- الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 11:22 pm
#69624
العولمة وأثرها على المدن العربية
بعد انهيار جدار برلين في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، تدفقت عشرات المصطلحات الحديثة والطارئة، ترافقت مع الفرحة العارمة للرأسماليين والليبراليين في العالم بهزيمة عدوهم الأول ـ المشروع الاشتراكي الشيوعي ـ وظهرت مؤلفات تفلسف ضرورة الاستسلام لقدرية انتصار الرأسمالية العالمية (الإمبريالية) وعدم التأسف لزوال المشروع البغيض في نظرهم، والإقرار بعدم عودة ذلك المشروع، ومن أهم ما ظهر من كتب هو كتاب فوكوياما (نهاية التاريخ).
ومن بين المصطلحات التي ظهرت: مصطلح العولمة، واختلف العرب على ترجمته فمنهم من سماه (الكونية) ومنهم من سماه (الشوملة) ومنهم من سماه الكوكبة ترجمة للمسمى الإنجليزي (Globalization) المشتق من ( Globe) بمعنى الكرة أو الكوكب*1
ومن المصطلحات التي رافقت مصطلح العولمة في الظهور: ثورة المعلوماتية الكونية؛ ثورة الاتصالات والمواصلات الفائقة السرعة؛ أوتستراد المعلوماتية؛ الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات؛ العالم قرية واحدة الخ، الخ..
باختصار: ما هي العولمة؟ ومتى بدأت؟
من المؤكد أن فكرة العولمة لم تبدأ بانهيار جدار برلين، وإن كانت قد تجلت بعده. فالعولمة هي امتداد لفكرة الرأسمالية التي بدأت أسسها تتكون منذ القرن الخامس عشر، ومرت بعدة مراحل:
أولاً: المرحلة الأولى: وقد أطلق عليها المختصون الرأسمالية التجارية وهي التي كان يختص بها أصحاب السفن الذين يصلون الى أطراف الأرض ليحضروا الحرير والبخور والأخشاب وغيرها من السلع، وكانوا يؤسسون موانئ بالاتفاق مع حكام محليين وينصبوا عليها أمراء لا يخضعون للحكام الإقليميين (طبعا بالاتفاق مع الحكام الإقليميين وإعطاؤهم نصيبهم) وأطلقوا على تلك الموانئ أو المدن التي تكون محطات مفصلية اسم (المدن الحرة) ولا تزال التسمية سارية حتى اليوم.
وقد رافق تلك المرحلة نمط من التفكير والتبشير العقائدي يجعل من أوروبا وفكرها مركزا للعالم، ويسمى العالم غيرها بالأطراف، التي تستوجب الرحمة أو التصفية أو التحسن عليها بتمدينها! ومن المفكرين والعلماء والفلاسفة في تلك الحقبة: نيوتن وكوبرنيكس وجاليلو وروسو وديكارت وغيرهم.
ثانياً: الرأسمالية الصناعية، وهي الطور الذي رافق اختراع الآلة البخارية (جيمس وط) وما تلاها من اكتشافات أحدثت ثورة في النقل والمواصلات وسكك الحديد والزراعة والصناعات النسيجية الخ.
وقد أصبح التنافس التجاري في كسب الأسواق يعتمد على تخفيض أسعار المبيعات، فكان المتنافسون يقللوا الكلف بزيادة ساعات العمل للعاملين حتى كانت تصل الى 16 ساعة عمل يوميا واستخدام النساء والأطفال بأجور زهيدة جداً، الأمر الذي أدى لظهور فكر يقاوم تلك المظاهر فظهرت النقابات والفكر الاشتراكي، وظهر مقابله فكر يجيز زيادة الإنتاج بأي طريقة..
ومن الغريب أن الأفكار الرأسمالية أتت بعيداً عن المنطق الذي كان سائداً آنذاك ويجيز الإقطاع ونظام اللوردات والفرسان وغيره، وقد تحالف الرأسماليون مع المثقفين المعارضين لشكل الدولة القديم، حتى أصبحوا يطالبوا بتحييد الدولة في التدخل بالإنتاج والتجارة، وهو ما وصلوا إليه اليوم.
عشرات بل مئات المفكرين رافقوا تلك المرحلة من اشتراكيين أمثال ماركس وإنجلز ومعارضين لهم من مختلف أنحاء أوروبا وأمريكا.
ثالثاً: الإمبريالية: امتدت تلك الفترة من مؤتمر برلين 1884 الى مؤتمر فرساي 1919، حيث كانت (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال) تسيطر على كل قارة إفريقيا بالكامل وكانت الفلسفة القائمة أن هذه ليست أرض أحد إذ كان سكانها في نظرهم ليس من بني البشر![No men land]، وكانت الحرب العالمية الثانية على الأبواب، فأحست دول المحور (ألمانيا؛ إيطاليا؛ اليابان) بأنها ظُلمت في الحصص (بمؤتمر فرساي)، في حين الدول الأخرى أصبحت كما لو أنها إمبراطوريات (بريطانيا: الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس) وإمبراطور روسيا كان يلقب إمبراطور كل (الروسيات) روسيا الكبرى و روسيا الصغرى (أوكرانيا) و روسيا البيضاء. وهكذا بالنسبة للآخرين. أما الولايات المتحدة الناشئة في فترة متأخرة فأرادت استغلال انسحاب الإمبراطوريات القديمة لتحل محلها بشتى الطرق..
وقد تنبأ بمسار الإمبريالية مفكرون اشتراكيون ووضعوا حدوداً لنموها ومآلها فقد توقع (بوخارين) في كتابه (الإمبريالية والاقتصاد العالمي) أنه سيتوسع إنتاج الدول الرأسمالية وأسواقها لتصل الى زوايا الأرض الأربع، وكان (لينين) يتوقع أن تنتهي الرأسمالية عند حد الإمبريالية، وهو توقع خاطئ، لأن العولمة وليس الإمبريالية هي آخر تجليات الرأسمالية والإمبريالية وما بعد الإمبريالية.
رابعاً: العولمة بتعريف أنصارها تبدو وديعة لطيفة تنشد الخير والرفاهية لشعوب الأرض، فهي في نظر هؤلاء مأخوذة من (العالم) ليصبح العالم قرية واحدة يتمتع كل أبناؤه بخيراته وأمواله وعلومه وثقافاته الخ!
وهي في نظر أعدائها ومنهم بعض المفكرين العرب مثل (محمد عابد الجابري) عندما أطلق عليها (الأمركة) نسبة لفكر وإرادة أمريكا وفرضها نماذج الحياة والثقافة والإعلام الأمريكي، فمن يناصر هذا النموذج سيتم الموافقة على بقائه في دائرة الأضواء ومن سيعارضه أو يعيقه فإنه سيُدمر ويُزال من أمام هذا التيار. وكذلك يشرح المفكر (سمير أمين) بكتابه (التطور اللامتكافئ).
ويذهب البعض الى أن العولمة فكرة ماسونية بحتة، وضعت أيقونتها على (الدولار الأمريكي) إذ يمسك النسر بأحد مخلبيه غصن زيتون و المخلب الثاني يمسك 13 سهم، وهي رمز الحرب (أو عدد قيادة الجمعية النورانية التي اخترقت الماسونية نفسها وتلعب بالعالم اليوم).
وبعيداً عن لغة الكراهية والتمني بالفشل، فقد توافق أصحاب الرساميل في مختلف البلدان المتقدمة جداً على تأسيس حالة أكثر تقدماً من (الكارتل) و أكثر تقدماً من (الترست). ففي حالة (الكارتل) تتفق مجموعة من الشركات تنتج سلعة أو مجموعة سلعية واحدة على الالتزام بأسعار معينة أو على توزيع للأسواق الخ، وأحياناً تندمج شركتان أو أكثر لتكون هذا الشكل وهذا يُطلق عليه التكامل الأفقي. أما (الترست) والذي يُطلق عليه التكامل الرأسي فكان يعني الاشتغال بكل مراحل الإنتاج للسلعة من المادة الأولية وحتى بيع السلعة النهائية بقصد إلغاء الأرباح الوسيطة أو السيطرة عليها بما في ذلك شراء الشركات المغذية لصناعة مثل صناعة السيارات.
في حالة العولمة: اختفت أسماء الأشخاص من على الشركات مثل (فورد وروكفلر وغيرهما) وحل محلها أسماء متعدية (أو متعددة) الجنسية. واختفى المكان الذي تعمل به وإن بقي مقر الشركة في بلد ما. وتعددت الأنشطة فنجد شركة مثل (ميتسوبيشي) لها عدة نشاطات: ميتسوبيشي للسيارات، ميتسوبيشي للكهرباء، للصناعات الثقيلة، للكيمياويات، بنك ميتسوبيشي وهكذا. ولا يستبعد أن تكون تلك الشركات هي وراء اتفاقية الجات لتسهيل حركتها في العالم.
لقد توقعت بعض دور الإعلام أن عدد الشركات متعدية الجنسية يعد بالآلاف وقد ذكرت مجلة (فورشن) في عام 1996 خمسمائة من تلك الشركات بلغت أصولها 32 تريليون دولار، وإجمالي إيراداتها 11 تريليون، أما عمالها فكانوا 35 مليون عامل، وهو رقم ضئيل ومثير للغضب، عندما نعلم أن نشاطها يساوي 45% من النشاط الاقتصادي العالمي كاملاً.
لقد قدمت تلك الشركات نفسها على أنها المنقذ الوحيد للاقتصاد العالمي، فأصبح رؤساء أهم دول العالم وكأنهم مندوبي مبيعات لتلك الشركات، وكل رؤساء وحكومات العالم تنشد ود تلك الشركات لتستثمر في أراضيها، وهي تتدلل وهي في الحقيقة لا تستثمر إلا إذا ضمنت أرباحاً مبالغاً فيها، لانخفاض الأجور أو الأراضي أو المواد الخام أو القوانين المعفية لها الخ.
كيف أثرت العولمة على شخصية المدينة العربية؟
1ـ فقدان الثقة للحكومات العربية بتطور بلدانها ببرامج اقتصادية وطنية بعيداً عن تلك الشركات، مما ولد ما يلي:
أ ـ الشعور بانعدام الوزن من لدى المجتمعات العربية والمواطن العربي مقارنة بمن يقف وراء تلك الشركات والتسليم لهم بالقوة السحرية!
ب ـ الشعور بضآلة المناهج الثقافية الوطنية وعدم جدواها في الوقوف باستقلالية.
ج ـ ذوبان شخصية البناء والثقافة والفن من خلال الانبهار بتوابع الثقافة والعادات الاجتماعية لمجتمعات تلك الشركات.
د ـ الخضوع لأنماط الاستهلاك للسلع التي تنتجها تلك الشركات، من خلال توحيد الدعاية والإعلان واقتحام كل بيت عربي.
2ـ زيادة المديونية الوطنية وتدويرها بشكل دوري، مما يحكم سيطرة تلك الشركات على عقل المشرع والحاكم والمحكوم.
3ـ فقدان القدرة على اتخاذ أي قرار وطني بعيداً عن موافقة تلك الشركات ومن وراءها من حكومات تسير على هديها.
4ـ بيع الأصول الوطنية من معامل ومشافي وبنوك وجامعات ومصافي ومناجم وحتى طرقات مما يؤدي الى:
أ ـ زيادة البطالة.
ب ـ ارتفاع الأسعار لكل شيء تنتجه تلك الشركات أو تتحكم به.
ج ـ غياب الحرف اليدوية والدكاكين وتحويل البلاد لسلسلة من (المولات) وشبكات المطاعم وغيرها.
د ـ تفشي الأمية لابتعاد الحكومات عن مهمة التعليم شيئا فشيئا في الطريق الى خصخصته.
هـ ـ تفشي الأمراض من خلال إدخال طرق وأنواع من الطعام، وعدم قدرة الدولة على معالجتها..
و ـ توصيل المواطن لدرجة أنه يصبح يُطالب بالمزيد من تدخل تلك الشركات الى البلاد للتعجيل في خلاصه مما هو فيه أو التخليص عليه!
بعد انهيار جدار برلين في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، تدفقت عشرات المصطلحات الحديثة والطارئة، ترافقت مع الفرحة العارمة للرأسماليين والليبراليين في العالم بهزيمة عدوهم الأول ـ المشروع الاشتراكي الشيوعي ـ وظهرت مؤلفات تفلسف ضرورة الاستسلام لقدرية انتصار الرأسمالية العالمية (الإمبريالية) وعدم التأسف لزوال المشروع البغيض في نظرهم، والإقرار بعدم عودة ذلك المشروع، ومن أهم ما ظهر من كتب هو كتاب فوكوياما (نهاية التاريخ).
ومن بين المصطلحات التي ظهرت: مصطلح العولمة، واختلف العرب على ترجمته فمنهم من سماه (الكونية) ومنهم من سماه (الشوملة) ومنهم من سماه الكوكبة ترجمة للمسمى الإنجليزي (Globalization) المشتق من ( Globe) بمعنى الكرة أو الكوكب*1
ومن المصطلحات التي رافقت مصطلح العولمة في الظهور: ثورة المعلوماتية الكونية؛ ثورة الاتصالات والمواصلات الفائقة السرعة؛ أوتستراد المعلوماتية؛ الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات؛ العالم قرية واحدة الخ، الخ..
باختصار: ما هي العولمة؟ ومتى بدأت؟
من المؤكد أن فكرة العولمة لم تبدأ بانهيار جدار برلين، وإن كانت قد تجلت بعده. فالعولمة هي امتداد لفكرة الرأسمالية التي بدأت أسسها تتكون منذ القرن الخامس عشر، ومرت بعدة مراحل:
أولاً: المرحلة الأولى: وقد أطلق عليها المختصون الرأسمالية التجارية وهي التي كان يختص بها أصحاب السفن الذين يصلون الى أطراف الأرض ليحضروا الحرير والبخور والأخشاب وغيرها من السلع، وكانوا يؤسسون موانئ بالاتفاق مع حكام محليين وينصبوا عليها أمراء لا يخضعون للحكام الإقليميين (طبعا بالاتفاق مع الحكام الإقليميين وإعطاؤهم نصيبهم) وأطلقوا على تلك الموانئ أو المدن التي تكون محطات مفصلية اسم (المدن الحرة) ولا تزال التسمية سارية حتى اليوم.
وقد رافق تلك المرحلة نمط من التفكير والتبشير العقائدي يجعل من أوروبا وفكرها مركزا للعالم، ويسمى العالم غيرها بالأطراف، التي تستوجب الرحمة أو التصفية أو التحسن عليها بتمدينها! ومن المفكرين والعلماء والفلاسفة في تلك الحقبة: نيوتن وكوبرنيكس وجاليلو وروسو وديكارت وغيرهم.
ثانياً: الرأسمالية الصناعية، وهي الطور الذي رافق اختراع الآلة البخارية (جيمس وط) وما تلاها من اكتشافات أحدثت ثورة في النقل والمواصلات وسكك الحديد والزراعة والصناعات النسيجية الخ.
وقد أصبح التنافس التجاري في كسب الأسواق يعتمد على تخفيض أسعار المبيعات، فكان المتنافسون يقللوا الكلف بزيادة ساعات العمل للعاملين حتى كانت تصل الى 16 ساعة عمل يوميا واستخدام النساء والأطفال بأجور زهيدة جداً، الأمر الذي أدى لظهور فكر يقاوم تلك المظاهر فظهرت النقابات والفكر الاشتراكي، وظهر مقابله فكر يجيز زيادة الإنتاج بأي طريقة..
ومن الغريب أن الأفكار الرأسمالية أتت بعيداً عن المنطق الذي كان سائداً آنذاك ويجيز الإقطاع ونظام اللوردات والفرسان وغيره، وقد تحالف الرأسماليون مع المثقفين المعارضين لشكل الدولة القديم، حتى أصبحوا يطالبوا بتحييد الدولة في التدخل بالإنتاج والتجارة، وهو ما وصلوا إليه اليوم.
عشرات بل مئات المفكرين رافقوا تلك المرحلة من اشتراكيين أمثال ماركس وإنجلز ومعارضين لهم من مختلف أنحاء أوروبا وأمريكا.
ثالثاً: الإمبريالية: امتدت تلك الفترة من مؤتمر برلين 1884 الى مؤتمر فرساي 1919، حيث كانت (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال) تسيطر على كل قارة إفريقيا بالكامل وكانت الفلسفة القائمة أن هذه ليست أرض أحد إذ كان سكانها في نظرهم ليس من بني البشر![No men land]، وكانت الحرب العالمية الثانية على الأبواب، فأحست دول المحور (ألمانيا؛ إيطاليا؛ اليابان) بأنها ظُلمت في الحصص (بمؤتمر فرساي)، في حين الدول الأخرى أصبحت كما لو أنها إمبراطوريات (بريطانيا: الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس) وإمبراطور روسيا كان يلقب إمبراطور كل (الروسيات) روسيا الكبرى و روسيا الصغرى (أوكرانيا) و روسيا البيضاء. وهكذا بالنسبة للآخرين. أما الولايات المتحدة الناشئة في فترة متأخرة فأرادت استغلال انسحاب الإمبراطوريات القديمة لتحل محلها بشتى الطرق..
وقد تنبأ بمسار الإمبريالية مفكرون اشتراكيون ووضعوا حدوداً لنموها ومآلها فقد توقع (بوخارين) في كتابه (الإمبريالية والاقتصاد العالمي) أنه سيتوسع إنتاج الدول الرأسمالية وأسواقها لتصل الى زوايا الأرض الأربع، وكان (لينين) يتوقع أن تنتهي الرأسمالية عند حد الإمبريالية، وهو توقع خاطئ، لأن العولمة وليس الإمبريالية هي آخر تجليات الرأسمالية والإمبريالية وما بعد الإمبريالية.
رابعاً: العولمة بتعريف أنصارها تبدو وديعة لطيفة تنشد الخير والرفاهية لشعوب الأرض، فهي في نظر هؤلاء مأخوذة من (العالم) ليصبح العالم قرية واحدة يتمتع كل أبناؤه بخيراته وأمواله وعلومه وثقافاته الخ!
وهي في نظر أعدائها ومنهم بعض المفكرين العرب مثل (محمد عابد الجابري) عندما أطلق عليها (الأمركة) نسبة لفكر وإرادة أمريكا وفرضها نماذج الحياة والثقافة والإعلام الأمريكي، فمن يناصر هذا النموذج سيتم الموافقة على بقائه في دائرة الأضواء ومن سيعارضه أو يعيقه فإنه سيُدمر ويُزال من أمام هذا التيار. وكذلك يشرح المفكر (سمير أمين) بكتابه (التطور اللامتكافئ).
ويذهب البعض الى أن العولمة فكرة ماسونية بحتة، وضعت أيقونتها على (الدولار الأمريكي) إذ يمسك النسر بأحد مخلبيه غصن زيتون و المخلب الثاني يمسك 13 سهم، وهي رمز الحرب (أو عدد قيادة الجمعية النورانية التي اخترقت الماسونية نفسها وتلعب بالعالم اليوم).
وبعيداً عن لغة الكراهية والتمني بالفشل، فقد توافق أصحاب الرساميل في مختلف البلدان المتقدمة جداً على تأسيس حالة أكثر تقدماً من (الكارتل) و أكثر تقدماً من (الترست). ففي حالة (الكارتل) تتفق مجموعة من الشركات تنتج سلعة أو مجموعة سلعية واحدة على الالتزام بأسعار معينة أو على توزيع للأسواق الخ، وأحياناً تندمج شركتان أو أكثر لتكون هذا الشكل وهذا يُطلق عليه التكامل الأفقي. أما (الترست) والذي يُطلق عليه التكامل الرأسي فكان يعني الاشتغال بكل مراحل الإنتاج للسلعة من المادة الأولية وحتى بيع السلعة النهائية بقصد إلغاء الأرباح الوسيطة أو السيطرة عليها بما في ذلك شراء الشركات المغذية لصناعة مثل صناعة السيارات.
في حالة العولمة: اختفت أسماء الأشخاص من على الشركات مثل (فورد وروكفلر وغيرهما) وحل محلها أسماء متعدية (أو متعددة) الجنسية. واختفى المكان الذي تعمل به وإن بقي مقر الشركة في بلد ما. وتعددت الأنشطة فنجد شركة مثل (ميتسوبيشي) لها عدة نشاطات: ميتسوبيشي للسيارات، ميتسوبيشي للكهرباء، للصناعات الثقيلة، للكيمياويات، بنك ميتسوبيشي وهكذا. ولا يستبعد أن تكون تلك الشركات هي وراء اتفاقية الجات لتسهيل حركتها في العالم.
لقد توقعت بعض دور الإعلام أن عدد الشركات متعدية الجنسية يعد بالآلاف وقد ذكرت مجلة (فورشن) في عام 1996 خمسمائة من تلك الشركات بلغت أصولها 32 تريليون دولار، وإجمالي إيراداتها 11 تريليون، أما عمالها فكانوا 35 مليون عامل، وهو رقم ضئيل ومثير للغضب، عندما نعلم أن نشاطها يساوي 45% من النشاط الاقتصادي العالمي كاملاً.
لقد قدمت تلك الشركات نفسها على أنها المنقذ الوحيد للاقتصاد العالمي، فأصبح رؤساء أهم دول العالم وكأنهم مندوبي مبيعات لتلك الشركات، وكل رؤساء وحكومات العالم تنشد ود تلك الشركات لتستثمر في أراضيها، وهي تتدلل وهي في الحقيقة لا تستثمر إلا إذا ضمنت أرباحاً مبالغاً فيها، لانخفاض الأجور أو الأراضي أو المواد الخام أو القوانين المعفية لها الخ.
كيف أثرت العولمة على شخصية المدينة العربية؟
1ـ فقدان الثقة للحكومات العربية بتطور بلدانها ببرامج اقتصادية وطنية بعيداً عن تلك الشركات، مما ولد ما يلي:
أ ـ الشعور بانعدام الوزن من لدى المجتمعات العربية والمواطن العربي مقارنة بمن يقف وراء تلك الشركات والتسليم لهم بالقوة السحرية!
ب ـ الشعور بضآلة المناهج الثقافية الوطنية وعدم جدواها في الوقوف باستقلالية.
ج ـ ذوبان شخصية البناء والثقافة والفن من خلال الانبهار بتوابع الثقافة والعادات الاجتماعية لمجتمعات تلك الشركات.
د ـ الخضوع لأنماط الاستهلاك للسلع التي تنتجها تلك الشركات، من خلال توحيد الدعاية والإعلان واقتحام كل بيت عربي.
2ـ زيادة المديونية الوطنية وتدويرها بشكل دوري، مما يحكم سيطرة تلك الشركات على عقل المشرع والحاكم والمحكوم.
3ـ فقدان القدرة على اتخاذ أي قرار وطني بعيداً عن موافقة تلك الشركات ومن وراءها من حكومات تسير على هديها.
4ـ بيع الأصول الوطنية من معامل ومشافي وبنوك وجامعات ومصافي ومناجم وحتى طرقات مما يؤدي الى:
أ ـ زيادة البطالة.
ب ـ ارتفاع الأسعار لكل شيء تنتجه تلك الشركات أو تتحكم به.
ج ـ غياب الحرف اليدوية والدكاكين وتحويل البلاد لسلسلة من (المولات) وشبكات المطاعم وغيرها.
د ـ تفشي الأمية لابتعاد الحكومات عن مهمة التعليم شيئا فشيئا في الطريق الى خصخصته.
هـ ـ تفشي الأمراض من خلال إدخال طرق وأنواع من الطعام، وعدم قدرة الدولة على معالجتها..
و ـ توصيل المواطن لدرجة أنه يصبح يُطالب بالمزيد من تدخل تلك الشركات الى البلاد للتعجيل في خلاصه مما هو فيه أو التخليص عليه!