالحماية اروسية ضمان القومية الكبرى. ومن ناحية أخرى كان من شأن المنافسة بين تلك القوى وعدم الثقة المتبادل بينها ما يحول دون فرض نفوذ حقيقي من أي قوة دولية على الإمارتين. كما كان حييد البحر الأسود وتخلي روسيا عن ثلاثة مناطق جنوبي بساربيا لمولدافيا كان خطوة في صالح هدف الإمارتين.
يضاف إلى هذا أن معاهدة باريس أعطت نابليون الثالث إمبراطور فرنسا الفرصة لمساندة الوضع القومي في الإمارتين. ففي نهاية حرب القرم إحتلت القوات النمساوية والعثمانية أراضي الإمارتين. ومن ثم واجهت القوى الدولية مشكلة الإتفاق على ماهية النظام السياسي الذي يمكن أن يحل محل الحماية اروسية والهيئات التشريعية القائمة هناك. وكان واضحاً أن تلك القوى في مناقشتها لهذا الأمر كانت تراعي مصالحها في المنطقة, كان نابليون الثالث الذي ظهر ىنذاك بمظهر راعي الحركات القومية الأوروبية يؤيد توحيد الإمارتين توحيداً تاماً تحت حكم أحد أمراء أوروبا من خارج الإمارتين. وقد أيده في هذا أميراً بروسيا وبيدمونت وكان كل منهما يعيش حالة من الجيشان القومي, وكذا روسيا التي كانت قد ارتبطت بفرنسا فيما عرف ببداية فترة قصيرة من التعاون في الشؤون لدولية. غير أن الدولة العثمانية وقفت ضد هذه القوى جميعاً إذ كانت ترى في إتحاد الإمارتين إنتهاكاً للحقوق التي نصبت عليها معاهدة باريس (1856), وخطوة من شأنها أن تؤدي إلى إستقلالهما لا محالة. وقد وقفت النمسا إلى جانب الدولة العثمانية في هذا الأمر لأنها كاهنت تخشى أساساً من ضياع ترانسلفانيا منها في قابل الأيام حيث كان بنامج القوميين الرومانيين يضع في أولوياته ضم ترانسلفانيا لدولتهم الجديدة, وأما بريطانيا فكانت تعارض توحيد الإمارتين في البداية بدعوى المحافظة على وحدة الإمبراطورية العثمانية من أجل التوازن الدولي.
ولما عجزت القوى الدولية عن التوصل إلى تفاهم ما في إجتماعهم بباريس حول المسألة إتفقت على القيام بمحاولة لإستطلاع رغبات الرومانيين أنفسهم (أهالي الإمارتين), وتحقيقاً لذلك قررت تلك القوى إجراء إنتخابات لما يعرف بالديوان في كل إمارة (إي المجلس) للتعرف على إراء الناس في النظام الذي قد يمنح للبلاد. وعلى هذا وفي يوليو 1857 أجريت أول إنتخابات لكنها كانت مزورة حيث حصلت الدوائر المحافظة التي كانت ترغب في عدم توحيد الإمارتين على أغلبية ملحوظة في مولدافيا تحت الضغوط التي مارستها الحكوةمة العثمانية وجماعات أخرى ضد التوحيد. ولقد أدت هذه النتيجة إلى نشوء أزمة بين فرنسا الت يكانت ترغب في إعادة الإنتخابات وبين بريطانيا التي كانت لا تزال مهتمة أساساً بالمحافظة على وحدة الإمبراطورية العثمانية. وأخيراً وفي إطار من المساومة وافقت فرنسا على ألا تمارس أي ضغط من أجل توحيد الإمارتين, ووافقت بريطانيا على إجراء إنتخابات جديدة وهي الإنتخابات التي أجريت في سبتمبر 1857 وإنتهت بإختيار مرشحين وحدويين لعضوية الديوان في كل من الإمارتين سرعان ما إقتراعوا في أكتوبر على وحدة الإمارتين تحت حكم أمير غير روماني. ولكن ولأن القوى الدولية لم تكن تقبل هذا الحل فقد أقدمت الحكومة العثمانية على حل مجلس الإمارتين أي الديوانين المنتخبين, وأصبح الأمر في يد القوى الدولية من جديد.
على كل حال . . ففي مايو 1858 إجتمع ممثلو الدول العظمى في باريس لمناقشة المسألة الرومانية, وكانت فرنسا عند موقفها الأول المؤيد للوحدة على حين وقفت ضدها كل نم النمسا والدولة العثمانية. ثم تم التوصل إلى نوع من المساواة تمت صياغتها في ميثاق بتاريخ 19 أغسطس 1858 حل محل الهيئات التشريعية الأساسية القائمة ونص على تنظيم سياسي جديد للإمارتين بإسم "إتحاد إمارتي مولدافيا وولاشيا" مع بقائهما تحت السايدة العثمانية وبضمان القوى الدولية. كما نص الميثاق على إيجاد مؤسسات متوازية في الإمارتين ولكن كل منهما منفصل عن الآخر فيكون لكل إمارة "خوسبدار" ورئيس في فوكشاني Focsani ومحكمة إستئناف واحدة. وإستمر العمل بنظام إنتخاب الخوسبدار بواسطة جمعيات خاصة ويوافق عليه السلطان, على ا، تتوزع السلطة التشريعية بين الجمعية التشريعية في كل إمارة والهيئة المركزية في فوكشاني. وتقرر إنتخاب أعضاء الجمعيتين كل سبع سنوات, ويكون الوزراء في كل إمارة مسئولون أمام الجمعية, ويكون من صلاحية كل جمعية ضبط الموازنة المالية والضرائب. ولأن الإنتخابات تمت على أسس محددة غاية في التقييد فإن الأعضاء الذين فازوا كان يعني إستمرار سيطرة البويار (أي كبار الملاك) على أمور الدولة العثمانية.
ولقد تضمن الميثاق الجديد عدة تعديلات على نظام الأراضي حيث نصت المادة 46 منه على "إلغاء كل المميزات والإستثناءات والإحتكارات التي تتمتع بها طبقات معينة, وتعديل القانون الذي ينظم علاقات أمراء الإقطاع بالفلاحين فوراً من ا<ل تحسين أحوال الفلاح". كما نصت المادة نفسها على "أن كل المواطنين متساوون في الخضوع للضرائب وفي العمل في الوظائف العامة في كل من الإمارتين, وأن حرياتهم الفردية مضمونة ومصونة".
ورغم أن ميثاق 19 أغسطس كان علامة متقدمة على طريق الوحدة, إلا أنه فيما يبدو لم يحقق رغبات القوميين والعناصر السياسية الأكثر نشاطاً في كل من الإمارتين. ومع ذلك فقد رحبت تلك العناصر بإنشاء الهيئة المركيزة في فوكشاني لإصدار تشريعات للإمارتين بعد عرض كل تشريع على الجمعية المختصة في كل إمارة, وكذا موافقة القوى العظمى بشأن مسألة الوحدة الرومانية فإن نصوص ميثاق 19 أغسطس تصبح أفضل شيئ كان يمكن التوصل إليه في مثل تلك الحالة.
وبتوثيق الميثاق بدأت الإمارتين تستعدان للإنتخابات لإختيار الخوسبدار الجديد لكل منهما. وقد جرت الإنتخابات كما كان الحال في المرات السابقة وسط فوضى وإتهامات متبادلة بين المرشحين, وكل إمارة كانت تحت مسئولية قائمقام بثلاثة أشرطة. والحقيقة أن وظائف كل من هذه الهيئات لم تكن واضحة, وكان أعضاؤها منقسمون بين أولئك الذين يرغبون في إقامة الوحدة وبين المحافظين الذين يرفضونها. وفي الأسبوع الأخير من ديسمبر أجريت في مولدايفا أول إنتخابات ورغم أن العناصر الوحدوية التي نجحت في الإنتخابات لم تهيمن على الجمعية التشريعية إلا أنهم نجحوا بلا شك في ضمان إنتخاب ألكسندر كوزا Cuza في 17 يناير 1859 (خوسبدار). وفي ولاشيا جرت الإنتخابات في مطلع فبراير ولم يفز الوحدويون لكن المحافظين إنشطروا بين المرشحين المتنافسين. وفي أثناء إجتماعات الجمعية التشريعية في بوخارست كانت المظاهرات الحماسية للوحدة تطوف بالشوارع مؤيدة للوحدويين داخل الجمعية. ورغم أن الأعضاء كانوا منقسمين على أنفسهم إلا أنهم إختاروا في النهاية كوزا وكان إنتخابه يعد نصراً للقيادات الليبرالية وخطوة كبيرة تجاه تحقيق برنامج ال 48 وبهذا إرتبطت الإمارتين برباط شخصي تمثل في شخصية كوزا.
وكانت النتائج التي أسفرت عنها الإنتخابات تعد تحطيماً لميثاق 19 أغسطس نصاً وروحاً, فإن القوى العظمى بدأت تتشاور من جديد حول ما يمكن عمله. وكما هو متوقع فقد وقفت فرنسا بجانب الوحدة الرومانية, وأيدتها في هذا روسيا التي كانت ترغب في المحافظة على الوفاق مع فرنسا الذي تأسس بعد حرب القرم. وظلت النمسا والدولة العثمانية تعارضان الوحدة, بينما ترغب بريطانين كعادتها في التوصل إلى مساومة. والحقيقة أن المشكلة الرئيسية التي كانت تواجه أولئك الذين يتطلعون لتنفيذ الميثاق بحذافيره هي كيف يفرض على الإمارتين إجراء إنتخابات جديدة في الوقت الذي لم تكن هناك دولة من الدول العظمى ترغب في السماح للسلطان العثماني بإرسال قوات لفرض القرارات التي تم التوصل إليها فيما سبق.
على كل حال . . لقد أدى إندلاع الحرب بين فرنسا والنمسا على الأراضي الإيطالية في أبريل 1859 إلى تقديم مساعدة قوية للقضية الرومانية من حيث لا يحتسب الرومانيون أنفسهم, فقد أدت الحرب إلى إبعاد النمسا تماماً من المفاوضات الدبلوماسية بشأن الإماريتن, ذلك أ، هزيمتها في الحرب جعلها عن فرض أرائها في المسألة الرومانية. وأخيراً وفي سبتمبر 1859 وافقت القوى العظمى على الإعتراف كحالة إستثنائية بالإختيار المزدوج من الإمارتين لألكسندر كوزا, مع التأكيد على المبدأ الفصل بين الإمارتين والموافقة فقط على تلك الوحدة الشخصية مدى حياة الكسندر كوزا.
غير أن الأمير الكسندر كوزا كما بدا للوهلة الأولى لم يكن هو الشخص المناسب ليقوم بالدور الذي استدعى من اجله لإجراء إصلاح حقيقي في الإمارتين لأكثر من سبب, فقد إرتبط إسمه قديماً بالليبراليين, وإنضم لثورة 1848 في مولدافيا وعلى أثرها نفي خارج البلاد لفترة قصيرة, ثم عاد في 1849 وخدم في الإدارة تحت حكم كل من غيكا Ghica ونيقولا فوجوريديس Vogorides. وعلى هذا كان إنتخابه ف ي ياصي Jassy مفاجأة كاملة للجميع لأكثر من عامل, فهو لم يكن يسعى للمنصب, ولم يكن بالرجل الذي له تأثيره على الغير, ولم يكن وراءه حزب أو جماعة تسانده, ويعاني من قصور ملحوظ في الكفاءة. ولكن يبدو أن أنصاره من الليبراليين رأوا فيه أفضل بديل سيء يحكم البلاد بدلاً من أن يتولى أمير أجنبي الحكم. وكان على كوزا في نهاية الأمر وبكل ما عرف غنه من خصائص أن يتعامل مع الموقف الداخلي الصعب, والمنافسة المستمرة بين السياسيين الطموحين, والضغوط القائمة من القوى الخارجية.
يضاف إلى هذا أن معاهدة باريس أعطت نابليون الثالث إمبراطور فرنسا الفرصة لمساندة الوضع القومي في الإمارتين. ففي نهاية حرب القرم إحتلت القوات النمساوية والعثمانية أراضي الإمارتين. ومن ثم واجهت القوى الدولية مشكلة الإتفاق على ماهية النظام السياسي الذي يمكن أن يحل محل الحماية اروسية والهيئات التشريعية القائمة هناك. وكان واضحاً أن تلك القوى في مناقشتها لهذا الأمر كانت تراعي مصالحها في المنطقة, كان نابليون الثالث الذي ظهر ىنذاك بمظهر راعي الحركات القومية الأوروبية يؤيد توحيد الإمارتين توحيداً تاماً تحت حكم أحد أمراء أوروبا من خارج الإمارتين. وقد أيده في هذا أميراً بروسيا وبيدمونت وكان كل منهما يعيش حالة من الجيشان القومي, وكذا روسيا التي كانت قد ارتبطت بفرنسا فيما عرف ببداية فترة قصيرة من التعاون في الشؤون لدولية. غير أن الدولة العثمانية وقفت ضد هذه القوى جميعاً إذ كانت ترى في إتحاد الإمارتين إنتهاكاً للحقوق التي نصبت عليها معاهدة باريس (1856), وخطوة من شأنها أن تؤدي إلى إستقلالهما لا محالة. وقد وقفت النمسا إلى جانب الدولة العثمانية في هذا الأمر لأنها كاهنت تخشى أساساً من ضياع ترانسلفانيا منها في قابل الأيام حيث كان بنامج القوميين الرومانيين يضع في أولوياته ضم ترانسلفانيا لدولتهم الجديدة, وأما بريطانيا فكانت تعارض توحيد الإمارتين في البداية بدعوى المحافظة على وحدة الإمبراطورية العثمانية من أجل التوازن الدولي.
ولما عجزت القوى الدولية عن التوصل إلى تفاهم ما في إجتماعهم بباريس حول المسألة إتفقت على القيام بمحاولة لإستطلاع رغبات الرومانيين أنفسهم (أهالي الإمارتين), وتحقيقاً لذلك قررت تلك القوى إجراء إنتخابات لما يعرف بالديوان في كل إمارة (إي المجلس) للتعرف على إراء الناس في النظام الذي قد يمنح للبلاد. وعلى هذا وفي يوليو 1857 أجريت أول إنتخابات لكنها كانت مزورة حيث حصلت الدوائر المحافظة التي كانت ترغب في عدم توحيد الإمارتين على أغلبية ملحوظة في مولدافيا تحت الضغوط التي مارستها الحكوةمة العثمانية وجماعات أخرى ضد التوحيد. ولقد أدت هذه النتيجة إلى نشوء أزمة بين فرنسا الت يكانت ترغب في إعادة الإنتخابات وبين بريطانيا التي كانت لا تزال مهتمة أساساً بالمحافظة على وحدة الإمبراطورية العثمانية. وأخيراً وفي إطار من المساومة وافقت فرنسا على ألا تمارس أي ضغط من أجل توحيد الإمارتين, ووافقت بريطانيا على إجراء إنتخابات جديدة وهي الإنتخابات التي أجريت في سبتمبر 1857 وإنتهت بإختيار مرشحين وحدويين لعضوية الديوان في كل من الإمارتين سرعان ما إقتراعوا في أكتوبر على وحدة الإمارتين تحت حكم أمير غير روماني. ولكن ولأن القوى الدولية لم تكن تقبل هذا الحل فقد أقدمت الحكومة العثمانية على حل مجلس الإمارتين أي الديوانين المنتخبين, وأصبح الأمر في يد القوى الدولية من جديد.
على كل حال . . ففي مايو 1858 إجتمع ممثلو الدول العظمى في باريس لمناقشة المسألة الرومانية, وكانت فرنسا عند موقفها الأول المؤيد للوحدة على حين وقفت ضدها كل نم النمسا والدولة العثمانية. ثم تم التوصل إلى نوع من المساواة تمت صياغتها في ميثاق بتاريخ 19 أغسطس 1858 حل محل الهيئات التشريعية الأساسية القائمة ونص على تنظيم سياسي جديد للإمارتين بإسم "إتحاد إمارتي مولدافيا وولاشيا" مع بقائهما تحت السايدة العثمانية وبضمان القوى الدولية. كما نص الميثاق على إيجاد مؤسسات متوازية في الإمارتين ولكن كل منهما منفصل عن الآخر فيكون لكل إمارة "خوسبدار" ورئيس في فوكشاني Focsani ومحكمة إستئناف واحدة. وإستمر العمل بنظام إنتخاب الخوسبدار بواسطة جمعيات خاصة ويوافق عليه السلطان, على ا، تتوزع السلطة التشريعية بين الجمعية التشريعية في كل إمارة والهيئة المركزية في فوكشاني. وتقرر إنتخاب أعضاء الجمعيتين كل سبع سنوات, ويكون الوزراء في كل إمارة مسئولون أمام الجمعية, ويكون من صلاحية كل جمعية ضبط الموازنة المالية والضرائب. ولأن الإنتخابات تمت على أسس محددة غاية في التقييد فإن الأعضاء الذين فازوا كان يعني إستمرار سيطرة البويار (أي كبار الملاك) على أمور الدولة العثمانية.
ولقد تضمن الميثاق الجديد عدة تعديلات على نظام الأراضي حيث نصت المادة 46 منه على "إلغاء كل المميزات والإستثناءات والإحتكارات التي تتمتع بها طبقات معينة, وتعديل القانون الذي ينظم علاقات أمراء الإقطاع بالفلاحين فوراً من ا<ل تحسين أحوال الفلاح". كما نصت المادة نفسها على "أن كل المواطنين متساوون في الخضوع للضرائب وفي العمل في الوظائف العامة في كل من الإمارتين, وأن حرياتهم الفردية مضمونة ومصونة".
ورغم أن ميثاق 19 أغسطس كان علامة متقدمة على طريق الوحدة, إلا أنه فيما يبدو لم يحقق رغبات القوميين والعناصر السياسية الأكثر نشاطاً في كل من الإمارتين. ومع ذلك فقد رحبت تلك العناصر بإنشاء الهيئة المركيزة في فوكشاني لإصدار تشريعات للإمارتين بعد عرض كل تشريع على الجمعية المختصة في كل إمارة, وكذا موافقة القوى العظمى بشأن مسألة الوحدة الرومانية فإن نصوص ميثاق 19 أغسطس تصبح أفضل شيئ كان يمكن التوصل إليه في مثل تلك الحالة.
وبتوثيق الميثاق بدأت الإمارتين تستعدان للإنتخابات لإختيار الخوسبدار الجديد لكل منهما. وقد جرت الإنتخابات كما كان الحال في المرات السابقة وسط فوضى وإتهامات متبادلة بين المرشحين, وكل إمارة كانت تحت مسئولية قائمقام بثلاثة أشرطة. والحقيقة أن وظائف كل من هذه الهيئات لم تكن واضحة, وكان أعضاؤها منقسمون بين أولئك الذين يرغبون في إقامة الوحدة وبين المحافظين الذين يرفضونها. وفي الأسبوع الأخير من ديسمبر أجريت في مولدايفا أول إنتخابات ورغم أن العناصر الوحدوية التي نجحت في الإنتخابات لم تهيمن على الجمعية التشريعية إلا أنهم نجحوا بلا شك في ضمان إنتخاب ألكسندر كوزا Cuza في 17 يناير 1859 (خوسبدار). وفي ولاشيا جرت الإنتخابات في مطلع فبراير ولم يفز الوحدويون لكن المحافظين إنشطروا بين المرشحين المتنافسين. وفي أثناء إجتماعات الجمعية التشريعية في بوخارست كانت المظاهرات الحماسية للوحدة تطوف بالشوارع مؤيدة للوحدويين داخل الجمعية. ورغم أن الأعضاء كانوا منقسمين على أنفسهم إلا أنهم إختاروا في النهاية كوزا وكان إنتخابه يعد نصراً للقيادات الليبرالية وخطوة كبيرة تجاه تحقيق برنامج ال 48 وبهذا إرتبطت الإمارتين برباط شخصي تمثل في شخصية كوزا.
وكانت النتائج التي أسفرت عنها الإنتخابات تعد تحطيماً لميثاق 19 أغسطس نصاً وروحاً, فإن القوى العظمى بدأت تتشاور من جديد حول ما يمكن عمله. وكما هو متوقع فقد وقفت فرنسا بجانب الوحدة الرومانية, وأيدتها في هذا روسيا التي كانت ترغب في المحافظة على الوفاق مع فرنسا الذي تأسس بعد حرب القرم. وظلت النمسا والدولة العثمانية تعارضان الوحدة, بينما ترغب بريطانين كعادتها في التوصل إلى مساومة. والحقيقة أن المشكلة الرئيسية التي كانت تواجه أولئك الذين يتطلعون لتنفيذ الميثاق بحذافيره هي كيف يفرض على الإمارتين إجراء إنتخابات جديدة في الوقت الذي لم تكن هناك دولة من الدول العظمى ترغب في السماح للسلطان العثماني بإرسال قوات لفرض القرارات التي تم التوصل إليها فيما سبق.
على كل حال . . لقد أدى إندلاع الحرب بين فرنسا والنمسا على الأراضي الإيطالية في أبريل 1859 إلى تقديم مساعدة قوية للقضية الرومانية من حيث لا يحتسب الرومانيون أنفسهم, فقد أدت الحرب إلى إبعاد النمسا تماماً من المفاوضات الدبلوماسية بشأن الإماريتن, ذلك أ، هزيمتها في الحرب جعلها عن فرض أرائها في المسألة الرومانية. وأخيراً وفي سبتمبر 1859 وافقت القوى العظمى على الإعتراف كحالة إستثنائية بالإختيار المزدوج من الإمارتين لألكسندر كوزا, مع التأكيد على المبدأ الفصل بين الإمارتين والموافقة فقط على تلك الوحدة الشخصية مدى حياة الكسندر كوزا.
غير أن الأمير الكسندر كوزا كما بدا للوهلة الأولى لم يكن هو الشخص المناسب ليقوم بالدور الذي استدعى من اجله لإجراء إصلاح حقيقي في الإمارتين لأكثر من سبب, فقد إرتبط إسمه قديماً بالليبراليين, وإنضم لثورة 1848 في مولدافيا وعلى أثرها نفي خارج البلاد لفترة قصيرة, ثم عاد في 1849 وخدم في الإدارة تحت حكم كل من غيكا Ghica ونيقولا فوجوريديس Vogorides. وعلى هذا كان إنتخابه ف ي ياصي Jassy مفاجأة كاملة للجميع لأكثر من عامل, فهو لم يكن يسعى للمنصب, ولم يكن بالرجل الذي له تأثيره على الغير, ولم يكن وراءه حزب أو جماعة تسانده, ويعاني من قصور ملحوظ في الكفاءة. ولكن يبدو أن أنصاره من الليبراليين رأوا فيه أفضل بديل سيء يحكم البلاد بدلاً من أن يتولى أمير أجنبي الحكم. وكان على كوزا في نهاية الأمر وبكل ما عرف غنه من خصائص أن يتعامل مع الموقف الداخلي الصعب, والمنافسة المستمرة بين السياسيين الطموحين, والضغوط القائمة من القوى الخارجية.