صفحة 1 من 1

تاريخ الحضارة الاسلامية ودورها في الإنسانية

مرسل: الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 12:39 am
بواسطة عبدالعزيز الزيد 704
الحضارة العربية ـ الإسلامية ودورها في

الحضارة الإنسانية

من الصعوبة بالإمكان دراسة أثر الحضارة العربية الإسلامية في الحضارات المعاصرة لها واللاحقة بها، وبالتالي دورها في الحضارة الإنسانية. فحدود هذا البحث لا تسمح بذلك. ولكن من المفيد أن نشير إلى أن الحضارة العربية الإسلامية قد أثرت في الشرق الآسيوي وحضاراته تأثيرا حاسما. وأفادت حضارات هذا الشرق، من انجازات الحضارة العربية الإسلامية، وأثرى العديد من أبنائه ـ الذين اعتنقوا الإسلام وكتبوا مؤلفاتهم بالعربية ـ بالحضارة العربية الإسلامية وبخاصة في ميادين اللغة والأدب والعلوم الاجتماعية.
أما أثر الحضارة العربية الإسلامية في الحضارة الأوربية فهو موضوع على جانب كبير من الأهمية، خاصة أننا ما زلنا نلمس لدى غالبية المفكرين الغربيين تمسكهم بما يعرف بـ((المعجزة اليونانية))، والتي تعني أنه ليس هناك حضارة قبل حضارة الإغريق القدماء وليس هناك حضارة بعدهم إلا الحضارة الأوربية الحديثة. أي أن تاريخ الحضارة الإنسانية ينقسم، في رأي هؤلاء، إلى مرحلتين لا ثالث لهما، وهما مرحلة الحضارة الإغريقية القديمة ومرحلة الحضارة الغربية الحديثة. وكل محاولة، كما يقول سيزكين، لإقناع هؤلاء بأن الحضارة العربية الإسلامية تقف شامخة بين هاتين الحضارتين تصطدم بمعارضة حادة. ولكن فئة من المفكرين الأوربيين، منذ عقود قليلة، أدركت الغبن الذي لحق بالعرب وحضارتهم وأخذت تكشف عن الدور الأساسي الذي أسهمت فيه الحضارة العربية الإسلامية في النهضة الأوربية والحضارة الحديثة.
لقد أجمع الباحثون على أن هناك ثلاثة معابر رئيسية انتقلت من خلالها الحضارة العربية، في العصور الوسطى، إلى الغرب الأوربي، أو بالأحرى ثلاث مناطق تمت فيها عملية التلاقي بين حضارة العرب الزاهرة وبين الحضارة الأوربية التي كانت تمر في مرحلة من أكثر مراحل تاريخها انحطاطا، وهي التي يطلق عليها الأوربيون أنفسهم ((مرحلة العصور المظلمة)) والتي بدأت بانهيار الإمبراطورية الرومانية في الغرب، في القرن الخامس الميلادي، واستمرت حتى القرن الثالث عشر تقريبا.
وهذه المعابر هي:

1ـ الأندلس:
التي فتحها العرب عام 711م، وبلغت الحضارة العربية فيها ذروتها في القرن العاشر الميلادي. وأصبحت عاصمتها قرطبة منارة العالم المتمدن. بدأت فيها حركة ترجمة كبرى، وبخاصة في مدينة طليطلة، خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين. وكانت الترجمة تتم من العربية إلى الإسبانية ومن ثم إلى اللاتينية، أو من العربية إلى اللاتينية مباشرة. ولم تقتصر الترجمة على مؤلفات العلماء العرب في كل مناحي المعرفة فحسب وإنما شملت المؤلفات الإغريقية الكبرى التي كانت قد ترجمت في المشرق قبل ذلك بقرنين.

2ـ صقلية:
فتح العرب صقلية عام 827م. وتحولت الجزيرة في ظل الحكم العربي إلى مركز من مراكز انتقال التراث العربي إلى الغرب. وبدأت فيها حركة ترجمة، من العربية إلى اللاتينية، شبيهة بتلك التي قامت في الأندلس. وعلى الرغم من أن الحكم العربي للجزيرة قد انتهى في أواخر القرن الحادي عشر إلا أن الحضارة العربية فيها استمرت في ظل رعاية خلفائهم النورمان الذين عاش في كنفهم العديد من العلماء العرب، أمثال الإدريسي، وأشرفوا على ترجمة ذخائر من التراث العربي إلى اللاتينية.

3ـ الحروب الصليبية:
على الرغم من أن الصليبين (الفرنجة) قدموا إلى المشرق العربي وهم طلاب حرب لا طلاب علم، إلا أنهم تأثروا بحضارة العرب ونقلوا ما استطاعوا نقله من انجازاتهم إلى الغرب.
ويتجلى دور الحضارة العربية الإسلامية في الحضارة الإنسانية في الإنجازات الرئيسية التالية:
1ـ نقل العرب للعالم التراث اليوناني (الإغريقي) القديم مترجما إلى العربية، بعد أن كان هذا التراث معزولا عن حركة التاريخ. فعندما بدأت أوربة، مثلا، تتلمس بدايات نهضتها الحديثة، في أواخر العصور الوسطى ومطلع العصور الحديثة، والتي قامت على أساس إحياء التراث اليوناني والروماني القديم، لم تجد في حوزتها سوى الترجمة العربية لهذا التراث بعد أن كانت أصوله الأولى قد فقدت. ولهذا كان على أوربة أن ((تستعرب)) كي تفهم تراث اليونان والرومان.
2ـ لم يقتصر دور العرب الحضاري على ترجمة التراث اليوناني فحسب وإنما قاموا بشرحه ونقده وتصحيحه والتعليق عليه، وساروا به أشواطا متقدمة. ولهذا لم يتسلم الأوربيون تراث اليونان كما تركه القدماء، وإنما أخذوه وقد اكتسب بحضوره الجديد، على يد العرب في العصور الوسطى، حياة جديدة.
3ـ قدمت الحضارة العربية ـ الإسلامية للحضارة الإنسانية كشوفها في ميادين الحضارة كافة. فإذا كان الشرق الآسيوي قد تأثر بالحضارة العربية ـ الإسلامية في ميدان الدين واللغة أكثر من غيرها من المظاهر فإن الغرب الأوربي قد أفاد أيما فائدة من إنجازات العرب الحضارية، في ميادين الآداب والعلوم والفنون على وجه الخصوص، وكانت أساسا في نهضته وحضارته الحديثة. فمنذ القرن الثاني عشر الميلادي ترجمت أهم المؤلفات العربية إلى اللاتينية سواء في ميدان العلوم الاجتماعية، كمؤلفات الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد أو في ميدان العلوم والطل كمؤلفات ابن الهيثم وجابر بن حيان والرازي والزهراوي وابن سينا وغيرهم... وظلت هذه المؤلفات وغيرها عمدة الدراسات الجامعية في أوربة حتى القرن السابع عشر الميلادي.
4ـ كان للعرب المسلمين دورهم الأساسي في نقل تراث الحضارات الشرقية، كالهندية والفارسية إلى العالم العربي. فالغرب لم يكن يعرف شيئا عن هذه الحضارات قبل القرن الثاني عشر تقريبا. ولهذا كان للعرب الفضل، فيما ترجم من تراثها، في ميادين العلوم والآداب والفنون إلى العربية ومنها إلى اللاتينية. وبعبارة أخرى فإن الغرب أفاد من إنجازات الحضارات الشرقية عامة، وحضارتي الهند والصين خاصة، من خلال الحضارة العربية الإسلامية.
5ـ أفاد الغرب من الحضارة العربية الإسلامية في تغيير مفهومه عن الحضارة فقد كانت رؤيته للحضارة، حتى احتكاكه بالعرب المسلمين رؤية ضيقة وطبقية؛ حيث ورث عن اليونان مفهوم حضارة النخبة، كما ورث عن الرومان مفهوم حضارة الطبقة. ولكن بعد تأثر الغرب بالحضارة العربية الإسلامية استبدل بمفاهيمه السابقة المفهوم الشامل للحضارة الذي يعد سمة أساسية من سمات الحضارة العربية، أي أنها حضارة الشعب بفئاته وطبقاته كافة وليست حضارة نخبة أو طبقة... وهذا المفهوم الشمولي للحضارة أفاد منه الغرب وانعكس في نهضته وحضارته الحديثة.
وصفوة القول: لقد أسهمت الحضارة العربية، سواء في العصور القديمة أو في العصور الوسطى، إسهاما مباشرا في تقدم البشرية، بل ليس هناك شعب قام بالدور الذي اضطلع به العرب في تاريخ الحضارة الإنسانية. فمنابع الغرب القديمة (الإغريقية والرومانية) ولدت، كما يقول، غارودي، في بلاد الشام ومصر والرافدين... وحضارته الحديثة تدين بانجازاتها لما أسهم به العرب المسلمون من إسهامات مبدعة وخلاقة في الحضارة الإنسانية.