إشكالية سلطة المُدن الأزلية
مرسل: الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 11:14 pm
إشكالية سلطة المُدن الأزلية
لقد سبقت فكرة المدينة كدولة ـ مدينة فكرة الدولة بمفهومها المعروف، وكانت قضية بناء السلطة في المدن من القضايا العويصة التي كثر فيها إشغال العقل وما زال. وينطلق من تلك القضية ثلاثة محاور أساسية للتساؤل:
1ـ لمن تكون السلطة والسيادة في المجتمع؟
2ـ في خدمة مَن تكون السلطة وعلى أي أسس ومبادئ تقوم؟
3ـ ما هي مجالات السلطة وأهدافها وحدودها؟
بعيداً عن المجادلة في تركيز الغرب على مركزية جهده الحضاري في المجال السياسي، وبالذات فيما يخص الدولة ـ المدينة، فإننا نعترف أن الغرب قد نجح في تأطير تراثه الفكري والفلسفي، والتأسيس عليه في كتابة الأفكار وتطويرها كحلقات متسلسلة ترتبط الواحدة بالأخرى، في حين لم ينجح الصينيون والعرب في جعل تراثهم الذي سبق التراث الغربي، بل وحفظه في مراحل كان الغرب فيه جاهلاً، لم تنجح شعوب الشرق في أخذ مكانتها التاريخية لتزاحم وتفسر وتشرح ما يجري في العالم الراهن بمنظور(شرقي) يفسر التطورات العالمية المتلاحقة على كل الأصعدة.
في الفترة التي كانت فيها (المدن ـ الدول) اليونانية تعاني من حروب متواصلة في القرن الخامس قبل الميلاد، كادت أن تفتك بتلك المدن الدول. ظهر أفلاطون بفكره الذي لا يزال يحتل مكانة في نفس كل مشرع لدستور أو قانون أو حتى سياسي بشكل عام، كان فكر أفلاطون ليس كما يظن البعض مثالياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، بل جاء نتيجة معايشة ما يجري حوله، مثله مثل فكر ابن خلدون مؤسس علم (فلسفة التاريخ) شاهداً على تشرذم الدولة العربية والإسلامية والأندلسية.
لِمن تكون السلطة والسيادة في المجتمع؟
استطاع أفلاطون أن يعود الى أثينا، ويقيم في بستان لبطل اسمه (أكاديموس) ليؤسس مدرسة أخذت فيما بعد اسم (أكاديمية) وبقي الاسم الى يومنا هذا لكل مدرسة أو معهد متخصص في شأن ما. وكانت تلك المدرسة (الأكاديمية) والتي استمرت ألف عام، حتى ألغاها الإمبراطور المسيحي (جستنيان) باعتبارها مدرسة وثنية*1.
اصطنع أفلاطون محاورات افتراضية لتبيان معنى العدل في الحكم، وجاءت تعريفات العدل على ألسنة عدة أشخاص: فيقول أحدهم: العدل هو أن يسترد الفرد ماله؛ وقال الآخر: أن يعامل الشرير بشر، والخيّر بخير؛ وقال الثالث: إن العدالة هي ما يفرضه الأقوى!
نخلص باختصار لما أراده أفلاطون الى نتيجة أراد أن يمهد لها، فجعلها بكلام هو سماه (كذب) عندما قال: دعنا نكذب على الناس ونقول لهم أن كل الناس أخوان ولكن هناك منهم من قلبه من (ذهب) وهم المؤهلون ليحكموا غيرهم، وهناك من قلبه من (فضة) وهم أعوان الحاكم، وهناك من قلبهم من رصاص وهم المزارعون والصناع والعبيد، فلا يجوز أن يحكم إلا من كان قلبه من ذهب، لأنه إذا حكم من قلبه من فضة أو نحاس فسدت الدولة.
ويشرح أفلاطون الكيفية التي تصنع أولئك الذين قلبهم من ذهب، فيتم إبعادهم عن الفن الهابط والأدب الخسيس والصحبة الشريرة، ويتتلمذوا على أيدي رجال أفاضل علماء فلاسفة!
ولو تصفحنا آداب الشعوب، لرأينا أن تلك الخصلة التزم بها الخلفاء العباسيون حين كانوا يكلفوا أفضل الأدباء والعلماء لتربية أبنائهم، ثم أخذ هذا النهج طريقه الى يومنا هذا...
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، هي الأكثر فهماً لمصالح الشعب، وهي تزعم أن باقي الشعب هم من الحثالة حسب تعبيرهم، وعبيد حسب تعبير أرسطو عندما قسم المجتمع الى أسياد وعبيد والعبد هو كالمقتنيات مثله مثل الأثاث أو الأنعام، فلا يجوز أن يتدخل في شؤون الدولة*3. فبغض النظر عن نظم الحكم في الوقت الحاضر، نجد نُخَباً تضع نفسها فوق المجتمع وتفكر عنه بالإنابة، حتى هذا يحدث في مجتمعات القرى والمدن الصغيرة، نجد فرعاً من عائلة بعينها يفترض لنفسه السيادة المطلقة على باقي المجتمع.
وهناك من يصنع لنفسه كاريزما دينية ويجعل نفسه (فئة أو مجموعة) المفوض الوحيد بنشر العدل، والعدل لا يأتي إلا عن طريقه. وقد جاوب ابن القيم الجوزية هؤلاء بقوله: (فإن الله أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت بها السموات والأرض... والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه، وأدل وأظهر. بل بيّن بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل، فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها)*5
وقد انتبه الإصلاحيون العرب والمسلمون في العصر الحديث لمسألة العدل بشكلها الحديث فهذا رفاعة الطهطاوي (وما يسمونه الحرية (في فرنسا) ويرغبون فيه، هو عين ما يطلق عليه عندنا (العدل والإنصاف)، وذلك لأن معنى الحكم بالحرية هو إقامة التساوي في الأحكام والقوانين، بحيث لا يجور الحاكم على إنسان، بل القوانين هي المُحَكّمة والمعتبرة)*6
وهذا خير الدين التونسي (لا يتيسر التقدم في المعارف وأسباب العمران بدون إجراء تنظيمات سياسية تناسب التنظيمات التي نشاهدها عند غيرنا في التأسيس على دعامتين في العدل والحرية اللذان هما أصلان في شريعتنا، ولا يخفى أنهما ملاك القوة والاستقامة في جميع الممالك)*7
لكن إذا أحس الناس بغياب العدل، وسيادة الفساد، فكيف سيتصرفون؟ هل يثوروا لتحقيق العدل، أم يبحثوا عن ممرات فاسدة في الجو الفاسد ليضمنوا بقائهم؟
لقد سبقت فكرة المدينة كدولة ـ مدينة فكرة الدولة بمفهومها المعروف، وكانت قضية بناء السلطة في المدن من القضايا العويصة التي كثر فيها إشغال العقل وما زال. وينطلق من تلك القضية ثلاثة محاور أساسية للتساؤل:
1ـ لمن تكون السلطة والسيادة في المجتمع؟
2ـ في خدمة مَن تكون السلطة وعلى أي أسس ومبادئ تقوم؟
3ـ ما هي مجالات السلطة وأهدافها وحدودها؟
بعيداً عن المجادلة في تركيز الغرب على مركزية جهده الحضاري في المجال السياسي، وبالذات فيما يخص الدولة ـ المدينة، فإننا نعترف أن الغرب قد نجح في تأطير تراثه الفكري والفلسفي، والتأسيس عليه في كتابة الأفكار وتطويرها كحلقات متسلسلة ترتبط الواحدة بالأخرى، في حين لم ينجح الصينيون والعرب في جعل تراثهم الذي سبق التراث الغربي، بل وحفظه في مراحل كان الغرب فيه جاهلاً، لم تنجح شعوب الشرق في أخذ مكانتها التاريخية لتزاحم وتفسر وتشرح ما يجري في العالم الراهن بمنظور(شرقي) يفسر التطورات العالمية المتلاحقة على كل الأصعدة.
في الفترة التي كانت فيها (المدن ـ الدول) اليونانية تعاني من حروب متواصلة في القرن الخامس قبل الميلاد، كادت أن تفتك بتلك المدن الدول. ظهر أفلاطون بفكره الذي لا يزال يحتل مكانة في نفس كل مشرع لدستور أو قانون أو حتى سياسي بشكل عام، كان فكر أفلاطون ليس كما يظن البعض مثالياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، بل جاء نتيجة معايشة ما يجري حوله، مثله مثل فكر ابن خلدون مؤسس علم (فلسفة التاريخ) شاهداً على تشرذم الدولة العربية والإسلامية والأندلسية.
لِمن تكون السلطة والسيادة في المجتمع؟
استطاع أفلاطون أن يعود الى أثينا، ويقيم في بستان لبطل اسمه (أكاديموس) ليؤسس مدرسة أخذت فيما بعد اسم (أكاديمية) وبقي الاسم الى يومنا هذا لكل مدرسة أو معهد متخصص في شأن ما. وكانت تلك المدرسة (الأكاديمية) والتي استمرت ألف عام، حتى ألغاها الإمبراطور المسيحي (جستنيان) باعتبارها مدرسة وثنية*1.
اصطنع أفلاطون محاورات افتراضية لتبيان معنى العدل في الحكم، وجاءت تعريفات العدل على ألسنة عدة أشخاص: فيقول أحدهم: العدل هو أن يسترد الفرد ماله؛ وقال الآخر: أن يعامل الشرير بشر، والخيّر بخير؛ وقال الثالث: إن العدالة هي ما يفرضه الأقوى!
نخلص باختصار لما أراده أفلاطون الى نتيجة أراد أن يمهد لها، فجعلها بكلام هو سماه (كذب) عندما قال: دعنا نكذب على الناس ونقول لهم أن كل الناس أخوان ولكن هناك منهم من قلبه من (ذهب) وهم المؤهلون ليحكموا غيرهم، وهناك من قلبه من (فضة) وهم أعوان الحاكم، وهناك من قلبهم من رصاص وهم المزارعون والصناع والعبيد، فلا يجوز أن يحكم إلا من كان قلبه من ذهب، لأنه إذا حكم من قلبه من فضة أو نحاس فسدت الدولة.
ويشرح أفلاطون الكيفية التي تصنع أولئك الذين قلبهم من ذهب، فيتم إبعادهم عن الفن الهابط والأدب الخسيس والصحبة الشريرة، ويتتلمذوا على أيدي رجال أفاضل علماء فلاسفة!
ولو تصفحنا آداب الشعوب، لرأينا أن تلك الخصلة التزم بها الخلفاء العباسيون حين كانوا يكلفوا أفضل الأدباء والعلماء لتربية أبنائهم، ثم أخذ هذا النهج طريقه الى يومنا هذا...
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، هي الأكثر فهماً لمصالح الشعب، وهي تزعم أن باقي الشعب هم من الحثالة حسب تعبيرهم، وعبيد حسب تعبير أرسطو عندما قسم المجتمع الى أسياد وعبيد والعبد هو كالمقتنيات مثله مثل الأثاث أو الأنعام، فلا يجوز أن يتدخل في شؤون الدولة*3. فبغض النظر عن نظم الحكم في الوقت الحاضر، نجد نُخَباً تضع نفسها فوق المجتمع وتفكر عنه بالإنابة، حتى هذا يحدث في مجتمعات القرى والمدن الصغيرة، نجد فرعاً من عائلة بعينها يفترض لنفسه السيادة المطلقة على باقي المجتمع.
وهناك من يصنع لنفسه كاريزما دينية ويجعل نفسه (فئة أو مجموعة) المفوض الوحيد بنشر العدل، والعدل لا يأتي إلا عن طريقه. وقد جاوب ابن القيم الجوزية هؤلاء بقوله: (فإن الله أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت بها السموات والأرض... والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه، وأدل وأظهر. بل بيّن بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل، فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها)*5
وقد انتبه الإصلاحيون العرب والمسلمون في العصر الحديث لمسألة العدل بشكلها الحديث فهذا رفاعة الطهطاوي (وما يسمونه الحرية (في فرنسا) ويرغبون فيه، هو عين ما يطلق عليه عندنا (العدل والإنصاف)، وذلك لأن معنى الحكم بالحرية هو إقامة التساوي في الأحكام والقوانين، بحيث لا يجور الحاكم على إنسان، بل القوانين هي المُحَكّمة والمعتبرة)*6
وهذا خير الدين التونسي (لا يتيسر التقدم في المعارف وأسباب العمران بدون إجراء تنظيمات سياسية تناسب التنظيمات التي نشاهدها عند غيرنا في التأسيس على دعامتين في العدل والحرية اللذان هما أصلان في شريعتنا، ولا يخفى أنهما ملاك القوة والاستقامة في جميع الممالك)*7
لكن إذا أحس الناس بغياب العدل، وسيادة الفساد، فكيف سيتصرفون؟ هل يثوروا لتحقيق العدل، أم يبحثوا عن ممرات فاسدة في الجو الفاسد ليضمنوا بقائهم؟