منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#69619
الانتساب والموالاة للمدينة العربية


النَسب والانتساب هو التعريف بالأصل، والنَسَب يكون للأب، ويكون للمكان ويكون للمهنة ويكون للمشاركة، فيُقال فلان نسيب فلان لمشاركته له في قرابة المصاهرة، وفلان له نسبة كذا من رأس مال الشركة، والقضية التي يراد شرحها يبدأ شارحها بقوله بالنسبة الى القضية الفلانية. وهذا اللون من الملابس يُناسب كذا، والتقيت أحدهم بالمناسبة الفلانية الخ.

فنجد في المدن العربية أسماء لعائلات تنتهي بالانتساب لمدن خرجت منها: النابلسي؛ القدسي؛ الحلبي؛ البغدادي؛ التلمساني، كما نجدها في مكان آخر تنتسب لأقاليم أو أقطار، فعائلة الحجازي والنجدي واليماني والمصري والشامي والمغربي الخ.

أما الانتماء في اللغة، آتٍ من النمو والزيادة، فيقال خطة التنمية ووزارة التنمية وهي آتية من النبات ونموه أو الحيوان ونموه فيقال ناقة نامية أي ناقة سمينة، وهي قريبة من الانتساب في المعنى، لكنها تحمل في طياتها الطوعية بمحض إرادة المنتمي وهي أقرب للانتماء الصناعي منها للطبيعي، فيصبح المهندس مهندساً إذا أجيز في شهادة الهندسة، وكذلك من ينتمي لحزب يبقى يعد نفسه كذلك حتى يتركه أو يفصله الحزب، في حين لا يكون لابن عائلة أن يغير اسم عائلته متى أراد.

والولاء في اللغة هو مصدر للولي والوالي وهو الناصر وهو اسم من أسماء الله الحسنى، ومن هنا فهو ولي المؤمنين وناصرهم،لقوله تعالى {ذلك بان الله مولى الذين امنوا وان الكافرين لا مولى لهم}*1. والوالي في الإدارة هو المتحكم بشؤون ولايته (محافظته، إقليمه). وولي العروس (أو مولاها) هو المتحكم بأمر عقدة النكاح، وفي الحديث ((أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل))*2 ، واستولت الدولة على أملاك فلان إذا انتزعتها من تصرفه لتضعها تحت تصرفها، والموالون هم التابعون المناصرون لوليهم الخ.


بعض السمات التي تتسم بها بعض المدن

تشتهر بعض المدن العربية بصفة تنفرد فيها عن غيرها، أو تتميز بها على غيرها من مدن العالم، وقد تكون تلك الصفة ممثلة بصناعة ملابس ك (الداماس) القماش الدمشقي المعروف تاريخياً أو (الموسولين) قماش الموصل. أو تشتهر بلون من الغناء كالقدود الحلبية والمقامات العراقية، والطقطوقة والدور المصري. أو تشتهر بميزة في طرز البناء كشناشيل البصرة والمشربيات الإسكندرانية. أو معلم أثري كأهرامات الجيزة وحدائق بابل. أو لون تتخذه المدينة كطابع دائم لها كما اللون الأحمر الأرجواني الذي يطبع مدينة مراكش. أو لون من الأطعمة مثل كبة حلب وكبة الموصل وبسطيلة الدار البيضاء ومنسف الأردن والمسخن الفلسطيني الخ.


من الطبيعي أن نجد لكل مدينة في العالم ميزات تختلف فيها عن غيرها من المدن، وهذا يتوقف على موقعها الجغرافي فإذا كانت ساحلية ستختلف منتجاتها وتراثها عن المدينة الجبلية أو الصحراوية أو السهلية، لما للموقع الجغرافي أثر في مزاج وطبيعة التعامل مع الطقس من حيث شكل ومقومات بناء المنازل والشوارع وما يؤثر أيضا في المهن الملائمة لذلك الموقع الجغرافي، وحتى المفردات المستعملة في اللغة وعلاقات الإنتاج التي تؤثر في أساليب التعامل وسن القوانين اللازمة للاستقرار الاقتصادي الخ.

نجد أن أبناء المدينة (الأصليين) أي الذين يتفاخرون بانتمائهم لمدينتهم هم من يحرصون على تخليد صفات مدينتهم الأصلية فيصفو الأبنية والأطعمة والعادات والملابس، ويخرج من هؤلاء أدباء يكتبون قصصاً وروايات ومسرحيات وأشعار تذكر القارئ من أبناء المدينة أو العالم ممن يرغبون الاطلاع والثقافة والدراسات الاجتماعية والسياسية ونجد من السينمائيين من يحولوا تلك الأعمال لأفلام ومسلسلات ومسرحيات: مدن الملح، زقاق المدق، بين القصرين، باب الحارة، ليالي الصالحية الخ.

لكن حراسة تقاليد وتراث وقيم المدينة العربية بدأت تتآكل ويزول الاهتمام فيها إلا من قِبل متخصصين أكاديميين أو أدباء وإعلاميين، وقد يعود ذلك الى موجات المهاجرين الذين لا يحق لهم التفاخر في مدينة هم طارئون عليها، وقد تبقى ذاكرة بداية قدومهم للمدينة مليئة بآلام التعايش والقبول من قبل سكانها الأصليين، فهم لا يتفاخروا بانتمائهم لتلك المدينة ولا يريدون التفاخر بذلك.

قد يتزاور المهاجرون الجدد مع أمكنة قدومهم ويمثلوا أمام أبناء قراهم القديمة أنهم يفتخرون بانتمائهم للمدن التي رحلوا إليها، ولكنهم يعرفون أنهم غير صادقين كما يعرف أبناء قراهم ذلك. مثلهم في ذلك مثل المهاجر العربي الى فرنسا، لا يستطيع التفاخر بحضارة فرنسا أمام الفرنسيين، لأنه ليس ممن صنعها، وإن كانت مساهماته غير قليلة بعض الأحيان، ولكنه إن عاد الى موطنه في زيارة سيمثل لأقربائه دور الفرنسي المتحضر ويتعالى عليهم، حتى باقتراحاته لتطوير بلده المنشأ!

إعلان الولاء للمدينة والوطن



كثيراً ما نسمع في خطاب استقبال المسئولين الكبار أن أبناء المدينة الفلانية يعلنون ولائهم لقائد الوطن، وإن لم تكن هناك مناسبة فإن معلنين الولاء يبادرون للكتابة في الجرائد (وعلى حسابهم الشخصي) باستغلال مناسبة عيد ميلاد أو شفاء من مرض سعال، لإعلان ولائهم لقائد الوطن!

إنها إعلانات كاذبة مليئة بالنفاق، مثلها مثل تعليق صور الحكام على أبواب الدوائر والدواوين وأعمدة الإنارة. فهي لا تعطي مؤشراً حقيقياً للولاء والانتماء. وسهلٌ على المتتبع المتواضع أن يتعرف على شكل الانتماء والولاء الحقيقي من خلال استعراض نسب المشاركين في الانتخابات أو الاستفتاءات، وحتى أثناء مناخ (الربيع العربي!).

فالاستفتاء على دستور مصر لم يشارك فيه سوى ثلث المصريين. والانتخابات البلدية الأخيرة في الأردن (مثلاً) بلغت نسبتها في العاصمة التي يشكل سكانها أكثر من ثلث الأردن، بلغت دون 10%، وهي نسبة يشترك فيها السكان الأصليون لمدينة عمان ويُضاف لهم أتباع المرشحين، في حين نجد أنها قد تصل الى أكثر من 80% في القرى الصغيرة والبلدات التي تعتبر تلك العملية فرصة لتمارين توكيد الذات بين الأهالي، وليس لها علاقة بالانتماء أو الولاء.

إن الولاء هو التفاني الإرادي العملي المستمر، من قِبل فرد ما، تجاه قضية معينة. يعرف منها ما ينبغي أن يكون، وما ينبغي أن يقوم به من الأفعال. والولاء ضروري، لأنه يقضي على حالة التردد والحيرة الأخلاقية، ويحقق به الفرد الخير لنفسه... فالفرد لا يستمد خيره من الخارج، ولا يعرف واجبه منه، ودائما ما يلجأ الى الداخل، لاستشارة إرادته العاقلة*3


عندما يصل الشعور بالفرد الى اعتزال قومه، وذلك بسبب عدم ثقته بالنخب الحاكمة وكذلك عدم ثقته بالنخب المعارضة، أو تلك الوجوه التي تنبري للترشح في الانتخابات، فإن ذلك يعطي مؤشراً خطيراً على شعور الفرد بانعدام وزنه وتحوله الى ذرة غبار طائرة مع كثير من أمثاله، فلا يعود يحس بالانتماء لا للوطن ولا للمجتمع.