صفحة 1 من 1

المجتمع المدني في المدن العربية

مرسل: الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 11:20 pm
بواسطة عمر العتيبي 20
المجتمع المدني في المدن العربية


بعد أن تضخم حجم المدن بالمساحة وعدد السكان، صار من ضرب الجنون أن تترك المدينة لرجل واحد أو جهاز واحد للمحافظة على الاستقرار الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي فيها، فكما هي أجهزة الجسم (الهضمي و العضلي والتنفسي والعصبي) لها أدوار مخصصة ولها أطباء مختصون، تكون أجهزة المدينة العمرانية والثقافية والبيئية وغيرها لها أقسام يختص بها مختصون، ومن هنا ظهرت فكرة المجتمع المدني.

وكما يبدو، فإن مصطلح (المجتمع المدني) لم يلقَ اهتماماً شعبياً واسعاً، فنظر إليه البعض نظرة فيها بعض الازدراء، كونه تقليد غربي لم يُستنبت في بلادنا ـ وهي نظرة بها من الخطأ ما فيها. كما أن عدم وضوح دور منظمات المجتمع المدني وارتباطها بأنظمة الحكم وضع عليها الكثير من التساؤلات.


فكرة المجتمع المدني قديمة وليست طارئة كما يظن البعض

ارتبطت فكرة المجتمع المدني في أيام اليونانيين القدماء بفكرة وحدة المجتمع والمصلحة العامة التي هي نقيض للمصلحة الخاصة، فهذا أفلاطون يشير في (جمهوريته) الى ذلك ((إن المصلحة الفردية لا يمكن أن توفر أبداً أساساً كافياً لحياةٍ سعيدة، وعادلة أو متمدنة، فالقوة الشرعية، والسلطة، والمعرفة توجد فقط لخدمة أولئك الذين تُمارس لأجلهم. تماما مثلما تكمن مهارة الطبيب في معالجة المرض، ومثلما يمارس القبطان سلطته نيابة عن طاقمه، فإنه لا يجوز لأي حاكم، بقدر ما يتصرف بصفته حاكماً، أن يتوخى أو يفرض ما يصب في مصلحته الخاصة، فكل ما يقوله ويفعله، سيُقال ويتحقق بموجب ما هو مفيد وملائم للرعية التي من أجلها يمارس مهنته))*1.

وأجدادنا الذين ترجموا الكتب اليونانية القديمة فحفظوها من الضياع، وأضافوا عليها (الفارابي، ابن سينا، ابن رشد، الماوردي، ابن الأزرق)الخ. كلهم ربطوا فكرة تقسيم المجتمع لإتقان كل جماعة مهنية أو دعوية (فكرية) للبحث في مجالها، لتكون محاذية للحاكم لتمده بالفكر والنصح، ولتجالسه في مجالس العلم والفكر لتفجير الإبداع وإخراجه من مكامنه، فيكون دور الفكر دوراً وظيفياً محاذياً لحركة المجتمع، كما هي إشارات المرور اليوم تكون منبهة للسائق قبل مائة متر تقريبا وليس الإشارات في شارع والمقصود في مكان آخر! وقد صدر كتاب في أوائل الثمانينات من القرن الماضي يتحدث فيه المؤلف عن المجتمع المدني في عهد دولة النبوة في المدينة، وكيف نسف الإسلام قواعد العلاقات الاجتماعية القائمة آنذاك ووضع قواعد جديدة لتضبط علاقات المجتمع وفق مركزية شرعية وأخلاق مستمدة من الفضاء الديني*2

محاولة تعريف للمجتمع المدني

هناك من يطلق عليه المجتمع الأهلي، (يشير مصطلح المجتمع المدني إلى المجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجودٌ في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية. ومن ثم يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى مجموعة عريضة من المنظمات، تضم: الجماعات المجتمعية المحلية، والمنظمات غير الحكومية ، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري(.

ويلاحظ من هذا التعريف الذي اعتمدته الأمم المتحدة، استبعاد الأحزاب السياسية من دائرة منظمات المجتمع المدني.. وقد انتبهت بعض الأحزاب لذلك فأنشأت منظمات (ظِل) تابعة لها لكي تستفيد من المعونات الهائلة التي تقدمها مؤسسات مالية عالمية لها..

ازدياد عدد منظمات المجتمع المدني وازدياد المعونات لها

رصد (توكفيل) أكثر من 18 ألف منظمة في الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف القرن التاسع عشر*3. أما مصادر الأمم المتحدة الحديثة فتقول أنه ارتفعت المنظمات المدنية من 6 آلاف منظمة عام 1990 لتصل الى أكثر من 50 ألف منظمة عام 2006. ووصلت معوناتها المالية الى 15 مليار دولار أمريكي [يمكن الرجوع الى موقع البنك الدولي ومنظمات المجتمع المدني].

وفي مصر وحدها، رصدت أستاذة العلوم السياسية (أماني قنديل) 42600 منظمة في مطلع عام 2013*4.

ومن الطبيعي أن يثير الدعم الخارجي لمنظمات المجتمع المدني العربية شكوك وهواجس الكثيرين. وقد لاحظنا كيف ترافقت موجات ما يسمى بالربيع العربي مع موجات من الظنون والتفسيرات التي تقلل من أهمية الأحداث وتعيدها الى عوامل خارجية!

البيئة التي ترافقت مع ظهور منظمات المجتمع المدني

يشير الدكتور أحمد الصبيحي في أطروحة الدكتوراه له عن الكيفية التي كانت تتعامل بها الأنظمة العربية مع المناخ الديمقراطي ويلخصها ب:

1ـ السيطرة على الحكومة والبرلمان والمجالس المنتخبة.
2ـإلغاء التعددية الحزبية إن وجدت.
3ـ العمل بقوانين الطوارئ والأحكام العرفية.
4ـ تفكيك النقابات والاتحادات والمنظمات وجعلها أجهزة مرتبطة بالدولة.
5ـ توسيع الأجهزة الأمنية وإطلاق يدها في المجتمع.
6ـ اعتماد النظم العربية آلية التعبئة الجماهيرية المساندة للسلطة*5