- الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 12:01 am
#69456
يعتبر التاريخ الحديث هو تاريخ الطبقة البرجوازية، بقدر ما يعتبر تاريخ العصور الوسطى وهو تاريخ الطبقة الإقطاعية والعصور التاريخية تبدأ بتغير علاقات الإنتاج، ولا تبدأ بأحداث سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فهذه العلاقات تمثل البناء التحتى الذى ينبنى فوقه البناء السياسى، والعسكرى والقانونى والدينى والعلمى، وكل ما يكون الحضارة البشرية ـ فالطبقة البرجوازية هى التى غيرت وجه الحياة فى أوروبا والعالم وصبغها بصبغتها، وننتقل إلى نتائج ظهور هذه الطبقة فى البناء الفوقى المتمثلة فى النهضة الأوروبية التى نشأت على يد الطبقة البرجوازية فى المدن التجارية فى إيطاليا، وما أحدثته من تغيير فى الفكر والفلسفة والعلوم والفنون والاعتقاد ثم حركة الإصلاح الدينى باعتبارها إحدى نتائج ظهور الطبقة البرجوازية، وما قامت به من إعادة النظر فى الحياة الدينية التى كانت خاضعة للكنيسة فى العصور الوسطى بحكم سيطرتها على الدين وقراءة الإنجيل وامتلاكها وسائل الإنتاج، ثم بعد ذلك يتحدث عن ظهور الدول القومية كنتيجة لتحطيم حواجز الإقطاع على يد الطبقة البورجوازية، واتجاه هذه الدول القومية إلى إثبات ذاتها عن طريق التوسع فى أوروبا، الأمر الذى يؤدى بنا إلى ـ الحروب الإيطالية ـ ، وكذلك التوسع خارج أوروبا، وهو ما يؤدى إلى حركة الكشوف الجغرافية، والمرحلة الاستعمارية الأولى وهى الحركة التى قامت على يد الطبقة البرجوازية ولم تقم على يد الطبقة الإقطاعية التى كانت بعيدة بتكفيرها عن التطلع إلى ما وراء البحار ثم يمضى تاريخ العالم الحديث على يد الطبقة البرجوازية فتغير النظام السياسى فى أوروبا الذى كان قائما على أساس نظام الملكية المطلقة فى القرن السابع عشر، إلى نظام الملكية المستبدة فى القرن الثامن عشر الذى كان سائدا فى دول أوروبا فيما عدا فرنسا، فتنشب الثورة الفرنسية بفكر قومى واجتماعى جديد يستهدف القضاء على بقايا الإقطاع، وهدم الطبقة الإقطاعية وإسقاط الحق الإلهى للملوك فى الحكم الذى ساد فى القرنين السابع عشر والثامن عشر، وقيام الدولة القومية ثم يأتى قيام الثورة الفرنسية وتهب الأسر الحاكمة فى أوروبا لمحاربتها، وهنا يعاد تقسيم أوروبا بين النظم الديمقراطية والاستبدادية ـ ثم يتغير تاريخ أوروبا بالحركات القومية والدستورية التى تتصارع مع النظم الاستبدادية التى فرضت سيطرتها من جديد على أوروبا، وتتلقى هذه الحركات دعما من علاقات الإنتاج البرجوازية الجديدة التى ظهرت بعد أن هدمت الثورة الفرنسية علاقات الإنتاج الإقطاعية القديمة يتطلب الصراع على الأسواق فى أواخر القرن التاسع عشر عقد الاتفاقات الاستعمارية من جديد لتقسيم الأسواق، فيتم تقسيم أفريقيا فى مؤتمر برلين سنة 1884 ـ 1885م، وفى الوقت نفسه تقوم التحالفات الأوروبية وفقا لمبدأ توازن القوى، ولكن كل ذلك يفشل فى صنع الحرب، فتنشب الحرب العالمية الأولى سنة 1914 ـ 1918، وعندما تنتهى الحرب العالمية الأولى تكون قد اختفت الإمبراطوريات الأربع التى ظلت تملأ صفحات التاريخ الأوروبى بالحروب وهى، إمبراطورية النمسا والمجر، والإمبراطورية العثمانية، والإمبراطورية الروسية، والألمانية وتتعلم البرجوازية الغربية الدرس، فتعيد تقسيم العالم من جديد على أسس قومية، فتحاول وضع العملاق الألمانى فى قمقم باقتطاع أطرافه وضمها إلى الدول القومية المجاورة، وفى الوقت نفسه ينهار النظام الإقطاعى والرأسمالى فى روسيا بانتهاء الثورة الاشتراكية فى أثناء الحر ب، وهنا يظهر كرد فعل مضاد له، النظامان الفاشى والنازى، فى إيطاليا وألمانيا ويكون ذلك تعبيرا عن ديكتاتورية الطبقة البرجوازية لحماية نفسها من النظام الشيوعى، ويؤدى الصراع الاستعمارى من جديد بين الدول الليبرالية والشيوعية من جهة، والدول الفاشية من جهة أخرى إلى الحرب العالمية الثانية، بعد فشل نظام عصبة الأمم وعجزها عن منع الحرب، وتنتهى الحرب بهزيمة الدول الفاشية والنازية وانتصار الدول الليبرالية والشيوعية وتحاول الدول المنتصرة تقسيم العالم من جديد على أسس القومية، وتقيم على أنقاض عصبة الأمم المتحدة هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولكن التناقض بين النظم الليبرالية والشيوعية يدفع إلى صراع دولى على أساس جديد، وهو الأساس الإيديولوجى، حيث تواجه البرجوازية الغربية أكبر تحد لها على مدى تاريخها من جانب نظام يقوم على طبقة البروليتاريا، وتكاد تتحقق نبوءة ماركس بأن البرجوازية فى نموها تنمو معها بذور فنائها، وهى الطبقة العاملة، ويؤدى هذا الصراع إلى نوع جديد من الحروب لم تشهده البشرية وهى الحرب الباردة نرى، فى هذا الكتاب، أنه كتاب فى (تاريخ أوروبا والعالم الحديث) فهو يضيف (العالم كله) إلى أوروبا ولم يوضح لنا التمييز الذى على أساسه وضع هذا التقسيم وفى الواقع أن الكتاب ركز على استعراض تطور تاريخ أوروبا والعالم الجديد ولم يتناول مناطق العالم الأخرى، إلا باعتبارها متغيرا تابعا للتاريخ الأوروبى كما أن الكاتب رغم التزامه بالتاريخ كما قال فى مقدمة الكتاب، فإنه لم يلتزم به فعليا فى داخل الأجزاء الأخرى، ففى الفصل التاسع عشر تحت عنوان (العالم بعد الحرب العالمية الأولى، نراه يعود إلى قبل هذه الحرب، فهذه الحرب تبدأ وتنتهى ما بين عامى سنة 1914 ـ 1918 ثم نجده يكتب موضوعات مثل شراء لويز يانا سنة 1803 بعد الحرب وينهى الفصل بالنفوذ الأوروبى سنة 1900 وبينما يحدد تاريخه الزمنى من القرن الخامس عشر (حيث ظهور الطبقة البرجوازية الأوروبية، حتى القرن العشرين (الحرب الباردة) فإنه لا يعطى الحروب الباردة إلا فى الفصل الأخير فقط، وهو الفصل السابع والعشرون وهى مساحة زمنية تتقلص كثيرا أمام المساحة الحقيقة والفاعلة لهذه الفترة التى كانت من أهم آثارها سقوط الاتحاد السوفيتى وسقوط حائط برلين ويبقى أن نذكر توفيق الكاتب، حيث بداية التاريخ التى اختارها الكاتب موفقة جدا ففى هذا القرن الخامس عشر وهو ما يسميه ظهور الطبقة البرجوازية الأوروبية، وهذا التوفيق يعود إلى أن هذا القرن الخامس عشر اكتشفت أوروبا رأس الرجاء الصالح، فزاد رأس مالها وتوسعت أسواقها وبدأت تزحف إلى العالم وفى هذا القرن تم اكتشاف أمريكا، ثم انه أيضا فى القرن الخامس عشر ثم خروج العرب من الأندلس 1491 ومن ثم كانت الفرصة سانحة للغرب ليلعب دوره من خلال التجار والطبقة البرجوازية وبالتالى يبدأ نمو الطبقة البرجوازية، فى أوروبا وتنمو أيضا فى أمريكا ولكن بعد ذلك بعدة قرون وفى النهاية يبقى أن الكتاب من أهم الكتب التى تعرضت لتاريخ أوروبا، فهو يقترب فى منهجه من الدكتور عبدالحميد البطريق المؤرخ الكبير، حين يكتب عن التاريخ الأوروبى، وهو جهد يحسب للدكتور عبدالعظيم رمضان