صفحة 1 من 1

هل ثمة تحول على ضفاف النيل؟ ,,,السياسة وحدود المعارضة في مصر

مرسل: الأحد أغسطس 02, 2009 4:55 am
بواسطة سارة محمد العبيدان
فورين أفيرز

بقلم: ستيفن.ايه.كوك تعريب: نبيل زلف من الصعب التصديق اليوم ان العالم العربي كان قبل اربع سنوات فقط يقف على حافة تغيير دراماتيكي.

ففي ما يوصف بـ «ربيع العرب» في مطلع 2005 توجه العراقيون الى صناديق الانتخابات لأول مرة في تاريخهم منذ سقوط نظام صدام حسين، وانسحبت سورية من لبنان بعدما نزل مليون متظاهر الى قلب بيروت، واعلنت المملكة العربية السعودية عن اجراء انتخابات بلدية.

وفي القاهرة ارغم الناشطون السياسيون من مختلف الاطياف السياسية نظام الرئيس حسني مبارك بعد ان اصبحوا اكثر ثقة بأنفسهم على ركوب موجة الاصلاح واظهار نفسه كمنفتح من خلال تخفيف القيود على المعارضة. عندئذ بدأت افتتاحيات الصحافة الغربية تتساءل بفرح ما اذا كان الشرق الاوسط قد وصل اخيرا الى مرحلة التحول الاسطوري المنتظرة منذ وقت طويل.

لكن كان بالامكان في ذلك الوقت اكتشاف بعض الشعور بالقلق داخل ادارة الرئيس بوش، لا سيما فيما يتعلق بالتطورات في مصر بالذات.

سبب ذلك القلق ليس لأن المسؤولين في الادارة الامريكية كانوا يتساءلون حول جدوى استراتيجية الرئيس بوش في دفع عجلة الحرية الى الامام بل لأن التحول السياسي في مصر وضع امامهم احجية سياسية يصعب حلها. ففي الوقت الذي كان فيه مبارك ومساعده يفتقرون الى الدعم الجماهيري الشعبي بدرجة كبيرة، كانت المعارضة تضم مجموعات قليلة من الديموقراطيين والليبراليين ومجموعات كثيرة من اليساريين، الناصريين والاسلاميين، وكان كل هؤلاء بالطبع من المناهضين بقوة للولايات المتحدة. لكن لما كانت المعارضة بمجملها منقسمة على نفسها طبقا لاتجاهات غير سليمة اربكت السياسة المصرية طوال ستة عقود، كان من الصعب التصور ان بمقدور تلك المجموعات، سواء عملت كل واحدة منها على حدة أو من خلال تآلف ما، ازاحة الرئيس مبارك عن السلطة.

هنا لا بد من الاشارة الى ان السؤال المركزي الذي بقي يواجه المصريين على الدوام منذ انقلاب يوليو 1952 الذي اطاح به جمال عبدالناصر ورفاقه الضباط الاحرار بالملك فاروق الاول هو: ما العقيدة المركزية للدولة وكيف يجب ان تكون؟

بدا الجواب واضحا منذ البداية، فبعد وقت قصير من استيلائهم على السلطة، تخلى الضباط الاحرار عن خطط اصلاح النظام السياسي في مصر لصالح نظام جديد استند الى القومية والى شكل مختلف للاشتراكية، واقاموا على الفور سلطة بلا منازع لا يزال احفادهم يمارسونها الى اليوم، ولم يغفل الزعماء المصريون المعاصرون عن العمل لاتقاء خطر البدائل الجذابة الاخرى للنظام الذي بناه الضباط الاحرار.

لكن الآن مع استعداد المصريين لتحول لا مفر منه - سيحتفل الرئيس مبارك هذه السنة بعيد ميلاده الحادي والثمانين وبالذكرى الثامنة والعشرين لحكمه - من الواضح ان المنافسة آخذة بالتصاعد وقائدها الرئيسي كالعادة الحركة الاسلامية.

وعلى الرغم من ان المحللين وصناع السياسة الامريكية لا يعولون كثيرا على حدوث تغيير في القيادة المصرية كما يفعل المصريون الا ان هذا الاحتمال اثار نقاشا حاميا في واشنطن. وكانت احدث اضافة لهذا النقاش هي كتاب القاضي الامريكي بروس روذرفورد «مصر بعد مبارك: الليبرالية، الاسلام والديموقراطية في العالم العربي».

بيد ان القراء الذين يريدون من خلال هذا الكتاب معرفة من سيخلف مبارك سوف يصابون بخيبة امل، وذلك لأن هناك القليل من المعلومات حول هذه المسألة (يتحدث البعض حول اعداد جمال مبارك ابن الرئيس لتولي هذا المنصب) غير ان هؤلاء القراء سوف يشعرون بالامتنان للسيد روذرفورد لجهده الطموح في توضيح كيف يمكن للاعبين السياسيين المهمين وتحديدا «الاخوان المسلمون»، السلطة القضائية وقطاع الأعمال، العمل بالتوازي إن لم يكن معا تماما للتأثير في مسار البلاد مع مرور الوقت.



قوة نارية

من الواضح ان هذه مقارنة حديثة غير مسبوقة من قبل لتحليل السياسة المصرية في ظل النظرة التقليدية التي تفيد انه على الرغم من مواجهة الزعماء المصريين للعديد من التحديات السياسية والاقتصادية المتنوعة إلا ان من النادر اعاقة مسيرة الدولة بما تمتلكه من قوة نارية تحت تصرفها.

والواقع ان الهدف الدائم لهذه القوة النارية كان بالطبع حركة الاخوان المسلمين، المجموعة الاسلامية التي أسسها حسن البنا في 1928 لانقاذ المجتمع المصري مما وصفه بتأثير الغرب الفاسد. هنا تمثلت مهمة الاخوان في اعادة اسلمة مصر من الاسفل الى الاعلى من خلال المواعظ الدينية، التعليم، الاعمال الخيرية بل وحتى العنف كما حدث في الاربعينيات وستينيات القرن الماضي. وكانت الحركة تأمل بأن يتعزز لدى الجماهير المصرية الشعور بالحاجة لقيام نظام يستند الى الاسلام بحيث لا يكون امام زعماء مصر سوى الخضوع لهذا الخيار أو السقوط.

ومن الملاحظ في هذا السياق ان حركة الضباط الاحرار وجدت لنفسها عندما بدأت تتبلور في اواخر الاربعينيات حليفا في الاخوان، لكن بعض اعضائها لم يشاركوا الاخوان رغبتهم باقامة مجتمع خاضع بشكل وثيق للشرع الاسلامي إلا انهم ايدوا معارضة الاخوان للمشروع الاستعماري الغربي في مصر والشرق الاوسط ككل مما يعني ان الضباط الاحرار والاخوان تبنوا المشروع الوطني.

على أي حال، هناك الكثير من المقالات التي تناولت خلال السنوات الستين الماضية قضية الاخوان وعلاقتهم بالنظام السياسي المصري، لكن المراقبين الغربيين ينقسمون اليوم في تحدثهم عن الاخوان. فبينما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» في ربيع عام 2005 ان الاخوان يمثلون حركة سياسية حقيقية لا تستطيع واشنطن تجاهلها اذا رغبت بدفع عجلة الديموقراطية الى الامام في الشرق الاوسط، يقول المتشككون انهم يعتبرون الاخوان مجرد مجموعة من المتطرفين. ومن هؤلاء المتشككين مت رومني حاكم ولاية «ماساشوسيتس» السابق الذي لخص رؤيته خلال مناقشة رئاسية جمهورية في 2007 بالقول ان حزب الله، حماس، القاعدة والاخوان المسلمون يجاهدون على مستوى العالم لتقويض كل الحكومات الاسلامية المعتدلة ومن ثم استبدالها بنظام الخلافة.

لكن بين هذين الرأيين هناك مثقفون أكثر علما وخبرة يقولون ان حركة الاخوان تطورت واتخذت لنفسها منحى جديدا من خلال زعمائها الاكثر شبابا الذين يتبنون الان المساءلة، الشفافية والتسامح في العمل، ويعتبرون حكم القانون جزءا من مشروعهم لمصر.

لكن ثمة مثقفين آخرين اقل تفاؤلا بالحركة على الرغم من اعترافهم أخيرا بحدوث تغييرات فيها، فهم يقولون انها لم تنبذ ابدا هدفها التاريخي لاقامة دولة اسلامية تستند الى تفسير غير ديموقراطي موروث للشريعة.

إلا ان روذرفورد يؤكد ان تحوّل الاخوان المسلمين الى مجموعة من المُصلحين الليبراليين أصبح واضحا إذا ما استثنينا موقفهم من حقوق المرأة.

وفي هذا السياق يلجأ روذرفورد فورا لعدد من البيانات الصادرة عن زعماء بارزين في حركة الاخوان ليقدم عرضا شاملا لسجل الحركة على مدى السنوات الثلاثين الماضية. ويمكن القول فعلا ان رواية روذرفورد مؤثرة جدا لانها تقدم فهما شاملا لتطور الحركة لتعاكس بذلك الكثير من التحليلات الغربية السابقة التي تميل لتصويرها كحركة ساكنة لا تتبدل فكريا. وهو هنا لا يوضح فقط ان الحركة لا تنهمك في أي أعمال عنف الان بل ويبين انها تمكنت من المشاركة حتى في اكثر العمليات الانتخابية التي تم منعها منها، وذلك من خلال دخولها بتحالفات مع احزاب ذات ايديولوجيات متنوعة، وتقديمها برامج انتخابية لا يمكن للعين ان تخطئها.

لكن اذا كان روذرفور يؤكد ان الاخوان المسلمين اصبحوا يمتلكون الان مؤهلات اصلاحية الا انه لا يفسر لماذا غيروا لونهم؟



المصالح والاعتدال

للوهلة الاولى، يبدو ان روذرفورد يقارن هذه الحالة مع ما ذكره العالم السياسي ستاسيس كاليفاس الذي كان يجادل في كتابه: «ظهور الديموقراطية المسيحية في اوروبا» بأن الاحزاب الدينية في اوروبا القرن التاسع عشر تحولت تدريجيا لتصبح الاحزاب الديموقراطية المسيحية العلمانية التي نشهدها اليوم لاسباب ليس لها علاقة تذكر بالالتزام الايديولوجي بمبادئ الديموقراطية. وهذا يعني بكلمات اخرى ان المصلحة الذاتية والقيود السياسية التي كانت تواجه زعماء تلك الاحزاب ورجال الكنائس هي التي ادت من دون قصد الى ظهور الاحزاب المعاصرة.

وهنا تشير اقوال روذرفورد الى ان الحوافز والضغوط السياسية المتنوعة هي التي ارغمت زعماء الحركة الاسلامية في مصر على انتهاج طريق الاعتدال. وهذه نظرة مثيرة لانها تعني ان الاخوان يمكن ان يتطوروا الى مجموعة سياسية مرتبطة فكريا بالدين مثل احزاب اوروبا الدينية قبل قرن مضى أو مثل حزب «العدالة والتنمية» الحاكم الان في تركيا.

بيد ان روذرفورد لا يتقصى بالكامل مضامين مثل هذه المقارنات التاريخية لكنه يتمعن بدقة شخصيات اربعة مفكرين اسلاميين، هم: يوسف القرضاوي، طارق البشير، احمد كمال أبوالمجد ومحمد سليم العوا، وذلك لانهم اثروا -كما يقول- في تفكير الاخوان.

لكن على الرغم من ان هذه المناقشة تنطوي على قيمة استثنائية بالنسبة لغير المتحدثين باللغة العربية الذين لا يستطيعون الوصول دونها لاعمال هؤلاء المفكرين الاسلاميين إلا ان روذرفورد يبالغ في تقديره لتأثيرهم.

فمن بين هذه المجموعة يبرز القرضاوي ببرنامجه التلفزيوني الشهير «الشريعة والحياة» في قناة الجزيرة الفضائية كأكثر المفكرين الاسلاميين شهرة في الغرب. صحيح ان القرضاوي يدعو لاعتبار كل الاسرائيليين اهدافا مشروعة للعمليات الانتحارية، وذلك لانهم يخدمون جميعا في القوات الاسرائيلية المسلحة إلا انه يتخذ مواقف تقدمية ازاء قانون الاسرة، مكانة المرأة، والاصلاح السياسي.

دعا موظفي الحكومة المصريين لتخصيص أوقات اقل للصلاة من أجل تحسين انتاجيتهم.

بيد ان النقطة المركزية في تفكير كل هؤلاء المنظرين الاربعة هي -وفقا لروذرفورد- تفسيرهم المرن للشريعة. فهم على عكس طالبان في افغانستان، مهتمون -برأي روذرفورد- باقامة دولة لا تستند الى تطبيق صارم للشريعة الاسلامية بل تأخذ بمبادئ مستوحاة منها تتفق مع الحداثة والحياة المعاصرة.

من الواضح هنا ان روذرفورد مؤمن جدا بهذا التفسير لدرجة يتجاوز معها الخط الاحمر. فاذا كان التفسير المرن للشريعة الذي يفضله القرضاوي وغيره يبدو مغريا، لاسيما لدى جمهور الغرب الا ان هذه المرونة تبقى مجازفة. صحيح ان من المفيد سياسيا استخدام الخطوط العريضة في التطرق الى القضايا المعقدة، وذلك لان مثل هذا الاسلوب يفسح المجال للمناورة لكن يبدو ان روذرفورد غير مدرك ان ميول هؤلاء المنظرين التي تتخذ اشكالا مختلفة يمكن ان تحترم بسهولة ايضا السياسات السلطوية.

فزعماء النظام المصري، على سبيل المثال، يتحدثون علنا حول الاصلاح والتحول الديموقراطي لكنهم يفعلون ذلك على نحو غير واضح ليتمكنوا من متابعة برنامجهم اللاديموقراطي. بل ويمكن القول ان الاخوان اكثر التزاما من مسؤولي النظام بالمبادئ الديموقراطية فقد تمكن الاعضاء الاخوان في البرلمان من تمييز انفسهم كمشرعين جادين من خلال مساءلة الحكومة حول جملة من قضايا الشؤون الداخلية والسياسة الخارجية لكن تبقى مسألة ما اذا كان الاخوان ليبراليين فعلا مسألة نظرية تجريبية لن يتمكن المحللون من التوصل لحل لها إلا بعد ان يتولى الاخوان الحكم.

لقد استخدم كثيرون خلال السنوات القليلة الماضية مبررات عدة لدفع الولايات المتحدة للتعامل مع الاخوان كقوة تقدمية للحداثة والتغيير السياسي إلا ان التزام الاسلاميين ظاهريا بالليبرالية يبقى امرا خاضعا للتأكيد أكثر منه حقيقة.



القضاء والنظام

يبدو روذرفورد مقنعا اكثر بموقفه عندما يتناول نضال السلطة القضائية في مصر للحفاظ على مكانتها وامتيازها الدستوري. والحقيقة ان مقاومة هذه السلطة تبين حقا كيف يمكن للمجموعات المسلحة بالمبادئ الليبرالية ان تكبح ولو بدرجة ما تصرفات النظام.

فعلى الرغم من ان اسلاميي مصر استحوذوا على الجزء الاكبر من اهتمام صناع السياسة والخبراء والصحافيين خلال السنوات الاخيرة تمكنت السلطة القضائية منذ عقود من القيام بدور مهم جدا في اذكاء لهيب الحوار والمناقشات حول السلطة الحاكمة والسلطة القضائية في النظام السياسي بمصر.

في عام 1969 هاجم جمال عبدالناصر مباشرة استقلال القضاة، وسعى لاقامة سلطة قضائية مُسيسة وطيعة، ولجأ في هذا الاطار لحل مجلس نادي القضاة الذي كان يتميز بالتأثير، وانشأ المجلس القضائي الأعلى، ومنح الحكومة سلطة تعيين وترقية القضاة، بالطبع اثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها لكن بدرجة محدودة فقط، فقد ارغمت مقاومة القضاة المستمرة لعملية التسييس الحكومة على انشاء نظام قضائي مواز مليء بقضاة متعاطفين مع النظام عملوا في محاكم الدولة ومحاكم أمن الدولة العليا. وعلى الرغم من كل ذلك استمرت محاكم مصر النظامية الحرة في كبح الدولة بوسائل متنوعة. فقد ارغمت المحكمة الدستورية العليا الحكومة منذ عقد الثمانينيات على اعادة كتابة قانون الانتخابات في البلاد مرات عدة لأنه ينتهك الدستور.

وفي عام 2005، طالب نادي القضاة بأن يشرف هو، وليس وزارة الداخلية، على الانتخابات البرلمانية، وارغم الحكومة على عقد انتخابات تلك السنة في ثلاث جولات وتقليل عدد مراكز الاقتراع من 54000 الى 9000 مركز بحيث يستطيع قضاة البلاد البالغ عددهم 8000 مراقبة عمليات التصويت.

لكن، وكما هو الامر في الكثير من الاشياء في مصر، هناك حدود لسلطة القضاة ايضا. ففي تجاوز رسمي فاضح هاجم جنود من وزارة الداخلية وقوات الامن المركزي مؤيدي السلطة القضائية الذين كانوا يتظاهرون في قلب القاهرة في ربيع عام 2006 واوسعوهم ضربا وركلا.

كان سبب هذه المواجهة المباشرة هو الرغبة في معرفة مصير اثنين من كبار رجال القانون المحترمين هما هشام بطاويسي ومحمود مكي اللذان جازفا بفقدان مقعديهما في محكمة الاستئناف العليا بمصر بعد اتهامهما الحكومة بالتلاعب بانتخابات عام 2005 البرلمانية. غير ان جذور هذا النزاع تعود في الواقع اولا لمحاولات الحكومة تسييس السلطة القضائية وثانيا لجهود القضاة في الدفاع عن استقلال القضاء وحكم القانون.

بالطبع انتهت الازمة بعد ذلك تدريجيا باحالة المستشار هشام بطاويسي لمجلس تأديبي والعفو عن محمود مكي وقيام الحكومة ببعض عمليات الانفتاح التجميلية استجابة لمطالب السلطة القضائية.

وعلى الرغم من ان هذه النتيجة لم ترض القضاة أو المعارضة الا انها اكدت بقوة اهمية دورهم، فقد برهن رجال القانون هؤلاء انهم يمثلون ضمير الشعب المصري الذي يسعى لمستقبل ديموقراطي ولمزيد من الانفتاح. ان بمقدور قضاة مصر تشكيل مستقبلها السياسي دون النزول الى الشوارع كما يفعل قضاة باكستان بانتظام.



مجتمع رجال الأعمال



كان من الطبيعي ان يتناول روذرفورد في تحليله لقوى المعارضة في مصر مجتمع رجال الاعمال لما له من دور مهم في الحياة السياسية المصرية.

يقول الرأي التقليدي في هذا المجال ان رجال الاعمال هؤلاء الذين يحركون الاحداث ويثيرون الهزات يضمنون ثرواتهم من خلال مزج العمل بالسياسة، وهم بهذا ليسوا من زبائن النظام اقتصاديا فحسب بل وجزء متكامل معه.

وهنا نلاحظ ان ما يوصف بـ «فريق الاحلام الاقتصادي» الذي يقوده رئيس الحكومة احمد نظيف ويتألف من وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد، وزير الاستثمار محمود محيي الدين ووزير المالية يوسف بطرس غالي مرتبط على نحو وثيق مع جمال مبارك الذي هو احد ابناء الرئيس ووريثه المفترض ونائب رئيس الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم الذي اصبح اشبه بشركة كبرى تضم في عضويتها نخبة رجال الاعمال مثل احمد عز قطب الفولاذ في مصر وطاهر حلمي رئيس غرفة التجارة الامريكية في مصر.. والحقيقة ان العلاقة غير الواضحة تماما بين القطاع الخاص والطبقة السياسية لا تقتصر تحديدا على أعمال جمال مبارك لان هذه العلاقة أو العملية كانت بدأت مع انفتاح الرئيس المصري السابق أنور السادات واستمرت في عهد حسني مبارك. لذا يمكن القول ان العلاقة الوثيقة بين الحزب الوطني الديموقراطي وقطاع العمل ككل هي ببساطة نتيجة منطقية لعملية كانت قد بدأت قبل 30 سنة.

على الرغم من هذا يرى روذرفورد قطاع رجال الاعمال على نحو مختلف، فهو يعتبره جزءا اساسيا من النظام اكثر منه مجموعة ضغط متزايدة التأثير ترفع راية الاصلاح الليبرالي.

وكدليل على ذلك يشير الى حقيقة تبين فعلا نمو القطاع الخاص في مصر بشكل كبير منذ تطبيق السادات سياسة الانفتاح حيث اصبح هذا القطاع يمثل برأي بعض المحللين ما نسبته الان %70 من انتاج البلاد الداخلي مما جعل مناخ الاستثمار جذابا اكثر وعجّل وتيرة تخصيص الصناعات التي تمتلكها الدولة في السنوات الأخيرة.

غير ان روذرفورد يتجاهل بنظرته هذه دور صندوق النقد الدولي الذي حث القاهرة في اواخر الثمانينيات واوائل التسعينيات على القيام باصلاحات اقتصادية ليبرالية. بل ان صندوق النقد الدولي قيّد اكثر من اي لاعب داخلي اخر عملية صنع القرار الاقتصادي الرسمي في مصر.

صحيح ان الاصلاحات التي اضطرت الحكومة المصرية على القيام بها خدمت مصالح اقطاب الصناعة في مصر الا ان ذلك لا يجعلهم اصلاحيين أو ليبيراليين. لقد رحب هؤلاء بعملية تحديث جهازي الدولة الاقتصادي والاداري لكن فقط لان ذلك اتاح لهم استخدام مواقعهم المميزة لحصد معظم مكاسب العولمة.



المزيد دائماً

يعتقد روذرفورد ان محللي الغرب يميلون للشك بنوايا مجتمع رجال الاعمال في مصر لانهم غير قادرين على التفكير بـ «الليبيرالية» و«الديموقراطية» على ارض الواقع، ويقول لو اننا فصلنا بين هذين المفهومين لاتضح لنا ان الاخوان المسلمين والسلطة القضائية ومجتمع رجال الاعمال هم فعلا من اللاعبين الليبيراليين في مصر. لكن كتاب «مصر ما بعد مبارك» يشير الى ان كل هذه المجموعات غير مهتمة كثيرا بالديموقراطية ويلاحظ ان ثمة نوع من الليبيرالية الجماعية تبرز من جهود هذه المجموعات على نحو منفصل للحد من تأثير السياسات القاسية للدولة.

ولو تذكرنا الوضع الراهن للسياسة في مصر لتبين لنا ان رؤية روذرفورد للنظام الليبيرالي اللاديموقراطي تشكل تحسنا كبيرا، لكن العملية السياسية في مصر لن تسمح بتحقيقها. اذ يعترف روذرفورد نفسه ان فترة الانفتاح السياسي النسبي بين عامي 2003 و2005 والتي اتاحت للمعارضة في مصر التحرك بشيء من الحرية انتهت بدرجة كبيرة. فقد تمت مضايقة الصحافيين، رؤساء التحرير، القضاة، الناشطين سياسيا واصحاب المدونات في الانترنت واُلقي القبض عليهم وتعرضوا للضرب والاغتصاب بل وتم طردهم من البلاد في احدى الحالات.

لذا، ومثل انصار التغيير في الفترات السابقة، لن يتمكن الاخوان المسلمون والسلطة القضائية والقطاع الخاص من كبح الدولة كما يعتقد بعض المحللين وذلك لسبب بسيط هو ان الحكومة المصرية تختلف عن الانظمة الشيوعية التي كانت قائمة في وسط وشرقي اوروبا عام 1989 وكانت تعاني من ضغوط التناقضات الداخلية الكبيرة، بل وبالامكان القول ان هذه الحكومة اقوى واكثر مرونة وتكيفا مع التطورات.

ان النزعة السلطوية لن تحكم مصر للابد بالتأكيد، لكن لو تذكرنا سجلها الذي يعود في تاريخه لحوالي 7000 سنة إلى الوراء لتبين لنا انها ستبقى على الارجح هي المهيمنة لوقت طويل طويل.