شخصية المدينة العربية بين الماضي والحاضر
مرسل: الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 11:05 pm
شخصية المدينة العربية بين الماضي والحاضر
في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة العربية، حِراكاً مضطرباً بصفته العامة، قد ينتج عنه استقرارٌ يمهد لنهوض يتوازى مع النهوض العالمي في كثير من بقاع العالم، وإن كان هذا الاستقرار يبدو غير ممكنٍ في الوقت المنظور، وعليه فإن الوقوف على معوقات الاستقرار، وأسبابها وكيفية تطويعها لتكون فاعلة في التسريع من تحقيق الأمن وتغييب الفساد وتناقل السلطة بين مكونات المجتمع بأريحية وديناميكية، فإن دراسة المكان الجغرافي لبواعث التغيير تعتبر من الأهمية بمكان للتأشير على الكيفية التي تُقاد فيها حركات التغيير.
وإن كان البلد كوحدة جغرافية قُطرية عامة يتصف أبنائه بصفات قد تكون غير متجانسة من حيث القدرة الفكرية أو الاقتصادية أو رغبتهم في الانخراط في الجهد السياسي، وهذا مما يُعقد القدرة على تتبع الانطلاقات لحركات التغيير، كما يُعقد مسألة التنبؤ بمصير تلك التحركات، أو التنبؤ بالوقت الذي تحتاجه، فإن دراسة الحراك في المدينة أو القرية أو البلدة يُعتبر مدخلاً مساعدا في اتخاذ القرار لتكوين رؤية أو رؤى نافعة في هذا المجال.
برز في بوادر الحِراك العربي أسماء قرى وبلدات سبقت في حراكها العواصم، مثل (سيدي بو زيد في تونس) و (درعا في سوريا) وغيرها من القرى والبلدات ومن ثم المدن الأخرى في مناطق عربية أخرى. إن هذه الظاهرة تستدعي الوقوف لمعرفة العلاقة بين القرية والقصبة والمدينة والعاصمة، وكيفية تأثير شخصية كل منها في الشأن العام، وكيفية سرقة الجهد الشعبي العفوي وتحويله لرصيد هياكل اجتماعية وسياسية في المدينة الأولى الأكثر جاهزية.
كشّاف أولي للتدليل على الأمكنة ذات العلاقة
الضاحية: هي ما برز وظهر من المدينة، كناية عن الذي يحرم في الحج ويبرز ذراعه ظاهراً.
الحي: هو مكان يحوي صنفاً من السكان ُينسبون لمهنتهم أو لأصلهم (من مكان أو عشيرة أو دين أو طائفة).
الحارة: هي الحِمى، والأصل فيها مكان بيض النعام، فعندما يقال لا نراك في حرانا (حارتنا) أي لا تقرب مكاننا الخاص جداً بنا.
القصبة: هي المكان الذي فيه القوة التي تحمي الحكومة المحلية، من درك وشرطة وجيش الخ، واستعيض عنها للتدليل على مركز الناحية أو القضاء أو المدينة.
القرية: في كتاب (الجامع لأحكام القرآن ـ لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي) يقول بأن القرية هي مجموعة من المساكن والأبنية والضياع، سميت بذلك لأنها تقرّت أي اجتمعت، ومنه قريت الماء في الحوض أي جمعته، والقرية بكسر القاف بلغة اليمن.
وقد وردت بالقرآن الكريم نحو عشرين مرة {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ـ البقرة 58؛ الأعراف161} فيقول القرطبي القرية هنا هي بيت المقدس وقيل أريحا. وفي مكان آخر {أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها.. البقرة 259} يقول المفسرون أنها بيت المقدس بعد أن دمرها بختنصر البابلي. ويحتار المفسرون في تحديد القرية في سورة الكهف { فانطلقا حتى أتيا أهل قرية استطعما أهلها... الكهف77} فمنهم من يقول أنها قرب البصرة، ومنهم من يقول أنها أنطاكيا وأناس يقولون أنها بالأندلس!
المدينة: وجمعها مدن أو مدائن، وأفضل تعريف لها هو (المدينة تعني الفن بتشعباته الكثيرة، من هندسة ونحت وأدب، وتعني التاريخ والسياسة والتجارة، كما تعني الشوارع والعمارات والإنشاءات المدنية والدينية، والأرض بترابها ومائها. وتعني أيضاً ماضي الإنسان المتطور نحو الأكمل، إذ هي صورة لكفاحه المزمن، وباختصار إن المدينة سجل لقضية الإنسان وحضارته)*1، وحول هذا التعريف ستتم معظم مقالاتنا الخاصة بالمدينة.
والمدينة في اللغة من (مَدَنَ بالمكان) أي أقام فيه، ومنه المدينة على وزن (فَعيلة) وتجمع على مدائن ومُدن، ولكن صاحب (لسان العرب) يرى أنها من دِنت أي ملكت.. ومنهم من يرى أنها تلك المكان الذي فيه حصن، والانتساب لها: مديني.. وهناك من يعتقد أنها لفظ (آرامي) يُطلق على المكان الذي يدل على إحقاق الحق ونشر العدل.
ويرد لفظ المدينة بالقرآن الكريم حوالي 14 مرة، منها ما يقصده بمدينة بعينها {لئن رَجعنا الى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذل ـ المنافقون8} وهنا يقصد بالمدينة المنورة، وقد نهى رسول الله صلوات الله عليه أن يذكرها أحد باسمها القديم (يثرب) فروى ابن حنبل عن النبي أنه قال(من سمى المدينة يثرب، فليستغفر الله ثلاثاً).. و{وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ـ يس 20} والمدينة هنا أنطاكيا.. و {وجاء أهل المدينة يستبشرون ـ الحِجر67} والمدينة هنا سدوم من مدائن قوم لوط. وهكذا..
الثغر: ثغر الشيء فمه، واستعمالها في كتب التاريخ يدلل على المدن الحصينة التي أُنشئت في صد العدو عن حدود الدولة الإسلامية.
الرباط: كانت في بدايات الدولة الإسلامية تقع على شواطئ البحر المتوسط وتمتد الى المحيط الأطلسي، وقد ذكرها صاحب كتاب (الحياة العسكرية عند العرب) أنها كانت ألف (رباط) تبعد كل واحدة عن الأخرى نحو 6 كم، لترتاح فيها الخيول وتبدل، وكان سكانها من المتطوعين المحليين لصد هجمات الزوارق البحرية وإبلاغ أمراء تلك المدن (الرباط) لطلب العون، ولم يبق من الألف رباط إلا واحدة قائمة اليوم وهي عاصمة المغرب.*2
العاصمة: وهي في اللغة المانعة والحامية، وكان أول من ابتكر هذا الاسم هو هارون الرشيد، بعد أن استبدل نظام الثغور، فجعل مدناً عاصمة تقابل حدود الأعداء، ولم يقصد العاصمة بمعناها الحالي (مركز الدولة)، وبالرغم أنه كان في بغداد لكن كانت مدن القيروان ودمشق وشيراز تُسمى عواصم لدورها الذي أراده*3
الأمصار: هي جمع لمصر، ومصر في اللغة هو الحاجز بين الشيئين، وقيل للمدينتين الكوفة والبصرة في العراق (مصران) لأن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه طلب تمصيرها.. والأمصار فيما بعد أصبحت البلاد التي تكون فيها سلطة تنفيذية..
هذه عجالة سريعة، للتمهيد للموضوع
في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة العربية، حِراكاً مضطرباً بصفته العامة، قد ينتج عنه استقرارٌ يمهد لنهوض يتوازى مع النهوض العالمي في كثير من بقاع العالم، وإن كان هذا الاستقرار يبدو غير ممكنٍ في الوقت المنظور، وعليه فإن الوقوف على معوقات الاستقرار، وأسبابها وكيفية تطويعها لتكون فاعلة في التسريع من تحقيق الأمن وتغييب الفساد وتناقل السلطة بين مكونات المجتمع بأريحية وديناميكية، فإن دراسة المكان الجغرافي لبواعث التغيير تعتبر من الأهمية بمكان للتأشير على الكيفية التي تُقاد فيها حركات التغيير.
وإن كان البلد كوحدة جغرافية قُطرية عامة يتصف أبنائه بصفات قد تكون غير متجانسة من حيث القدرة الفكرية أو الاقتصادية أو رغبتهم في الانخراط في الجهد السياسي، وهذا مما يُعقد القدرة على تتبع الانطلاقات لحركات التغيير، كما يُعقد مسألة التنبؤ بمصير تلك التحركات، أو التنبؤ بالوقت الذي تحتاجه، فإن دراسة الحراك في المدينة أو القرية أو البلدة يُعتبر مدخلاً مساعدا في اتخاذ القرار لتكوين رؤية أو رؤى نافعة في هذا المجال.
برز في بوادر الحِراك العربي أسماء قرى وبلدات سبقت في حراكها العواصم، مثل (سيدي بو زيد في تونس) و (درعا في سوريا) وغيرها من القرى والبلدات ومن ثم المدن الأخرى في مناطق عربية أخرى. إن هذه الظاهرة تستدعي الوقوف لمعرفة العلاقة بين القرية والقصبة والمدينة والعاصمة، وكيفية تأثير شخصية كل منها في الشأن العام، وكيفية سرقة الجهد الشعبي العفوي وتحويله لرصيد هياكل اجتماعية وسياسية في المدينة الأولى الأكثر جاهزية.
كشّاف أولي للتدليل على الأمكنة ذات العلاقة
الضاحية: هي ما برز وظهر من المدينة، كناية عن الذي يحرم في الحج ويبرز ذراعه ظاهراً.
الحي: هو مكان يحوي صنفاً من السكان ُينسبون لمهنتهم أو لأصلهم (من مكان أو عشيرة أو دين أو طائفة).
الحارة: هي الحِمى، والأصل فيها مكان بيض النعام، فعندما يقال لا نراك في حرانا (حارتنا) أي لا تقرب مكاننا الخاص جداً بنا.
القصبة: هي المكان الذي فيه القوة التي تحمي الحكومة المحلية، من درك وشرطة وجيش الخ، واستعيض عنها للتدليل على مركز الناحية أو القضاء أو المدينة.
القرية: في كتاب (الجامع لأحكام القرآن ـ لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي) يقول بأن القرية هي مجموعة من المساكن والأبنية والضياع، سميت بذلك لأنها تقرّت أي اجتمعت، ومنه قريت الماء في الحوض أي جمعته، والقرية بكسر القاف بلغة اليمن.
وقد وردت بالقرآن الكريم نحو عشرين مرة {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ـ البقرة 58؛ الأعراف161} فيقول القرطبي القرية هنا هي بيت المقدس وقيل أريحا. وفي مكان آخر {أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها.. البقرة 259} يقول المفسرون أنها بيت المقدس بعد أن دمرها بختنصر البابلي. ويحتار المفسرون في تحديد القرية في سورة الكهف { فانطلقا حتى أتيا أهل قرية استطعما أهلها... الكهف77} فمنهم من يقول أنها قرب البصرة، ومنهم من يقول أنها أنطاكيا وأناس يقولون أنها بالأندلس!
المدينة: وجمعها مدن أو مدائن، وأفضل تعريف لها هو (المدينة تعني الفن بتشعباته الكثيرة، من هندسة ونحت وأدب، وتعني التاريخ والسياسة والتجارة، كما تعني الشوارع والعمارات والإنشاءات المدنية والدينية، والأرض بترابها ومائها. وتعني أيضاً ماضي الإنسان المتطور نحو الأكمل، إذ هي صورة لكفاحه المزمن، وباختصار إن المدينة سجل لقضية الإنسان وحضارته)*1، وحول هذا التعريف ستتم معظم مقالاتنا الخاصة بالمدينة.
والمدينة في اللغة من (مَدَنَ بالمكان) أي أقام فيه، ومنه المدينة على وزن (فَعيلة) وتجمع على مدائن ومُدن، ولكن صاحب (لسان العرب) يرى أنها من دِنت أي ملكت.. ومنهم من يرى أنها تلك المكان الذي فيه حصن، والانتساب لها: مديني.. وهناك من يعتقد أنها لفظ (آرامي) يُطلق على المكان الذي يدل على إحقاق الحق ونشر العدل.
ويرد لفظ المدينة بالقرآن الكريم حوالي 14 مرة، منها ما يقصده بمدينة بعينها {لئن رَجعنا الى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذل ـ المنافقون8} وهنا يقصد بالمدينة المنورة، وقد نهى رسول الله صلوات الله عليه أن يذكرها أحد باسمها القديم (يثرب) فروى ابن حنبل عن النبي أنه قال(من سمى المدينة يثرب، فليستغفر الله ثلاثاً).. و{وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ـ يس 20} والمدينة هنا أنطاكيا.. و {وجاء أهل المدينة يستبشرون ـ الحِجر67} والمدينة هنا سدوم من مدائن قوم لوط. وهكذا..
الثغر: ثغر الشيء فمه، واستعمالها في كتب التاريخ يدلل على المدن الحصينة التي أُنشئت في صد العدو عن حدود الدولة الإسلامية.
الرباط: كانت في بدايات الدولة الإسلامية تقع على شواطئ البحر المتوسط وتمتد الى المحيط الأطلسي، وقد ذكرها صاحب كتاب (الحياة العسكرية عند العرب) أنها كانت ألف (رباط) تبعد كل واحدة عن الأخرى نحو 6 كم، لترتاح فيها الخيول وتبدل، وكان سكانها من المتطوعين المحليين لصد هجمات الزوارق البحرية وإبلاغ أمراء تلك المدن (الرباط) لطلب العون، ولم يبق من الألف رباط إلا واحدة قائمة اليوم وهي عاصمة المغرب.*2
العاصمة: وهي في اللغة المانعة والحامية، وكان أول من ابتكر هذا الاسم هو هارون الرشيد، بعد أن استبدل نظام الثغور، فجعل مدناً عاصمة تقابل حدود الأعداء، ولم يقصد العاصمة بمعناها الحالي (مركز الدولة)، وبالرغم أنه كان في بغداد لكن كانت مدن القيروان ودمشق وشيراز تُسمى عواصم لدورها الذي أراده*3
الأمصار: هي جمع لمصر، ومصر في اللغة هو الحاجز بين الشيئين، وقيل للمدينتين الكوفة والبصرة في العراق (مصران) لأن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه طلب تمصيرها.. والأمصار فيما بعد أصبحت البلاد التي تكون فيها سلطة تنفيذية..
هذه عجالة سريعة، للتمهيد للموضوع