- الثلاثاء أغسطس 04, 2009 8:06 pm
#20966
مقدمة :
إن المشاركة السياسية تمثل أحد مقومات الحداثة السياسية ، وبرغم الاهتمام والاتفاق بأهمية المشاركة من جانب علماء الاجتماع والسياسة إلا أنهم لم يتفقوا على تعريف واحد للمشاركة .
ويمكن أن نعرف المشاركة السياسية إجرائياً فالمشاركة السياسية تشمل " مجموعة التصرفات التي من خلالها تنقل الجماهير صوتها ومطالبها للصفوة الحاكمة ، وجملة الجهود التي تبذلها الجماهير بهدف التأثير على سلوك الحاكم ، وكذلك عمليات التمثيل البرلماني هي مشاركة سياسية ، والارتباط بالأحزاب وتقلد المناصب السياسية والمشاركة في الاجتماعات العامة ومحاولات تغير الواقع السياسي وكتابة المقالات ونشرها وكذلك تأليف الكتب التي تنصب على أمور المجتمع وقضاياه وقراءة الصحف والكتب والمجلات كل ما سبق هو مؤشرات على المشاركة السياسية "
والبعض يقول بأن العزلة تمثل إحدى صور المشاركة السياسية حينما تكون معبرة عن الرفض.
أزمة المشاركة :
تحدث أزمة المشاركة حينما تقوم الصفوة الحاكمة بوضع العراقيل أمام الراغبين في المشاركة السياسية وتضييق الخناق عليهم على نحو يؤدي إلى تضاؤل وقلة أعداد المشاركين في الحياة السياسية ، وهذا ما تتسم به الحياة السياسية داخل دول العالم الثالث ، ففي دول العالم الثالث تجعل الحكومة السلطة بيدها وتقيم نظام تسلطي دكتاتوري وتفرض قيود صارمة على الجماهير ومشاركتها في الحياة السياسية ، وتعتبر السلطة أي محاولة للمشاركة في الحياة السياسية هو تصرف غير مشروع لأن الحكومة وحدها هي التي لها الحق في المشاركة السياسية وذلك لتاريخها النضالي قبل الاستقلال ، وكأن هذا يعني أن بما أن السلطة هي التي استقلت بالدولة فالدولة هي ملك للسلطة .
وأغلب الصفوات التي اعتلت بلدان العالم الثالث جرمت قيام الأحزاب السياسية وغيرها من المنظمات غير الرسمية وكذلك رفضت وجود الأحزاب المتعددة وبالتالي قامت على نظام الحزب الواحد وهو الحزب الحاكم وهذا الحزب وحده يحتكر الحياة والمؤسسات السياسية ولا يحق للغير هذا الحزب بالمشاركة ومثال على ذلك هو الجزائر فقد ارتكز النظام الجزائري منذ الاستقلال عام 1962م على تعاظم اختصاصات وصلاحيات رئيس الدولة فقد جمع الحاكم رئاسة الدولة والحكومة والأمين العام للحزب و وزارة الداخلية والإعلام وكذلك أقامت الحزب الواحد ممثلاُ في جبهة التحرير الوطني .
وهكذا فقد كانت أغلب دول العالم الثالث هي دول قائمة على التسلط والحياة السياسية بأكملها خاصة بالحزب الواحد وهو الحزب الحاكم وبالتالي فلا يوجد أحزاب أخرى معارضة والمعارضة تعتبر لديهم لا وطنية وفتنة وبالتالي لا مكان للمعارضة .
وهناك أمثلة كثيرة على الدول ذات الحزب الواحد المسيطر مثل غانا وتونس وتنزانيا وليبريا .
وفي مثل هذا الدول ذات الحزب الواحد المجلس التشريعي يضم الصفوات من الحزب الحاكم بينما في دول أخرى حديثة يعتبر مركز حوار الأحزاب ، وقد ظل حكام العالم الثالث في أغلبهم يحكمون قبضتهم على لجام الحكم والحياة السياسية ذات الحزب الواحد هي حياة تآمر وإرهاب وقمع وتنكيل وبالتالي أصبح لدى أفراد دول العالم الثالث الخوف من السياسة وكل ما هو سياسي .
وفي ظل مثل هذا النظام التسلطي من الطبيعي أن تنفر الجماهير من المشاركة السياسية وهذا يؤدي إلى الاغتراب السياسي واللامبالاة السياسية والسلبية السياسية ونتيجة لهذه الظاهر تتدنى وتقل وتتقلص معدلات المشاركة السياسية وذلك لخوف الأفراد من الدخول إلى الحياة السياسية وذلك بقناعة لدى الفرد أن الخوض في الحياة السياسية سيعرضه للإهانة وهذا نتيجة لتصور أن الصفوة الحاكمة مجرد أداة للقمع وهذا بسبب الظاهرة الرئيسية وهي ظاهرة الحزب الواحد في أغلب دول العالم الثالث غادة الاستقلال وظاهرة الحزب الواحد وما يصاحبها من ظواهر هي من أهم الأسباب التي تؤدي إلى أزمة مشاركة سياسية .
وبرغم من اتجاه أغلب بلدان العالم الثالث إلى السماح بقيام تعددية حزبية إلى أن الصفوات الحاكمة لا تسمح للقوى والجماعات السياسية ذات الثقل الجماهيري لإنشاء أحزاب وذلك خوفاً من زعزعة حكم الصفوة ومن الأمثلة على ذلك مصر فهناك الحزب الحاكم مسيطر على الحكم وهناك أحزاب أخرى شكلية لا حول لها ولا قوة ، وكذلك الجزائر فقد سمحت بتعددية الحزبية عام 1991م وكذلك سمجت للكل القوى بالدخول إلى الانتخابات وكانت الصفوة الحكمة ترى بأن فوزها محقق حتى لو كانت الانتخابات نزيهة وحقيقية ولكن الذي حصل هو فوز حز الجبهة الإسلامية للإنقاذ الأمر الذي أدى إلى إفقاد صواب الحزب الحاكم وهو حزب جبهة التحرير الوطني وسارعوا بإلغاء الانتخابات وكذلك عدم الاعتراف بنتيجتها وحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ واعتبرها كيان غير شرعي وبالتالي تراجعوا عن النهج الديمقراطي .
وهذا بشأنه أن أبناء الشعب الجزائري ولا سيام ذوي التوجهات الإسلامية منهم أنه لا مجال إلى زحزحة الصفوة الحاكمة وتغيرها بالوسائل السلمية وبالتالي فلا مفر من اللجوء إلى أساليب العنف وبالتالي دخلت البلاد صراع دامي حتى وقتنا هذا .
وهذا يوضح لنا تدخل أزمة المشاركة وأزمة الشرعية وأزمة تنظيم السلطة وأزمة الاستقرار السياسي وهذا يؤكد بأن ظاهر التخلف هو نتاج من عوامل سبق ذكرها ومن ضمنها هذه الأزمات .
وكذلك من الأسباب التي تؤدي إلى أزمة المشاركة السياسية هي انضمام أفراد من المجتمع إلى جماعات ترى الصفوة الحاكمة أن هذه الجماعات غير شرعية وتشوه من صورتها وأهدافها والتشكيك من حقيقتها وتعتقل زعمائها وأعضائها ومؤيديها ويزيد تعنت الصفوة الحاكمة في موقفها عندما يسود لدى أفرادها الاعتقاد أن تلك الجماعات المتطلعة إلى المشاركة لا تقبل تقاسم السلطة مع الصفوة وإنما تسعى إلى احتلال السلطة بلا منها ولعل من برز لأمثلة هو مواقف الصفوات الحاكمة في كلاً من مصر وسوريا وليبيا والمغرب من جماعات الأخوان المسلمين وسائر منظماتها .
- وهناك أسباب أخرى أدت إلى تكريس أزمة المشاركة وهذه الأسباب هي :
1- ارتفاع نسبة الأمية داخل أغلب بلدان العالم الثالث ، وارتفاع نسبة الأمية من شأنه التأثير بالسلب على معدلات المشاركة السياسية والأمية تعني عدم معرفة الفرد للقراءة والكتابة وبالتالي لا يعرف حقوقه وواجباتها ولا سيما السياسية منها ، ونتيجة لذلك تسود لدى الأميين الامتثال للسلطة والانصياع الكامل لها وعدم الاهتمام بالنشاطات السياسية والقضايا السياسية .
2- انتشار الفقر وشيوع الفاقة داخل قطاعات واسعة من سكان العالم بلدان العالم الثالث وكذلك سوء توزيع الموارد على محدوديتها يتنافى تماماً مع سائر معايير عدالة التوزيع ، فنجد أن جل الموارد في دول العالم الثالث مركزة في يد طبقة قليلة العدد في حين تعاني الغالبية العظمى من السكان قسوة الفقر ومرارة القحط ، وبالتالي نتيجة ندرة الموارد وسوء توزيعها فأغلب الأفراد في دول العالم الثالث تحت وطأة الفقر وبالتالي فلا يهتم سواء بالبحث عن لقمة عيشة وأنا المشاركة السياسية فتبدو له رفاهية ليس لأمثاله وبالتالي تنجم أزمة المشاركة نتيجة الفقر أيضاً وهنا كذلك يتضح لدينا التداخل بين أزمة المشاركة السياسية وأزمة التوزيع.