صفحة 1 من 1

المهمشون في المدن العربية

مرسل: الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 11:18 pm
بواسطة عمر العتيبي 20
المهمشون في المدن العربية




قد يحضر أحدنا اجتماعاً عَرَضّيا غير متخصص لخمسين شخصاً اجتمعوا في مناسبة عادية جداً كالمباركة في مناسبة أو الاستماع لمرشح لانتخابات أو غيره، فإذا سُئل بعد أسبوع عمن حضر الاجتماع فإنه سيتذكر عشرة أشخاص وإذا سُئل بعد سنة عمن حضر الاجتماع سيتذكر اثنين أو ثلاثة... إنه سيتذكر الفاعلين في الاجتماع، أما الباقي منهم فسيتدرجون بقلة فاعليتهم لدرجة الهامشية..

وفي الاجتماعات التي تدعو لها الحاكمية الإدارية (محافظة، متصرفية) فإن من يوجه الدعوات لسكان مدينة تعدادها مائة ألف سيطلب معونة آخرين فيتذكرون مائة أو مائتين من المواطنين الأكثر فاعلية وحضوراً، وباقي سكان المدينة سيتدرجون بقلة فاعليتهم لدرجة الهامشية (هذا في نظر الإدارة الحكومية).

من هم المهمشون في المدن؟

لم يكن مصطلح (الهامشيون أو المهمشون) معروفاً بشكل محدد، بل كان يُطلق عليهم سابقاً (دون الطبقات) أو (المنزوعين طبقياً) أو (القطاع غير المُنظم) وقد أعطتهم الماركسية اسماً قاسياً (البروليتاريا الرثّة). ولم يكن لهم تعريفٌ واضح.

وقد يكون وصف بعض الكُتّاب العرب لهم أكثر دقة ((الشخص الهامشي: هو ذلك الفرد الذي ينتمي لثقافتين أو مجتمعين، دون أن يندمج في إحداهما اندماجا كلياً))*1، وربما شجع هذا التعريف بعض الدارسين على القول بأن هناك ارتباطاً بين الهامشية والشعور بالغربة والعزلة الاجتماعية. فالفرد الهامشي من الناحية السياسية، هو ذلك الشخص الذي لا يساهم في الحياة السياسية لمجتمعه المحلي ـ الوطني: سواء من حيث المساهمة في حزب وصنع القرار الانتخابي أو في أنماط أخرى من صنع القرار، أما من الناحية الاقتصادية فتتجلى الهامشية في انخفاض الإنتاجية والمهارة والتدريب وبدائية وسائل الإنتاج.

وينقسم علماء الاجتماع الى قسمين في إرجاع تلك الظاهرة الى أسبابها. هناك من يرجع تلك الظاهرة الى الرأسمالية العالمية التي أفسدت الشعوب وحقنتهم بثقافة الاستهلاك، من خلال الأفلام الغربية والأغاني والمسلسلات التي تعرض أنماطاً حياتية تستفز الحالم من الفقراء ليترك بيئته الريفية ويهاجر الى المدينة أو الى دولٍ غربية، فيبقى هامشياً أينما اتجه*2

كما أن محمود إسماعيل، يسخر من الرأسماليين وأتباعهم، بأنهم يرفعون شعارات نصرة المسحوقين، فيأخذون أصواتهم في الانتخابات، ويأخذون جهدهم الذي يبنون فيه البلاد ويحولونه الى قصور وأسباب الرفاهية، ويضيف أن عامل جمع القمامة أكثر فائدة ألف مرة للوطن من متلاعب بأسواق البورصة*3

أما من يحتقر (المهمشين) فهم من مؤسسي الفكر الليبرالي الغربي، فهذا مخترع الديمقراطية الحديثة (مونتسكيو) يقول: (( لا يفسد مبدأ الديمقراطية بضياع روح المساواة فقط، بل يفسد بالإفراط في انتحال مبدأ المساواة أيضاً وذلك لأن كل واحد يريد أن يساوي من اختاره ليتولي أمره ، وبما أن الشعب لا يُطيق بذلك ما يفوضه من السلطة فإنه يود أن يصنع كل شيء بنفسه وأن يتشاور عن أعضاء مجلس الشعب وأن يُنفذ عن الحكام وأن يُجرد جميع القضاة.)) ويضيف ((... يريد الشعب أن يقوم بوظائف الحُكام ، ويعود غير موقر لهم إذن ، وتعود مناقشات أعضاء مجلس الشعب غير ذات وزن ويعود أعضاء مجلس الشعب ومن ثم الشيوخ غير مُكرمين إذن ، وإذا ضاع احترام الشيوخ عاد الآباء غير محترمين ، وعاد الأزواج غير أهل للرعاية والسادة غير أهل للطاعة ، وجميع الناس ينتهون إلي حب الفجور ويُتعب عُسر القيادة كما يُتعب عُسر الإطاعة، ولا يخضع النساء والأولاد لأحد ، وتفقد بذلك الأخلاق وحب النظام ولا تبقي الفضيلة))*4

أما أوسكار لويس فهو أكثر شراسة في الهجوم على الفقراء والمهمشين بقوله ((إن ثقافة الفقر تُدعم وتُنقل من جيل الى آخر من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، كما أن فقر ثقافة الفقراء تجعلهم عقيمين لا أباليين لا أمل فيهم، عالة ...))*5

ملامح من آثار التهميش على المهمشين والمجتمع

وضعت دراسات كثيرة على المهمشين في كل من الرباط، وبيروت، والقاهرة، وكثير من المدن العربية، لا يمكن الإشارة لها كلها في هذا المقام، ومنها ما تناول المهمشين من حيث أسباب تواجدهم، كالتي وضعت على المهمشين في بيروت، بسبب الحرب الأهلية 1975ـ 1990، (90) ألف أسرة مهجرة عدد أفرادها 450ألف فرد، بسبب تدمير 36014 مسكن، كان من بين تلك الأسر 8376 تعيش في مساكن (بعد التهجير) لا تزيد مساحة المسكن عن 25م2، و10660 أسرة تعيش في مساكن بين 26 ـ50م2، وانتشرت بينهم البطالة وعدم الالتحاق بالمدارس وتفشي الأمراض الخ *6

وفي دراسة جريئة لمجتمع (القاع)*7 من الهامشيين في مدينة عمان، قامت بها الباحثة (سهير سلطي)، وجرأتها آتية من كون الباحثة أنثى في حين من يسيطر على نشاط الدعارة والمخدرات وغيرها هم من الذكور، وكان من لزوم الدراسة التخفي والاستعانة بحراس ثقة! من بين مجتمع المنحرفين، حيث كان يجب عليها أن تزور دور السينما والخرابات والمقابر ليلاً، والالتقاء مع أصحاب الانحرافات والجرائم الأخلاقية، دون أن تكشف نفسها، بل من خلال تلقين مرافقيها أسئلة يقومون باستدراج المستجوبين والمستجوبات بلغة (أهل الكار)، توصلت الى ما يلي:

1ـ إن انتشار دور الدعارة يأتي من الهجرات بعد الكوارث، واختارت حرب الخليج الثانية كنموذج، حيث وصل عدد بيوت الدعارة في عمان الى 500 بيت دعارة، غير فتيات الشوارع.
2 ـ ضيق المساكن وازدحام الساكنين فيه، حيث يتعرف الأبناء والبنات على التواصل الجنسي بين الوالد والوالدة، وتحتك الإناث بالذكور مما يخلق جواً يشجع على انحرافات محرمة بين الساكنين.
3ـ تدني المستوى التعليمي، فمن خلال مقابلاتها مع أقسام الشرطة ودور الرعاية الاجتماعية والسجون، وجدت من بين 1500 منحرفة 92.5% لم يكملن الدراسة الابتدائية وواحدة فقط تحمل البكالوريوس.
4ـ الفقر المدقع مما يدفع بالفتيان والفتيات للتسول ووقوعهم في أيدي المدبرين لعمليات الانحراف. في حين كان المنحرفون من الأغنياء يقعون في انحرافات الإدمان المصحوبة بغيرها من الانحرافات.
5ـ الحالة الدينية منخفضة جداً، رغم استخدام المنحرفات لكلمات (هيك الله بدو)؛ (نصيب)، (الله يخزي الشيطان)0
6ـ عدم ثقة المنحرفين والمنحرفات بمؤسسات الدولة والمجتمع، شرطة، تنمية اجتماعية الخ.

وتخلص الباحثة في بحثها الى القول: (هل كان لهذه الفئات أن تختار ما هي عليه، لو أنها عاشت في مجتمع أكثر عدالة وديمقراطية وأقل عرضة للهزات العنيفة التي تمثلت باقتلاع من أوطان وهجرات متكررة وهزائم متوالية وانهيارات قيمية وأخلاقية لا تقل قسوة؟).