في رحيل مانديلا: مقاربات في النضال ضد الفصل العنصري
مرسل: الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 10:48 am
بكلمات مقتضبة، أعلن رئيس جنوب إفريقيا، جاكوب زوما، رحيل المناضل الأممي، وقائد الكفاح في بلاده ضد الفصل العنصري: ''مواطني في جنوب إفريقيا . . رحل حبيبنا نيلسون مانديلا، الرئيس المؤسس لبلدنا الديمقراطي، لقد فاضت روحه إلى باريها بسلام في منزله'' . ومنذ لحظة إعلان رحيل المناضل نيلسون مانديلا في الخامس من هذا الشهر، أصبح هذا الحدث يتصدر نشرات الأخبار والتعليقات السياسية في جميع القنوات التلفزيونية، ووسائل الإعلام الأخرى، المسموعة والمقروءة، وتوالت التعليقات والمقالات، مستعيدة مسيرة حياته، وسيرة نضاله الطويل ضد الفصل العنصري، ومناصرته لكفاح الشعوب في مواجهة الظلم والاستعمار .
ليس هدف هذا الحديث، استعراض سيرة الراحل الكبير وذكر مآثره، فذلك ما جرت تغطيته بشكل مكثف في كل وسائل الإعلام العالمية، ولن يكون بمقدورنا إضافة شيء على ذلك . لكن الحدث يفرض نفسه علينا، ويجعلنا نوجه الحديث بشكل آخر، يجعل الوفاء لروح الراحل ولكفاحه، يتوجه مباشرة نحو فكره وممارسته في مواجهة الفصل العنصري . ذلك أن النضال ضد الفصل العنصري، هو حالة مستمرة، لم يسدل الستار عنها بعد، في كثير من البقاع، فوق كوكبنا الأرضي، ليس آخرها ما يمارسه الصهاينة، بحق الفلسطينيين .
في العصر الحديث، شهد الوطن العربي، ما شهده جنوب إفريقيا من فصل عنصري . ولعل الأكثر وضوحاً في هذا النوع من الممارسات العنصرية، هو ما حدث في الجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي، وما حدث ولا يزال، في فلسطين، منذ تأسيس الكيان الغاصب . الجامع المشترك، لكل أنظمة الفصل العنصري في العالم في العصر الحديث، هو وجود مستوطنين أوروبيين، يكون وجودهم هو ثمرة احتلال جيوش بلدانهم، للمناطق المستهدفة . هكذا كان الحال في الجزائر وجنوب إفريقيا وفلسطين، فالفصل العنصري في هذه البلدان الثلاثة هو نتاج وقوعها تحت وطأة الاستعمار .
في مقاومة أنظمة الفصل العنصري، ليس هناك نمط واحد، يمكن اعتماده في كل الحالات . وما يمكن تبنيه كاستراتيجية نضالية في بلد ما، يستحيل تطبيقه في بلد آخر . فعلى سبيل المثال، خاض غاندي كفاحه، بمقاومة سلمية، واللاعنف، تكللت باستقلال الهند . وكان من الطبيعي أن يهزم البريطانيون، بعد أن التحقت أغلبية الهنود بثورة الاستقلال . فليس بإمكان البريطانيين البقاء في الهند، في طوفان بشري، يرفض احتلالهم، بحجم سكان الهند .
هذا الدرس، استفاد منه الراحل نيلسون مانديلا كثيراً، حيث حقق استدارة كبيرة، من برنامج الكفاح المسلح، إلى تبني استراتيجية النضال السلمي . فبعد استقلال الهند بسنوات قليلة، التحق مانديلا بحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، في وقت بدأت فيه بوضوح ممارسة المستوطنين الأوروبيين، لسياسة الفصل العنصري، بحق السكان الأصليين . وفي مواجهة هذه السياسة، خاض مانديلا نضالاً شرساً، تسبب في الزج به في السجن عدة مرات، وحوكم مع رفاقه بتهمة الخيانة العظمى، وأدين بالتخريب والتآمر لقلب نظام الحكم، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة .
في داخل السجن، أعاد مانديلا النظر في استراتيجية الكفاح المسلح، لإنهاء نظام الفصل العنصري في بلاده، واتجه نحو تبني المقاومة السلمية . فقد اكتشف أن التوجه الجديد، سيحقق جملة من الأهداف . فكلفته في الأرواح هي أقل بكثير من حمل السلاح . وهو أيضاً سيكشف الجانب الأخلاقي للثورة، من خلال تأكيد الحرص على أرواح المدنيين . ومن جهة أخرى، سيعري عنف نظام الفصل العنصري، ويسهم في خلق مناخ دولي مناصر لحق السكان الأصليين في التخلص من نظام الفصل العنصري .
السؤال الذي يطرح في هذه المقاربات، هل كان بإمكان الجزائريين تبني هذا النمط من الكفاح، في نضالهم للتخلص من الاستعمار الفرنسي؟ وهل بإمكان الثورة الفلسطينية المعاصرة، هزيمة المشروع الصهيوني، واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني بالمقاومة السلمية؟
أسئلة افتراضية، لكنها مشروعة، والإجابة عنها ينبغي أن تنطلق من القراءة الموضوعية، لطبيعة التحدي الاستعماري، في كل بلد من هذه البلدان، ومستوى الوجود الاستيطاني فيها، وأيضاً بطبيعة التركيبة السكانية ومستوى الاستجابة لمشروع مقاومة المحتل . فنجاح استراتيجية المقاومة، مسلحة أو سلمية، هو رهن لشروط موضوعية، لا بد من وعيها سلفاً، قبل المضي قدماً في اختيار نمط المقاومة .
عنف المحتل الفرنسي بالجزائر، ليس له ما يضاهيه في القارة السوداء . وكان من الطبيعي أن يحضر قانون أرخميدس في أسلوب مواجهة المحتل . لكل فعل رد فعل . . يضاف إلى ذلك أن المستوطنين الفرنسيين، لم يكونوا بكثافة وجودهم في جنوب إفريقيا، حتى يقبل الجزائريون بعملية سياسية، تنتهي بشراكتهم في القسمة، ومنحهم أدواراً في حكم البلاد . كما أن المسافة بين الجزائر وفرنسا ليست بعيدة، وبقيت العلاقة بين المستوطنين والوطن الأم وثيقة، لم تنقطع . والطرح الفرنسي، لم يكن باتجاه قيام دولة مستوطنين بالجزائر، بل بفرنستها، ودمجها بالدولة الفرنسية . ولذلك ارتبط شعار الحرية بإنهاء الاحتلال والاستيطان معاً، ولم يكن من سبيل لتحقيق ذلك سوى بالكفاح المسلح .
في فلسطين، لدينا نموذج ثالث، مغاير تماماً عن حالتي جنوب إفريقيا والجزائر . الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين، رسخ وجوده بتأييد من القوى الكبرى . ومع تصاعد الهجرة اليهودية لفلسطين، التي بدأت إثر إعلان وعد بلفور، وتبني الصهاينة سياسة الطرد والتشريد للسكان الأصليين، تضاءل وجود الفلسطينيين في بلادهم، وتحول بقية من تمكنوا من الصمود والبقاء في أرضهم، أقلية وسط المستوطنين الصهاينة .
لم يكن ممكناً لهذه الأقلية، من الفلسطينيين إلا أن تخوض كفاحاً مسلحاً فاعلاً، بعد أن ترسخ وجود الصهاينة، وأصبح اليهود في فلسطين، يشكلون أغلبية السكان . ولذلك لم تكن مفاجأة أن ينطلق الكفاح الفلسطيني المسلح، في الثورة الفلسطينية المعاصرة، من الشتات، من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأقطار العربية المجاورة، الأردن وسوريا ولبنان . وحين حوصر هذا الكفاح من البلدان المجاورة، بدأ اتجاه الثورة الفلسطينية، يسير في خطين متوازيين: تراجع الكفاح المسلح، لمصلحة التسويات السياسية، والقبول بقيام دولة فلسطينية، على جزء من أرض فلسطين، وليس كل فلسطين التاريخية .
هذه المقاربات الثلاث، هي قراءة أولية، بحاجة إلى مزيد من التحليل والتأصيل . وستبقى روح الراحل العظيم، نيلسون مانديلا، عامل تحفيز لقراءات وفهم ينير الدرب للباحثين عن الحرية والعدل -
ليس هدف هذا الحديث، استعراض سيرة الراحل الكبير وذكر مآثره، فذلك ما جرت تغطيته بشكل مكثف في كل وسائل الإعلام العالمية، ولن يكون بمقدورنا إضافة شيء على ذلك . لكن الحدث يفرض نفسه علينا، ويجعلنا نوجه الحديث بشكل آخر، يجعل الوفاء لروح الراحل ولكفاحه، يتوجه مباشرة نحو فكره وممارسته في مواجهة الفصل العنصري . ذلك أن النضال ضد الفصل العنصري، هو حالة مستمرة، لم يسدل الستار عنها بعد، في كثير من البقاع، فوق كوكبنا الأرضي، ليس آخرها ما يمارسه الصهاينة، بحق الفلسطينيين .
في العصر الحديث، شهد الوطن العربي، ما شهده جنوب إفريقيا من فصل عنصري . ولعل الأكثر وضوحاً في هذا النوع من الممارسات العنصرية، هو ما حدث في الجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي، وما حدث ولا يزال، في فلسطين، منذ تأسيس الكيان الغاصب . الجامع المشترك، لكل أنظمة الفصل العنصري في العالم في العصر الحديث، هو وجود مستوطنين أوروبيين، يكون وجودهم هو ثمرة احتلال جيوش بلدانهم، للمناطق المستهدفة . هكذا كان الحال في الجزائر وجنوب إفريقيا وفلسطين، فالفصل العنصري في هذه البلدان الثلاثة هو نتاج وقوعها تحت وطأة الاستعمار .
في مقاومة أنظمة الفصل العنصري، ليس هناك نمط واحد، يمكن اعتماده في كل الحالات . وما يمكن تبنيه كاستراتيجية نضالية في بلد ما، يستحيل تطبيقه في بلد آخر . فعلى سبيل المثال، خاض غاندي كفاحه، بمقاومة سلمية، واللاعنف، تكللت باستقلال الهند . وكان من الطبيعي أن يهزم البريطانيون، بعد أن التحقت أغلبية الهنود بثورة الاستقلال . فليس بإمكان البريطانيين البقاء في الهند، في طوفان بشري، يرفض احتلالهم، بحجم سكان الهند .
هذا الدرس، استفاد منه الراحل نيلسون مانديلا كثيراً، حيث حقق استدارة كبيرة، من برنامج الكفاح المسلح، إلى تبني استراتيجية النضال السلمي . فبعد استقلال الهند بسنوات قليلة، التحق مانديلا بحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، في وقت بدأت فيه بوضوح ممارسة المستوطنين الأوروبيين، لسياسة الفصل العنصري، بحق السكان الأصليين . وفي مواجهة هذه السياسة، خاض مانديلا نضالاً شرساً، تسبب في الزج به في السجن عدة مرات، وحوكم مع رفاقه بتهمة الخيانة العظمى، وأدين بالتخريب والتآمر لقلب نظام الحكم، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة .
في داخل السجن، أعاد مانديلا النظر في استراتيجية الكفاح المسلح، لإنهاء نظام الفصل العنصري في بلاده، واتجه نحو تبني المقاومة السلمية . فقد اكتشف أن التوجه الجديد، سيحقق جملة من الأهداف . فكلفته في الأرواح هي أقل بكثير من حمل السلاح . وهو أيضاً سيكشف الجانب الأخلاقي للثورة، من خلال تأكيد الحرص على أرواح المدنيين . ومن جهة أخرى، سيعري عنف نظام الفصل العنصري، ويسهم في خلق مناخ دولي مناصر لحق السكان الأصليين في التخلص من نظام الفصل العنصري .
السؤال الذي يطرح في هذه المقاربات، هل كان بإمكان الجزائريين تبني هذا النمط من الكفاح، في نضالهم للتخلص من الاستعمار الفرنسي؟ وهل بإمكان الثورة الفلسطينية المعاصرة، هزيمة المشروع الصهيوني، واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني بالمقاومة السلمية؟
أسئلة افتراضية، لكنها مشروعة، والإجابة عنها ينبغي أن تنطلق من القراءة الموضوعية، لطبيعة التحدي الاستعماري، في كل بلد من هذه البلدان، ومستوى الوجود الاستيطاني فيها، وأيضاً بطبيعة التركيبة السكانية ومستوى الاستجابة لمشروع مقاومة المحتل . فنجاح استراتيجية المقاومة، مسلحة أو سلمية، هو رهن لشروط موضوعية، لا بد من وعيها سلفاً، قبل المضي قدماً في اختيار نمط المقاومة .
عنف المحتل الفرنسي بالجزائر، ليس له ما يضاهيه في القارة السوداء . وكان من الطبيعي أن يحضر قانون أرخميدس في أسلوب مواجهة المحتل . لكل فعل رد فعل . . يضاف إلى ذلك أن المستوطنين الفرنسيين، لم يكونوا بكثافة وجودهم في جنوب إفريقيا، حتى يقبل الجزائريون بعملية سياسية، تنتهي بشراكتهم في القسمة، ومنحهم أدواراً في حكم البلاد . كما أن المسافة بين الجزائر وفرنسا ليست بعيدة، وبقيت العلاقة بين المستوطنين والوطن الأم وثيقة، لم تنقطع . والطرح الفرنسي، لم يكن باتجاه قيام دولة مستوطنين بالجزائر، بل بفرنستها، ودمجها بالدولة الفرنسية . ولذلك ارتبط شعار الحرية بإنهاء الاحتلال والاستيطان معاً، ولم يكن من سبيل لتحقيق ذلك سوى بالكفاح المسلح .
في فلسطين، لدينا نموذج ثالث، مغاير تماماً عن حالتي جنوب إفريقيا والجزائر . الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين، رسخ وجوده بتأييد من القوى الكبرى . ومع تصاعد الهجرة اليهودية لفلسطين، التي بدأت إثر إعلان وعد بلفور، وتبني الصهاينة سياسة الطرد والتشريد للسكان الأصليين، تضاءل وجود الفلسطينيين في بلادهم، وتحول بقية من تمكنوا من الصمود والبقاء في أرضهم، أقلية وسط المستوطنين الصهاينة .
لم يكن ممكناً لهذه الأقلية، من الفلسطينيين إلا أن تخوض كفاحاً مسلحاً فاعلاً، بعد أن ترسخ وجود الصهاينة، وأصبح اليهود في فلسطين، يشكلون أغلبية السكان . ولذلك لم تكن مفاجأة أن ينطلق الكفاح الفلسطيني المسلح، في الثورة الفلسطينية المعاصرة، من الشتات، من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأقطار العربية المجاورة، الأردن وسوريا ولبنان . وحين حوصر هذا الكفاح من البلدان المجاورة، بدأ اتجاه الثورة الفلسطينية، يسير في خطين متوازيين: تراجع الكفاح المسلح، لمصلحة التسويات السياسية، والقبول بقيام دولة فلسطينية، على جزء من أرض فلسطين، وليس كل فلسطين التاريخية .
هذه المقاربات الثلاث، هي قراءة أولية، بحاجة إلى مزيد من التحليل والتأصيل . وستبقى روح الراحل العظيم، نيلسون مانديلا، عامل تحفيز لقراءات وفهم ينير الدرب للباحثين عن الحرية والعدل -