الافخاخ الامريكية للاحزاب الاسلامية
مرسل: الأربعاء ديسمبر 11, 2013 2:43 pm
تتوالى يوماً بعد يوم الاشارات والايماءات الايجابية الصادرة عن الادارة الأميركية تجاه قوى الاسلام السياسي في المنطقة العربية، لعل من أبرزها الاعلانات المتكررة عن حوارات ايجابية تجري بين الادارة الأميركية وبعض القوى الاسلامية، وتصريح وزيرة خارجية اميركا هيلاري كلينتون عن استعداد اميركا للتعامل مع الاسلاميين العرب.
والمشترك بين كل هذه الاشارات والايماءات هو الاغراء الذي تحمله لقوى الاسلام السياسي عن امكانية حصولها على دعم اميركي يساعدها على الوصول كلياً أو جزئياً الى السلطة في مقابل صفقة سياسية استراتيجية. الأمر الذي يطرح العديد من الاسئلة اولها ماذا يريد الاميركيون من قوى الاسلام السياسي في المنطقة العربية، وماذا يمكن ان تكون عليه بنود هذه الصفقة، وآخرها هل أن قوى الاسلام السياسي في المنطقة العربية مستعدة لعقد هذه الصفقة وما هي آثارها ونتائجها؟
في استعادة مكثفة لثوابت الاستراتيجية الاميركية تجاه المنطقة العربية في يومنا الراهن، فان الهدف المركزي لهذه الاستراتيجية ما زال كما كان على عهد جورج بوش الابن، هو بناء شرق اوسط جديد تمزق فيه الاقطار العربية الى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، الامر الذي يدمر عناصر القوة العربية المستندة الى هويتها القومية الجامعة، ويبرر وجود الكيان الصهيوني باعتباره دولة يهودية تتواجد مع مثيلاتها من الدويلات الطائفية والعرقية والمذهبية المراد اقامتها. كما أن الوسيلة الاساسية المعتمدة اميركياً لبلوغ هذا الهدف هو نشر الفوضى الخلاقة، وهو التعبير الدبلوماسي المخفف عن استراتيجية تفجير الصراعات الدموية بين مكونات الامة واشاعة الاحتراب الداخلي فيما بينها. فما هو الدور الذي تسعى اميركا لأن تلعبه قوى الاسلام السياسي التي قد تنطلي عليها الاغراءات الاميركية في خدمة هذه الاستراتيجية؟
في مراجعة لوقائع من تاريخنا السياسي الحديث والمعاصر، ولوثائق ودراسات اميركية، فان المتابع يستطيع أن يستخلص اربعة مهام تتوقع الادارة الاميركية من قوى الاسلام السياسي أن تلعبها لحساب مخططها في اقامة شرق اوسط جديد.
اولها: ان تتولى هذه القوى اطلاق حملة عداء للعروبة كهوية وانتماء بدعاوي الاسلام، واعادة بعث الخطاب التناقضي ما بين العروبة والاسلام وترجمة ذلك عملياً بالتصدي لكل توجه تكاملي او تضامني او توحيدي بين العرب مقرونة باطلاق هجمة على كل توجه عروبي وقواه الشعبية.
ان اميركا تدرك أن نجاح مخطط التمزيق الطائفي والمذهبي والعرقي مرهون باضعاف القوة الموحدة للامة بكل مكوناتها وهي الرابطة العربية، من هنا فان اعادة بعث الفكر والنهج الذي يعادي العروبة باسم الاسلام واحتضانه يمثل مكسباً كبيراً لمخطط الشرق الاوسط الكبير.
ومما يعزز التوجه الاميركي لاستخدام قوى الاسلام السياسي في حربها على العروبة، ان سوابق تاريخية اكدت أن بعض الاسلاميين مستعدون لاداء هذا الدور، ففي الستينيات سعت اميركا لمواجهة حركة التحرر القومية العربية بحلف اسلامي يضم ايران الشاهنشاهية وتركيا الاطلسية وفي تلك المرحلة ايدت بعض الحركات الاسلامية هذا السعي ووافقت عليه. واذا كانت اميركا تسعى لبعث هذه التجربة بصيغة منقحة فان السؤال هل تجدد بعض قوى الاسلام السياسي انخراطها فيه ام ان هناك تغيير في الرأي والنهج؟
اما ثاني المهام التي يسعى الاميركيون لاستدراج بعض قوى الاسلام السياسي للاضطلاع بها في خدمة مشروع الشرق الاوسط الجديد، هي أن يشكل هؤلاء الاسلاميون فزاعة لكل العرب غير المسلمين يشعرونهم بالخطر على الوجود والدور في اطار الكيان الوطني الموحد، ويثيرون بينهم كل المخاوف، من الاضطهاد لدفعهم الى المطالبة بكيانات مستقلة او بغية ايجاد مناخات تتفجر فيها فتن طائفية تتيح للقوى الاستعمارية ان تتدخل فيها تحت ذريعة حماية الاقليات.
وبنظر الاميركيين فان تجربة حسن الترابي، الذي اتبع نهجا في السودان ساهم بتمزيق قطر عربي كبير، تمثل سابقة لنهج تلعب فيه قوى ترفع رايات الاسلام دوراً اساسياً في انجاح التقسيم.
فحسن الترابي تحالف مع جعفر النميري في مواجهة التيار العروبي في السودان اثر انحياز الاخير لنهج انور السادات وتأييده لاتفاقية كامب دايفيد، وعزز قواه اثناء وجوده في السلطة حتى تمكن من الاستئثار بها والاطاحة بالنميري، ليطرح شعارات بناء دولة اسلامية وتطبيق الشريعة. فكانت هذه السياسات والشعارات الذريعة التي تلقفتها قوى الانفصال المحتَضنة اساساً من القوى الاستعمارية والعدو الاسرائيلي لكي تُصعّد حربها الانفصالية بحجة حماية الاقليات وصيانة حقوقها والتي انتهت بتمزيق السودان.
ان الدلائل على سعي اميركا لتعميم التجربة "السودانية الترابية" في اكثر من قطر عربي وخاصة في مصر وبلاد الشام والعراق عديدة، لعل ابرزها هو الاحتضان الاميركي لمجموعات قبطية انفصالية تنادي بدويلة قبطية في مصر، في نفس الوقت الذي تغازل فيه قوى الاسلام السياسي المصري. الامر الذي يطرح مجدداً السؤال هل مستقبل قوى الاسلام السياسي أن تلعب دور الفزاعة في خدمة المخطط الاميركي؟؟
اما ثالث المهام التي تسعى اميركا لاستدراج الاسلاميين للاضطلاع بها فهي ان يكونوا عامل تفجير لصراع مذهبي، خاصة سني – شيعي ، ليس في المنطقة العربية فحسب وانما على امتداد العالم الاسلامي كله.
فثمة سمة مشتركة بين كافة قوى الاسلام السياسي وهي انها وان رفعت رايات الاسلام، الا ان كل واحدة منها تتسم بطابع مذهبي محدد، ومن هنا فإن حركتها السياسية وتنافسها يوجد، بارادة منها او بغير ارادتها، مناخات تعبئة مذهبية. فاذا اقترنت تلك التعبئة باستخدام وسائل عنفية من قبل المتشددين والمتطرفين من كل المذاهب فان ذلك يؤدي بالضرورة الى تفجير صراعات مذهبية.
لقد عبرت اميركا على لسان جورج بوش الابن اثر احداث 12 ايلول عن سعيها لتفجير هذه الصراعات المذهبية بين المسلمين حينما قال ان ادارته ستعمل لكي تجعل "الاعداء" – يقصد المسلمين – يقاتلون بعضهم بعضاً.
كما أن اميركا والعدو الصهيوني يدركان معاً ان صراعاً مذهبياً وبخاصة بين السنة والشيعة سوف يُغرق العالم الاسلامي في فوضى مدمرة، تطمئن فيها اسرائيل على وجودها، ويفتح امامها كل الابواب لكي تتدخل لتغذية هذه الصراعات وادارتها واستثمار نتائجها، فهل ستقبل قوى الاسلام السياسي ان تعم تجربة بعض القوى التي ترفع شعارات اسلامية في العراق والتي عملت برعاية قوات الاحتلال وبالتنسيق معها ولا تزال، لتفجير حرب سنية شيعية بين ابناء الارض الواحدة والايمان الواحد؟
اما رابع المهام التي تسعى اميركا لتكليف القوى الاسلامية بالقيام بها فهي تعميم التجربة التركية الاردوغانية التي امتدحها جورج بوش الابن عام 2004 واعتبرها النموذج الاسلامي الذي ترحب اميركا بالتعامل الايجابي معه لثلاثة اسباب، اولها انها ملتزمة بالديمقراطية وثانيها انها خاضعة لحلف شمالي الاطلسي ملتزمة بكل توجهاته واخيراً لانها على علاقة طيبة وتطبيعية مع الكيان الصهيوني.
فاميركا لا يزعجها ان تقتصر "اسلامية" اردوغان على ارتداء زوجته للحجاب، طالما ان التزامات تركيا تجاه حلف شمالي الاطلسي مستوفاة، والاتفاقيات العسكرية والامنية والاقتصادية مع اسرائيل محترمة، وبالتأكيد فان اميركا لن يزعجها ان تقتصر "اسلامية" بعض القوى على اطالة اللحى اذا ما ارتضوا الارتباط بالاطلسي، واتخذوا موقفاً حيادياً من العدو الاسرائيلي كحد ادنى. ومرة اخرى يُطرح السؤال هل سترفض القوى الاسلامية ان تدفع ثمن الرضى الاميركي عنها التفريط بالثوابت الوطنية والقومية والاسلامية؟؟
بعض المراقبين "المتشائمين" يرون أن الصفقة قد ابرمت بين بعض اطراف الاسلام السياسي واميركا وكانت تركيا الوسيط او لنقل "السمسار"، والادلة التي يستندون اليها عديدة منها موقف القوى الرافعة لإلوية الاسلام السياسي في العراق والمنخرطة كلياً في الاستراتيجية الاميركية، والتي لم يصدر اي موقف ناقد لها من اي طرف سياسي اسلامي سواء كانت سنية الطابع او شيعية.
ومنها ايضاً تصريحات فيلتمان، المدير التنفيذي لمشروع الشرق الاوسط الجديد في الادارة الاميركية، من أن اميركا توافقت مع الاخوان المسلمين في مصر على عدم المس باتفاقية كامب دايفيد والتي لم يصدر اي تصريح او بيان ينفي هذا الكلام.
ومنها ايضاً الحلف الذي جمع ما بين الاخوان المسلمين في سورية وافراد معروفة ارتباطاتهم بدوائر اجهزة المخابرات الاطلسية في اطار المجلس الاسطبمولي المتحمس جداً لتدخل اطلسي في سورية.
على ان في مواجهة الجناح المتشائم ثمة قطاع من المراقبين ما زال يرى انه من المبكر اصدار حكم نهائي حول السعي الاميركي لغواية قوى الاسلام السياسي. وهذه الفئة من المراقبين "الانتظاريين" ترى المؤشرات السلبية ولكنها في نفس الوقت تأخذ في عين الاعتبار ثلاثة عوامل ترى انه لا يجوز اهمالها:
اولها: ان قوى اسلامية عديدة اتخذت في العقدين الاخيرين مواقف واضحة ضد اميركا واسرائيل، وفي مراجعة سريعة للبيانات الصادرة عن المؤتمر القومي الاسلامي، الذي شكل ساحة لقاء بين قوى قومية واسلامية عربية، فاننا نجد ان المواقف المعلنة، ان على الصعيد الفكري في ادانة خطاب التناقض ما بين العروبة والاسلام، او على الصعيد الاستراتيجي في ادانة الشرق الاوسط الجديد، واعتبار اسرائيل وحلفاءها العدو الاستراتيجي للامة، ورفض كل اتفاقية تهدد الحقوق العربية او تذعن لمطالب القوى الاستعمارية، او على صعيد التمسك باهداف الامة في التحرير والوحدة والعدالة – نقول – ان مجمل هذه المواقف تشكل احراجاً لأية قوة تسعى للخروج عليها او انتهاج سياسات تناقضها.
وثانيها: انه حتى ولو تجرأت اطراف اسلامية على انتهاج خط نقيض لما كانت تعلنه خلال عقدين من الزمن، فهل تستطيع هذه الحركات ان تحافظ على وحدتها الداخلية؟ لقد دفعت حركة الاخوان المسلمين ثمن ترددها في الانضمام الى قوى ثورة 25 يناير في مصر، اذ تمرد شباب الاخوان على قياداتهم والتحقوا بالثورة، ثم اسسوا احزاباً خاصة بهم، فهل ستتحمل الحركات الاسلامية خضات مشابهة وفي قضايا اخطر واهم شأناً اذا ما عقدوا صفقة مع الاميركيين؟ فاذا اضفنا الى تجربة الاخوان المسلمين في مصر تجربة الحزب الاسلامي في العراق الذي انفضت قواعده عنه اثر انخراطه في العملية السياسية التي نظمها بريمر في العراق، فان التساؤلات حول مدى قدرة هذه الاطراف على ابرام صفقة مع الاميركيين مهما كانت غواية السلطة تصبح مشروعة.
وثالثها: ان تعددية الجماعات الاسلامية الناجمة عن خلافات مذهبية وفقهية وسياسية سوف تجعل من موافقة بعض الاطراف على الطلبات الاميركية عرضة للنقد والتشكيك والتهجم من جماعات اخرى، وعلى الارجح ان يتصاعد هذا التشكيك والاعتراض بخلفية من فكر تكفيري ليفجر صراعات اسلامية – اسلامية تتخذ اشكالاً عدة، فهل تقدر هذه الحركات على تحمل نتائج مثل هذا الصراع اذا ما توفرت اسبابه وتأمنت مستلزماته؟
لهذه الاسباب الثلاثة فإن بعض المراقبين يميلون الى الانتظار قبل اصدار حكم نهائي، ولكن تبقى حقيقة وهي انه مهما تعددت الاجتهادات والتخمينات فإن الجواب اليقين على كل ما يكتب ويقال هو عند القوى الاسلامية التي وحدها مطالبة باعلان مواقف صريحة وواضحة من محاولة الغواية الاميركية ومن مشروع الشرق الاوسط الجديد ومن موقفها الحاسم من قضايا الامة ومن التحديات التي تواجهها
والمشترك بين كل هذه الاشارات والايماءات هو الاغراء الذي تحمله لقوى الاسلام السياسي عن امكانية حصولها على دعم اميركي يساعدها على الوصول كلياً أو جزئياً الى السلطة في مقابل صفقة سياسية استراتيجية. الأمر الذي يطرح العديد من الاسئلة اولها ماذا يريد الاميركيون من قوى الاسلام السياسي في المنطقة العربية، وماذا يمكن ان تكون عليه بنود هذه الصفقة، وآخرها هل أن قوى الاسلام السياسي في المنطقة العربية مستعدة لعقد هذه الصفقة وما هي آثارها ونتائجها؟
في استعادة مكثفة لثوابت الاستراتيجية الاميركية تجاه المنطقة العربية في يومنا الراهن، فان الهدف المركزي لهذه الاستراتيجية ما زال كما كان على عهد جورج بوش الابن، هو بناء شرق اوسط جديد تمزق فيه الاقطار العربية الى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، الامر الذي يدمر عناصر القوة العربية المستندة الى هويتها القومية الجامعة، ويبرر وجود الكيان الصهيوني باعتباره دولة يهودية تتواجد مع مثيلاتها من الدويلات الطائفية والعرقية والمذهبية المراد اقامتها. كما أن الوسيلة الاساسية المعتمدة اميركياً لبلوغ هذا الهدف هو نشر الفوضى الخلاقة، وهو التعبير الدبلوماسي المخفف عن استراتيجية تفجير الصراعات الدموية بين مكونات الامة واشاعة الاحتراب الداخلي فيما بينها. فما هو الدور الذي تسعى اميركا لأن تلعبه قوى الاسلام السياسي التي قد تنطلي عليها الاغراءات الاميركية في خدمة هذه الاستراتيجية؟
في مراجعة لوقائع من تاريخنا السياسي الحديث والمعاصر، ولوثائق ودراسات اميركية، فان المتابع يستطيع أن يستخلص اربعة مهام تتوقع الادارة الاميركية من قوى الاسلام السياسي أن تلعبها لحساب مخططها في اقامة شرق اوسط جديد.
اولها: ان تتولى هذه القوى اطلاق حملة عداء للعروبة كهوية وانتماء بدعاوي الاسلام، واعادة بعث الخطاب التناقضي ما بين العروبة والاسلام وترجمة ذلك عملياً بالتصدي لكل توجه تكاملي او تضامني او توحيدي بين العرب مقرونة باطلاق هجمة على كل توجه عروبي وقواه الشعبية.
ان اميركا تدرك أن نجاح مخطط التمزيق الطائفي والمذهبي والعرقي مرهون باضعاف القوة الموحدة للامة بكل مكوناتها وهي الرابطة العربية، من هنا فان اعادة بعث الفكر والنهج الذي يعادي العروبة باسم الاسلام واحتضانه يمثل مكسباً كبيراً لمخطط الشرق الاوسط الكبير.
ومما يعزز التوجه الاميركي لاستخدام قوى الاسلام السياسي في حربها على العروبة، ان سوابق تاريخية اكدت أن بعض الاسلاميين مستعدون لاداء هذا الدور، ففي الستينيات سعت اميركا لمواجهة حركة التحرر القومية العربية بحلف اسلامي يضم ايران الشاهنشاهية وتركيا الاطلسية وفي تلك المرحلة ايدت بعض الحركات الاسلامية هذا السعي ووافقت عليه. واذا كانت اميركا تسعى لبعث هذه التجربة بصيغة منقحة فان السؤال هل تجدد بعض قوى الاسلام السياسي انخراطها فيه ام ان هناك تغيير في الرأي والنهج؟
اما ثاني المهام التي يسعى الاميركيون لاستدراج بعض قوى الاسلام السياسي للاضطلاع بها في خدمة مشروع الشرق الاوسط الجديد، هي أن يشكل هؤلاء الاسلاميون فزاعة لكل العرب غير المسلمين يشعرونهم بالخطر على الوجود والدور في اطار الكيان الوطني الموحد، ويثيرون بينهم كل المخاوف، من الاضطهاد لدفعهم الى المطالبة بكيانات مستقلة او بغية ايجاد مناخات تتفجر فيها فتن طائفية تتيح للقوى الاستعمارية ان تتدخل فيها تحت ذريعة حماية الاقليات.
وبنظر الاميركيين فان تجربة حسن الترابي، الذي اتبع نهجا في السودان ساهم بتمزيق قطر عربي كبير، تمثل سابقة لنهج تلعب فيه قوى ترفع رايات الاسلام دوراً اساسياً في انجاح التقسيم.
فحسن الترابي تحالف مع جعفر النميري في مواجهة التيار العروبي في السودان اثر انحياز الاخير لنهج انور السادات وتأييده لاتفاقية كامب دايفيد، وعزز قواه اثناء وجوده في السلطة حتى تمكن من الاستئثار بها والاطاحة بالنميري، ليطرح شعارات بناء دولة اسلامية وتطبيق الشريعة. فكانت هذه السياسات والشعارات الذريعة التي تلقفتها قوى الانفصال المحتَضنة اساساً من القوى الاستعمارية والعدو الاسرائيلي لكي تُصعّد حربها الانفصالية بحجة حماية الاقليات وصيانة حقوقها والتي انتهت بتمزيق السودان.
ان الدلائل على سعي اميركا لتعميم التجربة "السودانية الترابية" في اكثر من قطر عربي وخاصة في مصر وبلاد الشام والعراق عديدة، لعل ابرزها هو الاحتضان الاميركي لمجموعات قبطية انفصالية تنادي بدويلة قبطية في مصر، في نفس الوقت الذي تغازل فيه قوى الاسلام السياسي المصري. الامر الذي يطرح مجدداً السؤال هل مستقبل قوى الاسلام السياسي أن تلعب دور الفزاعة في خدمة المخطط الاميركي؟؟
اما ثالث المهام التي تسعى اميركا لاستدراج الاسلاميين للاضطلاع بها فهي ان يكونوا عامل تفجير لصراع مذهبي، خاصة سني – شيعي ، ليس في المنطقة العربية فحسب وانما على امتداد العالم الاسلامي كله.
فثمة سمة مشتركة بين كافة قوى الاسلام السياسي وهي انها وان رفعت رايات الاسلام، الا ان كل واحدة منها تتسم بطابع مذهبي محدد، ومن هنا فإن حركتها السياسية وتنافسها يوجد، بارادة منها او بغير ارادتها، مناخات تعبئة مذهبية. فاذا اقترنت تلك التعبئة باستخدام وسائل عنفية من قبل المتشددين والمتطرفين من كل المذاهب فان ذلك يؤدي بالضرورة الى تفجير صراعات مذهبية.
لقد عبرت اميركا على لسان جورج بوش الابن اثر احداث 12 ايلول عن سعيها لتفجير هذه الصراعات المذهبية بين المسلمين حينما قال ان ادارته ستعمل لكي تجعل "الاعداء" – يقصد المسلمين – يقاتلون بعضهم بعضاً.
كما أن اميركا والعدو الصهيوني يدركان معاً ان صراعاً مذهبياً وبخاصة بين السنة والشيعة سوف يُغرق العالم الاسلامي في فوضى مدمرة، تطمئن فيها اسرائيل على وجودها، ويفتح امامها كل الابواب لكي تتدخل لتغذية هذه الصراعات وادارتها واستثمار نتائجها، فهل ستقبل قوى الاسلام السياسي ان تعم تجربة بعض القوى التي ترفع شعارات اسلامية في العراق والتي عملت برعاية قوات الاحتلال وبالتنسيق معها ولا تزال، لتفجير حرب سنية شيعية بين ابناء الارض الواحدة والايمان الواحد؟
اما رابع المهام التي تسعى اميركا لتكليف القوى الاسلامية بالقيام بها فهي تعميم التجربة التركية الاردوغانية التي امتدحها جورج بوش الابن عام 2004 واعتبرها النموذج الاسلامي الذي ترحب اميركا بالتعامل الايجابي معه لثلاثة اسباب، اولها انها ملتزمة بالديمقراطية وثانيها انها خاضعة لحلف شمالي الاطلسي ملتزمة بكل توجهاته واخيراً لانها على علاقة طيبة وتطبيعية مع الكيان الصهيوني.
فاميركا لا يزعجها ان تقتصر "اسلامية" اردوغان على ارتداء زوجته للحجاب، طالما ان التزامات تركيا تجاه حلف شمالي الاطلسي مستوفاة، والاتفاقيات العسكرية والامنية والاقتصادية مع اسرائيل محترمة، وبالتأكيد فان اميركا لن يزعجها ان تقتصر "اسلامية" بعض القوى على اطالة اللحى اذا ما ارتضوا الارتباط بالاطلسي، واتخذوا موقفاً حيادياً من العدو الاسرائيلي كحد ادنى. ومرة اخرى يُطرح السؤال هل سترفض القوى الاسلامية ان تدفع ثمن الرضى الاميركي عنها التفريط بالثوابت الوطنية والقومية والاسلامية؟؟
بعض المراقبين "المتشائمين" يرون أن الصفقة قد ابرمت بين بعض اطراف الاسلام السياسي واميركا وكانت تركيا الوسيط او لنقل "السمسار"، والادلة التي يستندون اليها عديدة منها موقف القوى الرافعة لإلوية الاسلام السياسي في العراق والمنخرطة كلياً في الاستراتيجية الاميركية، والتي لم يصدر اي موقف ناقد لها من اي طرف سياسي اسلامي سواء كانت سنية الطابع او شيعية.
ومنها ايضاً تصريحات فيلتمان، المدير التنفيذي لمشروع الشرق الاوسط الجديد في الادارة الاميركية، من أن اميركا توافقت مع الاخوان المسلمين في مصر على عدم المس باتفاقية كامب دايفيد والتي لم يصدر اي تصريح او بيان ينفي هذا الكلام.
ومنها ايضاً الحلف الذي جمع ما بين الاخوان المسلمين في سورية وافراد معروفة ارتباطاتهم بدوائر اجهزة المخابرات الاطلسية في اطار المجلس الاسطبمولي المتحمس جداً لتدخل اطلسي في سورية.
على ان في مواجهة الجناح المتشائم ثمة قطاع من المراقبين ما زال يرى انه من المبكر اصدار حكم نهائي حول السعي الاميركي لغواية قوى الاسلام السياسي. وهذه الفئة من المراقبين "الانتظاريين" ترى المؤشرات السلبية ولكنها في نفس الوقت تأخذ في عين الاعتبار ثلاثة عوامل ترى انه لا يجوز اهمالها:
اولها: ان قوى اسلامية عديدة اتخذت في العقدين الاخيرين مواقف واضحة ضد اميركا واسرائيل، وفي مراجعة سريعة للبيانات الصادرة عن المؤتمر القومي الاسلامي، الذي شكل ساحة لقاء بين قوى قومية واسلامية عربية، فاننا نجد ان المواقف المعلنة، ان على الصعيد الفكري في ادانة خطاب التناقض ما بين العروبة والاسلام، او على الصعيد الاستراتيجي في ادانة الشرق الاوسط الجديد، واعتبار اسرائيل وحلفاءها العدو الاستراتيجي للامة، ورفض كل اتفاقية تهدد الحقوق العربية او تذعن لمطالب القوى الاستعمارية، او على صعيد التمسك باهداف الامة في التحرير والوحدة والعدالة – نقول – ان مجمل هذه المواقف تشكل احراجاً لأية قوة تسعى للخروج عليها او انتهاج سياسات تناقضها.
وثانيها: انه حتى ولو تجرأت اطراف اسلامية على انتهاج خط نقيض لما كانت تعلنه خلال عقدين من الزمن، فهل تستطيع هذه الحركات ان تحافظ على وحدتها الداخلية؟ لقد دفعت حركة الاخوان المسلمين ثمن ترددها في الانضمام الى قوى ثورة 25 يناير في مصر، اذ تمرد شباب الاخوان على قياداتهم والتحقوا بالثورة، ثم اسسوا احزاباً خاصة بهم، فهل ستتحمل الحركات الاسلامية خضات مشابهة وفي قضايا اخطر واهم شأناً اذا ما عقدوا صفقة مع الاميركيين؟ فاذا اضفنا الى تجربة الاخوان المسلمين في مصر تجربة الحزب الاسلامي في العراق الذي انفضت قواعده عنه اثر انخراطه في العملية السياسية التي نظمها بريمر في العراق، فان التساؤلات حول مدى قدرة هذه الاطراف على ابرام صفقة مع الاميركيين مهما كانت غواية السلطة تصبح مشروعة.
وثالثها: ان تعددية الجماعات الاسلامية الناجمة عن خلافات مذهبية وفقهية وسياسية سوف تجعل من موافقة بعض الاطراف على الطلبات الاميركية عرضة للنقد والتشكيك والتهجم من جماعات اخرى، وعلى الارجح ان يتصاعد هذا التشكيك والاعتراض بخلفية من فكر تكفيري ليفجر صراعات اسلامية – اسلامية تتخذ اشكالاً عدة، فهل تقدر هذه الحركات على تحمل نتائج مثل هذا الصراع اذا ما توفرت اسبابه وتأمنت مستلزماته؟
لهذه الاسباب الثلاثة فإن بعض المراقبين يميلون الى الانتظار قبل اصدار حكم نهائي، ولكن تبقى حقيقة وهي انه مهما تعددت الاجتهادات والتخمينات فإن الجواب اليقين على كل ما يكتب ويقال هو عند القوى الاسلامية التي وحدها مطالبة باعلان مواقف صريحة وواضحة من محاولة الغواية الاميركية ومن مشروع الشرق الاوسط الجديد ومن موقفها الحاسم من قضايا الامة ومن التحديات التي تواجهها