صفحة 1 من 1

كيف تمكن روحاني من إنجاز اتفاق جنيف النووي؟

مرسل: الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 12:16 am
بواسطة تركي الحربي 2080
ثار اتفاق جنيف الذي وقعته إيران ودول 5+1 في الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي ضجة واسعة في المجتمع الدولي، وربما تستمر أصداء ذلك الاتفاق لفترة طويلة تصبح خلالها العلاقات الأمريكية- الإيرانية هي محور اهتمام العديد من الفاعلين الدوليين. فقد عد الاتفاق أحد أهم نجاحات الدبلوماسية الدولية منذ بداية القرن. وقد وُصف الاتفاق في واشنطن بأنه أبرز إنجاز لإدارة الرئيس باراك أوباما في حقل السياسية الخارجية، بينما وُصف من قبل أنصار الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنه أبلغ أثراً من القنبلة النووية ذاتها.

وإذا كانت الشكوك تحوم حول إمكانية تحول ذلك الاتفاق المؤقت إلى اتفاق دائم في الفترة القادمة، وتنبع تلك الشكوك من رفض عدد من الفاعلين الدوليين له، فإن هذا الاتفاق من المتوقع أن يؤثر بشكل كبير فى مسار العلاقات الأمريكية – الإيرانية، وكذلك فى خريطة التحالفات في المنطقة، بالإضافة إلى أنه خلّف نموا مطّردا في تطلعات الشعب الإيراني بشأن تحسين أوضاع المجتمع سياسياً واقتصادياً.

في هذا الإطار، قدّمت سوزان مالوني، الباحثة المتخصصة في السياسة الخارجية بمركز سابان لسياسات الشرق الأوسط، في مقالة تحليلية لها بمجلة "فورين أفيرز" تحت عنوان "كيف ربح روحاني المفاوضات وأنقذ نظامه"، رؤية حول استراتيجية طهران في إدارة التوازنات الداخلية والعلاقات الخارجية، وهو ما مكّنها من إنجاز اتفاق جنيف.

مكاسب إيران من اتفاق جنيف

بدأت سوزان مالوني مقالتها بتناول ردود الأفعال الإيرانية تجاه اتفاق جنيف. فعلى الرغم من أن الاتفاق قد أثار جدلا واسعاً في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن إيران قد استقبلت هذا الاتفاق التاريخي بموافقة عريضة، فخرجت الحشود العريضة المبتهجة لتكون في استقبال الوفد الإيراني المفاوض في المطار لحظة عودته من جنيف، وأصدرت الصحف الإيرانية أعدادا خاصة تحمل عناوين مؤيدة للاتفاق، وكذلك رحّب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، بتوقيع الاتفاق، وأثنى على الدبلوماسيين الإيرانيين الذين أتموه.

وتحلل مالوني بعد ذلك أسباب الاحتفاء الإيراني بالاتفاق على المستويين الحكومي والشعبي، لتؤكد أن التخفيف الهزيل للعقوبات الاقتصادية عن إيران من قبل القوى الغربية، وكذلك فتح المجال أمام الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، ليسا هما الأسباب الحقيقية وراء هذا الاحتفاء الإيراني. فالنظام الإيراني امتلك رؤية أعمق حيال هذا الاتفاق، الذي بفضله استطاع التيار المعتدل أن يبدأ في إعادة التوازن مرة أخرى للنظام الحاكم الذي كان على وشك الانهيار قبل عدة سنوات، مربكين بذلك التوقعات الدولية. فالنظام الإيراني الثيوقراطي الثوري الذي واجه أكثر العقوبات حدة في تاريخه، وتزايدت عزلته الدولية، وعانى اضطرابات داخلية كبيرة، استطاع أن ينجو بنفسه من هذه الأزمات، لكن دون وجود وجهة مستقبلية مؤكدة له.

فالرئيس الإيراني، حسن روحاني، تمكن من الإيفاء بوعده بشأن إنهاء مأزق الملف النووي، في وقت قياسي وهو مائة يوم منذ توليه الرئاسة، وهو ما جعل منصبه وسلطاته في اللحظة الراهنة مُؤمّنة بشكل واضح أكثر من أسلافه. فهو يقود حكومة وحدة وطنية تلقى دعم مؤسسات الدولة السياسية المتناحرة فيما بينها، وكذلك تلقى تأييدا واضحا من المرشد الأعلى للثورة، بالإضافة إلى دعم الرأي العام الإيراني.

ديناميات عمل النظام الإيراني

تستعرض مالوني في هذا الجزء ديناميات عمل النظام الإيراني التي عن طريقها يتمكن من إعادة إنتاج نفسه مع كل أزمة حادة تحيق به. فترى أنه على الرغم من أن المائة يوم الأولى في رئاسة روحاني كانت حافلة بالأحداث، فإن التحول الحقيقي في إيران بدأ منذ عام 2009، عندما وقعت اضطرابات ملحمية، عقب إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد كرئيس لإيران. فقد خلّفت هذه الاضطرابات فجوات عميقة بين النخبة السياسية التي تحكم إيران منذ ثلاثة عقود. فمع اعتقال كبار الشخصيات السياسية في إيران، وتراجع شرعية الانتخابات الرئاسية، أصبحت قاعدة التأييد الشعبي للنظام الإيراني أقل بكثير مما كانت عليه قبل ذلك.

واجه النظام الإيراني عددا كبيرا من العقوبات الاقتصادية من قبل الأمم المتحدة عام 2010، وأعقبتها تدابير عقابية صارمة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، تسببت في تعثر الاقتصاد الإيراني، وقد ظهر حينها أحمدي نجاد ككبش الفداء الأنسب للنظام، فقد تخلى المرشد الأعلى عن تأييده له، وهو ما جعل دائرة المعارضة لنجاد تتسع. وبذلك، يكون نجاد قد أمضى سنوات حكمه الأخيرة في صراع مع مختلف المؤسسات السياسية في الدولة، فضلاً عن تلك الأزمات الاقتصادية التي سببها نظام العقوبات كالتضخم، وانهيار العملة.

وعندما اعتقد البعض أن الصراعات الداخلية قد تُسطّر نهاية التجربة الثورية الإيرانية، استطاع النظام إثبات قدرته على تجديد نفسه، وتمكن الحرس القديم من تولي عجلة القيادة، تماماً كما فعل النظام في نهاية حربه مع العراق عام 1988، عندما رأى أن إنقاذه لن يكون إلا على يد التيار المعتدل، فتولى على أكبر هاشمي رفسنجانى رئاسة البلاد، وبدأ في إعادة بناء الاقتصاد الإيراني، وإحياء العلاقات الخارجية الإيرانية المتوترة مع دول المنطقة. وهذه المرة، اعتقد النظام أن روحاني يمكن الوثوق به لقيادة عملية إعادة تأهيل النظام الإيراني مرة أخرى.

وقد توصلت مالوني إلى استنتاج مفاده أن فوز روحاني في الانتخابات الرئاسية في يونيو الماضي 2013 لم يكن فقط بسبب تلك الملايين التي صوتت له، وتغلبت على مخاوفها من تكرار تجربة 2009، وإنما بسبب مؤسسات الدولة السياسية التي مهدت له الطريق. فقد سمح النظام لروحاني بإطلاق حملة انتخابية جاذبة لعنصر الشباب، من خلال فتح حوار مفتوح حول قضية البرنامج النووي الإيراني. وبعد فوزه، سُمح لروحاني بتشكيل مجلس وزراء ذى ميول غربية بدرجة كبيرة، وهي سابقة تُعد الأولى في التاريخ الإيراني بعد الثورة. وهو ما جعل روحاني في خطاباته ومؤتمراته الصحفية يراهن بمنصبه ومستقبله السياسي على حل أزمة الملف النووي، واعداً بدبلوماسية أكثر نشاطاً تسعى لبناء الثقة والشفافية مع المجتمع الدولي.

وترى مالوني أنه أصبح من الجليّ أن كل ما حدث خلال الفترة الماضية – بداية من تولي روحاني للرئاسة إلى توقيع اتفاق جنيف – كان جزء من إستراتيجية منسقة بعناية من جانب النظام الإيراني، أيدها المرشد الأعلى، وهدفت إلى إعادة إنتاج النظام مرة أخرى بعد ما أحلّ به من أزمات حادة.
تطلعات ما بعد اتفاق جنيف

وتشير إلى أن نجاح النظام الإيراني في الابتعاد عن حافة الهاوية لا يعني بالضرورة تخفيف حدة التحديات التي يواجهها النظام. فالشعب الإيراني الذي رحّب بالانفتاح السياسي والدبلوماسي الإيراني على المجتمع الدوليـ، في الأشهر الخمسة الماضية، يتطلع إلى جني ثمار ذلك الانجاز. فالشعب الإيراني يتطلع إلى تنشيط التجارة، وخلق فرص عمل جديدة، وكذلك يتطلع إلى التخفيف من القمع الحكومي، والقيود الاجتماعية، فهو يريد قيادة سياسية تكون مسئولة أمام شعبها، وتحترم الخارج. وتؤكد أن حكومة روحاني إذا رغبت في تحقيق تطلعات الشعب الإيراني، فيجب عليها أن تجعل منهجها البرجماتي يتغلب على النهج السلطوي لمؤسسات الدولة، لأن الخبرة التاريخية الإيرانية في مرحلة ما بعد الثورة تشير إلى أن النهج المعتدل في قيادة البلاد غالباً ما يصطدم بالمعارضة المحافظة المتشددة والمنافسة داخل النخبة الحاكمة ذاتها. ولكن تذهب مالوني إلى أن روحاني بعد إنجازه الدبلوماسي، وانفتاحه التاريخي على واشنطن قد ينجح في تحويل المناخ الداخلي المتشدد في إيران.

وعلى الرغم من انتقاد العديد من الفاعلين الدوليين لاتفاق جنيف، فإن رد الفعل الإيراني المتحمس تجاه الاتفاق قد عزز بلا شك من مكانة الحلول الدبلوماسية للأزمة الإيرانية، وهو ما تأكد مع وصول التيار المعتدل للحكم. ويبدو أن التزام واشنطن بالنهج الدبلوماسي في التعامل مع الملف النووي الإيراني، حتى في ظل سيادة الاتجاه المتشدد داخل إيران، قد أقنع خامنئي بضرورة إعادة تقويم سياسة طهران تجاه المجتمع الدولي، والملف النووي، وهو الأمر الذي تجلى في وصول روحاني لسدة الحكم.