الجيش الامريكي بين قتال الافغان والتواصل معهم
مرسل: الاثنين ديسمبر 09, 2013 6:33 pm
حضر اهالي قرية مرجه في افغانستان مراسم جنازة في نفس الوقت الذي كانت فيه قوات المارينز تخوض معركة مع مقاتلي حركة طالبان. تزداد تكلفة الحرب في افغانستان، مع كل تعقيداتها السياسية والثقافية، الا ان هناك امر واحد واضح للعيان: التنقل بين القتال والتواصل قد يؤدي الى مشاهد تدور لها الاذهان. بعض هذه المشاهد تبرز الصعوبات التي تواجه سياسة مقارعة الارهاب التي تخلط بين العنف غير المتكافيء ومحاولة التصرف بلطف. غير انها تظهر في نفس الوقت ان الجهود المبذولة لاتباع هذه السياسة في المناطق البعيدة عن كابول، في المناطق النائية، قد اضحت جزءا مركزيا في كيفية ادارة الحرب، حتى وان كانت فضائل تلك السياسة محط نقاش هاديء.احد الامثلة على هذا حدث في منتصف شهر شباط، حينما انعزلت سرية كيلو، التابعة الى اللواء الثالث من الفرقة السادسة مارينز، بمفردها في منطقة زراعية شمالي مرجه، وهي منطقة تضم عدة قرى صغيرة موزعة بين الحقول الزراعية. وكان القتال على الطريقة القديمة بين سرية كيلو والمسلحين المحليين ومقاتلي طالبان قد استنزف وقتا طويلا من كل اليوم على مدى ايام عدة. ولجأ كلا الجانبين الى المواجهة بالبنادق والاسلحة الآلية عبر حقول المزارعين. كما استعملت قوات المارينز قنابل الهاون من عيار 60 ملم وطلبت مساعدة الطائرات السمتية الهجومية، وفي بعض الاحيان استعملت الهجمات الصاروخية، لدفع المسلحين الى الوراء والاستمرار في تنفيذ المهمات المدرجة على لائحتهم: الاستيلاء على جسر في بازار، واختيار موقع لاقامة معسكر كبير للشرطة الافغانية، وتطهير الشوارع من الالغام، وغيرها. وكان كل يوم –في الاساس– عبارة عن قتال بالاسلحة الخفيفة تتخلله انفجارات كبيرة ناتجة عن الاسلحة الثقيلة المساندة.هبط الكولونيل براين كريستماس، آمر اللواء، قبل شروق الشمس في احد الايام، بالطائرة السمتية في مجمع عسكري صغير اتخذته سرية كيلو مقرا لها. واراد ان يزور احد الرجال المسنين الافغان والذي كان قد تعرض لخسارة كبيرة قبل بضعة ايام: فقد كانت عائلته داخل بناية قـُصفت بالخطأ بصاروخ ارض ارض. قتل في هذا الحادث اثنا عشر مدنيا، خمسة منهم اطفال، كما فقد رجل واحد، يعتقد انه دفن تحت الانقاض.ارسلت دورية راجلة بصحبة الكولونيل لزيارة البيت المهدّم عند الفجر. وهذا يعني ان عليهم المرور من خلال العديد من المناطق المفتوحة التي يراقبها القناصين وحملة الاسلحة النارية الآلية من المتمردين، والذين اطلقوا النار في كل يوم على دوريات جنود المارينز، واجبروها على خوض معارك حامية الوطيس وهي تهرع طلبا لملاذ يحميها من تلك الهجمات. لكن دورية الكولونيل سارت هذا الصباح لمسافة حوالي كيلومترين بدون ان تتعرض لاطلاق النار. لقد بدا ان هناك شيء ما مختلف. ثم توقعت الدورية انها ستتعرض الى فخ عند عودتها، لكنها اكملت مسيرها في طريق العودة بعد سويعات بدون ان يطلق النار عليها احد. لكن ما ان دخل قائد السرية الى آخر مجموعة من الابنية المجاورة الى مقر السرية تعرضت مؤخرة الدورية الى نيران البنادق من مسافة بعيدة في الحقول. لكن كان ذلك مجرد جهد بلا فائدة، حيث اصطف جنود المارينز باتجاه مصدر النيران وقيّموا الموقف، ثم قرروا عدم الرد على تلك الاطلاقات وانسلوا في طريقهم الى القرية حاملين خططهم لهذا اليوم.ثم حدث شيء خلاف المعتاد. فقد تجمع عدد كبير من الرجال الافغان حول قبر حُفر حديثا. لمح الرجال قوات المارينز باعين غائمة، ما اثار التساؤلات لدى الكولونيل كريستماس. وسرعان ما دُعي الى منزل، حيث تحدث الى العائلة لفترة وجيزة ليستشعر ما كان يحدث في المقبرة. لم تتطابق القصص التي سمعها في البداية مع بعضها البعض. قال اهالي القرية ان المراسم كانت لدفن طفل، كان قد اصيب عند تواجده في منطقة حدث فيها تبادل لاطلاق النار في اليوم السابق. لم تكن تلك القصة مقنعة. لقد كانت الحفرة بطول سبعة اقدام وبعرض يزيد على عرض رجل بالغ، فلماذا تـُحفر مثل تلك الحفرة ليدفن فيها طفل؟ وبينما كانت بقية افراد المارينز واقفين في الخلف كان هناك جنود افغان يخالطون الاهالي. تطورت القصة اكثر. حسنا، ربما كانت الضحية في الواقع شخصا بالغا. وربما كان قد اصيب بطلق ناري في القتال. ثم اتخذت قصة الاهالي شكلها النهائي. نعم، لقد اصيب رجل في القتال الكثيف في اليوم السابق، لكنه لم يكن متمردا. لقد كان مجرد متفرج. وحينما سُئل القرويون عن تفاصيل مثل اين كان واقفا، وفي أي وقت حدث ذلك، ثار جنون الاهالي. تعجب جنود المارينز، هل كانوا يحضرون جنازة احد عناصر طالبان؟ وهل كانت تلك الجنازة هي السبب في عدم تعرضهم الى فخ خلال هذا النهار، لان الكثير من الرجال الذين طالما نصبوا لهم الفخاخ على مدى اسبوع كانوا حاضرين هذا المأتم، مستقطعين وقتا لممارسة طقوس الدفن؟غير ان الكولونيل اختار ان يستغل مراسم الجنازة على انها فرصة، متبعا احد اعراف سياسة مقارعة الارهاب. كان هناك عدد قليل من الرجال الافغان الذين يرغبون في التعامل مع قوات المارينز في الايام الاولى. بدا ان القرية كانت مهجورة. اقترب من المقبرة، فدُعي الى الجلوس، ومن ثم خاطب الرجال. قال: "اشاطركم الحزن لفقدان احد ابنائكم. هذه خسائر بلا ضرورة في وقت الحرب." ثم اضاف: "السبيل الوحيد لكي ننجح يكمن في يعمل كل من الجيش الوطني الافغاني وقوات المارينز وانتم مع بعض."طلب الكولونيل كريستماس من اهالي القرية ان يعزلوا عناصر طالبان عن مجتمعهم، وقال انه ما ان ينقشع القتال حتى تبدأ التنمية. فقد تم تخصيص الملايين من الدولارات لانشاء المشاريع وتوفير فرص العمل. ومع تحسن الوضع الامني سوف يرتفع المستوى المعيشي المحلي. وبدون ان يوجه الاتهام الى أي من الشباب قبالته بانهم مقاتلون، المح الى انه على من كان يقاتل قواته ان يلقي بالسلاح ويمضوا في طريقهم الى الحياة الجديدة.وقال: "قولوا للشباب الافغان الذين غررت بهم حركة طالبان للتحدث بلغة السلاح ان يضعوه جانبا وان يعودوا الى ديارهم. سوف لن يحدث شيء لهم." قاطعه احد الرجال الافغان المسنين قائلا: "ليس بمقدورنا ان نقاتل طالبان. ليس لدينا شيء، هذه مهمتكم." كما اشتكى الرجل من قيام المارينز بتفتيش المنازل، وقال: "هذا العمل يحط من قدرنا." قال الكولونيل ان تفتيش المنازل كان جزءا من عمليات التمشيط في عموم منطقة مرجه، لكن تم ايقافها. وفي موضوع عمليات التمشيط الاولية، كان لدى الرجل المسن طلبا: فقد مات رجل من اهالي القرية واعتقل رجل اخر، واسمه عبد الغني، من قبل قوات المارينز ولم يره احد من ايام عدة. فما الذي سيتم فعله في هذا الشأن؟كانت قوات المارينز قد وجدت عبد الغني في منزل على مقربة من المقبرة في اليوم الاول من الهجوم. احتوى المنزل على عدد من المواد التي يعتبرها المارينز مكونات لصناعة القنابل: اكوام من قدور الطبخ الجديدة، قابلوات كهربائية، واكوام من السماد الكيمياوي. اقتيد عبد الغني خارج المنزل، وعلى الرغم من عدم معرفة اهالي القرية بما كان يحصل، تم احتجازه في المقر المؤقت القريب منهم. التفت الكولونيل نحو الكابتن جوشوا بيغرز، وهو آمر سرية كيلو، والذي كان على مقربة منه، وبعد تبادل حديث قصير، واجه الكولونيل الجمع الصغير، وقال: "سوف ارى ما يمكنني فعله. امهلوني ساعتين او ثلاثة." ثم ابتعد الكابتن بيغرز قليلا وتحدث عبر جهاز الراديو قائلا: "انا اجيز اطلاق سراح الشخص المعتقل."اذا كانت سياسة مقارعة الارهاب قائمة على اساس قوية، وان كان لها فرصة في النجاح في افغانستان، وهما العاملين اللذين مازالا محط نقاش بين قادة الجيش، فان السعي لاستمالة المشاعر بين المدنيين الافغان ربما سوف يكون اكثر اهمية على المدى الطويل من الفعالية النسبية للمهارات المادية لدى كل من الفريقين. وكانت سلسلة من الحاميات الحديثة التشكيل قد نظرت بتمعن في تجهيزات حركة طالبان، وتكتياتها ومهارات الرمي عند افرادها، بضمنها شروعهم في استعمال القناصين في محافظة هلماند. من الواضح ان المهارات القتالية والوسائل القتالية امران لهما تأثير في نتائج الجهود الاميركية والافغانية في مواجهة حركة طالبان. غير ان الكفاح الاكثر هدوءا والاقل اثارة، من طرق عدة، لاحداث التغيير في الرأي العام، لهو امر يعسر على القياس، كما ان ادوات القياس (مثل عدد الناخبين المسجلين، عدد الرجال المشاركين في المجالس المحلية، الخ) تبدو منفصلة عن الطريقة التي يصنع فيها اهالي القرى الافغان قرارتهم ويسيرون فيها شؤونهم.ان قرار اطلاق سراح المعتقل عبد الغني انما هو نوع من القرارات التي يصعب تقييمها واستخلاص العبر منها. كم من القرارات المماثلة سوف يؤثر على مجريات الحرب؟ لا احد يمكنه ان يجيب بثقة. لكن عدد كبير من الضباط في ارض المعركة يرون ان هناك امكانية للحصول على مكاسب تفوق المخاطر الناجمة عنه.بعد دقائق قليلة، اقترب الكابتن بيغرز من الكولونيل وتكلم معه بصوت خفيض. حرك الكولونيل رأسه بالموافقة، وقال محدثا الجمع: "سوف آتيكم بعبد الغني في غضون عشرة دقائق، واسلمكم اياه. اريد ان اريكم اني اثق بكم، وان عليكم ان تثقوا بي."وما هي الا هنيهة حتى برز اثنان من عناصر المارينز من خلف زاوية البناية، وكان عبد الغني بينهما، يمشي وئيدا غير واثق مما سيحل به. تطلع الى المنظر امام عينيه، جمع من الرجال المحليين جالسين في مأتم برفقة دورية من المارينز. طلب الكولونيل كريستماس الاذن من الرجال المسنين ثم اقترب من الرجل الذي يوشك ان يطلق سراحه. قال الكولونيل: "اهتم لامر عائلتك وساعد الجيش الافغاني وقوات المارينز." قام مترجم بنقل عبارات الكولونيل الى اللغة البشتونية. هز عبد الغني رأسه بالموافقة. قال الكولونيل: "ليكن الله معك. وليساعدك في اتخاذ قرارات صائبة." مشى عبد الغني ببطء بعيدا عن قوات المارينز باتجاه حافة المقبرة والقبر الذي تم حفره حديثا، بينما كان رجال القرية يتحركون نحوه. وسرعان ما تداوله الرجال بالتصافح والعناق.هل كان عبد الغني صانع قنابل؟ ام انه كان سيء الحظ وضبط في عملية تمشيط سريعة؟ لم تكن الدلائل يقينية. لم يعلم رجال المارينز على وجه التأكيد. من المؤكد انه كانت هناك قنابل في المنطقة، وانها صنعت باستعمال المكونات التي عثروا عليها في منزله. (بعد ايام قليلة، وبعد ان فتح الطريق الى شمال مرجه، انفجرت قنبلة مخبأة في الطريق على قافلة الكولونيل، كما عثر على قنابل اخرى قبل انفجارها.)لكن ذلك لا يهم. لقد تم اتخاذ القرار. في هذا اليوم، وبعد ايام عديدة من القتال المكثف والهجمات الصاروخية الضالة، فان اطلاق سراح عبد الغني قدم فرصة لبادرة حسن نية فورية. وبموجب الافكار التي تحرك مقترحات مقارعة الارهاب الغربية في هذه اللحظة، ينظر اليه على انه اكثر قيمة ان اطلق سراحه في اثناء مراسم جنازة، وان كان محتملا ان يتحول الى مقاتل لدى طالبان، مما لو كان سوف يرسل الى السجن