By نايف زعل العنزي - الثلاثاء يوليو 28, 2009 10:51 am
- الثلاثاء يوليو 28, 2009 10:51 am
#20778
مقالة عن العلاقات العامة وأخلاقيات الدبلوماسية العربية الإسلامية
________________________________________
هذه مقالة وجدتها في موقع مجلة العلوم الاجتماعية وهي تتكلم عن :
العلاقات العامة وأخلاقيات الدبلوماسية العربية الإسلامية
بقلم د/ وليد خلف الله محمد دياب
المنسق الدولى لجمعية العلاقات العامة العربية
مصــــــــر
يعتبر العرب من بين الأقوام التي مارست مظاهر العلاقات العامة والدبلوماسية منذ أيام الجاهلية، وذلك بحكم الظروف والمعطيات البيئية المختلفة التي دفعت بهم إلي التفاعل في علاقات تعاون سلمى سواء على المستوى الداخلي، أي بين القبائل العربية في تفاعلها مع بعضها البعض، أو على المستوى الخارجي،
أي مع الشعوب المجاورة، حيث أن العرب قاموا ببناء علاقات تفاعل سلمى مع الشعوب المجاورة، نتيجة لتأثير جملة من العوامل، لعل من أهمها الموقع الجغرافي والظروف الاجتماعية والاقتصادية وما نجم عنها من انعكاسات متعددة، دفعت العرب إلى السفر وممارسة التجارة مع الأقوام والشعوب الأخرى وإقامة علاقات وارتباطات معها.
وقد أسهمت الحضارة الإسلامية بدور بارز في تطوير العلاقات العامة والدبلوماسية بفضل حثها على الشورى في الكرم، والإنسانية في معاملة الناس، ويحوي الفكر الإسلامي منهجًا خاصًّا بإعلام متميز يستمد أصوله من القرآن الكريم، وسنة محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي مجال العلاقات العامة والعمل الدبلوماسي أولى الإسلام عنايةً فائقةً للاهتمام بظاهرة الرأي، وكشف عن المقومات الموضوعية للرأي العام، وحدد الوظائف المنوطة به.
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن القرآن الكريم وحياة الرسول (r) أقوالاً وأفعالاً وتقريرات، تطبيقًا لمفاهيم العلاقات العامة والممارسة الدبلوماسية بمفهومهما الحديث، حيث تعد هذه الفترة التي شهدت نشر الدعوة الإسلامية على يد النبي (r) فترة تاريخية لها دورها في تطور العلاقات العامة والممارسات الدبلوماسية بما جاءت به من مبادئ ومثل ذات الطابع التوجيهي والإرشادي.
ولذلك اهتم العرب منذ أيام الجاهلية بتكوين السفارات إلى الأقاليم المجاورة، إضافة إلى اهتمامهم باختيار من هم أهل للرسالة والسفارة، وفي عهد الرسول صلى الله علية وسلم، أخذت العلاقات العامة والدبلوماسية مظهرا جديدا مغايرا.
وإذا كانت سفارات العرب في الجاهلية قد استهدفت أساسًا الروابط التجارية، فإن السفارات الإسلامية في عهد الرسول استهدفت الدعوة إلى الإسلام ونشر رسالته، وقد استهل علاقاته الخارجية بإرسال الكتب وإيفاد المبعوثين من الصحابة إلى القبائل العربية للتعريف بالدين والحث على الدخول فيه، وكذلك كانت رسائل وكتابات الرسول إلى ملوك الروم والفرس، وحكام العصر في مصر والحبشة، وعقد المؤتمرات لشرح مبادئ الإسلام، وأرسى النبي فكرة حصانة المبعوث بقوله لمبعوثي مسيلمة الكذاب" والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " .
وهكذا يتضح أن الإسلام دين دعوة؛ لأنه كلف جميع المسلمين بالمسئولية الإعلامية من أول رسولهم (r)، وجعل الوظيفة الإعلامية لا تقل في أهميتها عن أهمية الصلاة والزكاة وغيرها من الفرائض الإسلامية الأخرى. وكما قال الرسول (r): "الدين النصيحة".
ولما كان المجتمع الاسلامى محكومًا بأخلاقياته وقيمه وتقاليده التي توارثها الأفراد عبر آلاف السنين، فيعد الدين أهم الروافد التي تغذي الأفراد بهذه الأخلاقيات.
ومعنى هذا أن الإسلام ليس هو القاصر على مثل هذه الأخلاقيات، بل إن باقي الأديان السماوية أكدت على ضرورة ارتباط الأخلاق بالدين، وهذا ما أكده الفيلسوف الألماني "فيخته" بأن الأخلاق من غير دين عبث، وكما قال الفيلسوف الهندي "غاندي" بأن مكارم الأخلاق والدين شيء واحد، لا يقبل الانفصال، ولا يفترق بعضهما عن بعض، فهما وحدة لا تتجزأ، إن الدين كالروح للأخلاق، والأخلاق كالجو للروح، وبعبارة أخرى: الدين يغذي الأخلاق وينميها وينعشها.
ولم يكن اختيار الرسل والسفراء يتم وفقا لاعتبارات شخصية أو مزاجية أو يتم بصورة عشوائية، وإنما كان يتم وفق مجموعة من الشروط أو المواصفات من أهمها:
1. أن يكون عالمًا في الشريعة ملمًا بتاريخ بلاده وواقعها.
2. الثقافة الواسعة وسعة الاطلاع.
3. رجاحة العقل وحسن التصرف والفطنة والذكاء.
4. اللياقة الصحية بكل جوانبها.
5. الوسامة وحسن المظهر الشخصي.
ووفقا لهذه الشروط كان يتم اختيار الرسل والسفراء من بين كبار المسئولين كالوزراء والقضاء والعلماء وغيرهم، وقد تم اختيار بعض الأفراد كسفراء من ذلك على سبيل المثال: سفارة العادل سيف الدين شقيق صلاح الدين الأيوبي إلى ريتشارد (قلب الأسد) ملك إنجلترا بهدف التفاوض معه لعقد الصلح، وأيضًا سفارة القاضي بن واصل الحمودى في عهد السلطان بيبرس إلى الملك مانفرد النورماندى في صقلية .
كما عرفت العلاقات العامة والدبلوماسية الإسلامية نظام المراسم واستقبال الرسل والاحتفاء بهم، فكان استقبال الممثل الدبلوماسي وحاشيته يخضع لأعراف وقواعد تليق بمكانة دولته.
ولعل من أبرز قواعد الممارسة الدبلوماسية العربية ما أثر عن معاوية بن أبى سفيان أول خلفاء بني أمية وكان من أدهى الحكام العرب قوله: " لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إذا أرخوها شددتها، وإذا شدوها أرخيتها".
وهكذا يتضح لنا مما سبق أن الحضارة العربية الإسلامية كان لها دور كبير في تطوير ممارسة العلاقات العامة والعمل الدبلوماسي وإرساء العديد من القواعد والأسس التي أخذت ترتكز عليها الدبلوماسية المعاصرة.
ومن أهم إسهامات الدبلوماسية العربية الإسلامية في التقاليد الدبلوماسية ما يلي:
• أكدت الدبلوماسية العربية الإسلامية مبدأ الحصانة الدبلوماسية بتأكيدها على مبدأ الأمان للرسل.
• أضافت الدبلوماسية العربية الإسلامية وظيفة جديدة للسفارة ، بخاصة في العصر العباسي ، وهى الوظيفة الثقافية -ما يسمى اليوم بالملحقية الثقافية بالسفارات– للبحث عن الكتب النادرة ودراسة الأماكن ذات الأهمية التاريخية، وكان من نتائج ذلك ازدرها حركة المعرفة والترجمة في مجالات مختلفة منها الهندسة والرياضيات.
• يعد ربط الأخلاق بالسياسة في التعامل الدولي من أهم إسهامات الدبلوماسية العربية الإسلامية، فالفضيلة والأخلاق لم تعتبر مسألتين شخصيتين بل مسألتين متعديتين، لا ينفصل فيهما السلوك العام عن السلوك الخاص، ونذكر هنا على سبيل التمثيل فقط مدى مراعاة الأخلاق في علاقات الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول ليتبين لنا مدى حرص الإسلام على التمسك بمعاني الأخلاق.. ووجه اختيارنا هذه العلاقات هو ما شاع بين الناس، ويؤيده الواقع أن العلاقات بين الدول لا تقوم على أساس مراعاة الأخلاق حتى إن أحدهم قال: "لا مكان للأخلاق في العلاقات الدولية، ولهذا كان الخداع والتضليل والغدر والكذب من البراعة في السياسة".
إن الإسلام يرفض هذا النظر السقيم، ويعتبر ما هو قبيح في علاقات الأفراد قبيحًا أيضًا في علاقات الدول، ويعتبر ما هو مطلوب وجميل في علاقات الأفراد مطلوبًا وجميلاً أيضًا في علاقات الدول، ولهذا كان من المقرر في شرع الإسلام أن على الدولة الإسلامية أن تلتزم بمعاني الأخلاق، وهذا التقرير موجود في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة، وفي أقوال الحكماء.
ومن هنا نؤكد أن ممارسة عمل العلاقات العامة والعملية الدبلوماسية في جميع مجالاتها يحتم عليها الالتزام بالمعايير الأخلاقية الثابتة، وأن تلتزم المؤسسات بالالتزامات الدينية الأخلاقية. ويُستنتج أن المعايير والضوابط الإسلامية لها دور مهم في إرساء قواعد أخلاقيات الممارسة المهنية للعلاقات العامة وللعمل الدبلوماسي من قبل مؤسساتنا العربية والإسلامية.
ومن نظام الأخلاق في الإسلام أن الالتزام بمقتضى الأخلاق مطلوب في الوسائل والغايات: فلا يجوز الوصول إلى الغاية الشريفة بالوسيلة الخسيسة, ولهذا لا مكان في مفاهيم الأخلاق الإسلامية للدبلوماسية العربية للمبدأ الخبيث (الغاية تبرر الوسيلة), وهو ما يدل على ضرورة مشروعية الوسيلة وعدم مراعاة معاني الأخلاق
ويتأكد هذا في قول الله تعالى:
"وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "
فهذه الآية توجب على المسلمين نصرة إخوانهم المظلومين قيامًا بحق الأخوة في الدين، ولكن إذا كانت نصرتهم تستلزم نقض العهد مع الكفار الظالمين لم تجز النصرة؛ لأن وسيلتها الخيانة ونقض العهد، والإسلام يمقت الخيانة ويكره الخائنين
ويرى الباحث أن (الغاية لا تبرر الوسيلة): شعار يجب أن تضعه مهنة الدبلوماسية والعلاقات العامة خاصةً وباقي المهن بشكل عام نصب أعينها، وتعيد صياغة وسائلها وأهدافها تحت النظام الأخلاقي في الأديان والنظام الإسلامي بشكل خاص؛ حتى يتم العمل في شكل إيجابي سليم.
وهكذا يظهر من هذه التعاليم أن الإسلام جاء لينتقل بالبشر خطوات فسيحات إلى حياة مشرقة بالفضائل والآداب، وأنه اعتبر المراحل المؤدية إلى هذا الهدف النبيل من صميم رسالته، كما أنه عدّ الإخلال بهذه الوسائل خروجًا عليه، وابتعادًا عنه، فليست الأخلاق من مواد الترف التي يمكن الاستغناء عنها، بل هي أصول الحياة التي يرتضيها الدين ويحترم ذويها.
فإذا أحسنت العلاقات العامة والدبلوماسية عموماً استخدام تلك القيم التي تفيض بالحيوية وتنطق بالصدق فإنها ستشد الفكر وتوقظ الوجدان وتسمو بالروح، وستكون النتيجة تأثراً يعقبه انقيادًا يثمر تمثلاً وتطبعاً يستجيبان لدواعي الفطرة وبواعث الإيمان وستنتشر الأخلاق والمثل العليا إلي العالم أجمع يدلك علي صدقها وتثير الإقتداء بها ويحسن توظيفها لخير البشرية وإلحاق الرحمة بالعالمين استجابة لقوله تعالي وهو يحدد الغاية من النبوة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) آملين لمؤسساتنا الدبلوماسية سواء في الداخل أو في الخارج الاقتداء بالأخلاقيات الفاضلة حتى يعم الخير والنفع وتسمو العزة والمجد لأوطاننا العربية.
________________________________________
هذه مقالة وجدتها في موقع مجلة العلوم الاجتماعية وهي تتكلم عن :
العلاقات العامة وأخلاقيات الدبلوماسية العربية الإسلامية
بقلم د/ وليد خلف الله محمد دياب
المنسق الدولى لجمعية العلاقات العامة العربية
مصــــــــر
يعتبر العرب من بين الأقوام التي مارست مظاهر العلاقات العامة والدبلوماسية منذ أيام الجاهلية، وذلك بحكم الظروف والمعطيات البيئية المختلفة التي دفعت بهم إلي التفاعل في علاقات تعاون سلمى سواء على المستوى الداخلي، أي بين القبائل العربية في تفاعلها مع بعضها البعض، أو على المستوى الخارجي،
أي مع الشعوب المجاورة، حيث أن العرب قاموا ببناء علاقات تفاعل سلمى مع الشعوب المجاورة، نتيجة لتأثير جملة من العوامل، لعل من أهمها الموقع الجغرافي والظروف الاجتماعية والاقتصادية وما نجم عنها من انعكاسات متعددة، دفعت العرب إلى السفر وممارسة التجارة مع الأقوام والشعوب الأخرى وإقامة علاقات وارتباطات معها.
وقد أسهمت الحضارة الإسلامية بدور بارز في تطوير العلاقات العامة والدبلوماسية بفضل حثها على الشورى في الكرم، والإنسانية في معاملة الناس، ويحوي الفكر الإسلامي منهجًا خاصًّا بإعلام متميز يستمد أصوله من القرآن الكريم، وسنة محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي مجال العلاقات العامة والعمل الدبلوماسي أولى الإسلام عنايةً فائقةً للاهتمام بظاهرة الرأي، وكشف عن المقومات الموضوعية للرأي العام، وحدد الوظائف المنوطة به.
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن القرآن الكريم وحياة الرسول (r) أقوالاً وأفعالاً وتقريرات، تطبيقًا لمفاهيم العلاقات العامة والممارسة الدبلوماسية بمفهومهما الحديث، حيث تعد هذه الفترة التي شهدت نشر الدعوة الإسلامية على يد النبي (r) فترة تاريخية لها دورها في تطور العلاقات العامة والممارسات الدبلوماسية بما جاءت به من مبادئ ومثل ذات الطابع التوجيهي والإرشادي.
ولذلك اهتم العرب منذ أيام الجاهلية بتكوين السفارات إلى الأقاليم المجاورة، إضافة إلى اهتمامهم باختيار من هم أهل للرسالة والسفارة، وفي عهد الرسول صلى الله علية وسلم، أخذت العلاقات العامة والدبلوماسية مظهرا جديدا مغايرا.
وإذا كانت سفارات العرب في الجاهلية قد استهدفت أساسًا الروابط التجارية، فإن السفارات الإسلامية في عهد الرسول استهدفت الدعوة إلى الإسلام ونشر رسالته، وقد استهل علاقاته الخارجية بإرسال الكتب وإيفاد المبعوثين من الصحابة إلى القبائل العربية للتعريف بالدين والحث على الدخول فيه، وكذلك كانت رسائل وكتابات الرسول إلى ملوك الروم والفرس، وحكام العصر في مصر والحبشة، وعقد المؤتمرات لشرح مبادئ الإسلام، وأرسى النبي فكرة حصانة المبعوث بقوله لمبعوثي مسيلمة الكذاب" والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " .
وهكذا يتضح أن الإسلام دين دعوة؛ لأنه كلف جميع المسلمين بالمسئولية الإعلامية من أول رسولهم (r)، وجعل الوظيفة الإعلامية لا تقل في أهميتها عن أهمية الصلاة والزكاة وغيرها من الفرائض الإسلامية الأخرى. وكما قال الرسول (r): "الدين النصيحة".
ولما كان المجتمع الاسلامى محكومًا بأخلاقياته وقيمه وتقاليده التي توارثها الأفراد عبر آلاف السنين، فيعد الدين أهم الروافد التي تغذي الأفراد بهذه الأخلاقيات.
ومعنى هذا أن الإسلام ليس هو القاصر على مثل هذه الأخلاقيات، بل إن باقي الأديان السماوية أكدت على ضرورة ارتباط الأخلاق بالدين، وهذا ما أكده الفيلسوف الألماني "فيخته" بأن الأخلاق من غير دين عبث، وكما قال الفيلسوف الهندي "غاندي" بأن مكارم الأخلاق والدين شيء واحد، لا يقبل الانفصال، ولا يفترق بعضهما عن بعض، فهما وحدة لا تتجزأ، إن الدين كالروح للأخلاق، والأخلاق كالجو للروح، وبعبارة أخرى: الدين يغذي الأخلاق وينميها وينعشها.
ولم يكن اختيار الرسل والسفراء يتم وفقا لاعتبارات شخصية أو مزاجية أو يتم بصورة عشوائية، وإنما كان يتم وفق مجموعة من الشروط أو المواصفات من أهمها:
1. أن يكون عالمًا في الشريعة ملمًا بتاريخ بلاده وواقعها.
2. الثقافة الواسعة وسعة الاطلاع.
3. رجاحة العقل وحسن التصرف والفطنة والذكاء.
4. اللياقة الصحية بكل جوانبها.
5. الوسامة وحسن المظهر الشخصي.
ووفقا لهذه الشروط كان يتم اختيار الرسل والسفراء من بين كبار المسئولين كالوزراء والقضاء والعلماء وغيرهم، وقد تم اختيار بعض الأفراد كسفراء من ذلك على سبيل المثال: سفارة العادل سيف الدين شقيق صلاح الدين الأيوبي إلى ريتشارد (قلب الأسد) ملك إنجلترا بهدف التفاوض معه لعقد الصلح، وأيضًا سفارة القاضي بن واصل الحمودى في عهد السلطان بيبرس إلى الملك مانفرد النورماندى في صقلية .
كما عرفت العلاقات العامة والدبلوماسية الإسلامية نظام المراسم واستقبال الرسل والاحتفاء بهم، فكان استقبال الممثل الدبلوماسي وحاشيته يخضع لأعراف وقواعد تليق بمكانة دولته.
ولعل من أبرز قواعد الممارسة الدبلوماسية العربية ما أثر عن معاوية بن أبى سفيان أول خلفاء بني أمية وكان من أدهى الحكام العرب قوله: " لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إذا أرخوها شددتها، وإذا شدوها أرخيتها".
وهكذا يتضح لنا مما سبق أن الحضارة العربية الإسلامية كان لها دور كبير في تطوير ممارسة العلاقات العامة والعمل الدبلوماسي وإرساء العديد من القواعد والأسس التي أخذت ترتكز عليها الدبلوماسية المعاصرة.
ومن أهم إسهامات الدبلوماسية العربية الإسلامية في التقاليد الدبلوماسية ما يلي:
• أكدت الدبلوماسية العربية الإسلامية مبدأ الحصانة الدبلوماسية بتأكيدها على مبدأ الأمان للرسل.
• أضافت الدبلوماسية العربية الإسلامية وظيفة جديدة للسفارة ، بخاصة في العصر العباسي ، وهى الوظيفة الثقافية -ما يسمى اليوم بالملحقية الثقافية بالسفارات– للبحث عن الكتب النادرة ودراسة الأماكن ذات الأهمية التاريخية، وكان من نتائج ذلك ازدرها حركة المعرفة والترجمة في مجالات مختلفة منها الهندسة والرياضيات.
• يعد ربط الأخلاق بالسياسة في التعامل الدولي من أهم إسهامات الدبلوماسية العربية الإسلامية، فالفضيلة والأخلاق لم تعتبر مسألتين شخصيتين بل مسألتين متعديتين، لا ينفصل فيهما السلوك العام عن السلوك الخاص، ونذكر هنا على سبيل التمثيل فقط مدى مراعاة الأخلاق في علاقات الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول ليتبين لنا مدى حرص الإسلام على التمسك بمعاني الأخلاق.. ووجه اختيارنا هذه العلاقات هو ما شاع بين الناس، ويؤيده الواقع أن العلاقات بين الدول لا تقوم على أساس مراعاة الأخلاق حتى إن أحدهم قال: "لا مكان للأخلاق في العلاقات الدولية، ولهذا كان الخداع والتضليل والغدر والكذب من البراعة في السياسة".
إن الإسلام يرفض هذا النظر السقيم، ويعتبر ما هو قبيح في علاقات الأفراد قبيحًا أيضًا في علاقات الدول، ويعتبر ما هو مطلوب وجميل في علاقات الأفراد مطلوبًا وجميلاً أيضًا في علاقات الدول، ولهذا كان من المقرر في شرع الإسلام أن على الدولة الإسلامية أن تلتزم بمعاني الأخلاق، وهذا التقرير موجود في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة، وفي أقوال الحكماء.
ومن هنا نؤكد أن ممارسة عمل العلاقات العامة والعملية الدبلوماسية في جميع مجالاتها يحتم عليها الالتزام بالمعايير الأخلاقية الثابتة، وأن تلتزم المؤسسات بالالتزامات الدينية الأخلاقية. ويُستنتج أن المعايير والضوابط الإسلامية لها دور مهم في إرساء قواعد أخلاقيات الممارسة المهنية للعلاقات العامة وللعمل الدبلوماسي من قبل مؤسساتنا العربية والإسلامية.
ومن نظام الأخلاق في الإسلام أن الالتزام بمقتضى الأخلاق مطلوب في الوسائل والغايات: فلا يجوز الوصول إلى الغاية الشريفة بالوسيلة الخسيسة, ولهذا لا مكان في مفاهيم الأخلاق الإسلامية للدبلوماسية العربية للمبدأ الخبيث (الغاية تبرر الوسيلة), وهو ما يدل على ضرورة مشروعية الوسيلة وعدم مراعاة معاني الأخلاق
ويتأكد هذا في قول الله تعالى:
"وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "
فهذه الآية توجب على المسلمين نصرة إخوانهم المظلومين قيامًا بحق الأخوة في الدين، ولكن إذا كانت نصرتهم تستلزم نقض العهد مع الكفار الظالمين لم تجز النصرة؛ لأن وسيلتها الخيانة ونقض العهد، والإسلام يمقت الخيانة ويكره الخائنين
ويرى الباحث أن (الغاية لا تبرر الوسيلة): شعار يجب أن تضعه مهنة الدبلوماسية والعلاقات العامة خاصةً وباقي المهن بشكل عام نصب أعينها، وتعيد صياغة وسائلها وأهدافها تحت النظام الأخلاقي في الأديان والنظام الإسلامي بشكل خاص؛ حتى يتم العمل في شكل إيجابي سليم.
وهكذا يظهر من هذه التعاليم أن الإسلام جاء لينتقل بالبشر خطوات فسيحات إلى حياة مشرقة بالفضائل والآداب، وأنه اعتبر المراحل المؤدية إلى هذا الهدف النبيل من صميم رسالته، كما أنه عدّ الإخلال بهذه الوسائل خروجًا عليه، وابتعادًا عنه، فليست الأخلاق من مواد الترف التي يمكن الاستغناء عنها، بل هي أصول الحياة التي يرتضيها الدين ويحترم ذويها.
فإذا أحسنت العلاقات العامة والدبلوماسية عموماً استخدام تلك القيم التي تفيض بالحيوية وتنطق بالصدق فإنها ستشد الفكر وتوقظ الوجدان وتسمو بالروح، وستكون النتيجة تأثراً يعقبه انقيادًا يثمر تمثلاً وتطبعاً يستجيبان لدواعي الفطرة وبواعث الإيمان وستنتشر الأخلاق والمثل العليا إلي العالم أجمع يدلك علي صدقها وتثير الإقتداء بها ويحسن توظيفها لخير البشرية وإلحاق الرحمة بالعالمين استجابة لقوله تعالي وهو يحدد الغاية من النبوة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) آملين لمؤسساتنا الدبلوماسية سواء في الداخل أو في الخارج الاقتداء بالأخلاقيات الفاضلة حتى يعم الخير والنفع وتسمو العزة والمجد لأوطاننا العربية.